إن كنت من الناس الذين لم يجدوا سهولة في تصديق اعتراف الولايات المتحدة بزواج المثليين، فربما ستعاني وقتًا أطول للتعايش مع فكرة أن من الممكن جدًا أن تعترف الولايات المتحدة في السنوات المقبلة بحرية بل و”حق” التحرش بالأطفال واغتصابهم، واعتباره أمرًا مشروعًا ينص عليه قانون حقوق الإنسان باعتبار أن انتهاك أجساد الأطفال ميل من الميول الجنسية.
بدأ ظهور مجموعة جديدة من مجتمع المثليين قبل بضع سنوات تنادي بالاعتراف بحقوقها، وأخذت تعلو أصواتها تدريجيًا بعد الاعتراف رسميًا في الإدارة الأمريكية وفي كثير من دول أوروبا الغربية بحق المثليين في الزواج الرسمي، إلا أن هذه المجموعة هي ما تُعرف بـ”paedophiles” أو المولعين بحب الأطفال، أو هكذا يحبون التسويق لأفكارهم المضطربة نفسيًا، حيث يجدون في ذلك حقًا إنسانيًا مشروعًا بسبب ميول جنسية مختلفة لدى البشر، وكما اعترفت كثير من الدول بحق المثليين، فيجب عليها أيضًا أن تعترف بحق المرء في حب الأطفال كذلك.
هل سيكون التحرش بالأطفال وانتهاك حرمة أجسادهم الشيء الطبيعي القادم؟ قبل عدة عقود من الآن تم التعامل مع المثليين بأقسى أنواع العقوبات واختلفت من السجن إلى التعذيب إلى العلاج قسريًا، إلا أن وضعهم الآن في كثير من الدول الغربية جعل منهم أمرًا شائعًا وطبيعيًا للغاية، بل وصار لهم أيقونات معينة وأعلام ينتمون لها هم وكل من يؤيدون حقوقهم، وصارت الشوارع والميادين مكانًا مفتوحًا لهم في تلك البلاد للتعبير عن آرائهم بشكل لا يضعهم في خطر كما كان يفعل قبل عدة عقود من الآن.
فهل سنرى في المستقبل القريب المشاهد نفسها لمجتمع مضطرب نفسيًا يرى أن الأطفال وسيلة مناسبة لإشباع رغباتهم الجنسية ويكون هناك مؤيدين لهم مدافعين عن حقوقهم في ذلك أيضًا؟ تويتر يخبرك أن الإجابة هي نعم!
من الشائع جدًا أن تجد على تويتر الآن حملات من الكثير من مؤيدي “paedophiles” أو “المنجذبين للأطفال” تؤيد حقهم في إقامة علاقات حميمية مع الأطفال، ويجدون أن في ذلك ميلًا جنسيًا طبيعيًا وجينيًا ويختلف تمامًا عن التحرش أو الاغتصاب، بل وستجدهم يسعون جاهدين لإثبات وجهة نظرهم طبيًا وعلميًا من حيث قابلية الأطفال للانخراط في أي نشاط جنسي، كما ستجدهم نجحوا في تصميم أيقونة خاصة تشير إلى الـ”paedophile” كما كان لمجتمع الميم علم “الرينبو” أو علم ألوان قوس قزح الذي يشير إليهم.
حب الأطفال “قدر” وليس “اختيارًا”
https://twitter.com/jasontarnold/status/1017520380276363264
صورة لأيقونة جديدة تداولها مغردون على تويتر عن المنجذبين للأطفال جنسيًا داعين ذلك “تطور” جديد للعلاقات الاجتماعية
نشرت صحيفة “الإندبندت” البريطانية تقريرًا من قبل بعنوان “حب الأطفال قدر وليس اختيارًا” على لسان أحد الأطباء الألمان كلاوس باير المشهور بعلاجه لـ”المولعين بالأطفال”، حيث زعم كلاوس أن المجتمعات “الصحية” هي المجتمعات التي تتقبل وجود “المولعين بالأطفال” على أن لهم ميولًا جنسية خاصة بهم ولا تعتبر نوعًا من التحرش ولا يحق أن تعتبر جريمة جنسية أو أي نوع من أنواع الاعتداء، مستندًا إلى ذلك بآراء بعض علماء النفس في علم الجريمة الذي يعترف بأن العلاقات الحميمية مع الأطفال هي نوع من أنواع الميول الجنسية الذي تحدده الجينات وليس الاختيار الشخصي.
قد لا توجد إحصاءات دقيقة بأعداد كل من لديه انجذاب جنسي نحو الأطفال، إلا أن عدة تقارير أشارت أن أعدادهم قد تتجاوز مئات الآلاف في كثير من البلدان، فيقارب عددهم في بريطانيا 750 ألف شخص، كما تلقى معهد الطب الجنسي في برلين اتصالات عديدة من أشخاص يرغبون في العلاج من انجذابهم الجنسي للأطفال بحسب ما ورد في تقرير الصحيفة البريطانية، ولهذا يرى الطبيب الألماني كلاوس باير أن على المجتمعات “المتحضرة” احتواء هؤلاء الأشخاص ومساعدتهم وتقبلهم في المجتمع وذلك لأنهم مسؤولين تمامًا عن أفعالهم أخلاقيًا وقانونيًا ولا يجب أن يندرجوا تحت تصنيف المتحرشين أو المختلين نفسيًا.
