قبل أربع سنوات من الآن، كان أنصار تنظيم الدولة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، يتفاخرون بانتصاراتهم و”فتوحاتهم” وتمددهم بعد أن نجح التنظيم في السيطرة على مساحات شاسعة من سوريا والعراق كان أهمها مدينتا الرقة والموصل، إلا أن الأمور سرعان ما تغيرت بعد سنتين من التغني بنصر سرعان ما تحول إلى هزيمة.
أواخر شهر يونيو عام 2014، خرج أبو محمد العدناني المتحدث الرسمي السابق باسم تنظيم الدولة، معلنًا عودة “الخلافة الإسلامية” وتنصيب أبي بكر البغدادي خليفة الذي تلقى بعد تنصيبه بأشهر، بيعات متتالية، من ليبيا وأفغانستان وباكستان ومصر واليمن والصومال والفلبين وغيرها من الدول التي تنشط بها الجماعات الجهادية المسلحة.
بعد أشهر قليلة من “إعلان الخلافة” وقبول بيعات عدد من الجماعات الجهادية، توسع التنظيم إلى أكثر من قارة، كما بعث بقيادات ميدانية من العراق وسوريا للإشراف على تنصيب الأمراء والمساهمة في تشكيل النواة الأولى لهذه الولايات الجديدة
في تلك الفترة، وبلغة اقتصاد السوق، كانت طلبات البيعة التي تلقاها تنظيم الدولة الإسلامية أكثر من العرض، ومرد ذلك بالأساس للهالة الإعلامية التي أحاطها التنظيم بنفسه، من خلال تصوير رفاهية الحياة داخل “أراضي الخلافة” و”عدالة الشريعة الإسلامية” والتركيز على إظهار “الفُتوحات الربانية” في إصداراتهم المصورة والمرئية ما أثر كثيرًا على نفسية متابعيهم من متبني الفكر الجهادي.
بعد أشهر قليلة من “إعلان الخلافة” وقبول بيعات عدد من الجماعات الجهادية، توسع التنظيم إلى أكثر من قارة، كما بعث بقيادات ميدانية من العراق وسوريا للإشراف على تنصيب الأمراء والمساهمة في تشكيل النواة الأولى لهذه الولايات الجديدة، على غرار ما فعله المسؤول الشرعي بالتنظيم تركي البنعلي في مدينة سرت الليبية، لكنه لم يتمكن في نفس الوقت من الإشراف المباشر على كل الولايات التابعة له، نتيجة غياب التواصل والتنسيق المباشر مع المقاتلين في جبهات بعيدة كالصومال والفلبين وأفغانستان وباكستان والقوقاز وغيرها.
عقب إعلان “عودة الخلافة” وتنصيب أبي بكر البغدادي خليفة، كثرت الخلافات الداخلية بين منظري تنظيم الدولة، بين من يرى ضرورة الاكتفاء بتقوية خطوط الدفاع والإسناد والهجوم في العراق والشام دون غيرهما، ومدافع عن نظرية التمدد لتشتيت الأعداء وإشغالهم بمعارك جانبية وكسب مقاتلين وأنصار جدد.
لم تكن الجبهات الجديدة التي فتحها تنظيم الدولة في قارات ثلاثة كلها متماسكة بقدر ما تميزت بالتباين الواضح في العدد والعدة
كذلك لم تكن الخلافات بشأن تمدد “الخلافة” من عدمه داخل الصف الأول في تنظيم الدولة الإسلامية فقط، فخصومه الآخرون من الجناح الموالي لتنظيم القاعدة تنازعوا فيما بينهم وانقسموا إلى 3 أقسام لا رابع لهم، فإما مبايع لأبي بكر البغدادي “خليفة للمسلمين” أو رافض له، وإما معتزل للفرقتين.
لم تكن الجبهات الجديدة التي فتحها تنظيم الدولة في قارات ثلاثة كلها متماسكة بقدر ما تميزت بالتباين الواضح في العدد والعدة وحجم المعارك المفتوحة والخسائر المُلحقة بالعدو، ومرد ذلك أساسًا لتاريخ وتركيبة الجماعات الجهادية هناك منذ مرحلة ما قبل إعلان الخلافة وخاصة في الدول التي شهدت احتلالاً أجنبيًا أو اضطرابات داخلية على غرار أفغانستان ومصر وليبيا.
على الصعيد التفصيلي، تعتبر “ولاية سيناء” أحد أقوى فروع تنظيم الدولة دون منازع كما أنها القوة الضاربة التي يهدف من خلالها إلى نقل المعركة إلى العمق الفلسطيني والإسرائيلي على التوالي، لكنه فشل في ذلك نظرًا لتوحد أعداء الأمس في وجهه وتنسيقهم عسكريًا واستخباريًا فيما بينهم حتى لا يقع المحظور الذي يحاول النظام الدولي بأسره منعه.
