ترجمة وتحرير: نون بوست
بثّت القناة 14 اليمينية الإسرائيلية قبل ثلاثة أسابيع مقابلة مدتها 10 دقائق مع أحد المشتبه بهم في قضية الاغتصاب الجماعي في سديه تيمان. كان ملثمًا يرتدي الزي العسكري ويحمل بندقية على كتفه. وقد تلقى التصفيق الحار عدة مرات من الجمهور في الإستوديو بينما كان يروي قصته باعتباره ضحيةً للمُعامَلة غير العادلة في قضية سديه تيمان.
بعد يومين فقط، كشف هذا الجندي عن هويته في مقطع فيديو. بدأ المشتبه به، الذي أصبح معروفاً الآن باسم مئير بن-شتريت، بنزع قناعه قائلاً: “شابات شالوم [التي تعني سبت مبارك] لكل شعب إسرائيل، هذا مئير من الوحدة 100”. ثم بدأ بقراءة المقتطف الأسبوعي من النص التوراتي من سفر التثنية 1، 16-18:
“وقلتُ لِقُضاتِكُم في ذلِكَ الوقتِ: إِسمعوا دعاوي بني قومِكُم والنَّازلينَ بَينَكُم، واحكُموا بالعَدلِ بَينَهُم. لا تُحابوا أحدا في أحكامِكُم، واسْمَعوا للصَّغيرِ سَماعَكُم للكبـيرِ، ولا تجوروا على أحدٍ لأنَّ الحُكْمَ للهِ وإنْ صَعُبَ علَيكُم أمرٌ فارفَعُوهُ إليَّ حتّى أنظُرَ فيهِ. وأمرتُكُم في ذلِكَ الوقتِ بجميعِ الأمورِ الّتي علَيكُم أنْ تعمَلوها”.
ختم بن-شتريت المقطع بدعوة الناس للوحدة “من أجل الحقيقة”، والتظاهر من أجل الإفراج عن جميع المشتبه بهم في قضية الاغتصاب الجماعي. وفي الإثنين التالي، أجرى مقابلة أخرى على القناة 14، ولكنه هذه المرة كشف عن هويته للجميع في قناة إعلامية رئيسية. قال بن-شتريت إن التهم الموجهة إليه لا أساس لها من الصحة، مشيرًا إلى التآمر ضده (“ليس لديهم شيء وكلها مفبركة. أعرف هدف مثل هذه القضايا المفبركة، أنا أعرفها جيداً”، وذلك على حد تعبيره) قائلًا إن لقاءه مع امرأة في تل أبيب أقنعه بالكشف عن هويته: “كانت تلك الحقيقة مهينة للغاية. رؤية امرأة في تل أبيب تقترب مني وتقول: ‘أنت اغتصبت إرهابياً’. ذلك جعلني أفقد أعصابي، أخلع القفازات، وأزيل القناع، وأقاتل من أجل براءتي”.
صعود نجم إعلامي
في 26 آب/ أغسطس، استضافت القناة 14 بن-شتريت في مقابلة مطوّلة مدتها 11 دقيقة – هي الأطول حتى الآن – في برنامج “فاثي وشاي” الذي عادة ما يغلب عليه أسلوب السخرية المرحة. تم الترويج له على القناة طوال اليوم كنجم وتم إجراء مقابلة جادة معه في المساء. وقد بدأ البرنامج بملخّص لفيديو “نزع القناع”.
سُئل بن-شتريت عن استجوابه قبل يومين. ودون الخوض في التفاصيل، قال إن الاستجواب كان “لطيفاً ومحترماً”. كما أثنى على المحققين قائلاً إنهم كانوا محترفين. وعندما سأله المذيعون “ماذا حدث هناك؟” في سديه تيمان، سخر بن-شتريت من مراسل القناة 12 غاي بيليچ الذي بثّ لقطات الفيديو من كاميرات الأمن التي أظهرت الاغتصاب ونعته بـ “غاي هميفاليج” – علما بأن كلمة “هميفاليج” تعني “الشخص الذي يزرع الفتنة”. وقد أبدى المذيعان إعجابهما بهذا النعت واعتبروه “لطيفًا”.
