ترجمة وتحرير: نون بوست
يواجه المتشددون في إيران تحديا من قبل جيل جديد يشكك في النهج الذي يتبعه أسلافهم. وحاليا، يتحدى أفراد الجيل الأصغر سنا، على عكس أقرانهم الأكبر سناً، كل من يتصرف ضد توقعاتهم حتى لو كان ذلك الشخص هو قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإسلامي، قاسم سليماني، الذي يحظى بشعبية كبيرة في المعسكر المحافظ.
في الواقع، يعرف المتشددون الإيرانيون التقليديون على نطاق واسع بمعاداتهم للولايات المتحدة الأمريكية ومعارضة فكرة التعامل مع الغرب، ناهيك عن الرغبة في إقامة علاقات خارجية “ثورية”، والوقوف ضد أي شكل من أشكال الليبرالية التي يروج لها الإصلاحيون. بإيجاز، لا تتسامح هذه الشريحة من المتشددين مع التغيير الثقافي والسياسي.
في المقابل، على الرغم من أن الجيل الجديد يتبنى الخطاب المتشدد، إلا أنه لا يتقيد بنهج وسياسات معسكر المحافظين، حيث يطلقون على أنفسهم لقب “ثوريون مبتكرون” تيمنا بعصر النهضة الذين يريدون أن يُحدثوه بمعسكرهم. يتهم هذا الجيل الشاب الحرس القديم بالمبالغة في توخي الحذر وخيانة روح مؤسس الجمهورية الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، كما يطمح إلى أن يكون أكثر تشدداً من الأجيال السابقة، حيث يعتبر خصومه أعداء لدودين لا يمكن يوما أن يصبحوا حلفاءهم.
حسب وجهة نظر الجيل الجديد فإن المتشددين الحاليين قد ضلوا طريقهم
في مقابلة أجريت معه خلال شهر أيار/ مايو، تحدث المحلل الشاب المتشدد بايام فازلينجاد، عن الجيل الجديد قائلا “إننا نواجه ثوريين مبتكرين، لديهم أفكار نقدية مميزة تستند إلى الملاحظات الأصيلة للإمام الخميني والمرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي. كما يفكرون في إحداث إصلاحات للنهوض بالثورة الإسلامية ومساعدتها على التغلب على التحديات التي تواجهها”.
حسب وجهة نظر الجيل الجديد فإن المتشددين الحاليين قد ضلوا طريقهم. وخلال شهر تموز/ يوليو الماضي، صرح وحيد جليلي، الذي يعد شخصية بارزة من بين الجيل الجديد، بأن “المجموعة التي تطلق على نفسها اسم “المخلصون للمبادئ” و”الثوريون” قد نأت بنفسها عن أساسيات الثورة الإسلامية من الناحية العملية وتزداد هذه المسافة كل يوم، في حين تقترب أكثر من مبادئ العلمانية”.
كما انتقد جليلي العناصر المخلصين للمبادئ الثورية، ولاسيما أولئك المنتمين للجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية، أي التحالف المتشدد الذي شارك في الانتخابات الرئاسية لسنة 2017، فضلا عن مرشحها الرئاسي، إبراهيم رئيسي، الذي خسر أمام الرئيس الحالي المعتدل، حسن روحاني.
بناء على ذلك، يبدو أن الجيل الجديد يعتقد أن الحرس القديم قد خسر خلال السنوات الأخيرة أمام معسكر الإصلاحيين، ما حفزهم على المناورة أكثر للسيطرة على الحكم. بتاريخ 30 يونيو/ حزيران، انتقد شاب متشدد يُدعى ياسر جبريلي، سياسات الحرس القديم، مؤكداً أن تصرفات المعسكر المحافظ في حد ذاتها قد دفعت الأفراد إلى توجيه أصابع الاتهام إلى الثورة الإسلامية بدلاً من روحاني، جراء تدهور الوضع الاقتصادي الإيراني. من المنظور الثوري الابتكاري، دفعت سياسات الحرس الثوري القديمة الإيرانيين العاديين إلى إدارة ظهورهم للمثل العليا للثورة.
هاجم غادياني محطة الإذاعة الحكومية لإثارة غضب الناس من خلال منع بث أغنية الصلوات التي غناها مؤيد الحركة الخضراء محمد رضا شجريان
في سياق متصل، انتقد حسين غادياني، وهو شخصية معروفة بين الجيل الجديد من المتشدّدين، الإذاعة الرسمية التي تحظر ظهور نجم كرة القدم الإسباني كارليس بويول بسبب شعره الطويل المجعد الذي يميزه. وفي هذا الصدد، كتب غادياني على قناة تليغرام الخاصة به خلال شهر حزيران/ يونيو، “لقد مر يومان منذ حظر ظهور كارليس بويول على شاشة التلفزيون، ولكن لم يشرح لنا أحد على التلفزيون الوطني السبب… فهل هم مكفوفون ولا يمكنهم رؤية أن هذه القضية تخفي في طياتها الكثير من المسائل؟ هل يمكن أن تروا هذا يا أصدقاء؟ إن إرادة الثورة الإسلامية تتضرر من قبل منظمات الجمهورية الإسلامية… نحن نُلعن من قبل الناس بسبب قائد فريق برشلونة المخضرم”.
من خلال منشور آخر، هاجم غادياني محطة الإذاعة الحكومية لإثارة غضب الناس من خلال منع بث أغنية الصلوات التي غناها مؤيد الحركة الخضراء محمد رضا شجريان، فضلا عن منع الراحل ناصر مالك مطيع من المشاركة في الأفلام. من المرجح أن تكون وجهة نظر الشباب المتشددين حول تصرفات الحرس القديم صائبة، لكن الطريقة التي يتعاملون بها مع مخاوفهم تزيد من معارضة الرأي العام لهم.
