اختتم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارته للخرطوم أمس الجمعة التي استغرقت يومين، التقى خلالها نظيره السوداني عمر البشير وبعض مسؤولي الدولة السودانية، في ظل أجواء التهدئة التي تسيطر على الجارتين بالقضايا الخلافية محل التوتر طيلة الفترة الماضية.
الزيارة التي تعد الأولى للسيسي في ولايته الثانية والخامسة منذ توليه منصب الرئاسة التي تأتي بعد 4 أشهر من زيارة البشير للقاهرة في 19 من مارس/آذار الماضي، كان مقررًا لها أن تكون في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو ما أثار الكثير من التساؤلات عن دلالات توقيتها الحاليّ الذي يأتي قبل الموعد المعلن مسبقًا بـ3 أشهر.
العديد من الملفات حملها السيسي في حقيبته، بعضها وضع على جدول أعمال لقائه والبشير – الذي يعد الـ22 خلال 4 سنوات – والآخر تم تأجيله، لحين انتظار ما يمكن أن يتمخض عن تلك الزيارة من تهدئة للأجواء والاتفاق على القضايا محل الجدل بين القاهرة والخرطوم، خاصة في ظل المستجدات الأخيرة التي فرضت نفسها على الساحة الإفريقية بدخول تركيا وروسيا كلاعبين أساسيين، بجانب النفوذ الذي يسعى أبناء زايد إلى توسعة رقعته في هذه المنطقة طيلة السنوات الماضية.
نقاط الخلاف
هذه الزيارة ليست كسابقاتها إثر التوتر غير المسبوق في العلاقات بين الجارتين على أصعدة كثيرة، ورغم جهود التهدئة فإن المختلف عليه أكبر بكثير من النقاط التي يمكن الاتفاق عليها، على رأس هذا التوتر النزاع بشأن مثلث “حلايب وشلاتين”، بخلاف نجاح أنقرة في وضع موطئ قدم لها في جزيرة سواكن التركية، وهو ما يقلق القاهرة بشكل كبير خشية تكرار سيناريو القواعد العسكرية التركية في الصومال.
كذك مشروع “سد النهضة” الإثيوبي الذي شارف على الانتهاء بات بمثابة كابوس للرئيس المصري، الخرطوم تدعم هذا المشروع، وما تخشاه القاهرة الآن هو أن يواصل السودان اصطفافه إلى جانب إريتريا وإثيوبيا ما قد يضعف بدوره من شوكة مصر في المفاوضات الصعبة بشأن حصتها المهددة من مياه النيل.
الخرطوم أخذت زمام المبادرة في المغازلة بتسليم عدد من أعضاء الإخوان المقيمين في السودان إلى السلطات المصرية، لتقابله القاهرة بعده بأيام بمنع رئيس حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي من دخول أراضيها
قبل عام تقريبًا اتهم البشير المخابرات المصرية بدعمها العسكري للمتمردين في إقليم دارفور ضد الجيش السوداني، وهو ما نفاه الرئيس المصري وجهاز مخابراته بشدة، غير أن العديد من الشواهد التي قدمها الرئيس السوداني أشارت إلى وجود علاقة بين القاهرة والمتمردين.
أما الخلاف الأكثر عمقًا بين الجارتين فهو في الواقع خلاف أيديولوجي حسب المراقبين، إثر اتهام القاهرة السودان بدعم حركة الإخوان المسلمين، وإيواء عناصر منها داخل أراضيها بشكل تراه السلطات المصرية تدخلًا في شأنها الداخلي يستوجب التراجع عنه.
القاهرة منعت دخول الصادق المهدي أراضيها إثر عودته من ألمانيا
مساعي التهدئة
4 زيارات قام بها السيسي للسودان في مقابل 6 للبشير إلى القاهرة خلال السنوات الـ4 الماضية، بجانب عدد من اللقاءات الثنائية التي جمعتهما على هامش اجتماعات ومؤتمرات عربية وإفريقية ودولية، كان التوتر في العلاقات والاحتقان السياسي بين البلدين السمة الغالبة على معظمها حتى لو رفعت شعارات تقول غير ذلك.
غير أنه منذ آخر زيارة للسيسي للخرطوم قبل نحو عامين في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بدأت الأجواء تسير في إطار من التهدئة بين البلدين، أعقبها زيارة البشير للقاهرة في مارس/آذار الماضي، لتبدأ الجارتان في طرق أبواب تنحية الخلافات جانبًا وتقديم قرابين حسن النوايا لفتح صفحة جديدة في العلاقات.
أن يستبق السيسي زيارته التي كان مقررها لها أكتوبر/تشرين الأول المقبل فلهذا دلالة بحسب الخبراء الذي ذهب بعضهم إلى أن الزيارة تأتي في إطار محاولات بذلت كثيرًا لإبعاد السودان عن محور (قطر – تركيا)
زيارة الخميس الماضي سبقها حالة من استقرار الأجواء حيال القضايا الخلافية على رأسها أزمة مثلث “حلايب وشلاتين” التي لوحت الخرطوم مرارًا بتدويلها من أجل ضم المثلث إلى نطاقها الجغرافي، وهو ما ترفضه القاهرة شكلًا ومضمونًا، بجانب إيواء السودان لبعض أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وهو الملف الأكثر حساسية بين البلدين منذ 2013 وحتى الآن.
