ترجمة وتحرير: نون بوست
على امتداد الحرب التي تشنها “إسرائيل” ضد حماس في غزة منذ ما يقارب سنة كاملة، كانت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مترددة في ممارسة ضغوط جدية على “إسرائيل” للحد من عملياتها الأكثر تدميرًا والسعي إلى إنهاء الصراع. وهناك عدة أسباب وراء إحجام بايدن عن ذلك، أحدها هو الشك في إمكانية تحقيق أي شيء من خلال الضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتغيير مسارها.
فقد جادل بعض المحللين والخبراء بأن الولايات المتحدة لا تملك النفوذ اللازم لتغيير سلوك الحكومة الإسرائيلية بشكل جذري وأن تحدي الرد الإسرائيلي على هجوم حماس المدمر في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 قد يأتي بنتائج عكسية.
يبدو أن هذه التصوّرات لها وزنها بين كبار صانعي القرار في الولايات المتحدة. في وقت سابق من هذا الصيف، حذّر عاموس هوخشتاين، وهو مسؤول في إدارة بايدن يعمل كوسيط بين “إسرائيل” وحزب الله، السياسيين اللبنانيين من أن الولايات المتحدة تفتقر إلى القوة لإجبار “إسرائيل” على التراجع.
وقد لخص إد غابرييل، رئيس فريق العمل الأمريكي غير الربحي المعني بلبنان، رسالة هوخشتاين قائلا: “إذا كنتم تعتقدون أن بإمكاننا أن نملي على المسؤولين الإسرائيليين ما يفعلونه أو لا يفعلونه، فأنتم مخطئون. . . عليكم أن تفهموا أن أمريكا لا تملك النفوذ لإيقاف إسرائيل”.
وبالمثل، قال دينيس روس، وهو دبلوماسي ومفاوض أمريكي مخضرم في شؤون الشرق الأوسط منذ فترة طويلة، في أواخر السنة الماضية: “يُظهر التاريخ أنه إذا اعتقد الناخبون الإسرائيليون أن الولايات المتحدة تقدم مطالب غير معقولة، فإنهم سيرفضونها، بغض النظر عن التكاليف”.
وهذا الرأي مدفوع جزئياً بمزاعم المسؤولين الإسرائيليين. فعلى سبيل المثال، أكد وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش مرارًا وتكرارًا أن أي ضغط أمريكي لإنهاء الحرب يحفز الإسرائيليين في الواقع على مواصلة القتال.
ولكن هذا مجرد افتراض. ولاختباره أجرينا في شهر أيار/مايو الماضي استطلاعاً فريداً للرأي العام الإسرائيلي حول الحرب لفهم كيفية تفاعل الإسرائيليين مع تصريحات الدعم غير المشروط من قبل الحكومة الأمريكية بشكل أفضل مقارنةً بالضغوط الأمريكية لتغيير الاستراتيجية في غزة.
وقد أظهرت النتائج أن الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تفتقر إلى النفوذ هو اعتقاد خاطئ: من المحتمل أن تتمكن الولايات المتحدة من الضغط على الإسرائيليين للتحرك نحو التسوية السلمية وإنهاء الحرب في غزة دون التسبب في رد فعل عنيف.
وإذا ما مارست إدارة بايدن أو ربما خليفته على الأرجح ضغطًا حقيقيًا ومستمرًا على “إسرائيل” – مثل ربط تصدير الأسلحة الهجومية بالتوصل إلى اتفاق – فمن المرجح أن يقوض ذلك الدعم الشعبي الإسرائيلي للحرب بشكل كبير ويعجّل بإنهائها.
جمهور يمكن كسبه
أظهرت استطلاعات الرأي العام الأخيرة أن غالبية الإسرائيليين يؤيدون اتفاقًا لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن مقابل إنهاء “إسرائيل” للحرب وانسحابها الكامل من غزة.