فعلى سبيل المثال، حاول المتشددون الذين خسروا المعركة الانتخابية ضد مستخدمي تطبيق تلغرام خلال الانتخابات الرئاسية لسنة 2017 حظر التطبيق، وهي خطوة عارضتها إدارة روحاني مما تسبب في توجيه ضربة قوية لشعبيتهم. وخلال شهر كانون الثاني/ يناير، نشر فازلينجاد تغريدة عبر فيها عن معارضة الجيل الجديد لقرار الحرس الثوري القديم، أكد فيها أن “حجب الشبكات الاجتماعية هو بمثابة أن نقول لشعب طهران أن يعيش في مدينة أخرى”.
خلال شهر آذار/ مارس، كتب الناشط سيد عامر الصياح تغريدة أظهر فيها مدى قلق المتشددين الشباب من تنامي السخط الشعبي من الأولويات الرئيسية للمحافظين، حيث قال إن “هذه الأولويات لا تأخذ بعين الاعتبار الكثير من الأمور، على غرار الواعظ الذي كان يهتم بشأن الفتيات الراقصات الصغيرات في برج الميلاد بيد أنه لم يكترث لأمر عمال مترو الأنفاق الذين لم يتقاضوا رواتبهم منذ ستة أشهر”. ومن المرجح أنه كان يقصد بكلامه رجل الدين المتشدد، أحمد علم الهدى، وهو إمام صلاة الجمعة في مدينة مشهد وناقد قاسي للثقافة.
وجه ناشط شاب متشدد يدعى عامر حسين سبتي، انتقادات لاذعة لسليماني بسبب الدعم الذي قدمه للرئيس روحاني، الذي هدد ضمنيا بإغلاق مضيق هرمز إذا تم قطع صادرات النفط الإيرانية بسبب العلاقات مع الولايات المتحدة
إلى جانب ذلك، يعارض الثوريون المبتكرون بشدة أي تعاون مع الإصلاحيين، الذين يعتبرونهم مروجين للمبادئ الليبرالية والعلمانية، ولعنةً حلت على مبادئ الثورة الإسلامية. وخلال فترة ولايته، تعرض روحاني لانتقادات الجيل الجديد لأسباب مختلفة. وفي الحقيقة، يكره الجيل الجديد المحافظين البراغماتيين، بمن فيهم وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي، ورئيس البرلمان علي لاريجاني، بسبب دعمهم لروحاني خلال الانتخابات الرئاسية الماضية. وعندما يتعلق الأمر بالإصلاحيين وروحاني، لا يقبل الجيل الجديد أي تسوية ولا يتوانى عن تحدي أولئك الذين يتقربون من أعدائهم.
في شأن ذي صلة، وجه ناشط شاب متشدد يدعى عامر حسين سبتي، انتقادات لاذعة لسليماني بسبب الدعم الذي قدمه للرئيس روحاني، الذي هدد ضمنيا بإغلاق مضيق هرمز إذا تم قطع صادرات النفط الإيرانية بسبب العلاقات مع الولايات المتحدة. وخلال تغريدة على موقع تويتر، قال عامر حسين سبتي “من واجب كل واحد منا أن يثني على المواقف الطيبة والثورية الصادرة عن أي شخص، حتى لو كان ذلك الشخص روحاني”.
استطرد عامر حسين سبتي “لكن روحاني الذي نعرفه لا يقتصر سجله إلا على التورط في قضية إيران كونترا، والكأس المسمومة، (في إشارة إلى قبول الخميني قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598، الذي ينص على إنهاء الحرب العراقية الإيرانية)، وتراجع سعد آباد (في إشارة إلى الاتفاق النووي المؤقت بين إيران وبريطانيا وفرنسا وألمانيا خلال سنة 2003)، والانتهاك المستمر للخطوط الحمراء التي وضعها المرشد الأعلى في خطة العمل الشاملة المشتركة. وأتمنى أن تبني موقف إيجابي تجاه روحاني، لن يترك انطباعًا خاطئًا”.
من المرجح أن يزداد دور الثوريين المبتكرين ليقدموا الوجه الجديد للمتشدّدين الذي يبدوا أنهم معجبون بالروس
أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، يعارض الجيل الجديد بقوة إقامة أي نوع من العلاقات مع الغرب، بيد أنه يؤيد إنشاء علاقات قوية مع الشرق، بما في ذلك روسيا. وإلى جانب انتقاد روحاني بسبب إبرامه الاتفاق النووي مع البلدان الغربية، يلوم الجيل الجديد الحرس القديم المتشدد على التوصل إلى شروط خطة العمل الشاملة المشتركة. وتماشياً مع الجهود الرامية لربط المزيد من العلاقات مع الشرق، قام شباب متشددون على شبكات التواصل الاجتماعي وبرامج على التلفزيون الحكومي بتصوير روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، كأعضاء جدد في محور المقاومة، بسبب تأثرهم بسياسات إيران الثورية.
في السنوات القادمة، من المرجح أن يزداد دور الثوريين المبتكرين ليقدموا الوجه الجديد للمتشدّدين الذي يبدوا أنهم معجبون بالروس، ويميلون إلى أن يكونوا أكثر ليونة في المسائل الثقافية ولكن أكثر حدة في الشؤون السياسية، التي لا يقبلون المساومة فيها أبدا.
المصدر: المونيتور