الخرطوم أخذت زمام المبادرة في المغازلة بتسليم عدد من أعضاء الإخوان المقيمين في السودان إلى السلطات المصرية، لتقابله القاهرة بعده بأيام بمنع رئيس حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي من دخول أراضيها بعد عودته من ألمانيا، فيما وصف محللون ذلك بأنه مقدمة للتقارب بين البلدين وتخفيف حدة التوتر.
دلالة التوقيت
أن يستبق السيسي زيارته التي كان مقررها لها أكتوبر/تشرين الأول المقبل فلهذا دلالة بحسب الخبراء الذي ذهب بعضهم إلى أن الزيارة تأتي في إطار محاولات بذلت كثيرًا لإبعاد السودان عن محور (قطر – تركيا) بعدما حدث تقارب بينهما، إذ إنه ورغم الضغوط التي مورست على الخرطوم من (محور السعودية) منذ الأزمة الخليجية في يونيو/حزيران 2017 فإن الجانب السوداني ارتأى ألا يورط نفسه في عداء مع الدوحة محافظًا على الحد الأدنى من العلاقات معها في بداية الأمر.
ومع تطور الأحداث نجحت الجهود الدبلوماسية القطرية في احتواء الجانب السوداني ما أسفر عن تقارب شديد في العلاقات، تزامن مع دخول أنقرة على خط التقارب، حتى تجاوزت العلاقات في هذا المحور المستوى المتوقع، وهو ما أقلق أبو ظبي والرياض من جانب والقاهرة من جانب آخر.
تجنب طرح بعض الملفات للنقاش على رأسها ملف سد النهضة ومثلث حلايب وشلاتين دليل قاطع على بقاء النار مشتعلة تحت الرماد، وأن ما يحدث الآن من تقارب هو في حقيقة الأمر هدنة فرضتها المستجدات الإقليمية على الطرفين
آخرون ذهبوا إلى أن أمن البحر الأحمر كان أحد الأسباب الملحة وراء تبكير الرئيس المصري بزيارته، خاصة بعد التمدد الإماراتي في هذه المنطقة وهو ما تخشى القاهرة والخرطوم أن يتحول إلى خطر إقليمي، خاصة بعد أن أصبح وجود تركيا وروسيا أمرًا واقعًا بالسودان.
ورغم التحالف – الظاهري – بين مصر والإمارات في هذه المرحلة، فإن ذلك – وفق خبراء – تحالف مؤقت أرسى قواعده العداء ضد قطر والإخوان المسلمين، ومن ثم فمن المتوقع ألا يستمر طويلًا خاصة بعد تجاوز أطماع وطموحات أبناء زايد في منطقة البحر الأحمر السقف الذي تقبله القاهرة، ومن ثم يمثل تهديدًا وخطرًا يحدق بخاصرتها الجنوبية وعمقها الإفريقي ما يتطلب التصدي له آجلًا أم عاجلًا.
هذا بخلاف ما ترنوا إليه القاهرة من دعم الجارة لموقفها حيال سد النهضة، فيما يبقي الجانب السوداني على علاقاته القوية مع أديس أبابا، وهو الملف الذي ربما ينسف جهود التسوية والتهدئة أو يعيد العلاقات إلى غرفة الإنعاش مرة أخرى، كما حدث على مدار ما يزيد على 18 جولة مفاوضات خلال السنوات الـ6 الأخيرة.
التقارب السوداني الإثيوبي مثار قلق للقاهرة
هل حققت الزيارة أهدافها؟
الزيارة التي استغرقت يومين حققت وبنسبة كبيرة الأهداف المرجوة منها بحسب مصادر مصرية رأت أن قدرة السيسي على تخفيف حدة التوتر وفتح صفحة جديدة في العلاقات أحد أبرز مؤشرات نجاح هذه الجولة التي يراهن عليها البعض لكسر حالة الجمود حيال الملفات الحساسة.
آخرون أشاروا إلى أن حزمة الاتفاقيات التي أبرمها السيسي والبشير لدعم التعاون الاقتصادي وتعزيز التبادل التجاري أحد مكتسبات الزيارة كذلك، تأكيدًا على عمق العلاقات التاريخية والروابط الأبدية التي تجمع شعبي وادي النيل على مدار عقود طويلة وحضارات متباينة.
فيما ذهب فريق آخر إلى أن تجنب طرح بعض الملفات للنقاش على رأسها ملف سد النهضة ومثلث حلايب وشلاتين دليل قاطع على بقاء النار مشتعلة تحت الرماد، وأن ما يحدث الآن من تقارب هو في حقيقة الأمر هدنة فرضتها المستجدات الإقليمية على الطرفين سريعًا ما تنتهي بزوال المستجدات، خاصة أن الخلاف بين البلدين خلاف أيديولوجي في المقام الأول، من الصعب علاجه بالاتفاقيات الاقتصادية أو الزيارات المتبادلة.
آمال عقدها البعض على هذه الزيارة لكسر حالة الجمود والتوتر في العلاقات بين الجارتين، في مقابل ترقب وحذر من الجانب الآخر، ليبقى اللقاء الـ22 بين السيسي والبشير تحت مجهر المتابعة والتقييم، خاصة مع تجنب الجانبين الاقتراب من الملفات الحساسة.