في الوقت الذي كان ينتظر فيه أن يتم التوقيع بالأحرف الأولى على اتفاق تقاسم السلطة والثروة بدولة جنوب السودان لإنهاء حالة الحرب في هذه الدولة العربية وإقرار حالة سلام نهائي، أعلن وزير الخارجية السوداني الدرديري محمد أحمد، تأجيل الأمر إلى الخميس المقبل، لـ”المزيد من التشاور”، فما الأسباب الحقيقية وراء هذا التأجيل؟
الاتفاق الثاني
يعتبر هذا الاتفاق الذي كان يفترض أن يوقع أول أمس الخميس، الاتفاق الثاني في مشوار المفاوضات الذي بدأ منذ 22 يومًا بالعاصمة السودانية الخرطوم، ويتضمن هذا الاتفاق تعيين خمسة نواب لرئيس جنوب السودان، كما يشمل جوانب أمنية وتقاسمًا للسلطة.
وكان الاتفاق الأول متعلقًا بالترتيبات الأمنية والاتفاق الثاني متعلق بتقاسم السلطة، وقد تم بموجبه إعلان 35 وزارةً، منها 20 وزارة لحكومة الرئيس سلفاكير ميارديت، و9 وزارات للمعارضة المسلحة التي يرأسها رياك مشار، و3 وزارات لما تسمى “مجموعة التحالف”، ووزارتان لأحزاب في الداخل، ووزارة واحدة لما تسمى “مجموعة المعتقلين”.
أشارت مصادر مقربة من المتمردين أن مجموعة رياك مشار ترغب في تعديل الاتفاق حتى توقع عليه
كما حدد الاتفاق أيضًا أعضاء البرلمان في 550 عضوًا، 332 لحكومة سيلفاكير و128 للمعارضة المسلحة و50 لتحالف المعارضة و35 لبقية الأحزاب و5 لمجموعة المعتقلين، وكان رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت قد أكد أنه مستعد لقبول اتفاق السلام لإنهاء الحرب الأهلية في بلاده وتشكيل حكومة جديدة شاملة.
وتتوسط الهيئة الحكومية للتنمية بدول شرق إفريقيا (إيغاد)، والحكومة السودانية بين أطراف الصراع في دولة جنوب السودان بغية التوصل لاتفاق سلام، وتعقد جولات مباحثات منتظمة في عدد من العواصم الإفريقية، وتناقش القضايا المتعلقة بالحكم والترتيبات الأمنية بدولة جنوب السودان، ومن ثم التوصل لاتفاق سلام.
إرجاء الاتفاق إلى موفد لاحق
هذا الاتفاق الذي كان ينتظر أن يقود إلى سلام نهائي في هذه الدولة الوليدة حديثًا، لم يكتب له أن يوقّع في الموعد المحدد، حيث حالت الخلافات بين طرفي النزاع في دولة جنوب السودان دون توقيع الاتفاق بينهما، في العاصمة السودانية الخرطوم مساء أول أمس الخميس.
وأعلن وزير الخارجية السوداني الدرديري أحمد إرجاء التوقيع “بالأحرف الأولى” على اتفاق تقاسم السلطة بين الحكومة والمتمردين بجنوب السودان “لعدم نيل نص الاتفاق موافقة كاملة من الطرفين”، مضيفًا أن لدى طرفي الصراع ملاحظات يريدان إضافتها إلى نص الاتفاق.
خلافات كبيرة بين طرفي الصراع أدت إلى إرجاء الاتفاق
الوزير السوداني أوضح أن قرار إرجاء حفل التوقيع اتُّخذ بعد توجيه جوبا كتاب بشأن نص الاتفاق، وقال إن الخرطوم تلقت رسالة من حكومة جنوب السودان تؤكد فيها أنها تنوي توقيع الاتفاق لكن لديها ملاحظات تريد إضافتها للوثيقة، وسيتم النظر في الأمر وتحديد موعد جديد لتوقيع الاتفاق بالأحرف الأولى.
