هناك 3 أمور توضح لك هيمنة جوجل على الهواتف الذكية، ستظهر لك بوضوح إن كنت من إحدى الشركات المنتجة للهواتف الذكية وقررت اختيار نظام تشغيل للهاتف يسمح بوجود متجر يسهل على المستخدمين شراء وتحميل التطبيقات المختلفة على هواتفهم، حينها سيعرض عليك جوجل متجر جوجل للتطبيقات، إلا أنه سيفرض عليك أيضًا استخدام متصفح جوجل كروم ومحرك البحث جوجل على الهاتف لكي يسمح لك باستخدام متجره، حينها سوف تحتم عليك جوجل أن يكون محرك البحث الوحيد على الجهاز هو محرك البحث جوجل، وهو الأمر الثاني الذي تستخدمه جوجل للسيطرة على هواتف أندرويد.
الأمر الثالث هو عدم قدرة المستخدم أن يحظى بأي تطبيقات منافسة لتطبيقات جوجل على هاتفه، وذلك لهيمنة الأخير على نظام أندرويد بالكامل واحتكاره لها بشكل يقضي على التطبيقات التي تنتجها الشركات المنافسة ويمنعها من الخروج إلى النور من البداية، ما سهل طريق الشركة لكي تكون عملاق التكنولوجيا الذي يستخدم تطبيقاتها ما يقارب ملياري شخص حول العالم.
على الرغم من بلاء شركة جوجل بلاءً حسنًا في حفاظها على أعداد مستخدمي تطبيقاتها بشكل متزايد يومًا بعد يوم، كانت هناك جهة حكومية قررت أن تخوض حربًا طويلة مع شركات التكنولوجيا العملاقة، لتعلن لأول مرة في التاريخ مواجهة فريدة من نوعها تخوضها شركات التقنية لأول مرة منذ بزوغ نجمها، وهي مواجهة مع الدول والحكومات والقوانين والتشريعات، لقد كان آخر هم “لاري بيج” و”سيرجي برين” مؤسسي شركة جوجل أنهم في يوم من الأيام قد يقفون وجهًا لوجه مع منفذي القوانين والتشريعات في المحاكم، إلا أن الاتحاد الأوروبي حقق لهم ذلك الكابوس الذي لم يراودهم من قبل.
كان من الواضح أن الأوروبيين أول من سيجد طريقًا جديدًا لمزيد من التحكم في بياناتهم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بشكل سيُغير من شكل حماية الأفراد لبياناتهم على تلك المنصات، حيث قرر الاتحاد الأوروبي إعادة السلطة للأفراد بدلًا من كونها مركزية القرار لدى شركات مواقع التواصل الاجتماعي، لقد نظر الاتحاد الأوروبي لمستخدمي تلك المواقع على أنهم مواطنون وليسوا فقط مستخدمين افتراضيين في واقع افتراضي، وما يسري عليهم من قوانين حماية المواطن من استغلال بياناته على أرض الواقع سوف يسري عليه أيضًا في الواقع الافتراضي على مواقع التواصل الاجتماعي.
اعتمد كل من البرلمان والمجلس الأوروبي في شهر أبريل/نيسان من العام الماضي “اللائحة العامة لحماية البيانات” التي تم البدء في تنفيذها في الـ25 من مايو/أيار الماضي، حيث تمكن تلك اللائحة الأفراد من التحكم في بياناتهم الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي لحمياتهم من استغلال معلوماتهم لأغراض تجارية أو سياسية، من خلال إلقاء مواقع التواصل الاجتماعي الضوء على ما في جعبتها من معلومات المستخدمين، وبالتالي يكون للمستخدم الحق الكامل في التحكم في تلك المعلومات أو مسحها إن أراد.
الاتحاد الأوروبي يغرم جوجل 5 مليار دولار
قرار المفوضية الأوروبية لتغريم جوجل أكثر من 5 مليارات دولار بسبب خرقها لقوانين مكافحة الاحتكار
لم تكن اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية مجرد رد فعل غاضب لممارسات شركات التكنولوجيا التي تستغل بيانات المستخدمين دون علمهم، بل تلزم اللائحة العامة كل شركة تخالف مواد اللائحة دفع غرامة تساوي 4% من دخلها السنوي، وإن كانت تلك النسبة لا تساوي 24 مليون دولار فسوف يتعين عليها دفع ذلك المبلغ في حالة المخالفة.
لم تكن تلك محاولة الاتحاد الأوروبي الأخيرة لوضع حد لممارسات شركات التقنية غير القانونية، إذ قررت لجنة “المنافسة التجارية” تغريم شركة “جوجل” 5 مليارات دولار غرامة بسبب ممارساتها غير القانونية بخصوص احتكارها للعمل على هواتف أندرويد من خلال المتصفح جوجل كروم وخرائط جوجل ومحرك البحث الوحيد محرك بحث جوجل، حيث وجدت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي للمنافسة مارجريت فيستغار أن على جوجل التوقف عن تلك الممارسات الاحتكارية التي تمنع أي صانع ومنتج لهواتف أندرويد الذكية من استخدام تطبيقات أخرى ربما تكون أفضل حالًا من تطبيقات جوجل.
