تمر المصالحة الفلسطينية الداخلية في هذه الفترة بأصعب وأحنك مراحلها، خاصة بعد تراكم الفشل المصري (الوسيط الحصري لملف المصالحة) في إحراز أي تقدم طوال السنوات الـ11 الماضية من عمر الانقسام الفلسطيني القائم.
بعد صدور قرار تعيين اللواء أحمد عبد الخالق مسؤولًا عن الملف الفلسطيني في الجهاز المخابرات المصرية، 3 من يوليو الماضي، أرادت القاهرة أن ترمي حجرًا جديدًا في مياه المصالحة الفلسطينية الراكدة، علها تُحرز تقدمًا يُخفي فشلها، من خلال دعوة الفصائل لزيارة أراضيها ومناقشة عقبات وأزمات المصالحة.
وخلال الأيام الماضية أجرى رئيس جهاز المخابرات المصرية العامة اللواء عباس كامل، لقاءات مكثفة مع الفصائل وعلى رأسهم حركتا فتح وحماس، في محاولة منه لتقريب وجهات النظر والوصول لنقاط مشتركة يمكن إطلاق قطار المصالحة عليها مجددًا، وتنفيذ ما جرى التوصل له من اتفاق العام الماضي.
وبعد ساعات قليلة من مغادرة الوفود الفلسطينية للقاهرة، قررت مصر إغلاق معبر رفح كوسيلة ضغط على حركة حماس للاستجابة للرؤية التي طرحتها للمصالحة، في ذات الوقت أغلقت “إسرائيل” معبر كرم أبو سالم (المعبر التجاري الوحيد لسكان غزة)، فيما هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشدد عقوباته على غزة، وكأنه بحسب مراقبين ومحللين “عدوان ثلاثي” ضد غزة وأهلها.
تشديد الخناق
أعلنت “إسرائيل” ومصر، الإثنين، إغلاق معابرهما مع قطاع غزة، في توقيت واحد وبشكل كامل وحتى إشعار آخر، وهو ما يزيد من حالة التضييق على القطاع، في حين وصفت حركة حماس الخطوة الإسرائيلية بأنها “جريمة ضد الإنسانية بحق أهالي القطاع”.
زعمت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن مصر أمهلت حركة حماس عدة أيام لإيقاف الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي يطلقها الشبان نحو الأراضي المحتلة
وقررت “إسرائيل” أيضًا تقليص مساحة الصيد في البحر الأبيض المتوسط من 6 إلى 3 أميال أمام الصيادين الفلسطينيين، وقالت حركة حماس حينها: “هذه الإجراءات الانتقامية تعكس حجم الظلم وبشاعة الجريمة التي تتعرض لها غزة، وسيكون لها تداعيات خطيرة يتحمل مسؤوليتها الاحتلال”، وشددت على أن هذه الإجراءات لن تفلح أبدًا في التأثير بالمواقف الوطنية لاستمرار النضال والمقاومة لانتزاع الحقوق وإنهاء الحصار.
يشار إلى أن “إسرائيل” كانت قد قررت، منتصف الأسبوع الماضي، منع معظم السلع والخدمات من الدخول عبر معبر كرم أبو سالم، عدا المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأبقار والأعلاف والقمح والقش.
وكان عدد من المسؤولين الإسرائيليين قد هددوا بتصعيد العقوبات الاقتصادية ضد قطاع غزة، ردًا على إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة على غلاف غزة.
وزعمت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن مصر أمهلت حركة حماس عدة أيام لإيقاف الطائرات الورقية والبالونات الحارقة التي يطلقها الشبان نحو الأراضي المحتلة، وأضافت الصحيفة أن مصر طالبت الحركة بضرورة منع إطلاق الطائرات الورقية أو البالونات خلال أيام معدودة أو على الأقل تخفيف أعدادها بصورة كبيرة.
وتأتي الرسالة المصرية لحركة حماس بعد إغلاق مصر لمعبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة، وبحسب “يديعوت” قد يكون هنالك تنسيق بين الاحتلال والإدارة المصرية على هذه الخطوة حيث أغلق الاحتلال معبر “كرم أبو سالم” التجاري مع غزة أيضًا.
يقول المحلل السياسي هاني حبيب: “هذا التزامن ربما يعكس محاولة لأطراف عديدة لفرض مزيد من الحصار والتضييق على سكان غزة، من أجل الانصياع للإرادة الإسرائيلية على ضوء التصعيد العسكري “الذي قد ينذر بحرب جديدة”
ويرى المراقبون أن هذه الخطوة تهدف إلى الضغط على القطاع المحاصر للعودة إلى الوضع الميداني السابق، ما قبل مسيرة “العودة الكبرى”، التي تهدف إلى العودة وكسر الحصار، وأجمعوا على أن تزامن القرارات العقابية الإسرائيلية ضد غزة، مع إغلاق معبر رفح البري، لم يأت صدفة، معتبرين أنها تُعيد القطاع إلى مربع الحصار الأول عام 2007 “لكن بشكل أخطر”.
