عثرت السلطات الجزائرية أمس الأحد على طالبين فلسطينيين من غزة توفيا في شقتهما بعاصمة البلاد، وفق ما أعلنته السفارة الفلسطينية في الجزائر، ولإن استبعدت السلطات الفلسطينية حدوث عملية اغتيال فإن ذلك لم ينه الشكوك التي تحوم حول العملية وإمكانية ضلوع الموساد الإسرائيلي فيها، خاصة أن هذا الجهاز عرف بتنفيذه العديد من الاغتيالات التي استهدفت فلسطينيين في العديد من الدول.
علاقتهما بحركة فتح؟
أحمد أبو شاويش مسؤول الإعلام بالسفارة الفلسطينية في الجزائر قال إن السلطات الجزائرية عثرت الأحد على الفلسطينيين سليمان الفرا يبلغ من العمر 34 عامًا ومحمد البنا يبلغ من العمر 35 عامًا (من خان يونس بقطاع غزة) متوفيين في شقتهما بالجزائر العاصمة، مؤكدًا أنه لم تكن هناك أي آثار للضرب أو الاعتداء على جثمانيهما.
ونعت حركة فتح – إقليم الجزائر – سليمان الفرا (أمين سر المكتب الحركي الطلابي المركزي بدولة الجزائر) والطبيب محمد البنا، مؤكدة أن وفاتهما جاءت نتيجة استنشاقهما الغاز داخل الشقة، داعية وكالات الأنباء إلى توخي الحذر وعدم تداول الأقاويل التي تبث روح الفتنة.
وأكمل سليمان محمد كريم الفرا قبل أسبوعين دراسة الماجستير في العلوم السياسية تخصص علاقات دولية، وقد زاره صديقه الطبيب محمد البنا (درس الطب في الجزائر في مدينة وهران) قبل 4 أيام، حيث يمكث وعائلته في بلجيكا منذ سنوات، وفقًا لما نقلته وكالة شهاب الفلسطينية عن شقيق الفرا.
استبعدت السلطات الفلسطينية حدوث عملية اغتيال
أضاف شقيق الفرا أن شقيقه كان يستعد للقدوم إلى قطاع غزة لإقامة حفل زفافه، حيث عقد قرانه قبل 4 أشهر على فتاة فلسطينية من قطاع غزة، وأوضح أنهم بانتظار نتائج المشفى الجزائري بشأن سبب الوفاة، لافتًا إلى أن السفارة الفلسطينية في الجزائر أبدت استعدادها للتعاون مع العائلة لنقل جثمان نجلها إلى قطاع غزة.
ويقيم سليمان الفرا في الجزائر منذ 7 سنوات، حيث أنهى هناك دراسة الماجستير في العلوم السياسية تخصص علاقات دولية، ويعمل كذلك في التجارة، وفقًا لابن عمه عبدو الفرا الذي قال في حديث لنون بوست إن سليمان كان يفترض أن يتزوج قريبًا.
وأشار عبدو في حديثه لنون بوست أن والد سليمان هو المختار أبو كريم الفرا، وهو رجل إصلاح كبير ومشهور ومتواضع، وأضاف “الفقيد له 5 شباب إخوة منهم طبيب وله أخت طبيبة وله أخ متوفي”، وقد كان الفرا ناشطًا سياسيًا وتنظيميًا تابعًا لحركة فتح، وفقًا لابن عمه.
استبعاد وقوع اغتيال
استبعدت السلطات الفلسطينية حدوث عملية اغتيال، حيث نفت وجود شبهات جنائية في وفاة الشابين، وقال السفير الفلسطيني لدى الجزائر لؤي عيسى إن الأدلة الأولية تشير إلى أن وفاة الطالبين الفلسطينيين في الجزائر ناجمة عن الاختناق بالغاز، ولا يوجد ما يدل على أن ما حدث جريمة اغتيال.
السفير الفلسطيني لدى الجزائر لؤي عيسى
أضاف عيسى في اتصال هاتفي مع وكالة “وفا” الرسمية “سفارة دولة فلسطين تابعت الموضوع منذ اللحظة الأولى لتلقيها نبأ اختفاء الطالبين وعدم ردهما على الاتصالات، والجهات الرسمية في الجزائر تتابع الموضوع، ونحن في انتظار التقرير الرسمي”.
وذكر عيسى أن الطبيب الشرعي أشار بشكل أولي إلى أن الوفاة ناجمة عن اختناق بالغاز، مبينًا أن الجثمانين وهما للشابين سليمان الفرا ومحمد حميد البنا سيتم تشريحهما الإثنين، ومن ثم سيصدر التقرير النهائي وفق الإجراءات الطبيعية المتبعة.
