تصدرت مدينة منبج شرقي حلب في الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة ميليشيا الوحدات، الساحة الإعلامية وخاصة بعد خريطة الطريق التي اتفقت عليها كل من أنقرة وواشنطن وستكون مفتاحًا للحل السوري حسب زعم الطرفين، وبُني الاتفاق على طرد الوحدات من المدينة وتشكيل مجلس عسكري جديد وإدارة مدنية محلية للمدينة دون دخول فصائل درع الفرات أو غيرهم، ومع صدور الاتفاق انطلقت عملية تنفيذه في يونيو/حزيران الماضي.
تحاول الوحدات ضخ ضجة إعلامية عبر إعلان انسحابها من منبج
لكن الوحدات في المدينة إلى الآن لم تهدأ، فهي تحاول مرارًا خرق الاتفاق وتعمل على فشله، ولكنها في جميع الأحوال راضخة لواشنطن الحليف الدولي لها، وعلى الرغم من ذلك وجدت الوحدات ممرًا آمنًا لها تحقق من خلاله بعض المكاسب، عن طريق مجلس منبج العسكري الذي تقول إنه المخول بقيادة المدينة، ولكن أنقرة تؤكد أنها لن تجعل مجلس منبج العسكري يقود المنطقة، وبالفعل عناصر الوحدات الكردية هي ذاتها عناصر مجلس منبج العسكري الذي كان وما زال ذراع الوحدات الكردية في المدينة.
وتحاول الوحدات ضخ ضجة إعلامية عبر إعلان انسحابها من المدينة أو كما أسمتهم “مستشارين” هم بالفعل قيادات في صفوف الوحدات، حيث ذكرت في بيان لها الشهر الماضي أنها سحبت جزءًا منهم بعد انتهاء مهامهم في المدينة، وعلى الرغم من ذلك فإن الوحدات لا تزال تراوغ من أجل بقاء سيطرتها على المدينة وهي المنطقة الوحيدة لها غرب الفرات بعد سيطرة المعارضة على عفرين وبقاء بعض المناطق مثل تل رفعت والقرى المجاورة تحت سيطرتها.
انسحاب للوحدات من منبج وأنقرة تنفي
كما أصدرت الوحدات في منبج باسم مجلس منبج العسكري الأحد 15 من يوليو/تموز بيانًا تعلن فيه انسحاب آخر مستشاريها، وجاء في البيان حسب ما حصل عليه “نون بوست”: “يعلن مجلس منبج العسكري أن الدفعة الأخيرة من المستشارين العسكريين في وحدات حماية الشعب قد أكملت انسحابها اليوم 15 من يوليو/تموز 2018، وذلك بعد أن أنهت مهمتها في التدريب والتأهيل العسكري لقواتنا، بالاتفاق مع التحالف الدولي”.
وذكر المجلس أنه بعد إعلان تشكيل مجلس منبج العسكري في 4 من أبريل/نيسان 2016 لتحرير مدينة منبج من تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وهي الحملة بدأت في الأول من يونيو/حزيران 2016، وأضاف البيان “كنا قد قمنا بطلب الدعم والمساندة من وحدات حماية الشعب والتحالف الدولي للمشاركة في طرد التنظيم من المدينة وتحرير المدنيين، واستطاع مجلس منبج العسكري ووحدات حماية الشعب وبدعم من التحالف الدولي تحرير المدينة بتاريخ 15 من أغسطس/آب 2016 ليتمكن الآلاف من الأهالي من العودة لمدينتهم بعد أن تم توفير الأمن والخدمات”.
ذكرت الخارجية التركية أن الإجراءات المتفق عليها وفق خريطة الطريق بشأن منبج بين الولايات المتحدة وتركيا ما زالت متواصلة
وأشار البيان “بعد مرور سنتين، وجد المجلس أنه بات قادرًا على متابعة التدريب والحماية ويمتلك القادة والخبرة الكافية في مجالات التدريب والقتال وتم الاتفاق مع وحدات حماية الشعب YPG على سحب من تبقى من مستشاريها العسكريين في منبج على أن تجري عملية الانسحاب بدءًا من 3 من يونيو/حزيران من العام الحاليّ، لتنتهي الأحد 15 من يوليو/تموز بانسحاب كل المستشارين بعد الانتهاء من مهامهم”.
