6 سنوات على رحيل آصف شوكت نائب وزير الدفاع السوري والرجل القوي في نظام بشار الأسد وصهره، قتل الرجل في انفجار غامض استهدف مبنى تابع لمكتب الأمن القومي السوري المحصن بطريقة أمنية معقدة بأحدث النظم العالمية، الأسد اتهم المعارضة والمعارضة وجهت سهام الخيانة للنظام، بينما أجمع متخصصون أمنيون أن مسرح اغتيال آصف لا يمكن اختراقه من أي جماعة عادية على الإطلاق.
لماذا أشعل اغتيال “شوكت” أزمة في المجتمع الدولي؟
كان يومًا غير عادي، اجتماع عملياتي على أعلى مستوى يقوده صهر بشار الأسد لبحث وسائل تأمين دمشق بعدما تفجر الصراع العسكري على الأرض، كانت هذه الأيام حبلى بالكثير من التكهنات عن انهيار حلف بشار وأسرته، تردد كثيرًا أن آصف نائب وزير الدفاع وقتها وصهر الأسد، يؤيد إجراء حوار مكثف مع المعارضة غير المسلحة لإيجاد سبل للحل، خصوصًا أن الثورة السورية كانت في بدايتها والعمل العسكري وعمليات الانشقاق من الجيش ما زالت تحت السيطرة.
حذر شوكت من ازدياد رقعة الجيش النظامي السوري، إذا ما استمر النظر للمعارضة بهذا الشكل المتعالي، يعرف هواة التاريخ أن الغرف المغلقة للدوائر العليا لأي نظام حكم مطلق، إذا ما طرحت فيها هذه الأنواع من الحلول، فهذا يعني أنك تقف في مربع الأعداء، في اللحظات التاريخية تلك لهذه الأنظمة، إما أن تكسب أو تخسر كل شيء.
اعتادت أمريكا طوال عام 2011 تشديد نبرة الحديث عن العقوبات وحق الشعب السوري في تقرير مصيره وفقًا للنظم الديمقراطية المتعارف عليها عالميًا
في نفس الأسبوع الذي حاولت جماعات معارضة استهداف قصر بشار جرى اغتيال شوكت، وهو التبرير الذي لجأ إليه النظام السوري لغسل يده من قتل أحد أقوى رجاله، خصوصًا أن غالبية القوى الأوروبية والدولية، وجهت سهام الاتهام بتصفية آصف صوب الأسد وحده، ومن وقتها بدأت مرحلة التحضير لما بعد بشار، كان أوباما أول الذين بدأوا سيناريو التخلص من الأسد، وشكل فريق عمل من البنتاغون وأقوى الأجهزة بالوزارات المعنية بالأمر، وكلفهم بوضع خطط ما بعد النظام السوري، وبعد تشكيل الفريق، تحدث أوباما بشكل واضح وطالب الأسد من على منصة الأمم المتحدة بالرحيل.
“طريق الديمقراطية يعترضه الكثير من المصاعب ويجب رحيل نظام بشار الأسد”
من كلمة الرئيس الأمريكي باراك أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر 2012.
كان خطاب أوباما في الجمعية العامة الأقوى والأوضح، دون مواءمات أو تنازلات، عمليات القتل والتصفية لرجال النظام السوري المعارضين لبشار، أوصل الرسائل الواضحة لأمريكا للتخلي عن سياسة مسك العصا من المنتصف التي سبقت هذا الخطاب، كانت أمريكا تطالب الأسد طوال الأشهر الأخيرة في عام 2011 بالتنحي طواعية احترامًا لشعبه، ولكن لم تكن النبرة قوية، بل كانت تترك البراح لما يمكن أن يحدث حال تراخي التظاهرات أو إذا استطاع الأسد بعلاقاته مع طبقات المجتمع المختلفة، إيجاد حل سلمي للأزمة.
اعتادت أمريكا طول عام 2011 تشديد نبرة الحديث عن العقوبات، وعن حق الشعب السوري في تقرير مصيره وفقًا للنظم الديمقراطية المتعارف عليها عالميًا، وقالت إنها ستسد النوافذ الاقتصادية على بشار ورجاله، ولن تترك له مجال لتمرير أي تعاملات مالية حتى يتوقف عن جر الدولة السورية إلى الهلاك.