ولفت إلى عدم فتح باب جديد للتفاوض بشأن نسب المشاركة بالسلطة والحكم المتفق عليها بين الحكومة والمعارضة بجنوب السودان حتى الموعد المقبل للتوقيع، وأنه “لن يتم الحديث عن النسب حتى لا تعود المفاوضات إلى مربعها الأول”، وأشارت مصادر مقربة من المتمردين أن مجموعة رياك مشار ترغب في تعديل الاتفاق حتى توقع عليه.
بداية الصراع
الصراع بين الطرفين، بدأ منذ منتصف شهر ديسمبر/كانون الأول 2013، حين أكّد رئيس دولة جنوب السودان الجنرال سلفاكير ميارديت، إحباط محاولة انقلابية على حكمه، واتهم نائبه الأول السابق رياك مشار بقيادتها، وأعلن القبض على مرتكبي هذه المحاولة.
عديد من المحللين يستبعدون توقف الحرب
منذ ذلك التاريخ، تشهد دولة الجنوب التي انفصلت عن السودان عبر استفتاء شعبي عام 2011 جولات للحرب الأهلية، يغلب عليها الطابع القبلي، بين قوات موالية لسلفاكير الذي ينحدر من قبيلة “الدينكا”، وأخرى لنائبه المقال مشار، من قبيلة “النوير”؛ ما أسفر عن سقوط مئات القتلى.
في أغسطس/آب 2015، تمّ التوصل إلى اتفاق سلام بين الطرفين، لكنه لم يفلح في إنهاء الحرب، ففي يوليو/تموز 2016 انهار اتفاق السلام مع فرار مشار إلى جنوب إفريقيا، بينما حققت حكومة سلفاكير مكاسب عسكرية في وقت تشظت فيه المعارضة.
انتهاكات إنسانية
خلفت هذه الحرب الأهلية بين القوات الحكومية والمعارضة نحو عشرة آلاف قتيل ومئات الآلاف من المشردين، كما خلقت معاناة إنسانية زادت المجاعة من حدتها في بعض مناطق البلد الذي يسكنه أكثر من 12.5 مليون نسمة، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة.
وقبل أسبوعين، قالت المفوضية الدولية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، إن 232 مدنيًا على الأقل قتلوا وتعرضت 120 فتاة وسيدة للاغتصاب في هجمات شنتها حكومة جنوب السودان وقوات حليفة لها على قرى تسيطر عليها المعارضة في ولاية الوحدة التي تحوي حقول نفط تركها عاملوها.
وأضافت المفوضية في تقرير أن تحقيقًا أجرته الأمم المتحدة أشار إلى ثلاثة قادة يشتبه بأنهم يتحملون “المسؤولية الكبرى” عن أعمال العنف التي شهدتها ولاية الوحدة في الفترة من 16 من أبريل/نيسان إلى 24 من مايو/أيار وقد تصل إلى حد جرائم الحرب.
وقال التقرير إن القوات أحرقت مسنين ومعاقين أحياء في 40 قرية خلال هجمات تهدف فيما يبدو لطرد قوات المعارضة، واتهمت المفوضية جيش جنوب السودان باتباع سياسة “الأرض المحروقة” في مناطق المعارضة بالوحدة.
خلفت الحرب الأهلية في جنوب السودان عشرات الآلاف من القتلى
في شهر فبراير/شباط 2018، قدمت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان، معلومات تشير إلى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب خلال العامين الماضيين من طرفي النزاع، وخلصت اللجنة إلى أنه تم تجنيد الأطفال في النزاع وإجبارهم على قتل مدنيين.
وفي 7 من يوليو/تموز الحاليّ، وقعت أطراف النزاع بجنوب السودان على اتفاق الترتيبات الأمنية، عقب مفاوضات استمرت أسبوعًا بالخرطوم، وقد شهد 28 من يونيو/حزيران الماضي، انطلاق مباحثات الترتيبات الأمنية غداة توقيع رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت وزعيم المعارضة المسلحة مشار بالخرطوم اتفاقًا بوقف دائم لإطلاق النار، إلا أن عديدًا من المحللين يستبعدون توقف الحرب.