من جانبها تركيا نفت الإثنين 16 من يوليو/تموز الأنباء المتعلقة بانسحاب الوحدات التابعة لقوات سوريا الديمقراطية قسد من منطقة منبج شمالي سوريا، بشكل كامل، وذكرت مصادر في الخارجية التركية أن الإجراءات المتفق عليها وفق خريطة الطريق بشأن منبج بين الولايات المتحدة وتركيا ما زالت متواصلة.
وأشار بيان الخارجية أن انسحاب عناصر ميليشيا الوحدات مستمر من الوجهات التي تجري فيها الدوريات المشتركة للجيشين التركي والأمريكي، إلى أن إجراءات التحضير للدوريات جارية، ولذلك فإن الأنباء المتداولة عن الانسحاب الكامل من منبج في هذه المرحلة لا يعكس الواقع، وجاء رد أنقرة على هذا الانسحاب بشكل مباشر، وبذلك يمكن القول إن تركيا لا ترى مستقبلاً لمجلس منبج العسكري في المدينة.
أرتال تركية وأمريكية تصل محيط منبج
لا تزال القوات التركية تسير دوريات عسكرية قرب مدينة منبج على الحدود الفاصلة بين منطقة درع الفرات ومنبج، كما أنها سيرت الدورية الرابعة عشر في الأسبوع الماضي، وانسحاب الوحدات كان قرب مناطق تسيير دوريات القوات التركية فقط كما أوضحت الخارجية التركية في بيانها، وانتشرت القوات التركية في وقت سابق، في 12 نقطة عسكرية في المنطقة الممتدة بين مدينة منبج ومناطق درع الفرات.
رتل عسكري تركي يعبر الحدود باتجاه مدينة منبج
فيما وصل رتل عسكري من القوات الأمريكية إلى الريف الشمالي الشرقي من منطقة منبج بريف حلب الشرقي، الخميس 12 من يوليو/تموز وذلك في سياق تنفيذ خطة الطريق بين أنقرة وواشنطن بشأن منبج، ويتألف الرتل من 7 عربات مصفحة، دخلت إلى القاعدة العسكرية في قرية السعيدية شمال شرق مدينة منبج بريف حلب الشرقي، كما زار وفد أمريكي مدينة منبج في الأول من الشهر الحاليّ، وذلك لطمأنة الوحدات في مستقبل المدينة، حيال الوعود الأمريكية وللاطلاع على سير الاتفاق من الوحدات حسب مصادر مقربة من الأخيرة.
مظاهرات تنقلب على الوحدات في منبج
على الرغم من ذلك الاتفاق فإن الوحدات لا تزال تماطل في الاتفاق وتحاول أن تزعزعه، من خلال إجبار أهالي المدينة والقرى المحيطة بها على الخروج في مظاهرات ضد الاحتلال التركي حسب زعمها، حيث خرجت مظاهرة الخميس الفائت في قرية الحية شرقي مدينة منبج تندد بالتدخل التركي، وسرعان ما انفجرت عبوة ناسفة قرب المظاهرة أودت بحياة مدني وأصابت 19 بجروح.
وعلى خلفية التفجير قلبت الطاولة ضد الوحدات؛ حيث خرجت مظاهرات في القرية ذاتها الخميس 5 من يوليو/تموز ضد الوحدات بعد كشف منفذ التفجير وسط مظاهرة أجبرتهم الأخيرة على الخروج بها وتبين أنه بتدبير من تلك القوات، وذلك لاتهام القوات التركية أو فصائل درع الفرات، وقطع الأهالي الطريق الدولي بالحجارة، وطردوا عناصر الوحدات من القرية.