باراك أوباما وهيلاري كلينتون يطالبان بشار الأسد بالتنحي 2011
كثير من المتابعين لخط سير الأزمة السورية، يرى أن اغتيال آصف شوكت عام 2012، كان نقطة تحول غير عادية، سواء في المواقف الدولية المؤيدة أم المعارضة، تصفية شخصية بحجم صهر بشار أقوى رجل أمني داخل النظام، فتح الباب للأسد للتمسك بالسلطة حتى النهاية، دون منغصات أو ضغوط تدفعه لعمل توازنات للسيطرة على الجبهة الداخلية، لمنع المزيد من الانشقاقات.
يبرر أصحاب هذا الرأي، أن بشار لجأ لاستخدام الأسلحة الكيميائية المحرمة دوليًا، بعد مقتل شوكت بأشهر قليلة، خصوصًا أنها لم تستخدم ضد المتمردين والمدنيين، إلا بعد هذا التاريخ، وكأن شوكت وبعض رجال المعسكر التابع له، كانوا يقفون ضد هذه التصرفات، لمنع تدويل الأزمة والرقص على جثة الدولة السورية الموحدة من الجميع.
صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، حققت وقتها في تفاصيل هذا التفجير، واستطاعت الربط بينه وبين وجود فتن وانقسامات في عائلة الأسد، ومن يدعمونها إقليميًا ودوليًا ويرفضون إجراء أي حوار مع جماعات الإسلام السياسي على وجه التحديد، وهو ما كان يضع آصف شوكت على لائحة القادة الذين يجب التخلص منهم تجنبًا لإثارة الانشقاقات والمواقف الملتبسة بين رجال النظام السوري.
كان مناف طلاس أحد أهم رجال النظام السوري وأحد أقوى المقربين لآصف شوكت قد انشق عن صفوف النظام قبل أسبوعين من مقتل صهر بشار، بعدما اكتشف زرع ست عبوات ناسفة خارج مكتبه في دمشق، ليفهم الرسالة سريعًا ويجري اتصالات بالخارج لتأمين عملية خروجه من البلاد
المعلومات التي توصلت إليها “وول ستريت” تعاملت معها كأي وسيلة إعلامية محترفة في أمريكا وطلبت مقابلة بشار الأسد للحديث معه فيما تحت أيديهم من معلومات، إلا أن مكتب رئاسة الجمهورية السوري التابع لبشار، رفض السماح لمراسل الصحيفة بإجراء حوار مع الأسد، لفك طلاسم عملية قتل آصف شوكت، وكذلك رفض كبار رجال الأمن الحديث مع هذه الصحيفة تحديدًا أو الإدلاء بأي معلومات عن قتل صهر الرئيس.
كان مناف طلاس أحد أهم رجال النظام السوري وأحد أقوى المقربين لآصف شوكت انشق عن صفوف النظام قبل أسبوعين من مقتل صهر بشار، بعدما اكتشف زرع ست عبوات ناسفة خارج مكتبه في دمشق، ليفهم الرسالة سريعًا ويجري اتصالات بالخارج لتأمين عملية خروجه من البلاد، ونجح بالفعل في مغادرة سوريا، وفور وقوع عملية اغتيال نائب وزير الدفاع، أكد طلاس أن النظام السوري يقف وراء التفجير بالتعاون مع إيران، واتهم فيلق القدس تحديدًا بتنفيذ العملية.
بلا قيود: العميد السوري المنشق مناف طلاس
اعترف طلاس بصحة معلومات الإعلام الأمريكي، وقال في العديد من المقابلات التليفزيونية، إن صهر بشار كان يدعم بشدة ضرورة إجراء محادثات مع كل معارضي النظام، وبعكس الشائع، أن شوكت كان يدعم الحوار فقط مع المعارضة السلمية، قال طلاس إنه كان يدعم أيضًا الحوار مع المسلحين، خصوصًا أنه كان مقتنعًا أن الذي استدرجهم إلى حمل السلاح، النظام السوري الذي رفض كل سبل الحوار، الأمر الذي يخالف رؤية بشار وعائلته التي تسيطر على جميع منافذ القوة والسلطة، واتخذت موقفًا واضحًا من أول يوم لاندلاع الاحتجاجات، بالتعامل معها بأقصى درجات العنف والقوة.
