يسعى العديد من السياسيين في ألمانيا سواء في السلطة أم المعارضة للقضاء على الهجرة غير النظامية والتقليل من عدد المهاجرين فوق أراضيهم بشتى الوسائل الممكنة وغير الممكنة، للحفاظ على مجتمعهم وحمايته من التفكك وفق العديد منهم، وهو ما يفسر اعتماد الحكومة الألمانية للمرة الثانية مشروع قانون يعتبر الدول المغاربية (تونس والجزائر والمغرب) بلدانًا آمنة.
دول آمنة
هذا التصنيف الذي تسعى الحكومة الألمانية لإقراره يسمح بالإسراع في إجراءات البت بطلبات اللجوء وترحيل المرفوضة طلباتهم بسرعة وبسلاسة، ويستثني مشروع القرار من شرع بالعمل أو بدأ تدريبًا مهنيًا، وحسب المتابعين فإن مشروع القرار يعني في حين تحوله لقرار نافذ رفض معظم طلبات اللجوء المقدمة من مواطني تلك البلدان.
وتستند الحكومة الألمانية في مشروع القانون إلى عدم وجود حرب أو أي تعذيب “ممنهج” في تلك البلدان، وبجانب دول الاتحاد الأوروبي تصنف ألمانيا غانا والسنغال والبوسنة والهرسك ومقدونيا وصربيا ومونتنيغرو وألبانيا وكوسوفو دولًا آمنة.
يذكر أن مشروع قرار مماثل قد تعثر في مجلس الولايات في شهر مارس/آذار من العام الماضي
سبق أن اتفقا طرفا الائتلاف الحاكم في ألمانيا – التحالف المسيحي بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل والحزب الاشتراكي الديمقراطي – في معاهدة الائتلاف بينهما على تصنيف الدول التي يقل في العادة معدل الاعتراف بطلبات لجوء مواطنيها عن 5% على أنها بلدان آمنة.
وخلال السنة الماضية تقدم 8700 مواطن من الدول المغاربية الـ3 بطلبات لجوء، وحصل 4.3% من المتقدمين الجزائريين و4.4% من المغاربة و0.7 %من التونسيين على حق اللجوء، حسب وكالة الأنباء الألمانية، ويعد هذا المشروع الثاني من نوعه الذي تتقدم به الحكومة الألمانية، بعد الأول الذي رفضه مجلس الولايات خلال العام الماضي.
هل يمر؟
حسب الإجراءات الدستورية ستطرح الحكومة مشروع القرار للدراسة والمداولة في مجلس النواب “بوندستاغ”، وباعتبار أن الحكومة تملك أغلبية في المجلس فمن المتوقع إقرار المشروع، وبعد ذلك يجب أن يحول إلى مجلس الولايات “بوندسرات” الذي يمثل مصالح الولايات ويدافع عنها، وهنا يُخشى سقوطه ثانية.
يذكر أن مشروع قرار مماثل قد تعثر في مجلس الولايات في شهر مارس/آذار من العام الماضي، حيث وقف المجلس حينها ضد القرار ولم يحصل مشروع القانون على الأغلبية الضرورية لتمريره التي تمثل 35 صوتًا من إجمالي 69 صوتًا في المجلس، لأن الولايات التي يحكمها التحالف المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي ليس لديها أصوات كافية في مجلس الولايات لإقرار الإجراء.
وأظهر استطلاع حديث للرأي أجراه معهد “إيمند” شمل عينة من 505 أشخاص ونشرت نتائجه الأحد، أن ما لا يقل عن 54% من الألمان يوافقون على إعادة طالبي اللجوء القادمين من الدول الـ3 الآمنة إلى هذه الدول، فيما رفض 34% عملية الإبعاد بواسطة الشرطة الاتحادية.
كما عبر 49% من المستطلعة آراءهم عن عدم ثقتهم بسياسة اللجوء التي تنتهجها المستشارة أنجيلا ميركل، فيما رأى 42% أن السيدة ميركل تتحمل المسؤولية الرئيسية في الاتهامات بخصوص منح حق اللجوء بشكل غير قانوني من فرع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في بريمن، وذلك مقابل 52% يرون عكس ذلك.
غالبية الألمان يدعمون سياسة ترحيل المهاجرين غير النظاميين
يذكر أن المادة 16 الفقرة “أ” من الدستور الألماني تصنف مناطق معينة بـ”الآمنة”، حسب الظروف السياسية العامة في البلد المعني وظروف التعامل غير الإنساني لأي سبب آخر، ورغم ذلك إذا تمكن لاجئ ما من تقديم أسباب مقنعة تتعلق بوجود ملاحقة له في بلده، رغم وجودها على لائحة “الدول الآمنة”، فيتوجب عندئذ دراسة طلبه الخاص بنيل اللجوء وفق خصوصيته الشخصية.
في هذه الحالة يطالب المكتب الفيدرالي من صاحب الطلب تقديم وثائق وأدلة دامغة تثبت ملاحقته من سلطات بلاده، كما يتم منع مقدمي طلبات اللجوء القادمين مما يتم وصفها بـ”الدول الآمنة” من العمل خلال فترة وجودهم في ألمانيا، وينص القانون الجديد على وضع هذه الشريحة من طالبي اللجوء في نزل خاص بهم ولا يجوز لهم مغادرته لحين دراسة طلباتهم.