واعتبارًا من آب/أغسطس، أعرب 63 بالمئة من الإسرائيليين عن تأييدهم لمثل هذه التسوية، مقارنة بنسبة 56 بالمئة في حزيران/يونيو. وربما تكون السياسة الأمريكية قد أثّرت بالفعل على هذه الأرقام إلى حد ما.
فقد أشار بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وليام بيرنز بوضوح إلى دعمهم الخطابي للصفقة ونفاد صبرهم المتزايد بشأن رفض الحكومة الإسرائيلية لها.
للوصول لفهم أفضل لكيفية استجابة الإسرائيليين لمواقف الولايات المتحدة تجاه البلاد، قمنا في الفترة من 7 أيار/مايو حتى 12 أيار/مايو بتوزيع استطلاع على الإنترنت يتضمن حوالي عشرين سؤالاً على عينة من 1238 إسرائيليًا بالغًا يمثلون بشكل عام عموم السكان الإسرائيليين.
تم استطلاع آراء المشاركين في الاستطلاع بعد أيام فقط من انتشار خبر قيام واشنطن لأول مرة منذ سنوات بحظر شحنة أسلحة إلى “إسرائيل” في محاولة لمنع اجتياح إسرائيلي لرفح. وقد جعلت هذه الاستراتيجية موقف السياسة الأمريكية تجاه الحرب في غزة يبدو غير مؤكد بشكل خاص في الوقت الذي كان فيه استطلاعنا يجري في الميدان.
تضمن استطلاعنا اختباراً للرسائل تم تصميمه بعناية لمعرفة كيفية استجابة الإسرائيليين لموقف الولايات المتحدة، وقمنا بتقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات. كانت المجموعة الأولى مجموعةً ضابطة، حيث لم يهيَّأ المستجيبون بأي رسائل قبل إكمال الاستطلاع.
وقبل الإجابة على الأسئلة، قرأت المجموعة الثانية قصة إخبارية واقعية ولكن وهمية تشير إلى أن الشعب الأمريكي يدعم “إسرائيل” في الصراع وأن إدارة بايدن ستقدم دعمًا غير مشروط لـ”إسرائيل” لتحقيق نصر كامل على حماس. أما المجموعة الثالثة فقرأت قصة إخبارية وصفت استياء الأمريكيين من الحرب وأن إدارة بايدن صرحت بحزم أن على “إسرائيل” إنهاءها – وأن الدعم الأمريكي لن يكون غير مشروط إذا فشلت “إسرائيل” في ذلك
كان كلا الموقفين الذين تم عرضهما على مجموعتي الاختبار معقولين تمامًا في أوائل أيار/مايو عندما أعلنت إدارة بايدن عن أول تعليق للأسلحة وكانت هناك تقارير متضاربة حول ما إذا كانت بالفعل على وشك إجراء تحول كبير في السياسة أو أنها ستواصل دعم الحرب مع انتقادات خفيفة. بعد هذه المداخلة، طُرحت على جميع المشاركين في المجموعات الثلاث نفس الأسئلة فيما يتعلق بمواقفهم تجاه الصراع في غزة وإمكانية إنهائه والقضايا الجيوسياسية الأخرى.
كانت النتائج صادمة. فقد وجدنا أن قراءة خبر أن الولايات المتحدة مستعدة لممارسة ضغوط حقيقية على “إسرائيل” لإنهاء الحرب لم تغير بشكل كبير من آراء الإسرائيليين حول الحرب أو المفاوضات لإنهائها أو حول الولايات المتحدة وخصومها الجيوسياسيين.
والجدير بالملاحظة أنه في المجموعة التي سمعت أن الولايات المتحدة تضغط على “إسرائيل” لتغيير مسارها، لم يكن هناك انخفاض ملموس في نسبة المستجيبين الذين قالوا بعد ذلك إنهم يحملون وجهة نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة – أو ارتفاع في نسبة الذين يحملون وجهة نظر إيجابية تجاه روسيا أو الصين – مقارنة بالمجموعة التي لم تتلقى تلك الرسائل.
