يعتبر العراق من البلدان التي شهدت ثورات وانقلابات منذ نشأته إلى يومنا هذا، وما تبع البلد من احتلال كان يدعي تغيير نظام الحكم وتحويله إلى بلد ديمقراطي، لكن كل هذه كانت مجرد أحلام لم يتحقق شيء منها، وفي كل مرة يمر تموز على البلاد بأوضاع مختلفة مع اختلاف التاريخ، إلا أن الحراك سيد الموقف سواء كان انقلابًا أم ثورة، ولا أدري أين يكمنُ السر في هذا الشهر، لعل ارتفاع درجة الحرارة مؤذِنُ بارتفاع درجات الحرية عند الشعوب فتهبُ منتفضة على الظلم والعبودية.
صورة لوالد شهيد يقف أمام مدرعة في مظاهرات جنوب العراق
لماذا تموز؟
شهر تموز في كل العالم يعتبر شهر تغيير على الصعيد الإيجابي والسلبي، فهو شهر الثورات والانقلابات، تعجُ فيه الشعوب يمنة ويسرة، وفي هذا السياق يتحدث الكاتب رشيد حسن عن شهر تموز قائلًا: “تموز في الأسطورة العربية، هو شهر الخصب والفوران، وتموز في الأدبيات السياسية، هو شهر الثورات الكبرى التي غيرت وجه العالم، ومن أبرزها الثورة الفرنسية على مستوى العالم، والثورة المصرية على مستوى العالم العربي والثالث، إلى جانب العديد من الأحداث المهمة التي هزت العالم وأثرت فيه، ولا تزال تداعياتها مستمرة”، بالإضافة للعراق حدثت فيه معظم الانقلابات والثورات، وغيرت مجرى الحياة السياسية على مستوى البلاد.
وأضاف حسن: “تموز شاهد على أهم الثورات، وشاهد أيضًا على اغتيال مبادئها العظيمة وتحويل الحرية والعدالة والمساواة والإخاء إلى لافتات، تعبث بها رياح الأطماع الدولية”.
ولعل شواهد أخرى في عصرنا الحديث آخرها الحراك الجنوبي في العراق لتحسين الخدمات ومستوى العيش، وقبلها بعامين انقلاب تركيا الذي كانت نتيجته الفشل، كل هذا حدث وما زال يحدث في تموز.
لمحة موجزة عن حركة 14 من تموز 1958
خلافٍ كبير بين الكتّاب هل هي ثورةٌ أم انقلابٌ على إرادة الشعب والأمة، كل كاتبٍ يؤيد وجهته بما ينتمي إليه من تيار، فالذي يلتفون حول الملكية يرونه انقلابًا، والذين يبشرون بحكم الجمهورية يرونه ثورةً وتغييرًا، ولكلٍ منهم أدلته وبراهينه على ما يتبنى من رأي، ولكي لا نخوض كثيرًا في هذا الخلاف، سنقف مع هذه الحركة التي غيرت مجرى الحكم في العراق.
قالت الكاتبة رانية المدهون: “أعلنت هذه الثورة قيام الجمهورية العراقية، وأنهت حقبة العهد المَلَكي، عبر البيان الأول للحركة
تشير الكاتبة رانية عبد الرحيم المدهون في حديث لها عن حركة 14 من تموز: “هي ثورة 14 من تموز 1958 الباسِلة، أو حركة، أو حتى انقلاب 14 من تموز 1958 كما يسميه البعض، حملت العراق فوق جسور الثائرين من المملكة العراقية إلى جمهورية حرة”.
وأضافت المدهون: “أعلنت هذه الثورة قيام الجمهورية العراقية، وأنهت حقبة العهد الملكي، عبر البيان الأول للحركة الذي أذاعه عبد السلام عارف من دار الإذاعة، وذلك بعد نجاحه في قلب نظام الحكم بالسيطرة على القيادة العامة للجيش إلى جانب دار الإذاعة ومجمَّع بدالة الهاتف المركزي، وبفعل قطاعات اللواء العشرين التابع له، وبمساعدة من زملائه أعضاء تنظيم الضباط الوطنيين (الضباط الأحرار)”.
صورة لجريدة الأهرام تعلن سقوط الملكية وقيام الجمهورية
ثورة 17 من تموز 1967 في سطور
تموز مرة أخرى في نفس الشهر وتقارب عجيب في الأيام تحدثُ حركة تغييرية جديدة في العراق، ليبقى تموز شديد الحرارة وشديد غليان الجماهير لتثور على الواقع المرير، نقف مع قصة أخرى من قصص تموز المكتظ بالأحداث، نقف مع حركة تغييرية وهي ثورة 17 من تموز عام 1968.