عملياتيًا، نجحت “ولاية سيناء” في إخراج القوات المصرية من معسكراتها وثكناتها إلى عمق الصحاري والمناطق الجبلية الوعرة في محافظة سيناء، لتبدأ في حرب استنزاف طويلة الأمد لم تكتب لها النهاية منذ نحو 4 سنوات، حرب راح ضحيتها الآلاف من أفراد الجيش والشرطة المصرية بين قتيل وجريح نتيجة الكمائن والتفجيرات والهجمات التي يشنها التنظيم في مناطق متفرقة من شبه الجزيرة المعزولة عن كل تغطية إعلامية.
غير بعيد عن مصر، فشل الفرع الليبي لتنظيم الدولة في الصمود أمام خصومه من التيارات السياسية والأيديولوجية المختلفة التي اجتمعت على محاربته طوال الأعوام الثلاث الماضية، وطردته من مناطق سيطرته ونفوذه إلى المناطق الصحراوية والجبلية الوعرة، على غرار ما حدث في درنة وسرت وبنغازي، حيث تقاطعت مصالح تنظيم القاعدة وفلول القذافي الموالين للمشير خليفة حفتر وقوات البنيان المرصوص التابعة لحكومة الوفاق المعترف بها دوليًا، للقضاء على التنظيم.
لم يكتف التنظيم بقبول بيعات الجماعات المقاتلة في البلدان العربية فقط، بل تمدد نفوذه إلى أفغانستان وباكستان والفلبين والصومال ونيجيريا والقوقاز، معلنًا بذلك وجوده في ثلاث قارات مختلفة بهدف إيصال رسالة بارزة مفادها “كونية الخلافة الإسلامية”
الفرع اليمني لتنظيم الدولة، لم يكن هو الآخر أوفر حظًا من نظيره الليبي رغم أن باب المقارنة بينهما لا يجوز، فالجهاديون في ليبيا نجحوا في تكوين دولة داخل الدولة الليبية المقسمة، أما جهاديو اليمن فلم يتجاوزوا مرحلة حرب العصابات غير المتوازنة مع الحوثيين وقوات التحالف الدولي، ولم يكونوا إمارات مستقلة بقدر ما حاولوا التموقع في بعض المحافظات التي تتمتع بنفوذ قبلي ساهم في دعمهم وإسنادهم في حربهم التي لم تحقق أهدافها رغم نحو 3 سنوات على بيعتهم لـ”الخليفة”.
لم يكتف التنظيم بقبول بيعات الجماعات المقاتلة في البلدان العربية فقط، بل تمدد نفوذه إلى أفغانستان وباكستان والفلبين والصومال ونيجيريا والقوقاز، معلنًا بذلك وجوده في ثلاث قارات مختلفة بهدف إيصال رسالة بارزة مفادها “كونية الخلافة الإسلامية” وعدم التمييز بين عربي وأعجمي تحت حكم “الخليفة” و”نصرة المسلمين المضطهدين في كل مكان”.
إن تنظيم الدولة الإسلامية خسر كثيرًا من توسعه وتمدده غير المحسوب خارج العراق وسوريا، فكثير من جبهات القتال أضرت به أكثر مما نفعته نتيجة الهزائم التي لحقت بمقاتليه هناك وتدمير بنى تحتية بأكملها مثلما حدث في ليبيا والفلبين
رغم تعدد هذه الجبهات، فإن نصفها فقط شهد معارك مشتعلة وسيطرة على مدن بأسرها، مثلما حدث في مدينة ماراوي الفلبينية وإقليم بحيرة تشاد بنيجيريا (الإقليم يضم أربع دول هي نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر) وفي إقليم ننجرهار بأفغانستان، لكن هذه المناطق سرعان ما تم استعادتها من طرف القوات الحكومية رغم تواصل معارك الكر والفر في بعض الأحيان.
يمكن القول، إن تنظيم الدولة الإسلامية خسر كثيرًا من توسعه وتمدده غير المحسوب خارج العراق وسوريا، فكثير من جبهات القتال أضرت به أكثر مما نفعته نتيجة الهزائم التي لحقت بمقاتليه هناك وتدمير بنى تحتية بأكملها مثلما حدث في ليبيا والفلبين، كما أن فرعيه المهمشين في الصومال والقوقاز، لم يستطيعا تحقيق المطلوب منهما بنقل المعركة إلى العمق الإفريقي والروسي لتخفيف الضغط على المقاتلين في جبهات القتال بالعراق وسوريا بل ربما ساهمت في إلحاق أعباء معنوية ومادية عليه، والحديث عن ذلك قد يُبسط في مقال قادم.