ترجمة وتحرير: نون بوست
يطمح بيورن هوكه لأن يكون أول سياسي يقود حكومة يمينية متطرفة في ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى أن لديه فرصة لتحقيق ذلك.
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ حافظت مسقط رأس النازية على إبعاد القوى اليمينية المتطرفة عن السلطة، ويأمل مدرس سابق في مدرسة ثانوية، لم يشغل أي منصب سياسي من قبل، في تغيير ذلك.
ويتصدر بيورن هوكه، رئيس حزب البديل من أجل ألمانيا المتشدد في ولاية تورينغن شرقي ألمانيا، قائمة المرشحين قبل الاقتراع الإقليمي المقرر في الأول من أيلول/ سبتمبر، وفقًا لاستطلاع أجرته مجموعة إنسا لاستطلاعات الرأي في 13 آب/ أغسطس. ويضع هذا الرجل، الذي صرح سابقًا بأن تصوير هتلر على أنه “شرير تمامًا” كان مبالغًا فيه، في موقع الصدارة ليصبح أول سياسي يميني متطرف يحقق فوزًا في انتخابات ولاية ألمانية بعد الحرب العالمية الثانية.
حتى إذا لم ينتهِ به المطاف إلى الحكم، فإن فوزه في الانتخابات سيشكل سابقة تاريخية في ألمانيا. كما أن صعود أحد أكثر الجماعات اليمينية المتطرفة تشددًا في أوروبا إلى السلطة سيمثل أيضًا نقطة تحول في منطقة نجحت فيها الأحزاب اليمينية من خلال تخفيف حدة أيديولوجياتها.
وقال أكسل سالهايزر، المدير العلمي لمعهد الديمقراطية والمجتمع المدني في يينا، ثاني أكبر مدن تورينغن: “سيكون ذلك بلا شك نقطة تحول، وزلزالًا. إن فوز حزب يميني متطرف هنا، في منطقة ألمانيا الشرقية السابقة حيث تمتد تجربة الديكتاتورية عبر القرن العشرين، سيكون رمزيًا للغاية”.
وتعد تورينغن هي واحدة من ثلاث ولايات في شرق ألمانيا تشهد انتخابات في أيلول/ سبتمبر، من بين 16 ولاية في البلاد. وقد أظهرت معظم استطلاعات الرأي خلال الصيف تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا في الولايات الثلاث، حيث يتصدر هوكه بفارق تسع نقاط عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي المحافظ، وفقًا لوكالة الأنباء الألمانية. ومع ذلك، سيكون من الصعب على حزب البديل من أجل ألمانيا تكرار هذا النجاح على المستوى الوطني، حيث أدت الفضائح إلى تراجع شعبيته.
في التجمعات التي أُقيمت في مختلف أنحاء تورينغن، والتي وُصِفت بأنها “حفلات عائلية”، أظهر هوكه مزاجًا مبتسمًا وإيجابيًا. فمن الناحية الجسدية، يبدو هوكه البالغ من العمر 52 سنة، وهو أب لأربعة أطفال، رشيق القوام وشعره أشيب، لكنه يظهر بمظهر شاب وغير مهدد بل وودود.
وبعد تجمع حاشد هذا الشهر في ساحة السوق الخلابة في أبولدا، وهي بلدة متوسطة الحجم في شمال تورينغن، كان هوكه المبتسم، الذي ارتدى سروال جينز وقميصًا مفتوحًا رغم المطر، يوقع على الصور الفوتوغرافية، ويصافح المؤيدين، ويتبادل العناق معهم، وقد أحضر أحد الحضور كعكًا مصنوعًا يدويًا.
كان خطابه الذي ألقاه في وقت سابق أكثر حدة، فقد وصف إعادة توحيد ألمانيا بأنها تجربة “لتحويل مجتمع أحادي الثقافة إلى مجتمع متعدد الثقافات”، وقال: “أتساءل، هل سُئلنا يومًا إذا كنا نريد أن نصبح مجتمعًا متعدد الثقافات؟ … لا، لم نُسأل، ولهذا السبب ستنتهي تجربة التعددية الثقافية في تورينغن في 1 أيلول/ سبتمبر.”
