نداءات استغاثة ودعوات إنسانية متتالية، لكن الجواب واحد، الموانئ مقفلة في وجه سفن الإنقاذ التي تقل مهاجرين غير نظاميين تقطعت بهم السبل في البحر الأبيض المتوسط، فأغلب دول حوض المتوسط ترفض فتح موانئها لرسو هذه السفن لأسباب عديدة.
إيطاليا تغلق الموانئ
أبرز الدول الرافضة لاستقبال هذه السفن إيطاليا، فمنذ تولي ماتيو سالفيني الذي يرأس حزب الرابطة المنتمي لأقصى اليمين منصب وزارة الداخلية في بلاده، توالت قرارات الرفض، البداية كانت برفض السماح لسفينة تقل مئات المهاجرين الأفارقة غير النظاميين العالقين في المتوسط في شهر يونيو/حزيران الماضي بالرسو في أي ميناء إيطالي، ما استدعى تدخل السلطات الإسبانية لإنهاء محنتهم.
منذ تلك الحادثة بدأ الرفض، فرغم ضغط الاتحاد الأوروبي ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، رفضت السلطات الإيطالية الجديدة استقبال أي سفينة، حتى التي تقل نساء حوامل وأطفالًا ومسنين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وتسعى إيطاليا للضغط على الاتحاد الأوروبي لتغيير سياسته الأوروبية بشأن الهجرة.
وترفض إيطاليا تقاسم المسؤوليات مع باقي الدول تطبيقًا لبرنامج السلطات الجديدة الانتخابي، وبداية الشهر الماضي تشكلت في إيطاليا حكومة ينظر إليها بعين الخشية كونها حكومة شعبوية هي الأولى من نوعها في أوروبا، وقد تكونت الحكومة الوليدة من حركتي “خمس نجوم” المناهضة للمؤسسات و”الرابطة اليمينية المتطرفة”.
مالطا وفرنسا من جهتهما عمدتا إلى اتخاذ إجراءات انعزالية وإغلاق حدودهما البحرية أمام المهاجرين وطالبي اللجوء
خلال حملتهما الانتخابية ركز الحزبان على مسألة طرد المهاجرين، حيث توعد سلفيني المهاجرين غير النظامين بمستقبل أسود، وكان قد قال بعد ساعات من تشكيل الحكومة الجديدة إن بلاده سوف تتخذ نهجًا أكثر صرامة فيما يتعلق بقضية المهاجرين غير الشرعيين، وأضاف “أبواب إيطاليا ستكون مفتوحة أمام الطيبين، بينما ستعطى تذكرة ذهاب بلا عودة لأولئك الذين يأتون إلى إيطاليا لإثارة الفوضى ويعتقدون أنهم سيحظون بالاحترام، إن إرسال هؤلاء إلى أوطانهم على رأس أولوياتنا”.
وترفض روما استقبال سفن الإنقاذ حتى لا تضطر إلى إيوائهم في مراكز استقبال المهاجرين، خاصة أن سلفيني اقترح تحويل هذه المراكز إلى مراكز احتجاز، واستخدام الأموال المخصصة لإيوائهم في عمليات الترحيل الجماعي، وبموجب القوانين الحاليّة يجب على كل مهاجر غير شرعي يُرحل بالطائرة أن يرافقه اثنان من الوكلاء الإيطاليين، بتكلفة تقدر بـ3 آلاف يورو لكل مهاجر.
وتخشى حكومة إيطاليا عودة موجات الهجرة غير النظامية القاصدة سواحلها، بعد تراجعها في الأشهر الأولى من هذه السنة، وإحصائيًا وصل إلى سواحل إيطاليا منذ عام 2013 نحو 700 ألف مهاجر، من بينهم 7100 من ليبيا حطوا رحالهم في إيطاليا منذ بداية العام الحاليّ فقط، ومثلهم وصل 3500 من تونس والجزائر واليونان في نفس الفترة، بحسب وزارة الداخلية الإيطالية.
مالطا وفرنسا.. إجراءات انعزالية
مالطا وفرنسا من جهتهما عمدتا إلى اتخاذ إجراءات انعزالية وإغلاق حدودهما البحرية أمام المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا على متن قوارب وزوارق الموت، إن جاؤوا على متن سفن إنقاذ أنقذتهم من الموت في البحر المتوسط.
ومع استمرار توافد اللاجئين على أوروبا عبر البحر المتوسط، قررت فرنسا ومالطا رفض منح ممر آمن لسفن الإنقاذ غير الحكومية، استنادًا إلى المادة 19 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (UNCLOS) التي تنص على السماح للبلاد برفض منح الإذن للسفن بالرسو في موانئها إذا كانت تهدد “السلام أو النظام أو السلامة”.