هل كان آصف شوكت يرفض العنف فعلاً؟
رغم الكثير من الشواهد التي تؤكد مطالبة آصف شوكت للنظام بالابتعاد عن العنف واللجوء للحوار لتسوية الأزمة السورية، فإن ملف الرجل لا يشير مطلقًا إلى شخصية تنبذ العنف والدماء، بل ربما العكس، بداية من عملية تصعيده داخل جدران النظام السوري، وهو ابن العائلة متوسطة الحال البعيدة تمامًا عن الطائفة العلوية الحاكمة لسوريا، إلا أن طموحه الذي حول نشاطه من العمل بمؤهله الذي حصل عليه من كلية الحقوق، جعله يبحث عن مواطن القوة والسيطرة، وانتهى به متطوعًا في الكلية الحربية عام 1976، وتخرج منها برتبة ضابط اختصاص مشاة عام 1979.
شارك شوكت فيما سمي بحوار الصدام المسلح الذي جرى بين السلطة آنذاك، وجماعة الإخوان المسلمين، تطوع الرجل الذي كان يسعى باندفاع الصاروخ إلى التقرب للعائلة الحاكمة التي تسيطر على جميع مراكز القيادة في الجيش السوري، بقيادة سرية الاقتحام في الوحدات الخاصة، وكان في القلب من مشهد حوادث حماة الشهيرة، ودمر آصف وسريته منازل حي الحاضر، وقام باعتقالات وتصفية جسدية، بحسب البحث في سيرته من العديد من المصادر حتى القريبة من النظام السوري.
مع عدم خضوع آصف للتهديدات، ألقي القبض عليه بواسطة رجال باسل، وظل بالسجن ولم يفرج عنه إلا بتدخل بشرى التي ضغطت على حافظ الأسد الرئيس السوري الأسبق
ترقى شوكت بعد حادث حماة من الوحدات الخاصة فانتقل إلى المخابرات، وساهم للمرة الثانية في إخضاع تمرد حلب، وفي ظروف غير طبيعية أصبح سفيرًا في الأردن ثم الهند وإيطاليا، واتهم بقتل مواطن أردني عام 1983، ثم قتل موظف أردني آخر في أثينا، كما وُجه له اتهام عام 1985، بالتخطيط للهجوم على السفارة الأردنية في روما، وتهديد مصالح أردنية في مدريد؛ كان الهدف من تلك الرسالة إرهاب الأردن الذي فتح أبوابه للعوائل السورية التي هربت من عنف الأسد.
مرة آخرى يصعد آصف إلى ترقي مختلف، يسند إليه مسؤولية حماية القصر الجمهوري، وبشكل خاص الدكتورة بشرى حافظ الأسد، واستطاع أن يوقعها في شباكه وطلبها رسميًا للزواج، ولم يجد معارضة قوية إلا من شقيقها باسل الذي رفض مشروع الزواج بقوة، بسبب كبر سن شوكت بعشر سنوات عن شقيقته من ناحية، وضعف مستوى عائلته وضحالتها أمام عائلة الأسد.
ومع عدم خضوع آصف للتهديدات، ألقي القبض عليه بواسطة رجال باسل، وظل بالسجن ولم يفرج عنه إلا بتدخل بشرى التي ضغطت على حافظ الأسد الرئيس السوري الأسبق، لينقل آصف إلى دائرة التجنيد العامة، معزولاً عن الجميع، يفكر كيف يتخلص من هذه الحالة التي فرضت عليه لقتله معنويًا.
في ظروف غامضة عام 1994، قتل باسل الأسد بسبب قيادة السيارة بسرعة جنونية في أجواء ضبابية وعواصف، إلا أن مقتله دار حوله الكثير من الشبهات، وفي النهاية اعتبر الحادث قضاء وقدر، وأُغلق معه ملف الزواج نهائيًا بين آصف وبشرى احترامًا لدماء باسل، ولم يجد الحبيبان بديلاً عن الهرب للخارج إلى إيطاليا والزواج سرًا.
اضطر حافظ الأسد بعد فترات من المطاردة لإقرار المصاهرة مع شوكت حفاظًا لعرض ابنته، ليستثمر آصف الفرصة ويوطد علاقته بالعائلة، ويقوي علاقة صداقته مع بشار الذي عاد لملء فراغ أخيه، ومن وقتها صار شوكت الرجل الذي لا ترد له كلمة في المؤسسة العسكرية السورية، حتى لقي مصرعه هو الآخر، دون أن يصل قطار الحقيقة إلى أصحابه، ويعرف من خلاله، إن كان آصف جانيًا أم مجني عليه!