وقد تحصل الرسالة المناهضة للهجرة لحزب البديل من أجل ألمانيا على دفعة قوية بعد الهجوم الإرهابي الذي خلف ثلاثة قتلى في مدينة سولينغن الغربية يوم الجمعة، واعتقال الشرطة في وقت لاحق لسوري مشتبه به. وقبل الاعتقال؛ نشر هوكه مقطع فيديو لآثار الهجوم على موقع إكس، متسائلاً “هل تريدون حقًا أن تعتادوا على هذا؟”.
وُلد هوكه وترعرع في غرب ألمانيا، وهو حفيد للاجئين طُردوا من الأراضي الألمانية المفقودة بعد الحرب. وقد عمل مدرسًا للتاريخ والرياضة، وانضم إلى حزب البديل من أجل ألمانيا بعد فترة وجيزة من تأسيسه في سنة 2013، وقام بإنشاء فرع الحزب في تورينغن وسرعان ما حوله إلى معقل للجناح اليميني للحزب.
إلى جانب موضوع الهجرة، كان هناك موضوع متكرر يتعلق بإحباطه من ثقافة الذكرى في ألمانيا. ففي خطاب ألقاه في سنة 2017 حول النصب التذكاري الكبير للهولوكوست في برلين، قال: “نحن الألمان الشعب الوحيد في العالم الذي أقام نصبًا تذكاريًا للعار في قلب عاصمته”. وفي تلك السنة، صرح لصحيفة وول ستريت جورنال بأن “المشكلة الكبرى هي أن هتلر يُقدّم باعتباره شرًا مطلقًا.”
في سنة 2019؛ انحازت إحدى المحاكم إلى المتظاهرين الذين وصفوا هوكه بالفاشي، قائلةً إن هذه التسمية لم تكن تشهيرية، بل كانت استندت على “أساس واقعي يمكن التحقق منه.”
لا يزال حزب البديل من أجل ألمانيا يمثل كنيسة واسعة نسبيًا؛ حيث يضم المحافظين وكذلك القوميين والمتشددين القوميين. لكن وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية صنفت فرع ولاية تورينغن بأنه منظمة يمينية متطرفة لأنها تقول إن مواقفه “ضد الكرامة الإنسانية والديمقراطية وسيادة القانون”.
ويسمح هذا التصنيف للوكالة بمراقبة اتصالات قادة حزب البديل من أجل ألمانيا سرًا، على الرغم من أن هوكه وزملاءه نددوا بذلك باعتباره انتهاكًا لحقوقهم.
ويقول مانيز فايسكيرشر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة دريسدن للتكنولوجيا، إن ما يميز هوكه في حزب البديل من أجل ألمانيا ليس مواقف فحسب، ولكن اتساع نطاق جمهوره أيضًا، وقال فايسكيرشر إنه يروق للمثقفين اليمينيين ولكن يجذب أيضًا المتظاهرين في الشوارع ومجموعات المجتمع المدني خارج الحزب.
في محاكمتين منفصلتين هذه السنة، وجدت المحكمة أن هوكه مذنبًا باستخدام عبارة “كل شيء من أجل ألمانيا” مرتين عن علم في خطاباته. وكان هذا الشعار منقوشًا على خناجر منظمة “إس إيه”، الجناح شبه العسكري للحزب النازي، وهو شعار نازي محظور بموجب القانون الألماني.
نفى هوكه أي معرفة بخلفية الاقتباس، وقبل المحاكمة الأولى، كتب على موقع “إكس” أنه يتعرض للاضطهاد لأنه “عبّر عن وطنيته” بشكل “غير صحيح”، وقد دفعت هذه التغريدة إيلون ماسك إلى التساؤل: “ماذا قلت؟”، ولاحقًا: “لماذا يعد هذا غير قانوني؟”
وعلى الرغم من أنه لم يخدم أبدًا في الهيئات التنفيذية المركزية لحزب البديل من أجل ألمانيا، إلا أن هوكه وأنصاره خرجوا في النهاية منتصرين من سلسلة من الصراعات الداخلية التي أدت إلى إقصاء معظم الأعضاء البارزين في الجناح المعتدل للحزب. وقال يورغ ميوثن، الرئيس السابق لحزب البديل من أجل ألمانيا، والذي غادر الحزب في سنة 2022، في فيلم وثائقي تلفزيوني هذه السنة إنه نادم على معارضته لمبادرة سنة 2017 لطرد هوكه.