وهذه النتائج تقوّض المخاوف من أن الضغط الأمريكي سيقلل من دعم الإسرائيليين لوقف إطلاق النار أو يضر بشكل كبير بآرائهم تجاه أمريكا. باختصار، سموتريتش مخطئ: لا يوجد دليل على أن الضغط سيأتي بنتائج عكسية.
في مجموعة المشاركين الذين سمعوا أن الولايات المتحدة تقدم دعمًا غير مشروط لـ”إسرائيل”، كانت النسبة المئوية التي أعربت عن رأي إيجابي تجاه الولايات المتحدة أعلى بثماني نقاط مما كانت عليه في المجموعة الضابطة. وقد فضّل المشاركون في الاستطلاع أن تقدم الولايات المتحدة دعماً غير مشروط لـ”إسرائيل“، ولكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تفقد ماء وجهها أمامهم عندما سمعوا أنها مارست الضغط على “إسرائيل”.
زيادة الضغط
لقد نظرنا بشكل أعمق في تأثير خبر الضغط الأمريكي على |إسرائيل” من خلال تقسيم المشاركين في الاستطلاع إلى مؤيدين وغير مؤيدين لنتنياهو، وهو انقسام سياسي رئيسي في إسرائيل. وسألنا المستجيبين عما إذا كانوا يخططون للتصويت لنتنياهو أو لأحد السياسيين الإسرائيليين البارزين الآخرين في الانتخابات المقبلة.
ووجدنا أن دعم ناخبي نتنياهو للتوصل إلى اتفاق مع حماس ارتفع بشكل كبير – من 25 بالمئة إلى 40 بالمئة – عندما قرأوا القصة حول الضغوط الأمريكية التي تمارسها الولايات المتحدة، مما يدل على أن شرائح رئيسية من الجمهور الإسرائيلي حساسة جداً في الواقع لسماع أن الولايات المتحدة تضغط على “إسرائيل” لإنهاء الحرب – وأنهم يستجيبون على النحو المقصود لهذا الضغط، رغم ادعاءات بعض قادتهم بعكس ذلك.
هذه النتائج جديرة بالملاحظة بشكل خاص نظرًا للآراء التي عبّر عنها مؤيدو نتنياهو ومعارضوه في المجموعة الضابطة. فبين المشاركين الذين لم يقرأوا أي شيء عن الاستراتيجية الأمريكية قبل استكمال الاستطلاع، بلغت نسبة تأييد اتفاق لإنهاء الحرب وإعادة الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة – مقابل استمرارها لمحاولة القضاء على حماس – 25 بالمئة بين ناخبي نتنياهو و73 بالمئة بين الإسرائيليين الآخرين.
وبعبارة أخرى، فإن ناخبي نتنياهو هم المصدر الرئيسي لدعم نتيجة إسرائيلية متطرفة في الحرب. ومن شأن إضعاف رغبتهم في السعي إلى تحقيق نصر كامل، ودفعهم نحو التسوية، أن يشكل تهديدًا خطيرًا لاستمرار الصراع في السياسة الإسرائيلية.
وعلى الرغم من أن نتنياهو نفسه متشبث بالحرب، التي يرتبط مستقبله السياسي بها، فقد أظهر أيضًا أنه حساس تجاه ضغوط الحكومة الأمريكية في المناسبات النادرة التي مورست عليه. فعلى سبيل المثال، بعد مكالمة حادة من بايدن في نيسان/أبريل قيل إنه طلب فيها من نتنياهو إجراء تغييرات جادة في سلوك “إسرائيل” في الحرب، زادت “إسرائيل” بشكل كبير من عدد الشاحنات التي تنقل المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وتزامنت هذه الأحداث مع تسجيل نتنياهو لبعض أدنى النقاط في أرقام استطلاعات الرأي حتى الآن، وكذلك مع زيادة التكهنات حول استقالة بيني غانتس وغادي آيزنكوت، العضوين الأكثر اعتدالاً في حكومته الحربية. قد يتحرك المؤيدون للضغط عندما يرون التقاءً مماثلًا بين تصاعد المعارضة الشعبية والتهديدات المتزايدة بانشقاق النخبة والتحولات في السياسة.
