في إطار تنفيذ المبادرة القطرية بشأن توفير 10 آلاف فرصة عمل للأردنيين في السوق القطرية دعمًا للشعب الأردني في أزمته الاقتصادية الأخيرة، توجه سمير مراد وزير العمل بالمملكة الأردنية الهاشمية إلى الدوحة أمس، لبحث سبل تفعيل بنود تلك المبادرة.
مراد خلال المؤتمر الصحفي الذي شهده مقر وزارة التنمية الإدارية بالدوحة، بحضور الدكتور عيسى بن سعد الجفالي النعيمي وزير العمل والشؤون الاجتماعية القطري، أشاد بوفاء قطر بما التزمت به حيال شقيقتها الأردنية (توفير 10 آلاف وظيفة واستثمار 500 مليون دولار في البنية التحتية)، حيث تم تشكيل لجنة مشتركة لبحث آلية التنفيذ التي أقرت عددًا من الإجراءات المرحلية، أولها توفير ألف فرصة عمل للمواطنين الأردنيين الباحثين عن عمل في عدد من القطاعات الحكومية والخاصة بدولة قطر يتسلمونها خلال شهر سبتمبر/أيلول المقبل.
الوزير الأردني رغم تجنبه الإفصاح عن موعد عودة العلاقات الدبلوماسية الأردنية – القطرية إلى مستوى تمثيل ما قبل الـ7 من يونيو/حزيران العام الماضي، حين أعلنت الحكومة الأردنية تخفيض التمثيل الدبلوماسي مع قطر بعد 48 ساعة فقط من إعلان كل من المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين إلى جانب مصر قطع العلاقات مع الدوحة، فإنه اكتفى بتوصيفها بأنها “علاقات طيبة”.
التوصيف الأردني للعلاقات مع الدوحة – رغم الضغوط الممارسة من بعض دول الخليج – تزامنًا مع تشكيل لجنة مشتركة لتوظيف 10 آلاف مواطن أردني في سوق العمل القطري خلال الأشهر القادمة، يشير إلى أن مياه العلاقات بين البلدين ربما تعود إلى مجاريها قريبًا، لتصبح مسألة عودة سفراء البلدين مسألة وقت لا أكثر.
امتنان أردني
“دولة قطر وعدت فأوفت كدأبها دومًا، وهذا ليس بغريب على الدولة القطرية التي تعودت دومًا مد أياديها للأشقاء، ولن ننسى أبدًا في الأردن تلك اللفتة الطيبة والكريمة والموقف النبيل لقطر على المستويين الرسمي والشعبي”.. بهذه الكلمات استهل الوزير الأردني حديثه خلال المؤتمر الصحفي، معربًا عن خالص تقديره وامتنانه للموقف القطري حيال الأزمة التي مرت بها بلاده خلال الأيام الماضية.
وأضاف الوزير أنه قد تم الاستقرار على الخطوات اللازمة لبدء تنفيذ توجيهات الشيخ تميم، حيث من المقرر أن تسير خطة التنفيذ عبر مسارين، الأول يهدف لتوفير نتائج ملموسة على أرض الواقع من خلال توفير ألف فرصة عمل سريعة خلال الفترة القصيرة المقبلة، وفى نفس الوقت العمل على خط موازٍ لتوفير قاعدة بيانات شاملة لجميع قدرات المملكة من الأيدي العاملة الأردنية، وسيتم بعدها التواصل مع القطاعات المختلفة في دولة قطر سواء في القطاع الحكومي أم الخاص أم الشركات لبحث الوظائف المناسبة.
كما أعرب عن توقعه مشاركة العمالة والخبرات الأردنية في الكثير من المشاريع الخاصة بإنشاءات كأس العالم، بالإضافة إلى التخصصات الفنية والتقنية التي يرى أنها ستعود بالنفع على الطرفين، مضيفًا “كنا حريصين خلال اللقاء على التأكيد على حصر التنسيق بين الطرفين الرسميين في قطر والأردن، بحيث يصل الباحث عن عمل إلى الوظيفة المناسبة له دون تكلفة عناء التعامل مع الوسطاء بأي شكل من الأشكال”.
شعرة معاوية
حرصت الحكومة الأردنية منذ الوهلة الأولى التي أعلنت فيها تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر على الإبقاء على “شعرة معاوية” في علاقاتها مع الدوحة، حتى إن استجابت للضغوط التي مورست عليها من دول الحصار، وهو ما كشفه البيان الصادر على لسان وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة محمد المومني، الذي نقلته وكالة الأنباء الأردنية الرسمية في الـ7 من يونيو/حزيران 2017.
