وصل وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان اليوم الاثنين إلى ليبيا، قادما من تونس، للدفع باتجاه تطبيق اتفاق باريس الذي نص على تنظيم انتخابات نهاية السنة الحالية لإخراج هذا البلد العربي من أزمته المتواصلة منذ سنوات، فهل تقدر ليبيا على انجاز الانتخابات في موعدها المحدّد خاصة مع وجود أطراف داخلية وخارجية ترفض الأمر؟
جهود ديبلوماسية
الوزير الفرنسي، التقى في زيارته إلى ليبيا رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، على أن يقوم لاحقا بسلسلة اجتماعات مع مختلف الفاعلين السياسيين في البلاد لحثّهم على الالتزام بموعد الانتخابات المقرّرة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2018.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد حصل من الأطراف الرئيسية في الأزمة الليبية على رأسها رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج وقائد قوات الكرامة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، على اتفاق شفهي من دون توقيع في الـ29 من مايو/أيار في باريس، لإجراء انتخابات في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول بهدف إخراج البلاد من الأزمة السياسية والأمنية التي تتخبط فيها منذ 2011.
مجلس النواب أعلن عن عزمه التصويت على قانون للاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد نهاية شهر يوليو/تموز الحالي
تأتي زيارة جان ايف لودريان إلى تونس وليبيا في وقت رجع فيه الحديث مجددا في ليبيا عن الانتخابات كحلٍّ لإنهاء الانقسام السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد. وتسعى فرنسا إلى انجاز هذه الانتخابات في موعدها، حتى يصل حلفاؤها إلى السلطة.
وتحرص فرنسا على الدفع بعجلة الانتخابات الليبية منذ إعلان المفوضية الوطنية العليا للانتخابات رسميًا، البدء في عملية تسجيل الناخبين وتحديث السجل الانتخابي مطلع ديسمبر الماضي، حين سارعت فرنسا عن طريق سفيرتها لدى ليبيا بريجيت كورمي، إلى توقيع اتفاق مساهمة فرنسا بـ200 ألف يورو لصندوق المشروع الانتخابي الليبي، وأشارت السفيرة الفرنسية، خلال حفل توقيع الاتفاق حينها، إلى أن نجاح الانتخابات مسؤولية مشتركة بين الليبيين والمجتمع الدولي.
لقاء فائز السراج مع وزير الخارجية الفرنسي جون ايف لودريان
قبل أيام أكد اللواء المتقاعد خليفة حفتر لوزير الشؤون الخارجية التونسي، خميس الجهيناوي، التزامه بإعلان باريس ومخرجاته المتمثلة في إجراء انتخابات عامة في ليبيا في موعدها. وقال حفتر، بحسب إيجاز صحافي نشر على صفحة قيادة قواته، إنه “ملتزم بالحل السياسي وانخراطه في تنفيذ مخرجات اجتماع باريس”، مرحباً بالجهود السياسية التونسية الحريصة على عودة الاستقرار للبلاد.
وتابع حفتر أنه “أول المرحبين والداعين للانتخابات، بشرط أن تكون جهود الوصول إليها ليبية خالصة، دون تدخلات خارجية“. وبالتزامن مع ذلك أعلنت “حكومة الوفاق” التي يقودها فائز السراج حرصها على إجراء الانتخابات في البلاد في موعدها المحدد، وفق المبادرة الفرنسية، وقرّرت تخصيص مبلغ 66.12 مليون دينار ليبي لصالح المفوضية العليا للانتخابات تخصصه للتجهيز لتنفيذ الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
وقبل ذلك أعلن مجلس النواب عن عزمه التصويت على قانون للاستفتاء على الدستور الدائم للبلاد نهاية شهر يوليو/تموز الحالي، لتهيئة الوضع القانوني أمام الانتخابات المقبلة، وينص “إعلان باريس” على عقد انتخابات، بعد اتفاق الأطراف السياسية على ضرورة بناء قاعدة دستورية من خلال التصويت على مشروع الدستور المقدم من هيئة صياغة الدستور، في خطوة لإنجاز فترات الانتقال السياسي إلى المرحلة الدائمة.
الواقع يفرض نفسه
المتأمل في هذه التصريحات المتتالية الصادرة عن مختلف الأطراف الليبية، يرى من البداية أن الانتخابات ستجرى في موعدها، غير أن الواقع الميداني يؤكّد عكس ذلك، فقد سبق أن فشلت عديد من الاتفاقيات بين الفرقاء الليبيين لاعتبارات عدّة.