ولعل هذا هو السبب الذي دفع نتنياهو نفسه – إلى جانب الوزراء الإسرائيليين اليمينين والمدافعين بقوة عن الحكومة الإسرائيلية في الولايات المتحدة – إلى إصدار مثل هذه التحذيرات الرهيبة بشأن ما سيحدث إذا ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لإنهاء الحرب. وهم يدركون قوة السياسة الأمريكية في تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي.
فعلى سبيل المثال، إذا تصاعدت الاحتجاجات الجماهيرية المنتظمة واسعة النطاق، كما حدث خلال احتجاجات السنة الماضية ضد الإصلاحات القضائية لحكومته، بالإضافة إلى رفض المزيد من جنود الاحتياط الالتحاق بالخدمة احتجاجًا على نهج نتنياهو الذي يعرض أمن “إسرائيل” والدعم الأمريكي للخطر بشكل غير مسبوق، فقد تغرق البلاد في مزيد من الاضطرابات.
ماذا عن العواقب المترتبة عن سماع أن الولايات المتحدة ستقدم دعمًا غير مشروط لـ”إسرائيل”؟ هنا وجدنا تشابهًا مثيرًا للاهتمام، وإن كان أضعف، مع تأثير إخبار المستجيبين بأن الولايات المتحدة تمارس ضغوطًا على “إسرائيل” لإنهاء الحرب.
فقد أدت قراءة القصة الإخبارية حول دعم الولايات المتحدة غير المشروط لانتصار “إسرائيل” إلى انخفاض تأييد وقف إطلاق النار بين الناخبين غير المؤيدين لنتنياهو بست نقاط مئوية مقارنة بالمجموعة الضابطة، وهو فرق أقل من الفرق المرتبط بالقصة حول الضغط الأمريكي على ناخبي نتنياهو، وليس له دلالة إحصائية كبيرة.
مع ذلك، يشير هذا الاستطلاع إلى أنه عند اعتقاد الإسرائيليين أن الولايات المتحدة تساندهم مهما كانت الظروف، فإنهم يشعرون بأن لديهم الحرية في السعي لتحقيق أهداف أكثر تطرفًا. ومقارنةً بنتائج مجموعات قصص التأييد المشروط، فإن ذلك يدل على أن آراء الإسرائيليين حول الحرب مرنة، وبالتالي فإن موقف الولايات المتحدة يمكن أن يدفع الرأي العام الإسرائيلي نحو إنهاء الحرب.
في نهاية المطاف، يشير استطلاعنا بقوة إلى أن الولايات المتحدة تملك في الواقع نفوذاً كبيراً على طريقة تفكير الإسرائيليين حول تكاليف وفوائد استمرار الصراع. فسماعهم عن ضغط الولايات المتحدة لإنهاء الحرب يمكن أن يدفع الإسرائيليين إلى معارضة استمرار العمليات العسكرية والاتجاه نحو التسوية دون حدوث ضرر كبير في رأي العام الإسرائيلي تجاه الولايات المتحدة.
والأكثر من ذلك، أنه من المرجح أن النتائج التي توصلنا إليها تقلل من قدر قوة الضغط الأمريكي الحقيقي، لأن الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع كانوا يقرأون قصة إخبارية واحدة وهمية. ومع أن الرسائل المضادة التي تبثها الحكومة الإسرائيلية قد تغيّر بعض التأثيرات التي اكتشفناها، إلا أن نتائجنا لا تزال متفائلة للغاية بشأن قدرة الولايات المتحدة على التأثير على وجهات النظر الإسرائيلية حول الصراع.