بدأ الكثير من الأطباء النفسيين في الولايات المتحدة بدعوى رفع “الانجذاب الجنسي للأطفال” من قائمة الاضطرابات النفسية كما حدث مع المثلية الجنسية
يحاول مجتمع “المنجذبين للأطفال” الضغط مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ومتخذين مجتمع الميم ستارًا لهم وقدوة لهم للمطالبة بحقوق يرونها مشروعة لهم، حتى إنه من الشائع الآن أن تجد كثيرًا من المتعاطفين معهم الذين يغردون بدورهم على أن مطالبهم مشروعة نظرًا لزعمهم بأن حالتهم تلك هي حالة بيولوجية، ولا يكون لهم تدخل واضح فيها وسيطرة كاملة عليها.
لماذا يبارك “ترامب” التحرش بالأطفال؟
في الواقع يبدو أن نشطاء ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي ليسوا وحدهم في مباركة هذا الخلل الاجتماعي الواضح، فللسياسة الأمريكية دور بارز في هذا الأمر، وبالأخص حزب الجمهوريين، حزب الرئيس الأمريكي الحاليّ دونالد ترامب الذي عيّن لنفسه سياسيًا أمريكيًا له تاريخ حافل باتهامات بالتحرش بالأطفال والمراهقات، هذا السياسي يدعى روي موور، وهو من أعطاه دونالد ترامب الضوء الأخضر للوصول إلى مجلس الشيوخ الأمريكي.
نشرت الصحيفة الأمريكية “هافينغتون بوست” تقريرًا بعنوان “ترامب يعترف بمجتمع “المنجذبين جنسيًا للأطفال” ويعطيه الضوء الأخضر للوصول إلى مجلس الشيوخ الأمريكي، وذلك بعد اختياره لمقعد ولاية ألاباما في مجلس الشيوخ الأمريكي بعد أن شغل منصب رئيس المحكمة العليا في ولاية ألاباما، نشرت الصحيفة تعليق الرئيس الأمريكي على تعيين شخص مثله يحفل تاريخه بقضايا تتهمه بالاعتداء الجنسي على مراهقات في عمر الثانية عشر والسادسة عشر بأنه كالآتي “إنه ينكر حدوث ذلك، وعليك أن تسمع له أيضًا”.
نال الرئيس الأمريكي المزيد من الانتقادات على تعليقاته غير الواضحة بشأن تعيين سياسي مثل روي موور الذي يوجد له شخصيًا صفحة خاصة على موسوعة ويكيبيديا بعنوان “مزاعم سوء السلوك الجنسي لروي موور”، وذلك لأنه برر أفعال “موور” بشكل أو بآخر قائلًا ببساطة “عليك سماع القصة منه” وكأن موور قد تم اتهامه بحادثة عابرة لمرة واحدة، بينما يمتلئ تاريخه بكثير من الضحايا اتهمنه بنفس الفعل في سنوات مختلفة ولهن نفس الرواية تقريبًا.
السياسي الأمريكي روي موور
يعتبر السياسي روي موور، الإسلام دينًا “مزورًا” وله آراء احتقارية للمسلمين المهاجرين
لم يظهر دونالد ترامب أي مظاهر تعاطف تجاه الأطفال، خصوصًا بعد حادثة فصل أطفال المهاجرين اللاتينيين غير الشرعيين عن أهاليهم ووضعهم في ملاجئ خاصة تديرها شركات خاصة بإدارة السجون، وعلى الرغم من انتقاد المجتمع الدولي والأمريكي لأفعال الإدارة الأمريكية بخصوص معاملة الأطفال والرضع بهذه المهانة وفصلهم القسري عن أهاليهم كنوع من أنواع العقاب لكل مهاجر لاتيني يعبر الحدود الأمريكية، فإن الإدارة الأمريكية وعلى رأسها ترامب تابعت في سياسة عدم التعاطف على الإطلاق.
تلك السياسة غير المتزنة التي ظهر عدم اتزان رئيسها في كثير من الشؤون الداخلية والخارجية قد توافق في يوم من الأيام على وجود مجتمع ينتهك خصوصية وحرمة أجساد الأطفال والمراهقين دون سن البلوغ ودون السن المقرر للزواج بحجة أن ذلك نوع من أنواع الميول الجنسية يجب الاعتراف به، ومن المرجح أن يتم محو ممارسة العلاقات العاطفية والحميمية مع الأطفال من قائمة الاضطرابات النفسية المعترف بها من منظمة الصحة العالمية.
قال ابن خلدون ذات يوم “الملك والدولة غاية العصبية، والحضارة غاية للبداوة، وأن العمران كله من بداوة وحضارة وملك وسوقة له عمر محسوس، كما أن للشخص الواحد من أشخاص المكونات عمرًا محسوسًا، وتبين في العقول والنقول أن الأربعين للإنسان غاية في تزايد قواه ونموها، وأنه إذا بلغ سن الأربعين وقفت الطبيعة عن أثر النشوء والنمو برهة، ثم تأخذ بعد ذلك في الانحطاط، فلتعلم أن الحضارة في العمران أيضًا كذلك”، وأشار أن للحضارة وقتًا تبدأ فيه في الانهيار والتداعي.
لقد قامت الحضارة الأمريكية على قيم متناقضة، من شأنها أن تنتقد الإسلام وتصفه بأنه دين مزور أو خاطئ أو دين خاص بالإرهابيين وينتقدون فيه انتهاك حقوق الأطفال ويعتبرون الزواج المبكر جريمة تشجبها حقوق الإنسان، وهي بالفعل كذلك، إلا أنهم من ناحية أخرى يجدون في انتهاك أجساد الأطفال حقًا مشروعًا لدى أصحابه وترى في الخلل النفسي شعارًا للمرحلة القادمة.