وقال ميوثن لإذاعتي القطاع العام “إن دي آر” و”دبليو دي آر”: ” من حيث المبدأ، أرى أن الأهداف التي يسعى هوكه وجماعته لتحقيقها تشكل خطرًا واضحًا على الديمقراطية”. وقال روبرت تيسكه، مدير مكتب هوكه، في رسالة بالبريد الإلكتروني، إن “بلدنا لديه مشاكل أكبر من تعليقات رئيس حزب سابق”.
في السنوات الأخيرة، توصل هوكه إلى ما يشبه الهدنة الهشة مع القيادة الوطنية لحزب البديل من أجل ألمانيا، التي تعامله على أنه شخص مزعج لا ينبغي إبعاده بسبب نفوذه في معاقل الحزب الشرقية.
وقالت أليس فايدل، الرئيسة المشاركة لحزب البديل من أجل ألمانيا في أيار/ مايو: “إنه يتمتع بشعبية كبيرة في الشرق، فهو يظهر بشكل جيد. لقد لاحظت ذلك عند حضور الفعاليات معه. هوكه يمثل تيارًا سياسيًا معينًا في الحزب وعلينا أن نعترف بذلك”.
ورفض هوكه إجراء مقابلة في هذا المقال، لكن شتيفان مولر، الرجل الثاني في الحزب والرئيس المشارك لحزب البديل من أجل ألمانيا في تورينغن قال “نعم، كانت هناك حالات استخدم فيها [هوكه] الاستفزاز، بما في ذلك في اتصالاته السياسية، كوسيلة لتحريك الرأي العام، ولكن ذلك كان منذ وقت طويل. أما اليوم فهو مهتم أكثر بتجنب مثل هذه الاستفزازات”.
حتى لو فاز حزب البديل من أجل ألمانيا بأكبر حصة من الأصوات في تورينغن، لا يزال هوكه يواجه عقبات هائلة ليصبح حاكم الولاية، فمع عدم وجود احتمال لحصد أكثر من 50 بالمائة من الأصوات، سيحتاج إلى شريك في الائتلاف، ولم يبد أي حزب آخر حتى الآن استعداده للمشاركة.
وقال سالهايزر، مدير المعهد الذي يتخذ من مدينة يينا مقرًا له: “أنا لست عرافًا، لكنني أفترض أنه بغض النظر عن حصته من الأصوات وعدد المقاعد البرلمانية التي سيحصل عليها، لن يكون حزب البديل من أجل ألمانيا جزءًا من الحكومة المقبل”.
لم يتفق مولر مع هذا الرأي، حيث قال إن الحزب لديه تداخل سياسي كبير مع حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) يمين الوسط، وأن هوكه يمكن أن ينضم أيضًا إلى حزب اليسار الشعبوي الجديد (BSW)، وهو حزب يساري شعبوي جديد تتطابق مواقفه الشعبوية والصديقة لروسيا مع مواقف حزب البديل من أجل ألمانيا. ووفقًا لمجموعة “فورسا” لاستطلاعات الرأي فإن حزب “بي إس دبليو” يحصل على نسبة 18 بالمئة مقابل 30 بالمئة لحزب البديل من أجل ألمانيا في الولاية، مما يشير إلى أن الحزبين قد يحصدان الأغلبية.
وردًا على سؤال حول ما إذا كان الفوز في تورينغن قد يشعل طموحات هوكه على المستوى الوطني، قال مولر: “يمكننا أن نكون نموذجًا إيجابيًا يحتذى به هنا، بما في ذلك الولايات الأخرى، وفروع حزب البديل من أجل ألمانيا الأخرى… ما ينجح بشكل جيد في تورينغن قد ينجح أيضًا في أماكن أخرى”.
المصدر: وول ستريت جورنال