ويستبعد محللين انجاز هذه الانتخابات في موعدها، لوجود اختلافات كبيرة بين مختلف الأطراف الفاعلة في البلاد وتباين وجهات النظر بينها في خصوص عديد القضايا العالقة، والتي يفترض حلّها قبل التوجّه إلى الانتخابات.
وإلى الأن لا يوجد تصور لقانون الانتخابات في ليبيا، وما إذا كانت ستتم على أساس فردي أو على شكل قوائم حزبية، فضلا عن أن مجلس النواب الذي يعمل بالتشريع، لا يستطيع أن يسن قانون للانتخابات، في ظل استمرار تهديدات مجلس الدولة له بالطعن على القوانين، في حال تضمنها تقسيم ليبيا إلى 3 دوائر انتخابية.
شهدت ليبيا في 7 يوليو/تموز 2012 انتخابات المؤتمر الوطني الليبي، وبعدها انتخابات مجلس النواب عام 2014
يعتبر الوضع الأمني في ليبيا، أحد أبرز عوائق انجاز الانتخابات، فالسلاح منتشر في كلّ مكان والميلشيات تسيطر على معظم أرجاء ليبيا في ضلّ غياب الدولة المركزية وعجز حكومة الوفاق الوطني في بسط نفوذها في كامل أنحاء البلاد بعد قرابة سنتين من توليها الحكم.
ما يزيد من صعوبة انجاز هذه الانتخابات في موعدها المحدّد نهاية هذه السنة، الاختلاف الكبير بين القوى الاقليمية في خصوص المسألة الليبية، خاصة بين فرنسا وإيطاليا التي ترفض هذا الموعد وتصف المبادرة الفرنسية بالفاشلة.
وقبل أيّام حذّر المبعوث الأممي إلى ليبيا مجلس الأمن الدولي، من أن “حفنة” من أصحاب النفوذ الليبيين على استعداد لبذل كل ما في وسعهم لمنع حصول الانتخابات في البلاد. وأبلغ غسان سلامة مجلس الأمن، أنه دون رسالة واضحة من القوى الكبرى في العالم إلى “هؤلاء الذين قد يسعون لوقف أو تعطيل الانتخابات، فإنه لن يتم تحقيق الظروف الملائمة لها”، وقال “بدون توافر الظروف الصحيحة، لن يكون من الحكمة إجراء الانتخابات”.
وحذّر من أن “القلة التي استفادت من الظروف الراهنة ستبذل كل ما في وسعها لتعطيل إجراء الانتخابات”، ورغم مطالبة سلامة، فإن مجلس الأمن أنهى جلسته المغلقة دون توجيه أي تحذير لمعطّلي الانتخابات المفترضين. واتهم سلامة، في التقرير الذي قدمه إلى مجلس الأمن، برلمان طبرق بتأخير إجراء تصويت حول تشريع انتخابي، وحذّر سلامة من أن “الوضع الراهن في ليبيا لا يمكن القبول باستمراره، فالبلاد في الواقع في حالة تدهور”.
انتشار السلاح يعرقل انجاز الانتخابات
من جهته ربط رئيس المفوضية العليا للانتخابات في ليبيا عماد السائح مصير الالتزام بإجراء انتخابات في البلاد هذا العام وفق الموعد المتفق عليه، بقانون الاستفتاء على الدستور والقوانين الانتخابية التي من المفترض أن تصدر عن البرلمان في طبرق.
وقال السائح، في تصريح لوكالة أنباء “شينخوا” الصينية إن إمكانية إجراء الانتخابات الليبية خلال هذا العام من الناحية الفنية والزمنية، يتوقف على نوع العملية الانتخابية فهي من سوف تحدد إمكانية إجراء تلك الانتخابات خلال هذا العام”.
وشهدت ليبيا في 7 يوليو/تموز 2012 انتخابات المؤتمر الوطني الليبي، وبعدها انتخابات مجلس النواب عام 2014، غير أن تلك الانتخابات لم تعزز سوى للانقسام والفرقة في البلاد، ولم تساهم في وجود مؤسسات تتمتع بمصداقية من جميع الأطراف والقوى السياسية هناك.