ترجمة وتحرير: نون بوست
يحب الفاشيون اللاعب كيليان مبابي لأن سلوكه وموهبته الاستثنائية يدعمان توجههم القائم على منح الجنسية لأصحاب البشرة السوداء. ولا يرجع ذلك إلى أن بيلي الجديد، صاحب 19 سنة، أمسى ثاني أغلى لاعب في تاريخ كرة القدم وثالث مراهق يتمكن من المشاركة في نهائي كأس العالم فقط، بل لأن المهاجم المتميز معروف بحبه للعمل الخيري، حيث سيتبرع بالمكافئة التي سيحصل عليها بمناسبة التتويج بالبطولة الأغلى في التاريخ لصالح مؤسسة خيرية تعنى بتنظيم أنشطة رياضية لصالح الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
رفقة الكثير من اللاعبين الفرنسيين ذوي البشرة السوداء على غرار بول بوغبا ونغولو كانتي، تمكن مبابي من تخطي حواجز العرق والطبقة الاجتماعية، لأنه يواصل تجسيد ما من المفترض أن يكون عليه المواطن الفرنسي الجيد. عقب مباراة الدور نصف النهائي التي شهدت انتصار المنتخب الفرنسي على نظيره البلجيكي، نشرت السياسية الفرنسية ورئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني، مارين لوبان، تغريدات تدعم فيها المنتخب الوطني لكرة القدم. والجدير بالذكر أنه سبق للوبان التأكيد على عدم اهتمامها بكرة القدم، فضلا عن تصريحها في إحدى المناسبات “عندما أنظر إلى لاعبي منتخب الديكة، أعجز عن الشعور بانتمائي أو بالحضور الفرنسي داخله”.
بالنسبة للفاشيين، يعتبر مبابي بمثابة النسخة الكروية من مامادو غاساما، المهاجر المالي الشجاع الذي مُنح الجنسية الفرنسية الفخرية وتمكن من العمل كرجل إطفاء وذلك عقب صعوده لأربعة طوابق من مبنى سكني لإنقاذ طفل صغير معلق في إحدى الشرفات بطريقة أقل ما يقال عنها أنها بطولية. وبصفة استثنائية، قامت لوبان بالإشادة بالشجاعة غير المعهودة التي أظهرها المهاجر المالي وأيدت عملية تجنيسه بشكل علني.
بدو أن هذه المفارقة بين المهاجرين ذوي البشرة السوداء والسمراء الاستثنائيين، وبين المهاجرين الآخرين الذين يعتبرهم البعض “دفعة سيئة”، تتخطى التجاذبات السياسية التي تقسم المدن الفرنسية الكبرى إلى ليبراليين جدد وفاشيين
في استطلاع رأي أجري هذا الأسبوع، بينت النتائج أن الفرنسيين اختاروا النجم كيليان مبابي كلاعبهم المفضل بنسبة 57 بالمائة، ليتقدم بذلك على زميليه أنطوان غريزمان وهوغو لوريس، اللاعبين صاحبي البشرة البيضاء اللذين لعبا دوراً حاسما في تحقيق المنتخب الفرنسي لهذا الفوز في كأس العالم. كما أفاد استقصاء حديث بأن غالبية الفرنسيين يعتقدون أن هناك الكثير من المهاجرين في بلادهم، حيث يؤيد 56 بالمائة من المواطنين الفرنسيين قرار حكومتهم برفض رسو سفينة الإنقاذ “أكواريوس”، التي كان على متنها 629 مهاجرا ولاجئاً، في موانئها.
يبدو أن هذه المفارقة بين المهاجرين ذوي البشرة السوداء والسمراء الاستثنائيين، وبين المهاجرين الآخرين الذين يعتبرهم البعض “دفعة سيئة”، تتخطى التجاذبات السياسية التي تقسم المدن الفرنسية الكبرى إلى ليبراليين جدد وفاشيين. خلال استعمارها للدول الأخرى، عمدت فرنسا إلى اعتماد التجنيس ومنح حق المواطنة كاستراتيجية رئيسية لإدماج “الأشخاص ذوي البشرة السوداء القادمين من المستعمرات”.
في واقع الأمر، استندت مقاربة الاستيعاب، التي تستمر في تحديد ملامح السياسة الفرنسية المتعلقة بالهجرة، على بعض الأمور الاستثنائية وعلى سلوك المهاجرين الحضاري. وبناء على ذلك، يمكن القول إن الاختلاف الوحيد بين الليبراليين الجدد والفاشيين يكمن في قدرتهم على إدارة وإخفاء عنصريتهم تجاه المهاجرين عن طريق تعديد الفوارق الدقيقة بينهم.
نتيجة لذلك، سيساهم الفشل في استيعاب مطالب دمج المهاجرين في تعريض السود والعرب إلى خطر الاستبعاد واعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية. ويمكن للأمور أن تتخذ منحى أسوأ من ذلك، لأنه من المحتمل أن يطور المواطنون الفرنسيون معتقدا يقضي باعتبار هؤلاء المهاجرين غير جديرين بالمواطنة. ولا يمكن اعتبار مثل هذه الأمور معقدة، لأن هناك يقيناً ضمنيا بأنه سواء الآن أو خلال 50 سنة ستصبح المواطنة الثانية بمثابة تأشيرة مؤقتة، وهي امتياز عشوائي يمكن إبطاله بالاعتماد على الجهة الحاكمة. ولفهم هذا التوجه، يمكن لنا مقارنة الاحتفاء الذي حظي به مبابي بنظرة الفرنسيين لبنزيما، مهاجم نادي ريال مدريد.
أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن بنزيما مستبعد من تمثيل المنتخب الفرنسي منذ سنة 2015، بسبب تورطه المزعوم في ابتزاز زميله في الفريق، ماثيو فالبوينا، بشريط جنسي
يكره الفاشيون كريم بنزيما، فتى الضواحي الفرنسية بامتياز. وتجدر الإشارة إلى أن بنزيما وُلد لأبوين جزائريين مهاجرين، كما أنه يعتبر نفسه أسطورة فرنسية، وفقا لما أكده زين الدين زيدان. وحتى وقت قريب، كان زيدان يعتبره أفضل من يحمل الرقم 9 في العالم. كما يعتقد زيدان أن بنزيما مثال لما يجب أن يكون عليه المهاجم في وقتنا الحاضر. وعلى الرغم من إشادة زيدان به، إلا أن بنزيما لم يتمكن من حجز مكان له على قائمة منتخب الديوك، التي تضم 23 لاعباً، خلال كأس العالم روسيا 2018.
في هذا الصدد، أشارت بعض التقارير الإعلامية إلى أن بنزيما مستبعد من تمثيل المنتخب الفرنسي منذ سنة 2015، بسبب تورطه المزعوم في ابتزاز زميله في الفريق، ماثيو فالبوينا، بشريط جنسي. وفي الحقيقة، يعتبر التوتر بين بنزيما ومنتخب فرنسا أعمق بكثير مما يبدو عليه. فقبل فترة طويلة من قضية الابتزاز الشهيرة، وُجهت عدة اتهامات لبنزيما بأنه تعمد البصق أثناء ترديد النشيد الوطني الفرنسي في إحدى المباريات الدولية. وقد هاجمه حزب الجبهة الوطنية برئاسة، مارين لوبان، على خلفية رفضه ترديد النشيد الوطني، لامارسييز.
وعلى الرغم من إسقاط تهمة الابتزاز التي وجهت لبنزيما، لا زال لاعب ريال مدريد غير مرحب به في المنتخب الوطني الفرنسي، وخاصة من قبل المدرب، ديدييه ديشان، والاتحاد الوطني لكرة القدم، وبالطبع من الفاشيين. وفي تصريح قاس له لصحيفة “ماركا” الإسبانية، قال بنزيما: “أعلم أن ديشان يتعرض لضغط بسبب العنصرية المنتشرة في فرنسا”. من جانبها، اتهمت مارين لوبان بنزيما بأن تصريحاته “تخفي الشرّ الذي يكنّه تجاه الشعب الفرنسي”.
في الواقع، أرادت مارين لوبان، من خلال حديثها عن “الشرّ الذي يخفيه بنزيما” وموقفه “المُعادي للشعب الفرنسي”، تحطيم صورة اللاعب وتكرار كافة الكلمات الاستعمارية المتعلقة بالغلظة والعدوانية. وفي نهاية المطاف، يعتبر اللاعب المسلم ذا الأصول العربية، كريم بنزيما، بمثابة أرض خصبة لإثارة المخاوف والذعر لدى الفاشيين والليبراليين الجدد الزائفين. والجدير بالذكر أن والدة اللاعب، كيليان مبابي، جزائرية أيضا، ولكن والده كاميروني. وبسبب بشرته السمراء، يرتبط اللاعب في أذهان الجميع بأصول والده وليس والدته.
يستمر شعور الفرنسيين بالخوف من أن يتصرف هؤلاء المهاجرون الاستثنائيون وفقا لخلفيتهم البربرية الدنيئة
يعيش بنزيما ومبابي ذوا البشرة السمراء وسط عالم البيض، حيث لا يشعران بالأمان مطلقاً وسط هذه الأفكار الاستعمارية والفاشية والليبرالية الجديدة، التي تنتشر في القارة بأسرها، كما أن ما حدث لبنزيما قد يحدث لمبابي. ومثلما قال الشاعر الفرنسي، إيمي سيزير: “إن المجتمع الذي يضطهد المواطنين ذوي البشرة السمراء في حال لم يندرجوا تحت مسمى “مهاجر صالح”، ويبرر الخوف من الأجانب وترحيلهم، ويصّر على تجريم المهاجرين غير النافعين، هو مجتمع مريض، وحضارة مريضة تفتقد للأخلاق”.
في الأثناء، يستمر شعور الفرنسيين بالخوف من أن يتصرف هؤلاء المهاجرون الاستثنائيون وفقا لخلفيتهم البربرية الدنيئة. مع ذلك، لن يكون من الممكن أبداً التغاضي عن فكرة أن المنتخب الفرنسي هو فريق كرة قدم أفريقي.
المصدر: أفريكا إز أ كانتري