مع انقضاء الأشهر والأيام وبداية العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في الجزائر المنتظر أن تجرى في أبريل/نيسان القادم، تتزايد دعوات المعارضة لاتخاذ كل الإجراءات للحيلولة دون ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة، وآخر هذه المبادرات تمثلت في تعالي أصوات معارضين تلح على تدخل الجيش لتحقيق ما أسموه “الانتقال الديمقراطي”، لكن هذه الدعوة صنعت جدلاً بشأن أي ديمقراطية يتحدثون وتكون المؤسسة العسكرية من تقف وراءها وهو ما يتناقض مع مبادئ الدولة المدنية المنشودة.
لا أحد ينكر في الجزائر أن مؤسسة الجيش كانت دومًا لها حضور في صناعة رؤساء البلاد وفي مختلف القضايا الأخرى، بالنظر إلى ارتباطها بجيش التحرير الوطني الذي كان وراء تحقيق الاستقلال في يوليو 1962، كما تمثل بالنسبة لآخرين المؤسسة التي ما زالت تلقى احترامًا وقبولاً لدى المواطنين رغم الاتهامات التي توجه لها من حين لآخر.
الإخوان أول المبادرين
رغم أن مبادرة الاستنجاد بالجيش لإخراج البلاد من الوضع الحاليّ سبق لها أن طرحت قبل اليوم من طرف شخصيات مختلفة، فإنها عادت هذه المرة بقوة بعد أن جاءت الدعوة من رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري المحسوب حزبه على تيار الإخوان ويصنف على أنه أكثر الأحزاب الإسلامية انتشارًا وتمثيلاً في البرلمان.
وباشر مقري منذ أيام مشاورات مع مختلف الأحزاب حتى تلك التي تناقض أفكار حركته، وذلك لإقناعهم بمبادرة التوافق التي يدعو إليها وتتضمن دعوة الجيش لتأمين العملية السياسية قبل الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في أبريل/نيسان المقبل.
مقري: “بكل التجارب الناجحة للدول التي حدث بها انتقال ديمقراطي، كان للمؤسسة العسكرية دور مرافق بتلك العملية وهذا ما دعونا إليه في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية في أبريل من العام القادم، فمبادرتنا أن تضم الجميع، سلطة ومعارضة ومؤسسات ونقابات ومجتمعًا مدنيًا وأن يكون للمؤسسة العسكرية دور فيها”
وقال مقري في تصريحات صحفية: “لقد تلقينا ردودًا إيجابية بحركة مجتمع السلم عن مبادراتنا الساعية لإخراج بلادنا من أزمتها الحاليّة وهذا هو المهم من وجهة نظرنا”.
لكن الاستنجاد بالمؤسسة العسكرية جلب له وابلاً من الانتقادات خاصة من الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني)، بما أن هذه المبادرة هدفها الرئيس منع بوتفليقة من الترشح والفوز بولاية خامسة.
غير أن مقري وضح موقفه قائلاً: “بكل التجارب الناجحة للدول التي حدث بها انتقال ديمقراطي، كان للمؤسسة العسكرية دور مرافق بتلك العملية وهذا ما دعونا إليه في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية في أبريل من العام القادم، فمبادرتنا أن تضم الجميع، سلطة ومعارضة ومؤسسات ونقابات ومجتمعًا مدنيًا وأن يكون للمؤسسة العسكرية دور فيها”.
ويقول مقري إن مبادرته مبينة على أنتكون المؤسسة العسكرية الضامن لانتقال ديمقراطي سلس، يكون فيه نقاش موسع لا يستثني أحدًا للاتفاق على اختيار رئيس جمهورية توافقي ورئيس حكومة توافقي أيضًا ورؤية إصلاحية سياسية واقتصادية.
مجموعة 14 تدخل الخط
يبدو أن مبادرة إخوان الجزائر تلقى تأييدًا من جهات في المعارضة في مقدمتها مجموعة 14 التي دعت بوتفليقة إلى عدم الترشح لولاية خامسة وعدم الاستجابة لدعوات أحزاب الموالاة التي تناشد الرجل الماكث في أعلى منصب في الدولة لأربع ولايات.
سبق لحزب جلالي سفيان وتيار الإخوان وأعضاء من مجموعة 14 أن اتحدوا في 2014 تحت لواء تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي قاطعت رئاسيات ذلك العام، ودعت وقتها بوتفليقة لعدم الترشح لولاية رابعة بعد أن ساء وضعه الصحي عقب النوبة الإقفارية التي تعرض لها في أبريل 2013
لم تصدر المجموعة بيانًا صريحًا تدعم فيه مبادرة الإخوان، إلا أن رئيس حزب جيل جديد جلالي سفيان المنتمي إليها يؤيد الفكرة، رغم أنه لم يخف تخوفاته من أن تكون مبادرة حركة مجتمع السلم تخفي وراءها مساومات براغماتية من تيار الإخوان للجيش.
