مرة أخرى، تعود النزاعات الحدودية المصرية مع دول الجوار إلى الواجهة، فبعد تخلي السلطات المصرية عن جزيرتي تيران وصنافير للملكة العربية السعودية السنة الماضية بحجة ملكية السعودية لها، تحولت الأنظار الآن إلى واحة جغبوب التي يطالب مصريون بضمها إليهم وأخذها من السلطات الليبية.
تأجيل القضية
الخميس الماضي، أجلت دائرة المفوضين بمحكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر، الدعوى المقامة من علي أيوب المحامي، التي طالب فيها بمطالبة ليبيا بضم واحة جغبوب للأراضي المصرية، واتخاذ الدولة كل أوجه التقاضي لاسترداد الواحة ليوم 20 من سبتمبر/أيلول القادم.
الدعوى التي حملت رقم 11945 لسنة 72 قضائية، واختصمت كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية ووزير الدفاع ووزير الداخلية بصفتيهم، ذكرت أن الواحة جزء من الإقليم المصري، وجميع الخرائط والمستندات تدل على مصرية الواحة، وأن ليبيا استولت عليها في ظل الاحتلال الإيطالي بالتعاون مع الاستعمار البريطاني لمصر.
هذه الحملة المصرية قابلتها ليبيا بالرفض رسميًا وشعبيًا
في ديسمبر/كانون الأول سنة 2017، أقام محامي مصري يُدعى علي أيوب، دعوى قضائية مصرية تطالب بضم “واحة الجغبوب” الليبية إلى الأراضي المصرية، وحمايتها كجزء من أراضي الدولة، وتكليف الجيش والشرطة بحمايتها، وسط حملة إعلامية تطالب الحكومة المصرية بسرعة ضم المنطقة.
حملة مصرية
يقود عدد من الباحثين والإعلاميين والمحاميين المصريين منذ فترة حملة للدفاع عن “مصرية واحة الجغبوب”، وإثبات أحقية بلدهم في هذه الواحة، وتتقدم هؤلاء الباحثين خبيرة الحدود الدولية هايدي فاروق عبد الحميد التي أكدت أنها تمتلك وثائق نادرة تثبت أحقية مصر في جزء من واحة الجغبوب، حيث تنازلت مصر عن نصف الواحة لليبيا مقابل “بئر الرملة” وممر “السلوم” باتفاق في عام 1925، لكن الأخيرة استولت على الواحة والبئر حتى الآن، وفق قول الباحثة.
وعقب تخلي مصر عن سيادة جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعوديين، طالب مصريون باستعادة واحة جغبوب الليبية، للسيادة المصرية، واصفين إياها بأنها “مسروقة”، وحدث تواطؤ بريطاني – إيطالي، لحرمان مصر من مساحة 40 ألف ميل في الصحراء الغربية، وأن حكومة أقلية موالية للإنجليز بمصر والسراي الملكية، وقَعت على وثيقة التسليم.
تتمتع الواحة بمؤهلات سياحية كبيرة
هذه الحملة المصرية قابلتها ليبيا بالرفض رسميًا وشعبيًا، حيث ندد عدد من المسؤولين بما اعتبروه محاولة للعبث بسيادة ليبيا وتعكير العلاقات بين البلدين، وطالبت السلطات الليبية رسميًا جارتها مصر بالتوقف عن المطالبة بواحة الجغبوب الحدودية بينهما واعتبارها أرضًا مصرية.
مميزات الواحة
تقع “واحة الجغبوب” في منطقة حدودية بين مصر وليبيا جعلت لها أهمية إستراتيجية على مر التاريخ، فهي تقع على الغرب من واحة سيوة في الداخل المصري، وتبعد عن مدينة طبرق التي تتبعها إداريًا، نحو 286 كميلومترًا في الجهة الجنوبية الشرقية، في منخفض مساحته تقدر بنحو 56 كيلومترًا مربعًا.
ويبلغ عدد سكان الواحة قرابة 3 آلاف نسمة، ويسكنها خليط من مختلف القبائل الليبية، من ذلك قبائل الزوية والحوامد وأولاد حمد والحسانة والسنوسين والقطعان وأولاد الشيخ والأشراف والزنتان ومصراته.
