تشهد تونس منذ أشهر عدّة أزمة سياسية كبيرة، ازدادت حدّتها مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المبرمجة في خريف سنة 2019، فكلّ طرف يسعى إلى تعبيد الطريق أمامه للوصول إلى قصر قرطاج والجلوس فوق كرسي الرئاسة خلال الخمس سنوات القادمة.
يوسف الشاهد يستميت
رئيس حكومة الوحدة الوطنية في تونس، يوسف الشاهد، لئن لم يعلن صراحة إلى الأن نيته الترشح لشغل منصب رئاسة البلاد، فإن عديد المؤشرات تؤكّد ذلك، خاصة وأنه لم يعلن أيضا عدم نيته الترشح رغم الدعوات المتتالية التي تدعوه إلى إعلان التزامه عن عدم ترشحه حتى يبقى في منصب رئيس الحكومة.
مؤخرا، دعت حركة النهضة الإسلامية التي تمتلك أغلبية مقاعد البرلمان (68 مقعدًا)، رئيس الحكومة إلى عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها عام 2019، حتى يواصل عمله على رأس رئاسة الحكومة. وكان راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، قد دعا في أغسطس 2017 في حوار تلفزيوني رئيس الحكومة الحالي إلى إعلان عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة العام المقبل.
الترحيب الكبير والاحترام الأكبر الذي يكنّه آل السبسي قديما للشاهد تحوّل إلى عداء وكراهية
مصادر مقربة من الشاهد تؤكّد، أن هذا الأخير الذي بدأ حياته السياسية مع الحزب الجمهوري (وسط) قبل أن ينتقل لحركة نداء تونس سنة 2012 كعضو في مكتبه التنفيذي، ويكلف برئاسة لجنة التوافق التي أسسها رئيس الجمهورية خلال الأزمة التي عصفت بحزبه “نداء تونس” أواخر سنة 2015، يسعى إلى تعبيد الطريق لقصر قرطاج حتى وإن نفى ذلك في أكثر من مرة.
ويسعى الشاهد إلى الاستفادة من التحسن الاقتصادي الذي تعرفه البلاد مؤخرا، وإلى الاستفادة من مؤسسات الدولة للترويج لشخصه وتلميع صورته خاصة بعد إعلانه الحرب على الفساد، التي اتخذها مطية للقضاء على بعض الوجوه التي تدعم الشق الذي يواليه العداء ويسعى إلى إبعاده من الساحة السياسية في البلاد.
السبسي الأب والابن
تقدم يوسف الشاهد في استطلاعات الرأي، لا يروق كثيرا للرئيس الباجي قائد السبسي، وهو الذي اقترحه صيف سنة 2016 لشغل منصب رئاسة الحكومة، ولا يروق أيضا لابنه “حافظ” الذي ظلّ لفترة كبيرة يستميت في الدفاع عن الشاهد باعتباره “رجل المرحلة” وفق وصفه.
الترحيب الكبير والاحترام الأكبر الذي يكنّه آل السبسي قديما للشاهد تحوّل إلى عداء وكراهية وفقا لعديد من المتابعين للشأن التونسي، وهو ما يفسّر مطالبتهم المتكرّرة له بالاستقالة وترك مكانه لشخصية ندائية تحظى بثقتهم وتأتمر بأمره حتى تنفذ أجندتهم وتخدم مصالحهم، والأهم لا تنافسهم على حكم حزب “نداء تونس” والبلاد.
عائلة السبسي ترفض خروج الحكم منهم
يؤكد العديد من المقربين من الشاهد أنه رفض أن يكون بمثابة وزير أول وفقًا للنظام السياسي القديم المعمول به في البلاد قبل الثورة الذي يسعى الرئيس الباجي قائد السبسي إلى إعادته وفرضه على البلاد، وأصر على أن يمارس مهامه بصفته رئيسًا للحكومة وفقًا للنظام السياسي الجديد في تونس.
ويقود الرئيس ونجله في الفترة الأخيرة مشاورات تهدف لإقالة الشاهد غير أنهم اصدم بـ”فيتو” من حركة النهضة الإسلامية التي شددت على ضرورة المحافظة على استقرار البلاد، وبقاء يوسف الشاهد في منصب في قصر الحكومة بالقصبة.
