في الوقت الذي أصبح فيه العالم عبدًا للسرعة والحياة المادية الاستهلاكية، ظهرت تيارات مناقضة ومعارضة لهذا الأسلوب من الحياة الذي توغل في جميع جوانبها، مثل حركة “الطعام البطيء” الذي سطع نورها في الثمانينات لتعيد القيمة الثقافية والاجتماعية إلى المأكولات التقليدية من جديد، وذلك بعد أن انتشرت ظاهرة الوجبات السريعة في العالم وتلاعبت بمذاق الطعام وصحة المستهلك لتحقيق أهدافها التجارية.
لمحة عن ظاهرة الوجبات السريعة
انتشرت ظاهرة الوجبات السريعة في العالم بداية الخمسينيات وتحديدًا داخل الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أنه يُعتقد أن طبق “السمك المقلي والبطاطس” الإنجليزي مثال على الطعام السريع الذي وجد في ستينيات القرن الـ19، وذلك لأن مصطلح الطعام السريع عادةً ما يشير إلى الأطعمة المجمدة أو المحمصة مسبقًا.
لكن بطبيعة الحال نمت هذه الصناعة وذاع صيتها بقوة في الأراضي الأمريكية بعد الطفرة الاقتصادية عقب الحرب العالمية الثانية وانهماك جميع أفراد العائلة في العمل، لا سيما المرأة التي تخلت عن دورها التقليدي في المنزل لتبدأ مرحلة جديدة في سوق العمل.
ركزت مجموعات أخرى على عيوب هذه المنظومة ورأت أنها تشويه للعادات والتقاليد الاجتماعية التي لطالما جمعت العائلة حول وجبة واحدة، إضافة إلى دورها في تعزيز أساليب الزراعة الحديثة المضرة.
هذه التحولات الاقتصادية والثقافية ساعدت قطاع الوجبات السريعة على اكتساب شعبية كبيرة، رغم ارتباط اسمها بالأمراض الصحية والنفسية مثل السمنة والاكتئاب وارتفاع ضغط الدم، لأن غالبية مأكولاتها مشبعة بالدهون أو غنية بالسكر والسعرات الحرارية، ومع ذلك فإن الدراسات الإحصائية تؤكد تزايد نسب استهلاكها في جميع أنحاء العالم.
على النقيض من ذلك، فقد ركزت مجموعات أخرى على عيوب هذه المنظومة ورأت أنها تشويه للعادات والتقاليد الاجتماعية التي لطالما جمعت العائلة حول وجبة طعام واحدة وذات مكونات غذائية عضوية ومتنوعة.
حركة “الطعام البطيء”
ظهرت هذه الحركة التي أسسها كارلو بتريني عام 1986 في إيطاليا، بعد أن افتتحت “ماكدونالدز” مطعمًا لها في قلب روما بالقرب من المدرج الروماني “الكولوسيوم”، حيث احتشد الآلاف من الناس في الساحة احتجاجًا على دخول “الهمبرغر” الأمريكي إلى أرض الباستا الإيطالية، خاصة أن المطعم افتتح في مركز تاريخي وقد يكون سببًا رئيسيًا في تغيير ملامح الشوارع الرومانية القديمة في البلاد.
ومع نمو هذا الموقف الشعبي تجاه هذه الصناعة، استغل بتريني هذه الأحداث لتأسيس حركة معارضة كرد فعل لمطاعم الوجبات السريعة التي استبدلت العشاء العائلي التقليدي وشجعت على الطعام الذي يؤكل على عجل خلال دقائق معدودة، ومن بعدها تبنت عشرات المطاعم والأفراد هذه الفكرة.
عملت المنظمة في إطارين؛ داخل الشوارع والحكومات، من خلال 150 ألف عضو يعملون في 160 دولة ويروجون للمأكولات التقليدية والمحلية، كما يحاربون أساليب الزراعة النباتية والحيوانية المعتمدة على المضادات الحيوية والأسمدة الكيميائية
على هذا الأساس عملت المنظمة في إطارين؛ داخل الشوارع والحكومات، من خلال 150 ألف عضو يعملون في 160 دولة ويروجون للمأكولات التقليدية والمحلية، كما يحاربون أساليب الزراعة النباتية والحيوانية المعتمدة على المضادات الحيوية والأسمدة الكيميائية والمبيدات الحشرية، وذلك بناءً على اعتقاد بتريني بأن لكل شخص الحق في الحصول على طعام جيد ونظيف.
عام 1993 تعاونت هذه الحركة مع المعلمين في المدارس لتثقيف الأطفال بشأن المنتجات الغذائية وطرق زراعتها وإعدادها وتقديمها كجزء لا يتجزأ من ثقافتهم الاجتماعية، إضافة إلى تركيزهم على مسألة اختفاء بعض الأطباق الشعبية بسبب انقراض بعض الخضراوات والفواكه بسبب أساليب الزراعة الرديئة، عدا عن اختلاف مذاق ونكهة بعض الأنواع الأخرى.
ترى المنظمة أن من مهامها الأساسية الحفاظ على بعض الثقافات والتقاليد من الاختفاء، ومواجهة إهمال المستهلكين في الطعام الذي يأكلونه دون أن يعرفوا كيف تؤثر اختياراتهم الغذائية على الاقتصاد والمجتمع.
أما الجانب السياسي للمنظمة فاستغلته للضغط على الحكومات بشكل منهجي بشأن سياسات الزراعة والتغذية، إذ تعارض القوانين التي تحد من الزراعة العضوية وتعرقل مستقبل المزارعين والمنتجين الصغار.
لم تكتف هذه الحركة بمحاربة مأكولات الوجبات السريعة، بل دافعت أيضًا عن القيم والعادات الاجتماعية التي تغيرت مع قدومها، فأصبح الطعام رمزًا للمكانة الاجتماعية، وتحول العضوي منه أو الجيد إلى شكل من أشكال الترف والرفاهية، مقتصرًا على النخبة الثرية، ومن ناحية أخرى رأت أن من مهامها الأساسية الحفاظ على بعض الثقافات والتقاليد من الاندثار، ومواجهة إهمال المستهلكين في الطعام الذي يأكلونه دون أن يعرفوا كيف تؤثر اختياراتهم الغذائية على الاقتصاد والمجتمع.