فرضية الاغتيال؟
نفي السلطات الفلسطينية حدوث عملية اغتيال لم يضع حدًا للشكوك الكثيرة التي تحوم حول عملية وفاة سليمان ومحمد وإمكانية ضلوع الموساد الإسرائيلي فيها، خاصة أن هذا الجهاز عرف بتنفيذه العديد من الاغتيالات التي استهدفت فلسطينيين في العديد من الدول.
ومباشرة إثر إعلان خبر وفاة الشابين الفلسطينيين، كتبت هيئة البث الإسرائيلي “مكان”: “يفيد تقرير أولي بتصفية عالمين فلسطينيين من سكان خان يونس في الجزائر الليلة، وذكر أن أحدهما يدعى سليمان محمد الفرا (33 عامًا) والثاني محمد حميد البنا”.
ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب السلطات في الجزائر حتى صباح اليوم الإثنين، وما إذا كانت وفاة الشابين الفلسطينيين ناجمة عن عملية اغتيال أم مجرد حادث عادي، وسط معلومات غير مؤكدة جرى تداولها عن أن الكيان الإسرائيلي قد يكون متورطًا في قتلهما، خاصة أن الطالبين يعدان من النشطاء البارزين.
بعد تحديد الهدف يقيّم الموساد لاحقًا المعلومات الاستخبارية للبت في قتله من عدمه
سبق أن استهدف الموساد الإسرائيلي العديد من العلماء والقيادات الفلسطينية والعربية العاملة في صلب المقاومة الفلسطينية في العديد من الدول من العالم، وقليلًا ما يعلن جهاز الموساد مسؤوليته عن هذه الاغتيالات إلا أن الأبحاث التي تجري تشير إلى تورطه، وهو ما حصل مؤخرًا في تونس عند اغتيال الطيار التونسي محمد الزواري.
ويوجد في الجزائر قرابة 6 آلاف فلسطيني، غالبيتهم جاؤوا بعد اتفاقية أوسلو وميلاد السلطة الفلسطينية، ويوجد ضمن هذا العدد 1500 طالب يكملون دراستهم العليا في المعاهد والكليات الجزائرية في اختصاصات متعددة من بينها الطب والهندسة.
مراحل عمليات الاغتيال
يسند الكيان الإسرائيلي عادة عمليات قتل الفلسطينيين الذين يعتبرهم الكيان تهديدًا له إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي الخارجي (الموساد)، ويمر تحديد هدف الاغتيال من المخابرات الإسرائيلية عبر خطوات مؤسساتية وتنظيمية داخل الموساد، وكذلك المجتمع المخابراتي الإسرائيلي الأوسع والقيادة السياسية.
بعد تحديد الهدف يقيّم الموساد لاحقًا المعلومات الاستخبارية للبت في قتله من عدمه، وفي الفوائد من قتله والطريقة المثلى لتنفيذ ذلك، وبعد أن تنتهي وحدة خاصة من الموساد من الملف تنقل النتائج إلى رؤساء لجنة الخدمات الاستخبارية التي تشمل قادة منظمات الاستخبارات الإسرائيلية المعروفة باسم “فاراش” (باللغة العبرية).
اتهمت حركة حماس الموساد باغتيال محمد الزواري
بدورها تبحث فاراش عملية الاغتيال وتقدم معلومات واقتراحات، لكنها لا تملك السلطة القانونية للموافقة على العملية، فرئيس الوزراء هو المخول بذلك، أما وحدة “قيساريا” وهي فرع عملياتي سري داخل الموساد فهي مسؤولة عن زراعة وإدارة جواسيس خاصة في الدول العربية، مستفيدة من شبكة الجواسيس الواسعة في الدول العربية والشرق الأوسط لجمع المعلومات وتنفيذ المراقبة بحق الأهداف الحاليّة والمستقبلية.
وفي داخل “قيساريا” التي تأسست في سبعينيات القرن الماضي هناك وحدة تعرف بالعبرية بـ”كيدون” (الحربة) مؤلفة من قتلة محترفين ومتخصصين في عمليات الاغتيال والتخريب أيضًا، وفق ما نقلته الجزيرة عن الصحفي الاستقصائي الإسرائيلي رونين بيرغمان والخبير في شؤون الاستخبارات الإسرائيلية ومؤلف كتاب “انهض باكرًا واقتل أولًا”.