وسبق لحزب جلالي سفيان وتيار الإخوان وأعضاء من مجموعة 14 أن اتحدوا في 2014 تحت لواء تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي قاطعت رئاسيات ذلك العام، ودعت وقتها بوتفليقة لعدم الترشح لولاية رابعة بعد أن ساء وضعه الصحي عقب النوبة الإقفارية التي تعرض لها في أبريل 2013.
وحسب جلالي سفيان، فإن “أفضل خيار اليوم يتمثل في دعوة المؤسسة العسكرية لمرافقة الانتقال السلس للسلطة، لكن أن يكون تدخلها مقتصرًا على أن تقوم برعاية الانتقال لا أن تفرض سلطة أو حكمًا”.
ويعتبر سفيان “الجيش هو المؤسسة الوطنية الوحيدة التي تتمتع بمصداقية في الوقت الراهن، ولكن لا نطالب بإقحامه بشكل مباشر أو دفعه لتولي السلطة، فهذا قد يكون له خطر على المؤسسة وعلى الجزائر ككل، إننا فقط نطلب من الجيش أن يرعى ويرافق التغيير المطلوب لمستقبل الجزائر وشعبها”.
وأضاف ” ندعو الجيش لرعاية حوار وطني مع الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني للتوافق على برنامج عمل يفتح أفقًا جديدًا بالحياة السياسية والاقتصادية بالجزائر”.
غضب حزب بوتفليقة
لكن هذه الدعوات المتوالية لإشراك الجيش في العملية السياسية لم تمر مرور الكرام على حزب جبهة التحرير الحاكم الذي يرأسه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، فقد جاء الرد سريعًا من الأمين العام للحزب جمال ولد عباس الذي حذر من أي خطوة تصب في هذا المنحى.
وقال ولد عباس في لقاء حزبي بالعاصمة الجزائر: “حذار ثم حذار.. الفريق أحمد قايد صالح (رئيس أركان الجيش ونائب وزير الدفاع) رفيق السلاح والصديق، قالها مرات كثيرة: اتركوا الجيش وحاله، اتركوه ضمن مهماته الدستورية، فهو حامي البلاد والتراب الوطني ووحدة الشعب”.
وأضاف ولد عباس: “الجيش لن يتدخل في السياسة، أنتم بهذا تعتقدون أننا إحدى جمهوريات الموز، أنتم مخطئون، لأن مهمات الجيش واضحة ولا تستدعي أي اجتهاد”، وذلك في رده على دعوات إخوان الجزائر.
الأيام المقبلة كفيلة بكشف موقف المؤسسة العسكرية من ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، فرئيس الأركان الفريق أحمد قائد صالح أكد في أكثر من مرة أن التطور الذي تعرفه مختلف وحدات الجيش مستمدة من برنامج الرئيس بوتفليقة لقائد الأعلى للقوات المسلحة الجزائرية ووزير الدفاع الوطني
وتابع قائلاً “دعوتكم كالمثل الجزائري القائل ابتعد أنت لأصعد أنا، أنتم تبتدعون ديمقراطية جديدة لم تبلغ أسماعنا بعد”، وأكد ولد عباس أن الداعين إلى انتقال ديمقراطي يبحثون عن مفهوم جديد للديمقراطية والجزائر ليست من جمهوريات الموز بل دولة ديمقراطية ولها رئيس منتخب.
وكان رد مقري مهادنًا بالقول: “هذا رأيه ومن حقه أن يدعو رئيسه للترشح مجددًا للانتخاب، ولكن نحن نختلف معه، ولذا دعونا الجميع للحوار والنقاش والوصول لتوافق وطني”، ورغم الجدل القائم بشأن هذا الملف، لم تعلق مؤسسة الجيش على هذه الدعوات، فهي لم ترد إيجابًا ولا سلبًا على مبادرة حركة مجتمع السلم.
لكن هذا الموقف لن يبقى طويلاً حسب مراقبين، فالأيام المقبلة كفيلة بكشف موقف المؤسسة العسكرية من ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة، فرئيس الأركان الفريق أحمد قائد صالح الذي أكد في أكثر من مرة أن التطور الذي تعرفه مختلف وحدات الجيش مستمدة من برنامج الرئيس بوتفليقة القائد الأعلى للقوات المسلحة الجزائرية ووزير الدفاع الوطني، قال أيضًا في مرات عديدة أن الجيش يستمد قوته من شعبه الأبي ومن ثورته المجيدة ولن يحيد عن مهامه الدستورية.