اجتماع سري بين النظام والوحدات.. هل سيكون للنظام دور في منبج؟
أجرى وفد من الوحدات المتمثلة بمجلس منبج العسكري اجتماعًا سريًا مع قوات النظام في مدينة حلب لبحث مستقبل منطقة منبج وريفها، وتسليم بعض المواقع للنظام، حسب ما كشفته المصادر لموقع “هيرابوليس“.
وذكرت المصادر أن مجلس منبج العسكري اتفق مع قوات النظام على تسليم المربع الأمني في المدينة، بالإضافة إلى سد الشهداء سد تشرين جنوب شرق المدينة”، ولفتت المصادر أن من حضر الاجتماع من جانب النظام كل من عماد غضبان وعبد الله الحسين أمين شعبة حزب البعث الحاكم في منبج، وعن مجلس منبج العسكري حضر محمد الكردي أبو عادل قائد المجلس العسكري وإبراهيم البناوي قائد لواء جند الحرمين المنضوي تحت الوحدات والمدعو محمد غويش والمحامي عبد الله شكري العوني، أحد الكومينات في الوحدات والمقرب من حزب البعث الحاكم في سوريا.
وتقرر في الاجتماع أن يتم تسليم المربع الأمني في المدينة لقوات النظام، وكانت قد رفضت قوات النظام الاتفاق التركي الأمريكي من أجل المدينة، وتأتي خطوة الاجتماع بعد بدء تنفيذ الاتفاق وهذا كان دور الوحدات وبعض قياداتها من المدينة لإعادة سيطرة النظام عليها، ويعد النظام الحليف الأبرز للوحدات.
تبدو الوحدات في مدينة منبج متخوفة من عدم وفاء التحالف لها رغم التطمينات التي قام بها الوفد الأمريكي مطلع الشهر الحاليّ، وعلى الرغم من سير بعض بنود الاتفاق فالنظام لا يزال يطمح في السيطرة على المدينة التي ستكون بوابة استعادة مناطق شمال حلب وشرقها
وأشارت مصادر أن ميليشيا الوحدات اعتقلت عبد الله شكري العوني ومحمد الغويش اللذين حضرا الاجتماع بسبب خلافات مع قائد مجلس منبج العسكري أبو عادل واعتراضهما على آلية تسليم المدينة للنظام، وتعارض ذلك مع الوعود التي قطعتها مليشيا الوحدات للتحالف الدولي، وما زالت قوات النظام تحاول التعاون مع الوحدات للسيطرة على مناطقها في شرق الفرات وغربه بمدينة منبج محاولةً زعزعة اتفاق مدينة منبج وتدمير الخطط المستقبلية في حال نجاح اتفاق منبج.
تبدو الوحدات في مدينة منبج متخوفة من عدم وفاء التحالف لها رغم التطمينات التي قام بها الوفد الأمريكي مطلع الشهر الحاليّ، وعلى الرغم من سير بعض بنود الاتفاق فإن النظام لا يزال يطمح في السيطرة على المدينة التي ستكون بوابة استعادة مناطق شمال حلب وشرقها، وقد يدفع النظام بكل ثقله السياسي للسيطرة عليها لتكون مفتاح عودته للشمال الحلبي.
ويبقى أمر المدينة مرهونًا حتى انتهاء الاتفاق، وعلى الأرجح إذا بقي الوضع الحاليّ سيطول زمن تنفيذ الخطة التي أقرتها واشنطن وأنقرة، وسيستمر كل من الوحدات والنظام في محاولة زعزعة الاتفاق وفرض سيطرة النظام على المدينة، وإذا فشل الاتفاق ربما يتخلى التحالف الدولي عن الوحدات في المدينة وتبدأ تركيا بحملة عسكرية كما سبقها في غصن الزيتون، والاحتمال هذا ضعيف بسبب رغبة واشنطن وأنقرة عدم الخوض في هذه الحرب وحلها سياسيًا، فهل سيكون للنظام دور في المدينة؟ أم أن هذه الاجتماعات حبر على ورق؟ أم أن مجلس منبج العسكري سيستمر بالسيطرة في المستقبل؟ هذا ما يمكن كشفه مستقبلًا.