البيان حينها وإن كشف بعض الإجراءات التي أعلنت عمان اتخاذها تضامنًا مع دول الحصار، على رأسها تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع دولة قطر وإلغاء تراخيص مكتب قناة الجزيرة في المملكة، إلا أنها في الوقت ذاته أعربت عن أملها في حل الأزمة قريبًا، وهو ما أكده المومني بقوله: “الحكومة تأمل بتجاوز هذه المرحلة المؤسفة، وحل الأزمة على أرضية صلبة تضمن تعاون جميع الدول العربية على بناء المستقبل الأفضل لشعوبنا”.
زيارة وزير العمل الأردني للدوحة أمس ليست المؤشر الأول على مساعي كلتا الدولتين كسر حالة الجمود في العلاقات بينهما
فشل دول الحصار في تقديم حجج قوية متماسكة لإجراءاتها التصعيدية ضد قطر، خاصة أن غالبية الشارع الأردني بما فيهم النخب السياسية ترى أن حجة هذه الدول ضعيفة، بجانب عدم وجود قناعة شعبية وسياسية أردنية في عدم تقديم الدول التي تضغط على المملكة – السعودية والإمارات – لاتخاذ مواقف عدائية حيال الدوحة، أي دعم يعوضها عن الخسائر الناجمة عن قطع العلاقات معها، كان دافعًا لإعادة النظر في الموقف الرسمي الأردني تجاه الدولة الشقيقة.
ثم جاء الدعم القطري المفاجئ للأردنيين خلال أزمتهم الاقتصادية الأخيرة ليفرض حالة من الزخم السياسي لدى رجل الشارع تعاطفًا مع الدوحة ومطالبًا قيادة بلادهم بكسر حالة الجمود في العلاقات مع القطريين، خاصة أن مستوى الدعم المتوقع من دول الحصار الخليجية كان مخيبًا للآمال، لا سيما بعد وقف الدعم السابق للحكومة الأردنية، وهو ما أثار غضب الشعب الأردني حتى إن تم تداركه بعد ذلك عبر مؤتمر مكة.
معالي رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية يستعرض مع وزير العمل الأردني علاقات التعاون بين البلدين وسبل تنميتها وتعزيزها pic.twitter.com/TNc1Plaxrh
— وكالة الأنباء القطرية (@QatarNewsAgency) July 17, 2018
مؤشرات إيجابية
زيارة وزير العمل الأردني للدوحة أمس ليست المؤشر الأول على مساعي كلتا الدولتين كسر حالة الجمود في العلاقات بينهما، ففي 7 من ديسمبر/كانون الأول الماضي هاتف أمير قطر، العاهل الأردني، بشأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”.
وفي الـ14 من الشهر ذاته هنأه بالعيد الوطني لاستقلال بلاده (يحتفل به القطريون في 18 من ديسمبر/كانون الأول من كل عام)، حيث قدم العاهل الأردني “أحر التهاني باسم شعب المملكة وحكومتها متمنيًا للأمير تميم موفور الصحة والعافية وللشعب القطري مزيدًا من التقدم والازدهار” بحسب الوكالة الرسمية الأردنية.
هذا بخلاف المذكرة النيابية التي وقعها 45 نائبًا في مجلس النواب الأردني (البرلمان) في الـ20 من مارس/آذار الحاليّ، يطالبون فيها بعودة سفير بلادهم إلى الدوحة، حيث أشار الموقعون على المذكرة إلى أنها “تهدف لرأب الصدع مع الأشقاء على أن نبدأ ذلك بإعادة سفيرنا إلى الدوحة”.
استحقاق مهم تجد حكومة الرزاز نفسها أمامه بعد هذه الزيارة، يتمثل بإعادة العلاقات الأردنية -القطرية إلى سابق عهدها، في ظل الدعم القطري غير المسبوق للأردن، وما يقابله من زخم شعبي أردني بكسر حالة الجمود ورد الجميل
علاوة على ذلك خرجت بعض الأصوات الداخلية تطالب بعودة العلاقات إلى ما كانت عليه قبل 7 من يونيو/حزيران 2017، كما جاء على لسان عبد الله العكايلة رئيس لجنة الأخوة الأردنية القطرية ورئيس كتلة الإصلاح في البرلمان الأردني، حيث قال: “اللجنة والكتلة طالبتا مرات عدة بإعادة التمثيل الدبلوماسي بين الأردن وقطر”.
وتابع في حديثه لـ”الجزيرة” أن لقطر مواقف تاريخية مشرّفة مع الأردن، معتبرًا أن الوضع الطبيعي أن تكون هناك علاقات متميزة بين عمّان والدوحة، ومشيرًا إلى أن تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين يسهم في تعزيز العلاقات بينهما.
بوابة الاقتصاد
لم تتأثر العلاقات الاقتصادية بين البلدين رغم انصياع الأردن للضغوط السعودية الإماراتية بخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر، ولم تسحب الأخيرة استثماراتها من الأردن، معتبرة أن ما حدث أزمة عابرة لن تدوم طويلًا.
يقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين قرابة 400 مليون دولار، بحسب رئيس غرفة تجارة قطر الشيخ خليفة بن جاسم، بينما أكد رئيس غرفة تجارة الأردن عضو مجلس الأعيان نائل الكباريتي أن الحصار المفروض على الدوحة لم يؤثر سلبًا على العلاقات التجارية على مستوى القطاع الخاص في البلدين، إذ إن قطر تأتي في المرتبة الثالثة عالميًا من حيث حجم الاستثمارات في الأردن الذي يقدر بنحو ملياري دولار، وتتركز في القطاعين المالي والعقاري.
المشهد يسير في تفاصيله الحاليّة إلى السيناريو السنغالي، فرغم ما بذلته دول الحصار – ولا تزال – من ضغوط وإغراءات لدفع داكار لقطع علاقاتها مع قطر، تمخض عنها سحب سفيرها لدى الدوحة للتشاور في الـ7 من يونيو 2017، غير أنه وفي أغسطس/آب الماضي أعادته مرة أخرى
الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الأردن خلال الفترة الأخيرة، التي تضخمت بوقف الدعم السعودي التقليدي للحكومة الأردنية الذي كان يمثل موردًا مهمًا لسد احتياجاتها، دفعت الأردنيين على رأسهم النخبة إلى التفكير في سياسة أخرى تعتمد على تنويع المصادر وإعلاء مصلحة المملكة أولًا قبل أي إملاءات سياسية أخرى.
إعلان الدوحة منذ بداية الاحتجاجات الأردنية دعمها واستعدادها لتقديم يد العون والمساعدة للخروج من هذه المأزق، كان بمثابة الضغط على النظام الأردني وإحراجه على الصعيد الشعبي، بينما تمارس الرياض وأبو ظبي ضغوطهما لإجبار عمان على الرضوخ لسياسات ابني سلمان وزايد، وهو ما جاء على لسان العاهل الأردني تلميحًا، حين أشار إلى أن ما يحدث في بلاده ثمنًا تدفعه نتيجة مواقفها السياسية.
مؤشرات إيجابية تقود لعودة العلاقات الأردنية القطرية إلى سابق عهدها
عودة العلاقات.. مسألة وقت
رغم خلو السفارة القطرية في عمان والأردنية في الدوحة من سفيري البلدين، فإن الإجابة الدبلوماسية لوزير العمل الأردني بشأن علاقة بلاده الطيبة مع الدوحة وتلبيته السريعة لدعوة الزيارة وتشكيل لجان مشتركة لتفعيل توجيهات الشيخ تميم، كلها أمور تشير إلى حالة من الدفء تغلف العلاقات بين البلدين.
الحكومة الأردنية الجديدة برئاسة عمر الرزاز التي تخوض ماراثون الحصول على الثقة من مجلس النواب، استطاعت عقب عودة وزير عملها من الدوحة حاملًا قرارًا بتوفير ألف وظيفة للأردنيين في سوق العمل القطري من أصل 10 آلاف خلال شهرين، ترسيخ أقدامها بنسبة كبيرة، ما ينعكس بشكل أو بآخر على ثقة أعضاء البرلمان.
استحقاق مهم تجد حكومة الرزاز نفسها أمامه بعد هذه الزيارة، يتمثل بإعادة العلاقات الأردنية – القطرية إلى سابق عهدها، في ظل الدعم القطري غير المسبوق للأردن وما يقابله من زخم شعبي أردني بكسر حالة الجمود ورد الجميل للقطريين على ما قدموه من دعم ومساندة خلال الأزمة الأخيرة، في وقت أعطى آخرون ظهورهم للمملكة كنوع من الضغط.
وبعد الخطوة القطرية التي قوبلت بترحيب كبير لدى مختلف الأوساط الأردنية، الرسمية والشعبية، بات اليوم بمقدور عمان مواجهة كل الضغوط الواقعة عليها من الرياض وأبو ظبي لغلق أي نافذة نحو تطوير العلاقات مع الدوحة، في ظل دعم نيابي وسياسي داخلي كبير يرفع الحرج عن أي قرار يتخذ.
المشهد يسير في تفاصيله الحاليّة إلى السيناريو السنغالي، فرغم ما بذلته دول الحصار – ولا تزال – من ضغوط وإغراءات لدفع داكار لقطع علاقاتها مع قطر، تمخض عنها سحب سفيرها لدى الدوحة للتشاور في الـ7 من يونيو2017، غير أنه وفي أغسطس/آب الماضي أعادته مرة أخرى، وهو المسار المرجح مع تشاد، فهل تسير العلاقات القطرية – الأردنية إلى ذات السيناريو؟ وهل باتت عودة سفيري البلدين مسألة وقت؟