في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني، رصد “المجهر الأوروبي لقضايا الشرق الأوسط“، وهو مؤسسة أوروبية تعني برصد تفاعلات قضايا الشرق الأوسط في أوروبا، أمس الأحد ملامح حملة مشبوهة ممولة من الإمارات والسعودية، تستهدف مناهضة زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثان إلى العاصمة البريطانية التي بدأت الأحد وتستمر 3 أيام.
المجهر كشف النقاب عن حزمة من الاجتماعات المكثفة التي عقدت داخل مقر السفارة الإماراتية في لندن خلال الساعات التي تسبق الزيارة التي تعد الأولى لتميم منذ بداية الأزمة الخليجية، من أجل التحضير لبعض الفعاليات التي تهدف إلى الإساءة لقطر وأميرها في محاولة لإجهاض الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الدوحة منذ الـ5 من يونيو/حزيران 2017.
الحملة المشبوهة تم كشفها بعد ساعات قليلة من نشر الوثائق المسربة من السفارات الإماراتية في كل من مسقط والخرطوم والرباط وبغداد التي تكشف مخطط أبناء زايد للضغط على تلك الدول بسبب مواقفها من الأزمة الخليجية، استهلتها بمؤامرة تركيع سلطنة عمان ومعاقبتها، مستخدمة في ذلك عدد من الإستراتيجيات.
التقرير والوثائق كلاهما يفندان وبشكل واضح ادعاءات كل من الرياض وأبو ظبي بصغر حجم “أزمة قطر”، ويؤكدان أن القضية أكبر من مجرد أزمة اندلعت بسبب تصريحات هنا أو اتهامات هناك، فما الذي يقلق المحمدين (محمد بن سلمان ومحمد بن زايد) من التحركات الدبلوماسية للدوحة؟
تعاون مشترك
الزيارة تأتي وفقًا لوكالة الأنباء القطرية “قنا” تلبية لدعوة من رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي التي من المقرر أن يلتقيها غدًا الثلاثاء، لبحث توطيد علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، لافتة إلى أنه سيبحث الجانبان أيضًا عددًا من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، كما ذكرت أنه سيلتقي خلال الزيارة عددًا من الوزراء وكبار المسؤولين البريطانيين.
شهدت العلاقات البريطانية القطرية خلال الآونة الأخيرة مزيدًا من التقارب، عززه توافق الرؤى بين الجانبين في كثير من الملفات الإقليمية والدولية، ويعد العام الماضي على وجه الخصوص الأبرز في مسيرة تلك العلاقات على المستويين السياسي والاقتصادي.
وزير الخارجية البريطاني: “إنني قلق من بعض الأعمال الحادة التي اتخذتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين ضد شريك مهم، أدعو جميع الدول إلى اتخاذ خطوات فورية لخفض توتر الوضع والبحث عن مخرج سريع من الوضع الراهن عبر عملية المفاوضات”
في هذا العام شهدت المملكة المتحدة منتدى قطر للأعمال والاستثمار كنافذة جديدة لعلاقات البلدين في جانبها الاقتصادي، والذي شكل فرصة لضخ المزيد من الاستثمارات القطرية في بريطانيا، ما كان له أثر جيد في تخطي القطريين الحصار المفروض عليهم طيلة الأشهر الـ14 الماضية.
كما تعد بريطانيا من أوائل الدول التي تبنت موقف التهدئة منذ بداية الأزمة، وحرصت على إنهائها في أقرب وقت، كما جاء على لسان وزير خارجيتها آنذاك بوريس جونسون، حين حث دول الخليج بما فيها السعودية على تخفيف الحصار على قطر وإيجاد حل فوري للمأزق من خلال الوساطة.
وقال جونسون: “إنني قلق من بعض الأعمال الحادة التي اتخذتها السعودية والإمارات ومصر والبحرين ضد شريك مهم، أدعو جميع الدول إلى اتخاذ خطوات فورية لخفض توتر الوضع والبحث عن مخرج سريع من الوضع الراهن عبر عملية المفاوضات”، وقال الوزير البريطاني إنه سيحث هذه الدول على تخفيف الحصار عن قطر.
وفي المقابل عززت الدوحة علاقاتها مع الحليفة الأوروبية بما لم يكن قبل ذلك، فتزامنًا مع مرور العام الأول على الحصار، أعلنت وزارة الدفاع القطرية أنها أنشأت مع بريطانيا منظومة جوية لحماية المجال الجوي القطري، وكما جاء عل لسان وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد بن محمد العطية: “أنشأنا أول (سرب عملياتي) مع المملكة المتحدة”.
وأشار إلى أنه أول سرب يتم إنشاؤه في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1945، ودولة قطر والمملكة المتحدة تنشئان هذا السرب المكون من طائرات التايفون ليقوم بمهام واجب الدفاع عن الدولتين وكل المهام الدفاعية، مؤكدًا أنه سيدخل الخدمة في قطر مع نهاية عام 2021، كما أن قيادته سوف تعمل بشكل دوري بين قطر والمملكة المتحدة.
تطور قوي شهدته العلاقات القطرية البريطانية خلال العام الماضي
حملة تشويش مشبوهة
المجهر في تقريره كشف أن السلطات الإماراتية بالتنسيق مع نظيرتها السعودية تسعى إلى التشويش على زيارة أمير قطر من خلال تنظيم وقفة مناهضة لهذه الزيارة أمام البرلمان البريطاني، راصدًا توزيع بعض الدعوات غير المعلنة من السفارة الإماراتية في لندن لتنظيم الوقفة والمشاركة فيها.