ويقول المحلل السياسي هاني حبيب: “هذا التزامن ربما يعكس محاولة لأطراف عديدة لفرض مزيد من الحصار والتضييق على سكان غزة؛ من أجل الانصياع للإرادة الإسرائيلية على ضوء التصعيد العسكري “الذي قد ينذر بحرب جديدة”.
ويرى أن الأيام المقبلة ستكون أكثر وضوحًا بالنسبة لمستقبل التصعيد بغزة، لافتًا إلى ضرورة الانتباه إلى الوضع الداخلي في حكومة نتنياهو باعتبارها الطرف الأول الذي سيدفع إلى حرب واسعة مع القطاع، ويشير إلى عجز “إسرائيل” أمام الطائرات الورقية البسيطة رغم قدراتها العسكرية الواسعة، محذرًا من أنها “تريد أن تستثمر هذا الأمر كطابع عسكري وليس سلمي، كي تبرر للرأي العام المواجهة الدموية ضد أطفال غزة”.
أما المحلل الاقتصادي ماهر الطباع فيبين أن القرارات الإسرائيلية تعيد غزة إلى المربع الأول للحصار، حينما أغلقت كل المعابر عام 2007، وأبقت على إدخال أقل من 100 شاحنة من السلع الأساسية عبر كرم أبو سالم يوميًا.
يرى الطباع أن إجراءات الاحتلال ستقضي على ما تبقى من اقتصاد غزة، وستمس كل القطاعات سواء بشكل مباشر أم غير مباشر
ويحذر الطباع أن النقطة الأخطر هي عدم وجود بدائل وتدهور أوضاع المواطنين، مذكرًا بأن الأنفاق التجارية مع مصر قبل 10 سنوات كانت بديلاً سريعًا في فترات إغلاق المعابر الإسرائيلية، وحسب الطباع، فإن نسبة البطالة في غزة بلغت 49% وهناك ربع مليون عاطل وهو المعدل الأعلى عالميًا، فيما وصلت نسبة الفقر إلى 53%، ويرى أن إجراءات الاحتلال ستقضي على ما تبقى من اقتصاد غزة، وستمس كل القطاعات سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
أزمة الثقة
وبالعودة إلى تطورات ملف المصالحة الداخلية التي تعتبر أمل الفلسطينيين الوحيد لتخفيف وطأة الحصار المفروض عليهم وخاصة سكان قطاع غزة، تحدثت مصادر فلسطينية أن جهود القاهرة في هذا الملف لا تزال تراوح مكانها، رغم إعلان موافقة حركة حماس على الرؤية المصرية الجديدة، في حين أن العقبة الأكبر هي الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يشترط تمكين الحكومة مقابل رفع العقوبات عن غزة.
عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، أكد في تصريحات خاصة لـ”نون بوست”، أن ملفات المصالحة وما جرى بحثه في القاهرة مع جهاز المخابرات المصرية، لا يمكن أن يطلق عليه نجاح تام وكامل، وأضاف “لا تزال هناك الكثير من العقبات خاصة موقف حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، ورفضها لتمكين الحكومة التي يترأسها رامي الحمد الله من ممارسه مهامها بشكل رسمي في القطاع، وهذا عقبة كبيرة وأساسية”.
كانت صحيفة “الحياة اللندنية” ذكرت أنه جرى التوصل إلى تفاهمات في ملفات الموظفين وسلاح الفصائل وتمكين الحكومة، خلال المحادثات التي جرت بين المخابرات المصرية ووفد حماس الذي زار مؤخرًا القاهرة
ولفت الأحمد إلى أن جولة القاهرة الأخيرة كانت محاولة من اللواء عباس كامل، لتفعيل ملف المصالحة والبحث عن حلول عملية لتطبيق اتفاق القاهرة الأخير الذي جرى التوصل له العام الماضي، لكن هناك الكثير من العقبات وخاصة مواقف حركة حماس.
ونفى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، كل الأنباء التي يتم تداولها عبر الإعلام عن إنجاز الكثير من الملفات وإحراز تقدم كبير خلال لقاء القاهرة الأخير، مؤكدًا أن جهود مصر لا تزال مستمرة وأمام حركة حماس فرصة للمصالحة هذه المرة التي قد تكون الأخيرة.
