منذ انطلاق العملية العسكرية لتحرير الحديدة اليمنية من قبضة المليشيا الحوثية الموالية لإيران، منتصف الشهر الماضي وحتى توقفها لأربع مرات متتالية بضغط أممي للسماح للمبعوث الأممي مارتن غريفيث بإقناع الحوثيين بتسليم المحافظة دون قتال، لم يطرأ أي جديد على مبادرته سوى ما تم تسريبه أنه يعمل فقط لشرعنة انقلاب الحوثي على الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وإنقاذ الحوثيين من الانهيار الذي كان قد بدأ منذ اجتياح قوات المقاومة الوطنية المشتركة التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة لمطار الحديدة في الـ19 من يونيو الماضي.
توقفت الحرب في محافظة الحديدة إذًا بفعل الضغط الأممي الشديد على التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وعلى الحكومة اليمنية التي ترفض أي حوار مع مليشيا تضع شروطًا للتفاوض ومن ثم ترفض الالتزام به، ولم تعد الحرب على أشدها كما انطلقت واستطاعت الوصول إلى قلب مطار الحديدة في غضون ساعات قليلة منذ انطلاق عملية السهم الذهبي لتحرير ميناء ومحافظة الحديدة قبل أن تتدخل الأمم المتحدة بتوقيف تلك العمليات العسكرية، إلا بشكل متقطع، وتعمل فقط على حماية الأماكن التي استعادتها القوات المشتركة، فضلًا عن التعزيزات العسكرية التي ربما وضعت ساعة الصفر لانطلاق عملية أخرى.
المبعوث الأممي مارتن غريفيث عندما التقى بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعدن في الـ10 من شهر يونيو الماضي، بعد لقاء جمعه مع الحوثيين مطلع الشهر ذاته، أبلغ الرئيس هادي أن الحوثيين على استعداد لتسليم الحديدة دون قتال، وهو ما جعل التحالف العربي يوقف العمليات العسكرية لمنح فرصة للمبعوث الأممي لتقريب وجهات النظر، ومن ثم بدء العمل على تلك الخطة.
لكن سرعان ما أعلن غريفيث نقيضًا لذلك حينما أحاط الأمم المتحدة بأنه (شخصيًا) توصل إلى اتفاق مع الحوثيين بأن تشرف الأمم المتحدة على واردات ميناء الحديدة، بشرط انسحاب القوات الحكومية والتحالف العربي من المحافظة، فضلًا عن إعادة البنك المركزي إلى صنعاء وفتح مطار صنعاء الدولي، مبينًا في حديثة في تلك الإحاطة أن التحالف والحكومة اليمنية ليسا طرفان في هذا الاتفاق وليس من حقهما أن يكونا كذلك، معللًا حديثه ذلك بأن الحوثيين سلطات أمر واقع ولا بد من قبول ذلك.
كثف مسؤولون أوروبيون منذ بداية الشهر الحاليّ زياراتهم للعاصمة اليمنية صنعاء، حيث توجد السلطة المركزية والسياسية لجماعة الحوثي
حديثه أثار حفيظة اليمنيين حكومة وشعبًا واعتبروه يشرعن لمليشيا انقلبت على الدولة اليمنية، بل ويجازيها على ذلك، متجاهلًا القرار الأممي 2216، ومبادرة مجلس التعاون الخليجي واتفاقية السلم والشراكة التي وقعتها الأطراف اليمنية مع الحوثيين والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وييدو أن المجتمع الدولي، وخصوصًا منهم الأوروبيون، بدأوا في تغيير موقفهم من الحرب في اليمن، فقد كثف مسؤولون أوروبيون منذ بداية الشهر الحاليّ زياراتهم للعاصمة اليمنية صنعاء، حيث توجد السلطة المركزية والسياسية لجماعة الحوثي.
وفي 4 من يوليو زارت أنطونيا كالفو بويرتا رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن إضافة للمبعوث الخاص لوزارة الخارجية السويدية إلى اليمن، ناهيك عن الزيارات المستمرة للمبعوث الأممي ومدراء برامج الأمم المتحدة في صنعاء.
وقالت رئيسة بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن خلال لقائها بمهدي المشاط رئيس ما يسمى بـ”المجلس السياسي لجماعة الحوثيين” إن الاتحاد مهتم بشكل كبير بإيجاد حل في اليمن، وذكرت بأن الاتحاد شرح في الأمم المتحدة خطورة التصعيد بميناء الحديدة والكارثة الإنسانية التي سيخلفها على الشعب اليمني.
وأضافت: “عبرنا عن دعمنا الكامل لدور الأمم المتحدة وأكدنا لمارتن غريفيث بأنه يمكنه الاستفادة من دعمنا له”، وقالت أنطونيا كالفو بويرتا إن الاتحاد الأوروبي يعمل مع الأمم المتحدة على رفع القيود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة للسماح بتدفق السلع الضرورية وتدفق المساعدات الإنسانية لليمنيين وكذا تخصيص رحلات علاجية للمرضى ودعم علاجهم في الخارج.