وقبل أيام قليلة، قال الرئيس التونسي في حوار مع قناة نسمة التونسية الخاصة، إن على الشاهد إما أن يستقيل، أو أن يذهب إلى مجلس النواب لطلب الثقة مضيفا إن “الوضع السياسي الحالي صعب ولا يمكن أن يستمر كما هو عليه، فقد وصلنا إلى حد لا يمكن المواصلة معه، وبدأنا في الانتقال من السيئ إلى الأسوأ”.
ولم يكن خافيًا على رئيس الحكومة الشاب في تونس سعي الرئيس السبسي وابنه إلى سحب البساط من تحت قدميه وجعله دمية بين يديهما، لذلك عمل على الاستناد بمجموعة من المنظمات والأحزاب والشخصيات التي كانت في وقت قريب إلى جانب الاثنين، وقد نجح في هذا الأمر مرات وفشل في مرات أخرى.
تخشى النهضة وأحزاب تونسية أخرى أن يوظّف الشاهد مؤسسات الدولة ونفوذ المرفق العمومي للقيام بحملات انتخابية سابقة لأوانها
يضع السبسي الأب والابن نصب عينيهما قصر قرطاج، ولا يريدان التسليم فيه لأحد غيرهما، وإن وصل بهما الأمر إلى تعطيل عمل الحكومة والبرلمان، فما يحصل الأن في مجلس نواب الشعب من تعطيل لمشاريع القوانين وما يحدث في الحكومة من ارتباك، سببه الأبرز آل السبسي وفق لعديد من المتابعين.
أي دور لحركة النهضة؟
حركة النهضة بدورها لها ما تقول في الصراع نحو كرسي قرطاج، فهي ترفض أن يستغل يوسف الشاهد منصبه الأن لتقوية حظوظه لذلك خيّرته إما الاعلان عن عدم الترشّح أو سحب الثقة منه وبالتالي سقوط حكومته، فهي من تدعمه الأن وتقوي عوده.
وتعتبر حركة النهضة أن التحدي المطروح على يوسف الشاهد، هو إدارة الشأن العام، خاصة الاقتصادي، فقد اشترطت على الشاهد التزام الحكومة بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي وقع التوافق بشأنها في وثيقة قرطاج 2، والقيام بتحوير وزاري لإضفاء مزيد من النجاعة على العمل الحكومي.
وترى قيادات الحركة أن على الشاهد ووزراءه تركيز الجهود على الوضع الاقتصادي للبلاد، بدلًا من الانشغال بمستقبلهم السياسي، ويضم الائتلاف الحاكم في صيغته الحالية كل من حزب حركة نداء تونس (58 مقعدًا برلمانيًا)، حركة النهضة (69 مقعدًا)، بعد انسحاب عديد الأحزاب من الحكومة مع بقاء وزرائهم بصفتهم الشخصية داخل الحكومة.
يستبعد مقربون من النهضة ترشح راشد الغنوشي للرئاسة
تخشى النهضة وأحزاب تونسية أخرى أن يوظّف يوسف الشاهد وزملائه في القصبة مؤسسات الدولة ونفوذ المرفق العمومي للقيام بحملات انتخابية سابقة لأوانها. وتؤكّد الحركة أن توجّهها يأتي لحماية لمؤسسات الدولة من طموحات الأفراد المسؤولين عليها وحماية للديمقراطية الناشئة في تونس.
حرص النهضة على عدم ترشّح الشاهد للرئاسة، يرجعه البعض إلى رغبتها في ترشيح مرشّح عنها لهذا المنصب قد يكون رئيسها راشد الغنوشي، إلا أن مقربين من الغنوشي نفوا ذلك لنون بوست، مؤكدين عدم نية حركتهم إعادة التجربة المصرية في تونس.
ويعلم الغنوشي أن ترشحه وفوزه في انتخابات 2019 سيحمّله مهمة قيادة البلد وحل أزماته المتراكمة وهي أزمات تزداد تعقيدًا كل يوم، ويعلم أيضا أن نخبة البلاد والمتحكمين في دواليب الدولة لن يتركوه يفعل شيء كما حصل سنة 2011، لذلك فإن المهمة الأبرز الأن تقوية الحزب وتمكينه من فهم دواليب الدولة أكثر.