توالى عمليات رفض استقبال سفن الإنقاذ في ضفاف المتوسط
تحاول العديد من دول الاتحاد الأوروبي اعتراض المهاجرين خارج حدود الاتحاد الأوروبي، ويمثل الأفارقة النسبة الأعلى من اللاجئين الذين يعبرون البحر انطلاقًا من ليبيا، وأغلب اللاجئين الأفارقة من منطقة جنوب الصحراء، وأصبحت ليبيا محطة رئيسية لهم للهجرة إلى أوروبا.
ونهاية الشهر الماضي اتفقت دول الاتحاد الأوروبي في قمتها في بروكسل على تشديد القيود على الحدود الخارجية وإنفاق المزيد من الأموال في الشرق الأوسط وإفريقيا لخفض عدد المهاجرين وإقامة مراكز جديدة لاستيعاب الواصلين الجدد إليهم.
تونس ترفض
رفض استقبال سفن الإنقاذ لم يكن من الدول الأوروبية فقط، فدول الجنوب أيضًا ترفض، ومؤخرًا رفضت السلطات التونسية السماح برسو سفينة تجارية تقل 40 مهاجرًا تم إنقاذهم بعد إبحارهم من ليبيا، بعدما رفضت فرنسا وإيطاليا ومالطا استقبالهم.
وينحدر المهاجرون غير النظاميين الذين أُنقذوا من مصر وإفريقيا جنوب الصحراء، وقد تاهوا في عرض البحر الأبيض المتوسط على متن قارب مطاطي، ورصدتهم السفينة “كارولين 3” التي أرسلها خفر السواحل المالطيون دون ذكر تاريخ محدد لذلك، وفقًا لمنظمات حقوقية تونسية.
وفقًا للقانون الدولي فإن جميع السفن ملزمة بحماية وإنقاذ الناس من الغرق
يرجع تونسيون رفض سلطات بلادهم استقبال هذه السفينة إلى خشية السلطات من إمكانية استغلال الأوروبيين استقبال هؤلاء المهاجرين لدفع تونس إلى قبول إقامة مراكز استقبال اللاجئين فوق أراضيها، وكانت تونس قد رفضت هذا الأمر بشدة، وفي سنة 2011 فتحت الأمم المتحدة مخيم للاجئين في شوشة بتونس لمواجهة الأزمة الإنسانية في ليبيا في ذلك الوقت، خاصة مع تدفق اللاجئين إلى البلدان المجاورة، ولم يستمر المخيم سوى عامين بعد ورود تقارير عن سوء إدارته.
مخاطر كبيرة على حياة المهاجرين
إغلاق الأوروبيين لموانئهم أمام سفن إنقاذ المهاجرين سيؤدي وفقًا للمنظمات الحقوقية والإنسانية المعنية بشؤون المهاجرين إلى تقطع السبل بمزيد من المهاجرين في مراكز الاحتجاز الليبية وفي أيدي تجار البشر هناك وفي دول جنوب الصحراء، حيث يتعرضون للضرب والانتهاكات والاستغلال البشع.
ورغم الإجراءات المتبعة، تبقى معدلات خطورة الرحلات البحرية مرتفعة للغاية، مما يؤدي إلى استمرار الحاجة للقيام بمهام الإنقاذ، وسبق لخفر السواحل الإيطالي أن قال إن مختلف بعثات الإنقاذ التابعة للمنظمات غير الحكومية في البحر المتوسط تمثل نحو 40% من جميع جهود الإنقاذ في وسط البحر المتوسط التي تمت سنة 2017، وإن معدل عمليات الإنقاذ تلك التي أجرتها المنظمات غير الحكومية ظل على حاله تقريبًا عام 2018.
ارتفاع عدد الموتى في المتوسط
وفقًا للقانون الدولي فإن جميع السفن ملزمة بحماية وإنقاذ الناس من الغرق على النحو المنصوص عليه في الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحر، كما ينص القانون نفسه على ضرورة نقل الأشخاص الذين يتم إنقاذهم في البحر إلى اليابسة في أقرب وقت ممكن، غير أن معظم دول الاتحاد الأوروبي ترفض ذلك.
وكانت الكثير من السفن الإنسانية التي خرجت للوجود في سياق مبادرات لمنظمات غير حكومية لنجدة المهاجرين تبحر في المتوسط بين 2015 و2016، لكن لم يتبق منها إلا 4 سفن في الوقت الحاليّ: أكواريوس ولايف لاين ولوسي – واتش 3 وأوبن آرمس.
وتتمتع أكواريوس التابعة لمنظمة “نجدة المتوسط” أو “إس أو إس ميديثيرانيه” بسمعة جيدة لدورها في إنقاذ أكبر عدد من المهاجرين مقارنة مع السفن الإنسانية الأخرى، وأنقذت السفينة الإنسانية منذ بداية العام الحاليّ 2000 شخص، وفق تقارير إعلامية.
نتيجة هذه الإجراءات الوقائية انخفضت الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط بشدة، إذ وصل إلى أوروبا 45 ألف مهاجر هذا العام مقابل أكثر من مليون في 2015، لكن قضية الهجرة صارت أكثر إثارة للانقسام السياسي في أوروبا مما كانت عليه من أي وقت مضى.