تساوت نسب التخوف والترقب والأمل قبيل انعقاد قمة هلسنكي بين رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فالأول معروف بأنه رجل المفاجآت وارتجالي لدرجة أنه اصطدم مع رجالات إدارته في أكثر من مناسبة بسبب تصرفاته التي يراها الإعلام الأمريكي غير لائقة برئيس دولتهم، أما الثاني فمعروف بحنكته وخبثه واقتناصه للفرص، كيف لا وهذه المرة الفرصة متاحة له لإثبات عودة الثنائية القطبية في النظام العالمي ودولته الذي يجد في نفسه أنه من نهض بها من الحضيض.
سوريًا، كان السوريون والمهتمون بقضيتهم من غير السوريين مترقبين لما سيؤول إليه “بازار هلسنكي” وما سيرتبه هذا البازار على مسار قضيتهم المصابة بما يشبه آفة نقص المناعة، بحيث تتأثر بأي عارض مهما كان شدته، خاصة أنه في هذه المرة متوقع أن تُرسم الخريطة الجديدة لتوزان القوى في بلدهم.
جاء الاجتماع في وقت كان النظام السوري المدعوم من الطيران الروسي يدك مناطق سيطرة المعارضة السورية المسلحة في الجنوب، وكانت المدن الجنوبية تسقط في قبضة جيش النظام كأحجار الدومينو الواحدة تلو الأخرى.
لكن، كان ما لم يكن في الحسبان، فقد جاءت القمة مخيبة للآمال على جميع المسارات، فأمريكيًا كانت صدمة الإدارة الأمريكية نفسها بالأداء السيء لرئيسها فوق المتوقع، عدا عن الصحافة الأمريكية التي شنت حملة على الرئيس قيمها الكثيرون بأنها المرة الأولى التي تحدث في البلاد بهذه الحدة، فترامب الذي قدم نفسه كوحش مستعد للانقضاض على كل خصومه سواء كانوا من الداخل أم في الخارج، وهو الذي تحدث إلى حلفائه الأوربيين والعصى بيده، وكان خشنًا معهم حتى خال للبعض أنهم الأعداء لا الحلفاء، جاء هذا الوحش في صورة أليفة وودودة أمام الرئيس الروسي، حتى وصل به الأمر ليشكك في أجهزة المخابرات الأمريكية، لا بل نعى السبب في تردي العلاقة مع روسيا إلى ما وصفه بالغباء الأمريكي.
كانت الضربة القاضية حين كان جواب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مدى صحة تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أن الكرة بشأن القضية السورية في ملعب روسيا، بأنه أعطى كرة المونديال كهدية لنظيره ترامب، مردفًا الكرة أصبحت في ملعب الولايات المتحدة الأمريكية
بالعودة إلى المقلب السوري، كان استهزاء الطرفين بالقضية السورية جليًا، ذهب بما تبقى للسوريين من أمل في المجتمع الدولي ليقف إلى جانب الشعب المكلوم ويضع نهاية للمقتلة التي أنهكت البلاد، فكلا الرئيسين ربط القضية السورية بأمن “إسرائيل” وسلامة حدودها، من جهة ترامب الذي حين سأله أحد الصحافيين الأمريكيين عن الوضع في سوريا، استرسل في إجابته لنحو دقيقة وأكثر في الحديث عن أمن “إسرائيل” وسلامة حدودها، وأن سعيهم في المنطقة كله يسري وفق البوصلة الإسرائيلية، المحاذية حدودها المفترضة للجنوب السوري ذاته الذي بدأ الروس والنظام يقضمونه يومًا بعد آخر، ليعرج بعجالة في ختام إجابته أنهم يسعون لتأمين اللاجئين السوريين، ليستدرك بوتين بلهفة ويؤكد أن بلاده أيضًا تدير الأزمة في سوريا وفقًا لمعايير الطفل المدلل “إسرائيل”.
كل هذا ولم تنته المهزلة التي قدمها الرئيسان بخصوص القضية المعقدة التي راح ضحيتها أكثر من نصف مليون مدني، ولا تزال المقتلة مستمرة، فقد كانت الضربة القاضية حين كان جواب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن مدى صحة تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أن الكرة بشأن القضية السورية في ملعب روسيا، بأنه أعطى كرة المونديال كهدية لنظيره ترامب، مردفًا الكرة أصبحت في ملعب الولايات المتحدة الأمريكية.
أيضًا لم يكن هذا الفصل الأخير من المسرح الهزلي الذي قدمه الرئيسان بشأن القضية السورية، فجاء التصرف الأخير لترامب حين رمى بالكرة لزوجته ميلانيا ترامب قائلًا “سيذهب ذلك لابني بارون”.
بعيدًا عن أداء ترامب السيء بالمجمل في المؤتمر الصحفي وما أثاره من موجة سخط في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وصل الأمر بمدير المخابرات المركزية السابق جون برينان إلى القول إنه يجب عزل ترامب من منصبه وأداء دونالد ترامب في المؤتمر الصحفي في هلسنكي يرتفع ويتجاوز حد الجريمة الكبرى والإثم، فبالنسبة للسوريين فقد “ذاب الثلج وبان المرج” كما يقول المثل السوري، أي أنه ظهر لهم جليًا حجم قضيتهم بالنسبة للمجتمع الدولي الذي لطالما تباكى على حالهم.
إن كان لا بد للسوريين البحث عن ضالتهم لحل قضيتهم المعقدة، فحتمًا لن يكون عبر بوابة المجتمع الدولي وهم في نظر هذا المجتمع ما هم عليه كما بيّن الرئيسان بكل شفافية ووضوح
فترامب وبوتين رغم تسخيفهم للقضية السورية، أظهرا الوجه الحقيقي والنظرة الأوضح للمجتمع الدولي للقضية السورية وهي أنها أولًا ينظر لها فقط من منظار مصلحة الطفل المدلل “إسرائيل” والقضية الإنسانية في سوريا مجرد لعبة يلهو بها أولادهم المدللون.
إذًا، إن كان لا بد للسوريين البحث عن ضالتهم لحل قضيتهم المعقدة فحتمًا لن يكون عبر بوابة المجتمع الدولي وهم في نظر هذا المجتمع ما هم عليه كما بيّن الرئيسان بكل شفافية ووضوح، بل باتوا مجبرين بمختلف مشاربهم واختلاف آرائهم للبحث عن حلول تنجيهم مما هم فيه من غزارة في إراقة الدم السوري.
أيضًا كشفت هلسنكي ترامب – بوتين حجم الكذب الذي مارسه من قدموا أنفسهم على أنهم ممثلون للسوريين معارضة ونظامًا حاكمًا، بل تبين أنهم ليسوا سوى بيادق رديئة وثانوية جدًا بالنسبة للدول الكبرى وهم يشابهون ترامب، أشداء على ناسهم ومرنون إلى أبعد حد أمام الآخرين.
كما أن الرئيسين الشفافين حد الوقاحة أظهرا زيف ادعاءات هذه الدول بأنها الحامية والضابطة لأمن وسلامة المنطقة وسكانها، فهم لا يجدون فيهم إلا أرقامًا والديكتاتوريات التي تقدم نفسها كقوى سيادية تحامي عن قضاياهم إلا عمالًا تستعملهم هذه الدول عند الحاجة وتنحيهم عند انتهاء صلاحيتهم.