من القوة العظمى هنا؟
لم يكن القلق بشأن فشل الضغوط الأمريكية أو تسببها في نتائج عكسية هو العائق الوحيد أمام سعي واشنطن لممارسة المزيد من التأثير على حكومة نتنياهو وسلوكها بالطبع. وهناك سببان رئيسيان آخران على الأقل وراء امتناع بايدن عن ممارسة ضغوط جدية على الحكومة الإسرائيلية بشأن إدارتها للحرب. فبايدن لديه تعاطف شخصي طويل الأمد مع “إسرائيل”، الأمر الذي يجعله مترددًا في انتقاد سلوكها، ولا شك أن سلوكه تأثر أيضًا بالاعتبارات السياسية الداخلية في عام الانتخابات الرئاسية.
ولكن قريبًا، لن يكون أي من هذين العاملين على نفس القدر من الأهمية. فبايدن يقترب من نهاية فترة رئاسته، وبعد ذلك لن تكون نظرته الشخصية للعالم محركًا رئيسيًا أو قيدًا على السياسة الخارجية الأمريكية. وستنتهي الضغوط السياسية الشديدة المرتبطة بالمنافسة الرئاسية عالية المخاطر في البلاد في غضون أشهر قليلة أيضًا. وستكون الإدارة الرئاسية القادمة أكثر حرية في تعديل سياستها بشأن الحرب في اتجاهات جديدة.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه نائب الرئيس كامالا هاريس، المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية الآن، التزامها الأساسي بأمن “إسرائيل”، فقد أبدت تعاطفًا أكبر مع معاناة الفلسطينيين وخطابًا أكثر حدة تجاه نتنياهو في الأشهر الأخيرة.
ومن المرجح أن مستشاري هاريس الرئيسيين في السياسة الخارجية بشأن الشرق الأوسط هم من التقدميين الذين شجعوا هذا الموقف. وبالتالي، يأمل بعض مؤيدي وقف إطلاق النار أن تكون إدارة هاريس على استعداد للمزاوجة بين خطابها وأفعال ملموسة لدفع الإسرائيليين، إلى جانب حماس، بقوة أكبر نحو التوصل إلى اتفاق.
وقد انتقل إجماع الديمقراطيين حول “إسرائيل” إلى مغادرة بايدن، وقد يسعى الرئيس الديمقراطي القادم، إلى جانب مجموعة جديدة من القادة الديمقراطيين، إلى ممارسة المزيد من الضغط على “إسرائيل”. ومن المرجح أن تستمر المخاوف من أن يكون لهذا الضغط تأثير سلبي. لكن استطلاعنا يُظهر أن هناك مجالًا لمثل هذا التحول في السياسة أكثر مما يخشاه العديد من الاستراتيجيين.
هل يمكن لنتائج استطلاعنا أن تساهم أيضًا في سياسات إدارة ترامب الثانية؟ بالنظر إلى تأييد دونالد ترامب للجناح اليميني الإسرائيلي في ولايته الأولى، ومعارضته المعلنة لحجب الأسلحة عن “إسرائيل” لإنهاء الحرب، وتعليقاته بأن على “إسرائيل” “إنهاء المهمة”، فإنه من الصعب تخيل أن تكون إدارة ترامب مستعدة للضغط على “إسرائيل” لإنهاء الحرب.
مع ذلك، فإن التوترات بين ترامب ونتنياهو في نهاية ولاية ترامب الأولى، بالإضافة إلى علاقات ترامب الوثيقة الأخرى في المنطقة، مثل علاقاته مع السعوديين، تترك الباب مفتوحًا أمام احتمال ازدياد الضغط الأمريكي على “إسرائيل” لإنهاء الحرب في الإدارة المقبلة، بغض النظر عن نتيجة انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر.