استمرت جوجل في احتكار تطبيقات هواتف أندرويد لمدة طويلة من الزمن وحان الوقت لأن تتوقف مارجريت فيستغار رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي للمنافسة
كان رد جوجل الرسمي من خلال المدير التنفيذي للشركة سوندار بيشاي يفيد بأن الشركة تؤمن أنها قدمت كثيرًا من الخدمات التي كانت محل ثقة ورضا من المستخدمين الأوروبيين أضافت لهم خبرة دولية مختلفة، ولهذا فالشركة تطعن في قرار الاتحاد الأوروبي بتغريمها 5 مليارات دولار، بالإضافة إلى أن جوجل بالفعل تقوم بتجارة تنافسية على عكس ما يدعي الاتحاد الأوروبي، وأنها تقدم خدمات وتطبيقات بأسعار أرخص من منافسيها، بالإضافة أيضًا لوجود شركة آبل كمنافس قوي في السوق الأوروبي لجوجل.
لم تجد رئيسة المفوضية الأوروبية رد جوجل مناسبًا للاتهامات التي أُلحقت بالشركة، وذلك لأن نظام تشغيل آبل ios غير متوفر في الأسواق بسبب عدم ترخيص الشركة به لأي شركة تنتج هواتف ذكية كما هو الحال في نظام تشغيل أندرويد، بالإضافة إلى رؤية الاتحاد الأوروبي أن المشكلة ليست في الشركات الأخرى وإنما تكمن المشكلة الحقيقية في سلوك شركة جوجل غير القانوني الذي يحتكر نظام تشغيل أندرويد بحيث لا يبقى هناك أي مجال للمنافسة من التطبيقات ومحركات البحث الأخرى.
على الرغم من وجود تطبيقات كثيرة مختلفة يمكن للمستخدم الاختيار من بينها، فإنه حينما يكون الأمر متعلقًا بالتطبيقات المحورية التي تتحكم في أغلب نشاط المستخدم اليومي على هاتفه فسنجد أن تلك التطبيقات متوفَرة من شركة جوجل، مثل محرك البحث جوجل أو البريد الإلكتروني GMAIL أو المتصفح Google Chrome، ولهذا وجدت المفوضية الأوروبية للتنافس أن جوجل تحرم المستخدم من حرية الاختيار وتفرض عليه تطبيقات تحتكر الجزء الأكثر أهمية الذي يستخدم جل المستخدمين هاتفهم الذكي من أجله.
ترى مفوضية الاتحاد الأوروبي للتنافس أن جوجل تحرم المستخدمين من حرية المستخدمين لاختيار التطبيقات، كما تحرم الشركات الأخرى من الابتكار والإبداع بسبب ممارساتها الاحتكارية
ترامب يجد غرامة جوجل إهانة للولايات المتحدة!
I told you so! The European Union just slapped a Five Billion Dollar fine on one of our great companies, Google. They truly have taken advantage of the U.S., but not for long!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) July 19, 2018
تغريدة دونالد ترامب يقول فيها “لقد أخبرتكم من قبل! الاتحاد الأوروبي يغرم واحدة من أعظم شركاتنا، شركة جوجل، من الواضح أنهم استغلوا نفوذ الولايات المتحدة ولكن ليس لوقت طويل”
حينما أُسست شركات وادي السيليكون المختلفة من آبل وجوجل وأمازون لم يكن أبدًا في الحسبان أن تكون تلك الشركات حدًا جديدًا من الحدود الأمريكية، وأن يكون الاعتداء عليها مثل انتهاك الحدود الأمريكية، ولم يكن في الحسبان أن تكون شركة جوجل مثلًا سببًا رئيسيًا لشن حرب تجارية على الاتحاد الأوروبي، إلا أن كل ذلك تحول إلى واقع بعدما أعلن الاتحاد الأوروبي عدم تراجعه عن تغريم شركة جوجل مبلغ 5 مليارات دولار نتيجة لسلوكها غير القانوني ومنافستها غير الشريفة في مجال التقنية.
لم يجد دونالد ترامب ذلك القرار يخص شركة جوجل فحسب، بل وجده قرارًا يعلن هيمنة على السياسة الأمريكية، ووجده انتهاكًا للولايات المتحدة وليس فقط تغريمًا لشركة أمريكية، وهذا يثبت وجهة نظر الاتحاد الأوروبي وقلقه من القوة المحتملة التي قد تتحلى بها شركات التكنولوجيا سياسيًا في المستقبل، وتأثيرها الضخم على أعداد هائلة من المستخدمين تتحكم في معلوماتهم و نشاطاتهم اليومية بشكل كبير.
أمام جول 90 يومًا لوقف الممارسات غير القانونية والسماح للسوق باستخدام أنظمة أندرويد مختلفة
تعتبر عقوبة الاتحاد الأوروبي هي الثانية على شركة جوجل خلال سنة واحدة، كما ينوي الاتحاد الأوروبي البحث مجددًا في ممارسات الشركة في كثير من المجالات منها الدعاية والإعلان ضمن سياسة وضع لها الاتحاد الأوروبي اسم “قانون مكافحة الاحتكار” لشركات التكنولوجيا العملاقة، كما بينت المفوضية الأوروبية أن القانون لا يستهدف الشركات الأمريكية فحسب، حيث لا توجد علاقة بين جنسية الشركة وقرار المفوضية الأوروبية بمعاقبتها.
ترغب المفوضية الأوروبية للتنافس بتحقيق توازن في سوق شركات التقنية يسمح للشركات الناشئة أن تجد مجالًا للدخول ومنافسة الشركات العملاقة التي احتكرت بعض الخدمات لنفسها، بالإضافة إلى رغبتها في قيادة عصر جديد من الإبداع لا يقتصر فقط على عمالقة التكنولوجيا وإنما يفتح الباب أيضًا لكل الشركات الصغيرة والوجوه الجديدة، للمستخدم حينها حرية الاختيار لنوع الخدمة التي يرغب في الحصول عليها من الشركة التي يختارها.