بعد نحو 3 أشهر عادت قضية اعتداء رجل يرتدي خوذة الشرطة ولكن ليس بالزي الرسمي على متظاهرين فرنسيين بعنف شديد خلال تجمع احتجاجي في مكان سياحي شهير في الحي اللاتيني في العاصمة باريس إلى الواجهة، بعد أن تأكد أن المعتدي أحد المساعدين للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
قضية وضعت الحكومة الفرنسية والرئاسة في أسوأ أزمة لهما منذ تولي الرئيس الشاب إيمانويل ماكرون رئاسة قصر الإليزيه في مايو/أيار الماضي، خاصة بعد أن قال وزير الداخلية جيرار كولومب أمام البرلمان إن الرئاسة تتحمل مسؤولية قضية بينالا.
الرئاسة تتحمل المسؤولية
في آخر تطور لما أصبح يعرف بقضية “بينالا”، حمّل وزير الداخلية الفرنسي جيرار كولومب أمس الإثنين، خلال إدلائه بشهادته أمام الجمعية الوطنية (البرلمان) في قضية ألكسندر بينالا، الرئاسة مسؤولية اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن الفيديو الذي ظهر فيه مساعد الرئيس يمارس العنف بحق متظاهرين، وأكد كولومب أنه أخطر السلطات بالحادث بناء على الإجراء المتعارف عليه في مثل تلك المواقف.
الوزير الفرنسي أكد أمام لجنة تحقيق نيابية أنه أبلغ عن الواقعة في الثاني من مايو/أيار أي بعد يوم من حدوثها، وأن أجهزته نقلت المعلومة إلى أجهزة الرئاسة، وأضاف كولومب “لم يتم إبلاغي إلا عند عودتي للوزارة بعيد الظهر”.
أظهرت أشرطة مصورة جديدة استخدام بينالا للعنف في عدة مناسبات خلال ممارسة مهامه
“في أثناء الاستعراض اليومي للوضع” يقول الوزير “أعلمني رئيس مكتبي ومديره بوجود شريط الفيديو، ذكرا لي أنهما أبلغا مفوض الشرطة كما أوصلا المعلومة إلى مكتب رئاسة الجمهورية، وهذا هو الإجراء المتعارف عليه، حيث يتعين على السلطة العليا اتخاذ كل الإجراءات اللازمة سواء على المستوى الإداري أم القضائي”، محملًا بالتالي الرئاسة مسؤولية إبلاغ السلطة القضائية.
تعود أطوار القضية إلى يوم غرة مايو/أيار يوم عيد الشغل، حيث انضم رجل يرتدي خوذة الشرطة ولكن ليس بالزي الرسمي، إلى شرطة مكافحة الشغب بعد اندلاع اشتباكات، يمسك الرجل امرأة من رقبتها ويسحبها بعيدًا في الشارع، قبل أن يختفيا بعيدًا عن الكاميرا كما يُظهر الفيديو الأصلي.
بعد ذلك بوقت قصير يعود نفس الرجل إلى مسرح الأحداث، حيث يهاجم متظاهرًا آخر ثم تحمل عناصر الشرطة المتظاهر لمسافة قصيرة قبل أن يُترك وحده على الأرض، ويمكن رؤية الرجل الذي يرتدي الخوذة يمسك المتظاهر الشاب من رقبته ويضربه على رأسه ثم في بطنه بعد سقوطه على الأرض.
ليست الأولى
هذه الحادثة لم تكن الأولى في مسيرة ألكسندر بينالا (26 عامًا) المقرب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمكلف بحمايته خلال حملته الانتخابية، فقد أظهرت أشرطة مصورة جديدة استخدام بينالا للعنف في عدة مناسبات خلال ممارسة مهامه.
وتبين تلك الأشرطة إبعاد بانيلا لناشط يساري حاول دخول تجمع انتخابي لماكرون العام الماضي بعنف شديد، ثم طرده صحافي آخر كان يحاول إجراء لقاء مع ماكرون المرشح الرئاسي آنذاك، كما كشف أحد الصحافيين أن بانيلا هدده وحاول انتزاع هاتفه الخاص خلال محاولته الحصول على معلومات في أثناء قضاء ماكرون عطلة بمدينة مارسيليا مع زوجته الصيف الماضي.
في واقعة أخرى، أكد مسؤولون في الأمن أن بانيلا حاول إعطائهم أوامر متجاوزًا حدود مهامه، خلال الاحتفال الذي أقيم بجادة الشانزليزيه بمناسبة فوز الفريق الفرنسي بكأس العالم لكرة القدم الأسبوع الفائت.
وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الفرنسية حتى الآن فإن هذا الرجل البالغ من العمر 26 عامًا ولد في حي مادلين بمدينة إيفرو الواقعة بمنطقة النورماندي في شمال فرنسا، وكان طالب حقوق بباريس قبل أن يتحول إلى عالم الأمن وحراسة الشخصيات، والتحق بينالا بمرشح حركة “الجمهورية إلى الأمام” ماكرون كمسؤول أمني مقابل راتب شهري يقدر بـ3500 يورو، ليصبح مع مر الأيام أحد المقربين من الرئيس الفرنسي.
ارتكاب أعمال عنف جماعية
مباشرة إثر ظهور الفيديو، تم توقيف ألكسندر بينالا وأيضًا فنسان كراز الموظف لدى حزب “الجمهورية إلى الأمام” الحاكم الذي كان برفقته يوم الحادثة، وأيضا 3 أعوان شرطة يشتبه بأنهم سلموا بينالا صورًا من كاميرات فيديو للمراقبة.
وبالإضافة إلى التحقيق الأولي الذي تقوم به النيابة، قررت الشرطة إجراء تحقيق إداري، فيما قررت الجمعية الوطنية كذلك فتح تحقيق، ويواجه ماكرون وحكومته انتقادات لاذعة بسبب القضية، كما قال نواب معارضون إن منصب وزير الداخلية جيرار كولومب على المحك في حال تبين أنه تستر على الحادثة.
وجهت اتهامات للرئاسة الفرنسية بالفشل في التحرك بسرعة ضد بينالا
وجه التحقيق تهم لبينالا تتعلق بـ”ارتكاب أعمال عنف جماعية” و”التدخل في أداء وظيفة عامة” وأيضًا “وضع شارات دون حق” و”استخراج صور من نظام مراقبة عبر الفيديو”، كما اتهمت السلطات فنسان كراز الموظف لدى حزب “الجمهورية إلى الأمام” الحاكم بـ”ارتكاب أعمال عنف جماعية” و”التدخل في أداء وظيفة عامة” وأيضًا “حمل سلاح محظور من الفئة ب”.
أما بالنسبة لأعوان الشرطة الذين تم إيقافهم أيضًا عن العمل، فقد وجهت إليهم تهم “استخراج صور من نظام مراقبة عبر الفيديو” و”انتهاك سرية العمل”، وتفجرت قضية ألكسندر بينالا الأربعاء الماضي بعد أن نشرت صحيفة “لوموند” شريط فيديو يظهر فيه مكلف أمن ماكرون في أثناء حملة الانتخابات الرئاسية، يضرب متظاهرًا في يوم عيد العمال منتحلًا صفة رجل أمن.
أزمة كبيرة
هذه القضية أثارت ضجة كبيرة في فرنسا، حيث وجهت اتهامات للرئاسة الفرنسية بالفشل في التحرك بسرعة ضد بينالا، وانتقد زعماء من المعارضة الطريقة التي تناولت بها الرئاسة هذا الملف، وقالوا إن العقاب الذي تلقاه بينالا متساهل للغاية وإن الواقعة كان يجب أن تحال على الفور إلى السلطات القضائية.
وسبق أن أكد المتحدث باسم الإليزيه برونو روجيه بوتي أن السلطات أوقفت بينالا عن العمل دون راتب لمدة 15 يومًا منذ الأول من مايو/أيار وأقالته من مهامه المتعلقة بتنظيم أمن تنقلات الرئيس، إلا أن بينالا ظهر في حافلة المنتخب الفرنسي لكرة القدم خلال الاحتفالات في الشانزليزيه وقصر الإليزيه وأيضًا خلال مراسم تكريم السياسية الفرنسية الشهيرة سيمون فاي مؤخرًا.
بدأ ألكسندر بينالا العمل مع ماكرون خلال حملته الانتخابية
عقب نشر الفيديو، صرح لوران فوكييه رئيس حزب الجمهوريين لإذاعة أوروبا1 “هذا التسجيل المصور صادم، اليوم لدينا شعور بأن بين المحيطين بماكرون شخصًا فوق القانون، من الواضح أن ماكرون يجب أن يتحدث عن ذلك”.
من جهته قال جان لوك ميلينشون زعيم حزب “فرنسا الأبية” للصحافيين “إذا قبلنا بفكرة أن أي شخص يمكنه أن يكون شرطيًا إضافة لقوات الشرطة فلن يعود لدينا حكم للقانون، هذا الرجل عينا وأذنا الأمير” في إشارة لماكرون.
تعتبر هذه القضية أبرز أزمة سياسية يمر بها الرئيس إيمانيول ماكرون وفريقه الحكومي، فهل يحسن الرئيس الشاب الخروج من هذه “الفضيحة”؟ أم أنها ستؤثر على مستقبله السياسي كونها بداية انهيار “العالم الجديد” الذي وعد به الرئيس الشاب؟