كانت انقلابًا غير دموي أطاح بنظام حكم الرئيس عبد الرحمن عارف في العراق، وتولى حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة بما عرف بالثورة البيضاء بقيادة أحمد حسن البكر ونائبه صدام حسين.
صورة تجمع أحمد حسن البكر وصدام حسين
وفي تقرير على موقع المعرفة جاء فيه أن أسبابًا عدة كانت السبب الرئيسي في الإطاحة بالرئيس عبد الرحمن عارف: “قام نظام عبد الرحمن عارف قوميّ الميول وبالتنسيق مع عبد الناصر، في أعقاب لقاء القمة الذي جمعهما في فبراير 68، بخطوات ثلاثة أتت على مصيره بالقضاء المبرم، لعظم تعارضها التام مع مقاصد السياسة الأمريكية (وتابعتها البريطانية في المنطقة) هي بالتحديد:
– منح شركة إيراب الفرنسية امتيازًا نفطيًا كبيرًا في الجنوب العراقي، معطوفًا على إلغاء امتياز الكبريت لشركة أمريكية في الشمال العراقي، وعلى اتفاقات نفطية مع كل من الاتحاد السوفيتي وبولندا بالشراكة مع شركة النفط الوطنية.
– انتواء شراء العشرات من طائرات الميراج الفرنسية، من ثمار زيارة عارف لديجول قبل قمة القاهرة.
يضيف التقرير: “تم ذلك كله في الشهرين الأولين من عام 1968، لكن اهتراء نظام عبد الرحمن عارف كان حينها قد بلغ أشده، فالرجل ضعيف ومسالم، وشلّة الرمادي الحامية للنظام كانت مخترَقة عبر أهم أعمدتها: عبد الرزاق النايف نائب مدير المخابرات العسكرية وإبراهيم الداود قائد الحرس الجمهوري”
– التعهد بزيادة حجم القوات العراقية في الأردن من فرقة ولواء إلى 3 فرق، خلال شهور، مع التهيئة لذلك بتعيين إبراهيم الأنصاري رئيسًا لأركان الحرب.
ويضيف التقرير: “تم ذلك كله في الشهرين الأولين من عام 1968، لكن اهتراء نظام عبد الرحمن عارف كان حينها قد بلغ أشده، فالرجل ضعيف ومسالم، وشلّة الرمادي الحامية للنظام كانت مخترَقة عبر أهم أعمدتها: عبد الرزاق النايف نائب مدير المخابرات العسكرية وإبراهيم الداود قائد الحرس الجمهوري، اللذين ـ وبالأخص النايف ـ كانا على ارتباط وثيق بالمخابرات الأمريكيـة و – امتدادها – البريطانيـة”.
حراك الجنوب تموز 2018
يعتبر جنوب العراق على مدار التاريخ المحركُ لكثيرٍ من الحركات والثورات على مستوى العراق، ومنه تنطلق كثير من المظاهرات، وبعد عناءٍ طويل يتحرك شعب البصرة، العاصمة الاقتصادية للعراق، المدينة التي تمتلك خيراتٌ متعددة من النفط إلى الميناء وغيرها من المميزات التي تحظى بها، إلا أنها لا تأخذ من هذا شيئًا إطلاقًا، مما حرك الجماهير للخروج بمطابات متعددة منها: مياه صالحة للشرب ووظائف وكهرباء.
حقوق بسيطة طالب بها الشعب البصري، ولكنّ الحراك لم يتوقف في البصرة، بل أخذ يمتد إلى المدن العراقية الأخرى، فخرجت محافظة النجف وميسان، ودخل المتظاهرون في محافظة النجف إلى مطار النجف لساعات ثم الخروج منه، وتبعها أحداث أخرى منها حرق الأحزاب المتنفذة في الدولة في مناطق متعددة في البصرة والنجف وميسان، وما زال الحراك الجنوبي مستمرًا إلى يومنا هذا.
صورة لتظاهرات في محافظة البصرة
رغم المخاوف من أن يتحول الحراك إلى صراع مستمر، لكنه استمر ودخل في أسبوعه الثاني، ومطالبه واضحة: محاربة الفساد وتوفير الخدمات.
ويبقى أن لكل حراكٍ في العالم تحول سياسي في نظام البلد، وهذا ما أراه في العراق أن هذه الحركة تريد تقويض هيمنة بعض الجهات على العراق، وإنتاج نظام سياسي مختلف عن السابق، على أمل أن تكون الولادة يسيرة هذه المرة.