وفي حديثه عن بيليچ، قال بن-شتريت إنه “قسّم الأمة” وكرر مزاعمه بأن الجنود اتبعوا الإجراءات القياسية وأن الاتهامات ضدّه وضد زملائه كانت مجرّد محاولات لتشويه سمعة الجنود وربما حتى “محاولة لوقف الحرب”. وفي مرحلة ما، عزز المذيع نوام فاثي مزاعم بن-شتريت بالإشارة إلى أن إخفاء السجين وراء الدروع – كما أظهر فيديو قناة 12 – “إجراء روتيني”:
– “إنه أمر منطقي، لأنه أيضاً أمام مقاتلي النخبة الآخرين”.
– “إنهم يختلسون النظر”، يضيف بن-شتريت.
– أوضح فاثي: “ذلك منطقي أيضًا، لأنك لا تُظهر للمئة سجين الآخرين كيف يتم تنفيذ البحث، ويجب عليك القيام به في الموقع”.
في هذا السياق، سُئل بن-شتريت عن مقاتل النخبة “المعني” بالتحديد، وهو المصطلح المستخدم للإشارة إلى المقاتلين الفلسطينيين المشاركين مباشرةً في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. لكنهم تجاهلوا الحقيقة المثبتة بأن الضحية لم يكن منخرطا في الهجوم بأي شكل، وإنما كان ببساطة موظفا مدنيًا في الشرطة في وحدة مكافحة المخدرات في جباليا. وقد قال بن-شتريت إنه لا يعرف شيئاً عنه لكنه يعرف أنهم يتفاخرون بـ “اغتصاب وقتل الإسرائيليين”. وذكر أن وحدته، الوحدة 100، لم تكن هناك حتى تعامل السجناء بلطف. ثم أضاف المذيعان: “أحدهم قد يكون قاتلاً!… هؤلاء هم القتلة المجانين!”.
تفاعل المضيف شاي جولدشتاين عاطفياً مع الضيف قائلًا: “أضع نفسي مكانك وفي وضعيتك. تقف أمام هؤلاء الناس، الذين يعتبرون حقا أحقر مما يمكن تخيله، والذين فعلوا أكثر الأمور رعباً بإخواننا وأخواتنا – أعتقد أنه إذا كنت هناك وكانت لدي الفرصة، سأهاجم هؤلاء الناس بقوة”. فأجاب بن-شتريت قائلاً إن المدعي العسكري والبلد بأكملها يجب أن “يقبّل أيدينا”، لأن الوحدة تتصرف بأخلاقية شديدة وتقوم بـ “عمل مقدس”، مضيفًا: “كان بإمكاننا فقط تلقيم أسلحتنا وقتلهم جميعاً، لأنه من الطبيعي أن ترغب في قتل ذلك الشخص بمنجل… أنا مستعد لفعل ذلك حتى تكلّ يدي”. لكنه عاد وضبط نفسه: “ولكن نحن دولة قانون، وهذا جيش الدفاع الإسرائيلي، وهناك قانون دولي”.
لم تكن هذه المرة الأولى التي يشارك فيها بن-شتريت أفكاره القاتلة. وقد مثّلت هذه التعليقات صدى لمقطع فيديو سابق نشره في حزيران/ يونيو 2023 عندما كان ضمن جيش الاحتياط في الضفة الغربية، حيث تساءل: “لماذا لا يمكننا استعمال المدافع الرشاشة الخفيفة نقب؟ لماذا لا يمكننا استعمال أسلحة ماغ الرشاشة؟ ولماذا لا يمكننا استعمال حاملات القنابل والقذائف في مثل هذا المكان المليء بالإرهابيين؟ قبل يومين كان جميع هؤلاء الإرهابيين واقفين هناك، 150-200 إرهابي مسلح. لماذا لا نحلّق بـ 3-4 طائرات هليكوبتر هجومية في السماء ونطلق النار على الجميع؟”.
قال بن-شتريت إن “كل شعب إسرائيل، اليمين واليسار، المتدينون والعلمانيون” لديهم “هذه الرغبات. هذا ما يجب فعله لهؤلاء…”، قبل أن يتوقف بن-شتريت ويُكمل المذيعون جملته بالإهانات: “الوحوش، الأوباش”. ورغم التعبير عن رغباته، ادعى بن-شتريت أنه ضبط نفسه قائلا: “حافظنا على مستوى عالٍ للغاية من الأخلاقيات”.
