لماذا يجب على الدولة مراقبة السجون بنفسها؟، ولماذا عليها أن تضمن بشكل كامل عدم التدخل الخارجي في إدارتها للسجون؟ قد تكون إحدى الدوافع الأساسية التي تدفع الدولة لاحتكار السجن بشكل كامل هو فكرة العقاب، حيث يكون عقاب المواطنين وعدم السماح بمساعدتهم من أي جهة خارجية سواء مساعدة على المستوى الاجتماعي أو الصحي أو النفسي دافع كاف للدولة للسيطرة على السجن، ولكن هل يمكن أن تستفيد الدولة من معاقبة المواطنين؟ هل يمكنها أن تربح الأموال مثلًا من بقائهم في السجون؟، كانت فكرة السجون الخاصة هي الحل الأمثل لكي تتحول معاقبة المواطنين إلى وسيلة لربح كثير من الأموال.
زادت نسبة السجون في الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 700٪ منذ عام 1970 وحتى عام 2005، متجاوزة بذلك معدلات زيادة السكان ومعدلات زيادة الجريمة، مما أدى إلى وجود ربع عدد المساجين في العالم في سجون الولايات المتحدة الأمريكية، مما جعلها تملك أعلى معدلات مساجين موجودة في العالم أجمع، بالإضافة إلى أعلى معدلات سجن للشباب في العالم، ولكن هذا كله لم يصب في منفعة الشعب الأمريكي بالشكل الذي سوّق إليه الأمر بل كان يصب أكثر في مصلحة أكبر شركات سجن خاصة تربح أطنان من الأموال مقابل غلق زنزانة جديدة كل يوم من خلال صناعة الـ 5 مليار دولار، وهي صناعة السجون الخاصة.
لم يكن يعرف العالم مبدأ السجون الخاصة قبل الثمانينات من القرن الماضي، حيث كانت هي الحل الأمثل لمشكلة التكدس الشديد في سجون الدولة، ولكن لم تتطوع السجون الخاصة، المدارة من قبل الشركات من خلال التعاقد مع الحكومات، لتحل أزمة التكدس فحسب، بل تتغذى السجون الخاصة على زيادة عدد الزنازين، وبالتالي فإن أي تغيير في القوانين الخاصة بالإرهاب، أو قوانين الهجرة، أو القوانين المنظمة للمخدرات وتجارتها، سيؤثر بشكل مباشر على عدد المساجين في تلك السجون، وبالتبعية فسوف يؤثر على أرباح الشركات المسؤولة.
Private prisons are a very bad idea. https://t.co/BAUuOWYVoL
— John Rogers (@jonrog1) July 17, 2018
تهديدات سجون أمريكية خاصة بالإغلاق إن لم يتم تزويدها بمزيد من السرائر
كانت للسياسة الأمريكية في عهد “باراك أوباما” رغبة في تقليل عدد السجون الخاصة وتقليل هيمنة الشركات التي تديرها على سن القوانين الأمريكية، إلا أن ذلك لم يدم طويلًا مع تغيير السياسة الأمريكية إلى حزب الجمهوريين في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي لم يلبث في المكتب البيضاوي بضعة شهور منذ تعيينه رئيسًا للبلاد إلا وأعطى أوامره بزيادة الميزانية المتجهة بشكل أولي إلى برم العقود مع الشركات الخاصة بمراكز احتجاز المهاجرين في الولايات الجنوبية التي تشارك الحدود مع المكسيك.
تقوم شركات السجون الخاصة الأشهر في العالم مثل “CCA” بإنفاق ما يقارب 45 مليون دولار على جماعات الضغط الأمريكية، لتمرر قوانين تصب في صالحها في السياسة الأمريكية بحسب تقارير “آسوشيتد بريس”، مثل قانون فصل الأطفال عن آبائهم المهاجرين من الدول اللاتينية إلى الولايات المتحدة عبر الحدود المكسيكية، حيث قامت الشركة الأخيرة مثلًا بتعيين قرب الـ200 عضو من أعضاء جماعات الضغط في أكثر من 30 ولاية في الولايات المتحدة ما بين عام 2003 وعام 2011.
يكون أكثر من نصف عدد المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين في الولايات المتحدة في مركز من مراكز الاعتقالات والسجون الخاصة التي تديرها شركات تدر الملايين من الأرباح من خلالهم، حيث تبلغ متوسطتكلفة احتجاز معتقل واحد حوالي 166 دولار لليلة الواحدة، حيث تشكل العقود الفيدرالية التي تعقدها الشركة مع الحكومة الأمريكية حوالي 43٪ من أرباح شركة CCA إحدى أضخم شركات السجون الخاصة في العالم.
مزيد من السجون يعني مزيد من السجناء
بناء مزيد من السجون ومراكز الاعتقال يعني دخول مزيد من السجناء وبناءًا عليه مزيد من الأرباح لكل ليلة يقضيها المسجون في السجن الخاص، هذه هي العقلية التي تعمل بها السجون الخاصة، وخصوصًا بعد دخولها في مجال “الهجرة” قبل بضعة سنوات من الآن بعد أن كان تركيزها على مجال الجريمة، حيث أشارت بعض التقارير إلى محاولات شركات السجون الخاصة الضغط لتمرير قوانين خاصة بالهجرة الشرعية من شأنها أن تودي بكثير من المهاجرين غير الشرعيين في مراكز اعتقالاتهم وذلك لكي تجذب تلك الشركات مزيدًا من الأرباح على كل سرير إضافي ينام عليه مهاجر غير شرعي.
طالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتخصيص 25٪ نسبة السرائر الإضافية في مراكز اعتقال المهاجرين الخاصة للعام المقبل
تتوقع تلك الشركات زيادة في السعة التي تمثل لهم مزيدًا من “الفرص” على حد تصريحاتهم الإعلامية، معتبرين كل من يطلب اللجوء إلى الولايات المتحدة بغض النظر عن جنسيته وأسبابه سيكون فرصة عظيمة لشركات السجون الخاصة التي ستعمل جاهدة على زيادة هذا العدد مهما كلفها ذلك من جهود وأموال مردودة منافعها إليهم أضعافًا.
على الرغم من أن فكرة السجون الخاصة هي حل بديل من أجل مزيد من الشفافية داخل منظومة السجن، ومن أجل تقليل مركزية الدولة داخل المنظومة الخاصة بمعاقبة المواطنين، بل وجد فيها البعض حلًا مثاليًا لإعادة تأهيل المواطنين بشكل أكثر كفاءة عن حالة التكديس الموجودة في سجون الدولة، إلا أن فكرة السجون الخاصة أيضًا جعلت للعدالة ثمن، لا يمكن للعدالة أن يتم إدارتها من أجل الأرباح إلا أنه يتم ذلك في السجون الخاصة، حيث يتقاضى القاضي راتبه الشهري حينما يُحكم على الجاني بدخول السجن ولا يتقاضاه حينما تتم تبرأته، لقد جعلت السجون الخاصة من الزنازين منتجات، كلما زاد عددها وسرعة تصنيعها كلما زادت الأرباح.
لماذا لا توجد السجون الخاصة في الدول العربية؟
كانت السجون العربية صاحبة أسوأ سمعة في العالم من الناحية الحقوقية، حيث تمارس في السجون العربية ممارسات يجرمها القانون الدولي، من بينها الإهمال الطبي لغرض القتل البطيء، القتل بالرصاص الحي، التعذيب لمعتقلين دون حكم قضائي، والاختفاء القسري في السجون، وعلى الرغم من حالة التكدس الشديدة التي تعاني منها مختلف السجون العربية التي تسع مئات الآلاف من المساجين في أماكن تسع بضعة آلاف فقط، إلا أن الدول العربية لم تتجه قط لحل السجون الخاصة كما فعلت دول مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا.
تعتمد الدول العربية على المركزية في تنفيذ الأحكام القضائية، ولا ترغب في تدخل الشركات الخاصة في طريقتها في معاقبة المواطنين، ولن ترغب في دفع كثير من الأموال لشركات خاصة تضمن مساحات أوسع للمساجين وخدمة أفضل وبرامج تأهيل تعود على المسجون بالنفع، بالإضافة إلى عدم رغبتها بالشفافية التي تتمتع بها السجون الخاصة بشكل أكبر نسبيًا من سجون الحكومات والدول التي قد تخفي حالة الزنازين والمساجين عن كثير من زيارات منظمات حقوق الإنسان واللجان الدولية.
يكون أكثر من نصف عدد المهاجرين غير الشرعيين المحتجزين في الولايات المتحدة في مركز من مراكز الاعتقالات والسجون الخاصة التي تديرها شركات تدر الملايين من الأرباح
قد تحتاج شركات السجون الخاصة إلى التدخل من خلال جماعات الضغط في السياسات الحكومية المتعلقة بالقوانين التي تزيد من عدد المسجونين، وعلى الرغم من أنها تفعل الشيء نفسه في الولايات المتحدة بشأن الجريمة والهجرة والمخدرات إلا أن السجون العربية تعج بكثير من المعتقلين السياسيين وكثير من معتقلي الرأي، ولهذا لن ترغب في وجود شركات خاصة تتحكم في أسباب وجود المعتقلين داخل السجون بشكل يتعارض مع نظامها السياسي الذي ينتهك حقوق المعارضين بشكل مباشر.
تتربح شركات السجون الخاصة من التجارة بالعدالة، وتنتهك سجون الدول كل مبادئ العدالة من أجل تعزيز دورها المركزي والشمولي في معاقبة المواطن على ما فعله وما لم يفعله أحيانًا، ربما لا تجد بعض الفروق بين الاثنين وقد يفضل البعض السجون الخاصة على سجون الدولة نظرًا لما توحيه الصورة النمطية الجيدة نسبيًا عن الخصخصة، إلا أنهم بالفعل يشتركان في شيء واحد وهو رؤية المحبوس على أنه سلعة يمكن التلاعب بها لتحقيق أهداف سياسية ويمكن انتهاك خصوصيتها وحريتها من أجل تحقيق مطالب دولية وقوانين تفرض الهمينة الدولية والمحلية.