الوقفة تحمل وفق ما تم كشفه عددًا من الشعارات المزعومة ضد قطر وأميرها، منها على سبيل المثال “تمويل الدوحة للإرهاب” و”التدخل في الشؤون الداخلية للدول” و”انتهاك قطر لحقوق مواطنيها والعمال الوافدين إليها”، وهي ذاتها الشعارات التي ترفعها دول الحصار منذ بداية الأزمة التي نفتها السلطات القطرية جملة وتفصيلًا.
القائمون على تلك الفعاليات تواصلوا مع بعض الإماراتيين والسعوديين الموجودين في العاصمة البريطانية بغرض السياحة من أجل استمالتهم للمشاركة في الوقفة، كما تم التواصل مع السفارة المصرية في لندن لتأمين عدد من المصريين للمشاركة كذلك، إلى جانب بعض المواطنين اليمنيين، مقابل أموال تدفع لهم، حسبما كشف “المجهر الأوروبي”.
اجتماعات يرأسها القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان الذي يعمل مستشارًا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، للإعداد لتنظيم وقفة احتجاج ضد الزيارة، وذلك بناء على تعليمات من السفارة الإماراتية في لندن
التقرير أشار إلى أن سفارة أبو ظبي عملت خلال الفترة الماضية على استمالة المعارض القطري خالد الهيل الذي يعمل – وفق بعض المصادر – لحساب الاستخبارات السعودية والإماراتية، من أجل استخدامه كواجهة لهذه الوقفات الاحتجاجية، علمًا بأنه قبل أيام كشفت بعض الرسائل المسربة من بريد سفير الإمارات في مسقط تمويل الجانب الإماراتي لمؤتمرات له بهدف تشويه سمعة قطر لسحب تنظيم مونديال كأس العالم 2022.
علاوة على ذلك رصد “المجهر” بعض المعلومات التي تشير إلى اجتماعات يرأسها القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان الذي يعمل مستشارًا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، للإعداد لتنظيم وقفة احتجاج ضد الزيارة، وذلك بناء على تعليمات من السفارة الإماراتية في لندن.
وبحسب التقرير يدبر تلك الوقفة عنصرا تنظيم جماعة دحلان في لندن عطالله الزويدي وبهاء العوام بالتنسيق مع يوسف الأستاذ ونهاد خنفر ومحمد مشارقة، حيث أُسندت مهمة الحشد الإعلامي لقناة “الغد” الممولة من الإمارات التي ستقوم ببث عدة تقارير تظهر وجود تظاهرات حاشدة في لندن، أما عملية الدعم اللوجستي فيشرف عليها الزويدي المنوط به الحشد للوقفة بالتعاون مع الجنوبيين اليمنيين والجالية الفلسطينية التابعة لدحلان في لندن.
جهد دبلوماسي مكثف
تأتي زيارة أمير قطر في إطار الجهود الدبلوماسية المكثفة التي بذلتها الدوحة – ولا تزال – منذ اندلاع الأزمة، نجحت من خلالها في وأد الكثير من المخططات والمؤامرات التي حاكتها دول الحصار ضد القطريين، عبر تحركات سياسية على كل المستويات استطاعت إقناع الرأي العام الإقليمي والعالمي بوجهة نظرها تجاه ما يجري ضدها من حصار وتصعيد.
التحركات الدبلوماسية للدوحة أسفرت كذلك عن ضمان بقاء الشعب القطري بعيدًا عن دائرة المخاطرة الناجمة عن تشديد الحصار المفروض عليه جويًا وبريًا وبحريًا – وهو الرهان الذي كانت الدول الرباعية تعتمد عليه كرهان مؤكد للضغط على النظام – عبر تنويع النوافذ والمصادر والعلاقات، سواء مع تركيا أم المغرب أم غيرها من الدول الأوروبية، وهو ما أثار حفيظة الرياض وأبو ظبي على وجه الخصوص.
تواصل الإمارات والسعودية جهودهما المكثفة لعرقلة التحركات الدبلوماسية القطرية التي نجحت في إرباك حسابات “المحمدين” في تسيير الأزمة وفق ما يحقق أطماعهما الإقليمية
ونتاجًا لتلك الجهود المبذولة طيلة الأشهر الماضية نجحت الدوحة في إحداث تغيير ملحوظ في مواقف بعض القوى حيال الأزمة، على رأسها الولايات المتحدة، حيث تحول ملف الأزمة من البيت الأبيض إلى وزير الخارجية الباحث عن حل سلمي.
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق تيلرسون اعتبر المطالب التي قدمتها دول الحصار صعبة التنفيذ، مطالبًا بحلحلة الأزمة في أقرب وقت، معربًا في تصريحات له عن أن بلاده “لا زالت قلقة بشان الأزمة الخليجية وندعم جهود الوساطة الكويتية ونطالب بتخفيف حدة الخطاب الكلامي”، فيما أعلن رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي السيناتور بوب كوركر سعيه لوقف بيع الأسلحة إلى دول الخليج العربي حتى حل الأزمة مع قطر، قائلاً “قبل أن نصدر المزيد من التراخيص خلال الفترة غير الرسمية لدراسة مبيعات التجهيزات النارية العسكرية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، نحن بحاجة إلى فهم أفضل للطريق المؤدي لحل النزاع الحاليّ وإعادة توحيد مجلس التعاون الخليجي”.
ومن ثم تواصل الإمارات والسعودية جهودهما المكثفة لعرقلة التحركات الدبلوماسية القطرية التي نجحت في إرباك حسابات “المحمدين” في تسيير الأزمة وفق ما يحقق أطماعهما الإقليمية، لتنتقل المعركة من ميادين السياسة في أروقة العواصم الخليجية والعربية إلى ساحات أوروبا وميادينها الكبيرة، في مشهد يكشف النوايا الحقيقية لدول الحصار من وراء أزمتهم المفتعلة.