انتقادات كبيرة
واجه مشروع هذا القانون انتقادات حقوقية كثيرة، حيث ترى أحزاب المعارضة الألمانية خاصة حزب الخضر أن تصنيف الدول المغاربية الـ3 في القائمة الآمنة أمر غير منطقي، باعتبار أن هذه الدول تشهد حالات تعذيب ومحاكمات غير عادلة فضلًا عن انتهاك حقوق الأقليات الجنسية.
تعتبر تونس المتلقي الأبرز للدعم المالي الألماني
من جانبها تخشى المنظمات الحقوقية تعرض طالبي اللجوء المرحلين إلى تلك البلدان للتعذيب وغيرها من الممارسات اللاإنسانية، مركزة على الخطر المحدق بالمثليين الجنسيين في البلدان الـ3، وسبق أن أصدر فرع منظمة العفو الدولية في ألمانيا بيانًا حذر فيه من “العواقب الخطيرة” لمشروع القانون، وتطرق البيان إلى الوضع في تونس: “لا تحمي الدولة المثليين بشكل كاف وحتى أنهم يتعرضون هناك للملاحقة القضائية، وقد يعزز قانون مكافحة الإرهاب انتهاكات حقوق الإنسان”.
كما أشار البيان إلى ممارسة السلطات المغربية بحق ناشطي الصحراء الغربية والمتظاهرين، ورفض البيان تبريرات الحكومة في مسودة القانون الذي تحدثت عن عدم وجود قمع من جانب الدولة الجزائرية بناء على انتماء لعرق أو قومية أو دين أو مجموعة اجتماعية.
ما الثمن؟
قرار الترحيل إن تم لا يمس فقط الدولة الألمانية، بل يهم كذلك دول الأصل التي ستكون ملزمة باستقبال مواطنيها المرحلين، لذلك عملت الدولة الألمانية جاهدة طوال الفترة الأخيرة على إقناع هذه الدول بالقبول باستقبال مواطنيها المرحلين.
ورغم التحسن المسجل في عدد المرحلين، فإن هذه الأرقام لا تتعدى سنويًا بضع مئات للدول المغاربية الـ3، وتعود أسباب ذلك إلى التكلفة المادية الكبيرة التي تصاحب عمليات الترحيل والجدل القانوني الذي يكتنف العملية وصعوبة العثور على الأشخاص المعنيين.
وتعد القروض والمساعدات عاملًا أساسيًا لتقوية أي تعاون ألماني – مغاربي في مجال آخر، حيث مكنت ألمانيا الدول المغاربية عام 2016 نحو 1.1 مليار يورو، أغلبها على شكل قروض، وهو ما تعتبره برلين نوعًا من الاستثمار لتحسين ظروف عيش السكان.
وتعتبر تونس المتلقي الأبرز للدعم المالي الألماني، حيث حصلت تونس على مئات ملايين اليوروهات لدعم عدة مشاريع تنموية، كما حصل سنة 2016 عندما قدمت أنجيلا ميركل للرئيس التونسي الباجي قايد السبسي ربع مليار يورو بغية دعم المناطق الفقيرة حتى لا ينشغل أبناؤها بمحاولة الهجرة.
تقدم ألمانيا دعمًا اقتصاديًا وسياسيًا كبيرًا لهذه الدول حتى تقبل بسياساتها الخاصة بالهجرة
إلى جانب الدعم المالي تقدم ألمانيا دعمًا سياسيًا كبيرًا لدول المنطقة، حيث بقيت برلين على خط الحياد التام وتشبثت بموقفها في خصوص قضية الصحراء الذي يدعم حلًا أمميًا للنزاع، وهو موقف وإن لم يمل بشكل مباشر لصالح المغرب، فإنه يحمل الكثير من العناصر الإيجابية بالنسبة للرباط، إذ يبقى حضور جبهة البوليساريو ضعيفًا فوق الأراضي الألمانية.
في الجزائر، تختلف الأمور لكنها تتركز على جانبين مهمين، أولهما السلاح الألماني، حيث تأتي الجزائر في صدارة زبائن ألمانيا على الصعيد العالمي، إذ بلغ حجم المشتريات الجزائرية 1.36 مليار يورو.
كما يرتبط البلدين بعلاقات اقتصادية كبيرة، وتحتضن الجزائر العديد من المشاريع الاقتصادية الألمانية فوق أراضيها، وقد عرفت هذه المشاريع تطورًا كبيرًا خاصة في مجال السيارات (مثال مصنع شركة فولكسفاغن)، وفي مجال استغلال الطاقة، وهناك العديد من الاتفاقيات التي وقعت بين الجانبين في هذا الاتجاه.
هذا الاهتمام الألماني الكبير بمسألة ترحيل المهاجرين غير النظاميين في اتجاه الدول المغاربية يعود لأسباب كثيرة، منها ارتفاع عدد المهاجرين غير النظاميين وطالبي اللجوء المنحدرين من هذه الدول، فضلًا عن محاولة عدد منهم انتحال صفة لاجئين سوريين والتذرع بكونهم أضاعوا أوراقهم الثبوتية.