شاركت السويد في صياغة البيان الرئاسي الأخير الذي صدر عن مجلس الأمن بشأن الوضع الإنساني في اليمن، كما شاركت في تنظيم مؤتمر المانحين مع سويسرا بشأن اليمن وشاركت أيضًا في المؤتمر الإنساني الأخير الذي عقد في فرنسا
وفي الـ30 من يونيو الماضي التقى مهدي المشاط المبعوث الخاص لوزارة خارجية مملكة السويد إلى اليمن وليبيا السفير بيتر سيمنبي، وظلت السويد بعيدة عن اليمن، وفق تعبير سفيرها الذي أكد أن بلده مهتم بالجانب الإنساني في اليمن وإيجاد حل للحرب على اليمن.
وشاركت السويد في صياغة البيان الرئاسي الأخير الذي صدر عن مجلس الأمن بشأن الوضع الإنساني في اليمن، كما شاركت في تنظيم مؤتمر المانحين مع سويسرا بشأن اليمن وشاركت أيضًا في المؤتمر الإنساني الأخير الذي عقد في فرنسا.
سفير فرنسا يلتقي قيادات حوثية
فرنسا هي الأخرى فتحت ذراعيها للحوثيين، وقال سفير فرنسا لدى اليمن كريستيان تيستو، إنه لا يوجد حل عسكري للأزمة اليمنية، والتفاوض السياسي باتجاه تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع يعد المخرج الحقيقي للبلاد.
وأضاف السفير الفرنسي الذي زار صنعاء في 18 من يوليو، والتقى بقيادات حوثية، أن زيارته تهدف إلى توضيح موقف باريس تجاه القضية اليمنية التي ترتكز على إيمانها بأنه لا حل عسكري للأزمة اليمنية، وعملية التفاوض السياسي باتجاه حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع هي المخرج الحقيقي لليمن، بحسب وكالة الأنباء اليمنية “سبأ”، التي يديرها “أنصار الله” (الحوثيون).
وجدت أوروبا أن التحول نحو المليشيات التي تدعمها إيران سيمثل ضغطًا على الولايات المتحدة الأمريكية، وربما قد تعلن صراحة دعمها أو التطبيع مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد نكاية بأمريكا التي عادت إيران وألغت الاتفاقية النووية
وأكد السفير الفرنسي دعم بلاده الكامل لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، مشيدًا بموقف صنعاء وتجاوبها بشأن المفاوضات، بحسب الوكالة التي نقلت الخبر.
هذا الانفتاح الأوروبي نحو الحوثيين، يشير إلى أن هناك أزمة حقيقية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بسبب إلغاء الرئيس الأمريكي دوانالد ترامب اتفاقية دول (5+1) أو ما يسمى الاتفاق النووي مع إيران، إذ تجد أوروبا أنه لا يمكن لأمريكا أن تبرم اتفاقية في عهد رئيس ويأتي آخر ويعمل على إلغائها لأنها لا تعجبه، أو من أجل مآرب سياسية أخرى.
ولهذا وجدت أوروبا أن التحول نحو المليشيات التي تدعمها إيران سيمثل ضغطًا على الولايات المتحدة الأمريكية، وربما قد تعلن صراحة دعمها أو التطبيع مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد نكاية بأمريكا التي عادت إيران وألغت الاتفاقية النووية، وتمارس مع الاتحاد دور الآمر والناهي، وهذا يشير إلى أن اليمن أصبح ساحة صراع وضغط إقليمي، ويتوقع أن تتحرك دول أوروبية رافضة لتصرفات ترامب نحو الحوثيين والمليشيات التي تدعمها طهران.
موقف الرئيس اليمني
أكثر من مرة يعلن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أن الحوثيين لا يرغبون بالسلام، وإنما يحاولون كسب الوقت بسبب تراجعهم وانكسارهم، ويجدد التأكيد على “المرجعيات الثلاثة” لإيجاد حل سياسي في البلاد.
وقال الرئيس اليمني في آخر حوار تليفزيوني أجرته معه قناة بي بي سي الدولية، إن الحكومة الشرعية واليمنيين يتمنون السلام والوصول إلى حوار سياسي وتفاهم سلام دائم في اليمن، لكن التفاهم مع الحوثيين أمر صعب للغاية وفقًا لحديثه، وهو ما يعني أن عملية السلام غير مطروحة في الوقت الحاليّ.
المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لم ينجح إلى حدّ الآن في التقريب بين مواقف فرقاء الصراع اليمني وتحقيق تقدم عملي باتجاه الحل السلمي
وقال هادي: “مع من نتفاهم، فالحوثيون يؤمنون أن الله أرسل عبد الملك الحوثي إلى اليمن من أجل حكمها، وهو المهدي المنتظر، والحوار مع من يفهم”، وأضاف: “نحن نريد الحل الدبلوماسي، لكن نحن جربنا الحوثيين، وأبرمنا معهم 180 اتفاقًا سياسيًا، منذ أن كنا في صنعاء، يوقعون معك، وعندما يتواصلوا مع إيران تمنعهم، فالقرار ليس بيدهم، القرار في طهران وبيد حزب الله في لبنان”.
https://www.youtube.com/watch?v=Apru7_TTlB8&feature=youtu.be
وأكد أن الحوثيين لن يخرجوا عن إستراتيجية إيران التي بدأت بها، مستدلًا بسيطرة إيران على العراق ولبنان وسوريا، ومشيرًا إلى حديث أحد أعضاء مجلس النواب الإيراني حينما دخل الحوثيون صنعاء الذي قال إن صنعاء العاصمة العربية الرابعة التي سقطت بيد إيران.
ومما سبق نستنتج أن المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث لم ينجح إلى حدّ الآن في التقريب بين مواقف فرقاء الصراع اليمني وتحقيق تقدم عملي باتجاه الحل السلمي، ما يبقي الحل العسكري مطروحًا من التحالف العربي والقوات اليمنية التي يدعمها، مع تغييرات محتملة في تكتيكات الحرب ومواطن تركيز المعارك.
ويبدو أن غريفيث يسعى لكسب المواقف الإقليمية والدولية لصالح خطته للسلام في اليمن وتحويلها في نهاية المطاف إلى قرار دولي ملزم لأطراف الصراع اليمني، غير أن محاولاته ما زالت تصطدم بتعنت الميليشيات الحوثية التي تتشبث ببقائها في ميناء ومدينة الحديدة وموافقتها على منح الأمم المتحدة دور رقابي ولوجستي في الميناء، فقط، وهذا ما ترفضه بشدة الحكومة اليمنية، إضافة إلى التحفظات التي تبديها دول التحالف العربي تجاه أي تحركات أممية لا تستوعب القرارات الدولية وتلبي متطلبات الأمن القومي لتلك الدول التي تبدي قلقها من التدخلات الإيرانية في المنطقة.
وجهات النظر تلك لا تمكن الجهود الأممية التي يقودها غريفيث من إيصال الأزمة اليمنية إلى أي نقطة انفراج قريبة، في ظل عدم الواقعية التي تتسم بها تلك الجهود
الحوثيون يريدون أن تشرف الأمم المتحدة على ورادات الميناء، والأمم المتحدة تريد أن تديره، بينما الحكومة اليمنية تطالب أن تمارس حقها الدستوري والقانوني في السيطرة على الميناء والمحافظة، لكن هناك فرقًا بين تسليم ميناء الحديدة من المليشيا الحوثية للأمم المتحدة والإشراف عليه، والأخير هو ما يسعى الحوثيون لتمريره.
المقترح خديعة للتحالف والحكومة اليمنية، لكن الحكومة اليمنية مصرة أن يكون تفاوضها على القرار 2216 الذي يدعو الحوثيين بالانسحاب الكامل من الأراضي اليمنية، وتسليم سلاح الدولة الذي تمت السيطرة عليه عام 2014، وهذا يصلنا إلى الجزم بأن “الحرب لن تنتهي في الحديدة والتحالف لن يقبل بذلك”.
ووجهات النظر تلك لا تمكن الجهود الأممية التي يقودها غريفيث من إيصال الأزمة اليمنية إلى أي نقطة انفراج قريبة، في ظل عدم الواقعية التي تتسم بها تلك الجهود، ودعم بعض الأطراف الدولية التي لها مصالح في إطالة أمد الحرب في اليمن.
يبدو أن الهدنة غير المعلنة في الساحل الغربي ستنتهي نهاية الشهر الحاليّ وهو ما يشكل عامل ضغط زمني إضافي على جهود المبعوث الأممي مارتن غريفيث
وحقيقة فإن تحركات غريفيث وصلت إلى طريق مسدود وإن لم يتم إعلان ذلك رسميًا، وهذا متوقع، واستفاد منه الحوثيون، فالتحركات مثلت لهم طوق نجاة مجرد أن توقفت المعارك واستغلها الحوثيون في تزايد وتيرة الحشد العسكري وحفر الخنادق وتعزيز وجودهم بمدينة الحديدة، بينما تؤكد الكثير من الشواهد أن الحوثيين لن يذهبوا إلى السلام ما لم يهزموا عسكريًا.
يبدو أن الهدنة غير المعلنة في الساحل الغربي ستنتهي نهاية الشهر الحاليّ وهو ما يشكل عامل ضغط زمني إضافي على جهود المبعوث الأممي مارتن غريفيث الذي فشل حتى الآن في تحقيق أي اختراق في مسار الأزمة اليمنية.