ثم سُئل بن-شتريت “هل خانتك الدولة؟”. فأجاب: “بشدة، إنه أمر مؤلم جداً”. وقد زعم أن المحققين من الشرطة العسكريّة يشعرون “بالإحراج” من التعامل حتى مع هذه القضية. وقد أشار إلى أنه كشف عن هويته حتى “يتحمّل ذلك عن فريقه”.
أعرب فاثي عن غضبه من التغطية التي يعتقد أنها غير عادلة مشيرًا إلى أنه “يفكّر في شيء واحد: أن المخطوفين في غزة قد يكونون عرضةً لنفس الأشياء؟!” ويقصد بذلك الاغتصاب. فقاطعه شاي، “ماذا تقصد بقد يكونون؟ لقد دفعوا ثمن ذلك [بأجسادهم]، ولا نعرف من، أو ماذا، أو كم!”.
كما سُئل بن-شتريت عن تجربته منذ الكشف عن هويته وكيف كان ردّ فعل الناس في الشارع. فأجاب: “الكثير من الحب والدفء. الكثير من العناق. حصلت في تل أبيب على تعليقين بشأن الاغتصاب، ولكن الغالبية من شعب إسرائيل، حتى في تل أبيب، أغدقوا علي بالكثير من العناق، والكثير من الحب، والكثير من الهدايا، حصلت على عطلة…”.
لكن كما لو أن هذا ليس كافيًا، أراد فاثي المساعدة أكثر فقال: “أخبرني، يريد جمهورنا أن يعرف: هل تحتاج لشيء؟ هل تأثرت اقتصادياً؟ هل تحتاج لتمويل للمحامين؟”. فأجاب بن-شتريت: “بالطبع، بالطبع”. كما قام بالترويج لرابط يخص الوحدة 100 لجمع الأموال ظهر على شاشة القناة. وقال المذيعان إنه حاليًا عاطل عن العمل، لكنه رائد أعمال في مجال البناء، لذا قال فاثي مازحًا: “إذا كان أي شخص يحتاج إلى مقاول يعرف كيفية *** مقاتلي النخبة جيداً…”، ثم انفجروا ضاحكين.
ثم قال شاي، بجدية “إذا كان أي أحد يحتاج لشيء … فسوف يتصلون بك”. وختم بن-شتريت المقابلة قائلاً إنه يريد الوحدة “والسلام بيننا” (يعني بين الإسرائيليين، وليس مع الفلسطينيين). وأنهيت المقابلة بتحية ومصافحة: “مئير بن-شتريت، بطل! بطل الوحدة 100! ليكن النجاح حليفك”.
نزع القناع
قد لا يفوز بن-شتريت ورفاقه بهذه القضية في المحكمة. بعد كل شيء، ترتبط هذه القضية بحوالي 100 شهادة منفصلة، وذلك حسب ما أفادت به صحيفة هآرتس. ولكنهم يحاولون جاهدين الفوز في محكمة الرأي العام. وعلى هذا الجانب، كانت القناة 14، التي أعادت مراراً بث مقاطع الفيديو العنيفة للتعذيب المنظّم في هذه المعسكرات، أداة مهمة في الترويج لرواية أن المشتبه بهم في قضية الاغتصاب الجماعي هم في الواقع ضحايا.
هذه القصة ليست سوى قصة واحدة من داخل شبكة من معسكرات التعذيب التي يعتبر معتقل سديه تيمان “الجزء الظاهر” منها فقط، وذلك وفقًا لمنظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية “بتسيلم” التي وثّقت كيف يتعرض الفلسطينيون “للعنف الشديد بشكل متكرر، والاعتداء الجنسي، والإذلال والتحقير، والتجويع المتعمّد، والحرمان القسري من وسائل النظافة، وحرمان من النوم، وتقييد ممارسة العبادة الدينية ومعاقبة من يخالف ذلك، ومصادرة جميع الممتلكات الجماعية والشخصية، والحرمان من الرعاية الطبية الكافية”.
بن-شتريت لم يكن الوحيد الذي نزع القناع بل إسرائيل بأكملها.
المصدر: موندويس