أما بالنسبة للخطوات التي يمكن أن تتخذها الإدارة الجديدة، فقد دأب الرؤساء الأمريكيون الساعون إلى تغيير السلوك الإسرائيلي تاريخيًا على استخدام عدة وسائل أحدها الضغط الدبلوماسي، الذي غالباً ما يستلزم السماح بتمرير قرارات تنتقد “إسرائيل” في الأمم المتحدة أو حتى التصويت لصالحها. في حزيران/يونيو، قامت الولايات المتحدة بخطوة في هذا الاتجاه من خلال رعاية قرار للأمم المتحدة يدعو كلاً من “إسرائيل” وحماس إلى إنهاء الحرب، على الرغم من أن اللغة كانت مقيدة إلى حد ما، وحتى الآن، لم يكن للقرار تأثير يذكر.
في الماضي، مارست الولايات المتحدة أشكالاً أكثر جدية من الضغط في المجالين الاقتصادي والعسكري. ففي سنة 1991، أوقف الرئيس جورج بوش الأب ضمانات قروض بقيمة 10 مليارات دولار لـ”إسرائيل”، مما أجبر رئيس الوزراء إسحق شامير على تغيير سياسة “إسرائيل” الاستيطانية والمشاركة في مؤتمر سلام كبير في مدريد مع الفلسطينيين.
كما أوقف كل من الرئيسين رونالد ريغان وباراك أوباما شحنات الأسلحة رفيعة المستوى إلى “إسرائيل” بسبب تدخلات الجيش الإسرائيلي في لبنان وغزة على التوالي. وغالبًا ما نجح هذا النوع من الضغط عندما مورس بحزم وصبر في كبح جماح الحكومات الإسرائيلية ودفعها نحو طاولة المفاوضات لإنهاء الحملات العسكرية.
وقد أوضح فيليب غوردون، مستشار الأمن القومي لهاريس، أن فرض حظر كامل على الأسلحة لن يكون مطروحًا على الطاولة إذا فازت هاريس بالرئاسة. لكن تعليقاته لا تزال تترك الباب مفتوحًا أمام إمكانية ممارسة ضغوط كبيرة، بما في ذلك وقف جميع شحنات الأسلحة الهجومية إلى “إسرائيل” إلى حين التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
ووقف شحن بعض أو كل شحنات الأسلحة (غير الهجومية) إلى “إسرائيل” مؤقتاً، ورفض ضمان القروض الإسرائيلية ما لم تنهي الحكومة القتال، وربما تقديم وعود بإغراءات اقتصادية لتحفيز التوصل إلى اتفاق، يوضح بعض ما يمكن أن تتضمنه قائمة إجراءات الضغط المحتملة. ومن المرجح أيضاً أن يكون اقتران هذه التحركات بجهود دبلوماسية متجددة لدفع القوى الإقليمية الرئيسية للضغط على حماس قيد النظر.
في نهاية المطاف، يجب أن تنتهي الحرب في غزة. فقد تسبب الصراع بالفعل في خسائر بشرية مدمرة في كل من “إسرائيل” وغزة. وكلما طال أمده، زادت احتمالات نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقًا وازداد انتشار معاداة السامية والإسلاموفوبيا في جميع أنحاء العالم.
وكلما طالت المدة التي تبدو فيها الولايات المتحدة داعمة لـ”إسرائيل” أو تقف على الحياد، أصبحت صورتها أكثر قبحًا في العالم العربي والجنوب العالمي. ومن الواضح أن إنهاء هذه الحرب يصب في مصلحة الولايات المتحدة القومية، وكما أكد عدد من الإسرائيليين من رؤساء الأمن السابقين إلى نشطاء السلام – فإن ذلك يصب في مصلحة “إسرائيل” القومية أيضًا.
إن الضغط على الحكومة الإسرائيلية هو الأداة الأساسية التي تملكها الولايات المتحدة للحث على إنهاء الحرب. ويشير تحليلنا إلى أنه يمكن لواشنطن أن تدفع الإسرائيليين اليمينين بشكل هادف نحو طاولة المفاوضات دون أن تتضرر سمعتها بشكل كبير. وإذا أراد الرئيس الأمريكي القادم أن تنتهي الحرب، فعليه أن يتحلى بالشجاعة للضغط من أجل ذلك.
المصدر: فورين أفيرز