ويشتغل جزء كبير من السكان بالزراعة ومن أهمها زراعة النخيل والأعلاف الخضراء والزيتون والحنة، باستخدام مياه جوفية بها نسبة ملوحة تجعلها صالحة للزراعة وغير صالحة للشرب والطهي، وتصل أعداد شجر النخيل هناك إلى نحو عشرة آلاف نخلة، وأشهر أصناف التمور: الصعيدي والفريحي والكعيبي.
عقب توليه الحكم، قال جمال عبد الناصر إن واحة الجغبوب مصرية، لكن الحكومة المصرية لا تملك أصل الاتفاقية التي تثبت ذلك
تتميز الواحة بمؤهلات سياحية كبيرة رغم عدم الاهتمام بها من السلطات الليبية، حيث البحيرات الرائعة التي تتوسط رمال الصحراء التي يطلقون عليها “الحطية”، وتضفي عليها طابعًا جميلاً، تزيده أشجار النخيل الباسقة جمالاً على جماله الخلاب.
تغطي السبخات ما يقارب الـ8 كيلومترات من مدخل المنخفض، ثم تبدأ الأرض بالارتفاع التدريجي كلما ذهبنا نحو بلدة الجغبوب التي تبعد عن المدخل بنحو 22 كيلومترًا، تتميز الأرض التي تقع فيها الواحة بكونها رملية وسط الصخور.
ويحيط بالواحة القديمة سور حجري له سبعة أبواب، يضم بداخله الزاوية والمسجد والضريح، وأسماء الأبواب السبعة: الاستسقاء والعين والكرة والكوادير والبحري والغربي والرحمة، حيث تخرج الجنازات إلى المقابر من الباب الأخير، كما ترجع أهميتها باعتبارها إحدى المناطق الغنية بالنفط.
الواحة لمن؟
بالرجوع إلى عديد من المصادر التاريخية، نجد أنه في الفترة بين 10 و13 أبريل/نيسان 1920، تم توقيع اتفاقية تدعى “ملنر- شالويا” بين البريطانيين والإيطاليين ومنحت بموجبها بريطانيا (بوصفها الحاكم “المستعمر” الفعلي لمصر) واحة جغبوب إلى إيطاليا (بوصفها الحاكم “المستعمر” الفعلي لليبيا)، وقام البلدان بترسيم الحدود وفقًا لمصالحهما الخاصة.
وقد سعت إيطاليا بشَة إلى ضمها رسميًا لأسباب سياسية، ربما كان من أهمها في نظر إيطاليا كبح جماح العناصر السنوسية المناوئة لها في صحراء ليبيا، وهدم حركة المقاومة الوطنية التي كانت تنبعث من الواحات البعيدة في الداخل ومن أهمها جغبوب، وتقول بعض المصادر إن السلطات المصرية تنازلت عن جغبوب مقابل منطقة بئر الرملة ومساحة من الأرض تربط بين بئر الرملة وشمال منطقة السلوم.
سبق أن تنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية
في 6 من ديسمبر/كانون الأول 1925، بعد مفاوضات دامت لأشهر طويلة بين الحكومتين المصرية والإيطالية، تم توقيع المعاهدة بين البلدين، والمعروفة بمعاهدة “زيور – نجريتو” الخاصة بتعديل الحدود في السلوم والجغبوب ومناطق أخرى، ليصادق عليها فورًا البرلمان الإيطالي، كما صادق عليها البرلمان المصري أيضًا في سنة 1932، وعليه أصدر الملك فؤاد القانون رقم 34 لسنة 1932 بالتصديق على الاتفاقية الإيطالية المصرية المتعلقة بالحدود الغربية لمصر.
عقب توليه الحكم، قال جمال عبد الناصر إن واحة الجغبوب مصرية، لكن الحكومة المصرية لا تملك أصل الاتفاقية التي تثبت ذلك، وكان السادات مشغولاً بهذا الملف بشدة، وفي عام 1977 دمر القاعدة العسكرية الليبية في الجغبوب، وهدد باستعادة كامل الواحة، لكن وساطة من الرئيسين الجزائري هواري بومدين والفلسطيني ياسر عرفات، حالت دون ذلك، فضلاً أيضًا عن عدم توافر أصل اتفاقية 1925 لـ”السادات“.