وكانت صحيفة “الحياة اللندنية” ذكرت أنه جرى التوصل إلى تفاهمات في ملفات الموظفين وسلاح الفصائل وتمكين الحكومة، خلال المحادثات التي جرت بين المخابرات المصرية ووفد حماس الذي زار مؤخرًا القاهرة .
وتعذّر تطبيق العديد من بنود اتّفاق المصالحة الموقّعة بين الحركتين، التي كان آخرها بالقاهرة في 12 من أكتوبر 2017؛ بسبب نشوب خلافات بشأن قضايا منها: تمكين الحكومة وملفّ موظفي غزة الذين عيّنتهم حركة حماس في أثناء فترة حكمها للقطاع.
وقبل أيام قليلة من توجه الوفود الفلسطينية للقاهرة، هدد الأحمد، باتخاذ “خطوات عملية” لتقويض سلطة حماس في قطاع غزة، داعيًا السلطات المصرية إلى دعم هذا المسعى.
وفي مقابلة تليفزيونية من القاهرة في 7 من يوليو الماضي، قال الأحمد: “أكررها، غزة مختطفة من قوة مسلحة من (حركة) حماس تسيطر على القطاع رغم أنف أبناء شعبنا”، مضيفًا “نتوقع أن تتفق فصائل منظمة التحرير على خطوات عملية لتقويض سلطة الانقسام (في إشارة إلى حماس التي تنازلت عن إدارة غزة وسلمتها إلى حكومة التوافق)”.
اتهم محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الرئيس محمود عباس بوضع العقبات أمام الجهود المصرية الساعية لتحقيق المصالحة الداخلية
وفي ذات السياق، أكد سمير غطاس عضو مجلس النواب المصري، أنه بعد عودة الرئيس عباس من روسيا، سيكون هنالك قرارات خطيرة، في قطاع غزة، وقال غطاس: “القادم صعب جدًا، فوفقًا للحوارات التي أجرتها مصر مع طرفي المصالحة الفلسطينية، فالأمور مُتعثرة، وسيكون هنالك قرارات خطيرة من الرئيس عباس، تتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي”، مشيرًا إلى أن أبو مازن سيتخذ قراراته، بناءً على المعطيات الحاليّة، وبحسب قاعدة “تسليم قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، أو أن تستلم حركة حماس كل شيء”.
عباس العقبة
بدوره اتهم محمود الزهار عضو المكتب السياسي لحركة حماس، الرئيس محمود عباس بوضع العقبات أمام الجهود المصرية الساعية لتحقيق المصالحة الداخلية، وأكد الزهار في تصريحات خاصة لـ”نون بوست”، أن عباس العقبة الأساسية أمام تحقيق الوحدة الداخلية، وكل خطواته التي يقوم بها على الأرض تهدف لإطالة عمر الانقسام القائم وتشديد الخناق على سكان غزة ليرفعوا الراية البيضاء ومواجهة حماس.
وأضاف “قدمنا كل المرونة للمصريين وأكدنا لهم خلال زيارتنا الأخيرة للقاهرة، أننا على استعدادنا التام لتنفيذ اتفاق المصالحة الأخير وتطبيق كل بنوده دون أي شروط مسبقة أو معرقلة، على أن يقوم عباس برفع كل ظلمه وعقوباته عن غزة”.
وأوضح القيادي في حركة حماس أن عباس لا يملك إرادة حقيقية وصادقة للمصالحة، ويبدو أنه منزعج من تطور علاقات حماس مع مصر وما نتج عنها من فتح معبر رفح، لذلك يسعى لإفشال كل ذلك وضرب جهود المصالحة الأخيرة بعرض الحائط وإعادتنا لمربع الانقسام الأول خدمة لأهدافه الخاصة التي تجاوزت القانون والإنسانية.
الجدير بالذكر أن العلاقات بين الحكومة المصرية وحركة حماس شهدت تحسنًا ملحوظًا الفترة الأخيرة بعد عدة زيارات لقادة الحركة للقاهرة، نتج عنها فتح معبر رفح البري وإقامة منطقة عازلة بين غزة ومصر، إضافة إلى أحاديث عن تدخل مصري للوساطة بين حماس و”إسرائيل” لإتمام صفقة تبادل أسرى.
ويسود الانقسام السياسي أراضي السلطة الفلسطينية، منذ منتصف يونيو 2007، في أعقاب سيطرة حركة حماس على غزة بعد فوزها بالانتخابات البرلمانية، في حين تدير حركة فتح التي يتزعّمها الرئيس عباس الضفة الغربية