ترجمة وتحرير: نون بوست
في تغريدة نشرها في وقت متأخر من يوم الأحد، حذر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران من “العواقب التي عانى منها عدد قليل من الدول على مر التاريخ”، وهو ما يحيل على احتمالية شن بلاده لحرب مع واحدة من أقوى القوات المسلحة في الشرق الأوسط. وجاءت هذه التغريدة بمثابة رد على تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني التي وردت على شكل ملاحظات يقدمها للدبلوماسيين الإيرانيين، والتي أفادت أنه: “يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعرف أن السلام مع إيران هو الأضخم على الإطلاق، وأن الحرب معها ستكون الحرب الأكبر على الإطلاق”.
To Iranian President Rouhani: NEVER, EVER THREATEN THE UNITED STATES AGAIN OR YOU WILL SUFFER CONSEQUENCES THE LIKES OF WHICH FEW THROUGHOUT HISTORY HAVE EVER SUFFERED BEFORE. WE ARE NO LONGER A COUNTRY THAT WILL STAND FOR YOUR DEMENTED WORDS OF VIOLENCE & DEATH. BE CAUTIOUS!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) July 23, 2018
نص التغريدة:
إلى الرئيس الإيراني روحاني: لا تهدد الولايات المتحدة مرة أخرى مطلقا، أو أنك ستلقى العواقب الوخيمة التي واجهتها بعض الدول في السابق. نحن لم نعد نفس البلد الذي يقف مستمعاً لكلماتك التي تحرض على العنف والقتل، كن حذراً.
تحيل سياسة دونالد ترامب الخارجية المستقلة والتي لا يمكن التنبؤ بها إلى كونه “الشخص المهم الوحيد”، كما وصف نفسه خلال تصريحات سابقة
بدت رسالة ترامب كما لو أنها جعلت الصراع مع الجمهورية الإسلامية أمراً لا مفر منه. وفي حين لم يستبعد روحاني اعتماد الحل السلمي من خلال قوله “السلام الأضخم على الإطلاق”، تذكرنا تهديدات ترامب الحالية بتحذيراته السابقة للرجل “المجنون” كيم جونغ أون، حيث هدده بعبارة “النار والغضب”، فضلاً عن قوله إنه “سيتم اختبار زعيم كوريا الشمالي كما لم يُختبر من قبل”.
بعد مضي بضعة أشهر فقط على هذه التصريحات، التقى ترامب بنظيره الكوري الشمالي في سنغافورة لإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. وعلى الرغم من أن نتائج هذه العملية لا تزال محدودة، إلا أنها تبعث على التفاؤل. وبالنظر إلى تاريخ العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، التي شهدت توترات كبيرة بسبب ثورة 1979، يبدو عقد مثل هذا الاتفاق الدبلوماسي مع طهران بعيد المنال.
عموماً، تحيل سياسة دونالد ترامب الخارجية المستقلة والتي لا يمكن التنبؤ بها إلى كونه “الشخص المهم الوحيد”، كما وصف نفسه خلال تصريحات سابقة في شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. ومع ذلك، صرح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جون بولتون، في بيان له يوم الإثنين: “تحدثت مع الرئيس خلال الأيام القليلة الماضية، وأخبرني أنه إذا فعلت إيران أي شيء على الإطلاق، فإنها ستدفع الثمن مثل العدد القليل من الدول التي اضطرت لفعل ذلك في السابق”.
وتجدر الإشارة إلى أن تعليقات روحاني وردود ترامب بدأت منذ شهر أيار/مايو الفارط، عقب انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران. وشمل هذا الاتفاق كلا من الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة وألمانيا والاتحاد الأوروبي. ومن جهتها، أكدت إدارة ترامب أن الاتفاق الذي انبثق عن السياسية الخارجية لباراك أوباما لم يتطرق إلى تورط إيران في سوريا والعراق واليمن ولبنان، ولم يُشِر إلى برنامج الصواريخ الباليستية الخاص بها، أو إجراءَاتها المثيرة للمشاكل.
خلال الشهر الفارط، أفادت الولايات المتحدة الأمريكية أنها توقعت تقليل جميع الدول التي تستورد النفط من إيران، من حجم وارداتها حتى الوصول إلى نقطة الصفر بحلول الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2018، أو أنها ستواجه عقوبات أمريكية
في المقابل، تذهب الدول والكيانات الأخرى، المشاركة في الاتفاق النووي والتي لا تزال ضمن إطار خطة العمل الشاملة، للقول إن الاتفاقية كانت تهدف إلى التعامل حصرا مع البرنامج النووي الإيراني، وأنها نجحت في معالجة هذه المعضلة الإيرانية. وقبل انسحابها من الاتفاق النووي، اعترف مسؤولون أمريكيون أن إيران كانت ملتزمة ببنود الاتفاق، لكنهم زعموا أن مثل هذا الاتفاق كان سيأخر امتلاك إيران لأسلحة نووية فقط، وذلك دون إنهاء ملاحقتها لها. ويرى بعض داعمي الاتفاق أن الموقف الأمريكي ينم عن قراءة خاطئة متعمدة للاتفاق.
خلال الشهر الفارط، أفادت الولايات المتحدة الأمريكية أنها توقعت تقليل جميع الدول التي تستورد النفط من إيران، صاحبة بعض من أكبر احتياطيات النفط في العالم، من حجم وارداتها حتى الوصول إلى نقطة الصفر بحلول الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2018، أو أنها ستواجه عقوبات أمريكية.
لا يقتصر الأمر على الواردات النفطية فقط، حيث أن هذه العقوبات ستستهدف المبادلات التجارية العادية أيضاً. كما أعربت الإدارة الأمريكية عن عدم استعدادها لتقديم أي تنازلات حتى لحلفائها في أوروبا. ومن المؤكد أن مثل هذه الخطوة ستلحق الأذى بإيران، التي أعربت عن نيتها بالبقاء طرفا في الاتفاقية طالما أن الدول الأخرى الموقعة عليها ستستمر في الاستثمار داخل إيران والتقيد بوعدها السابق.
من جهة أخرى، سن الاتحاد الأوروبي تشريعا يستهدف الشركات الأوروبية التي تمتثل لقانون العقوبات الأمريكية المفروضة على المبادلات التجارية مع إيران. ولكن بالنسبة للشركات الأوروبية، التي تمتلك سلاسل توريد عالمية خاصة بها ويد عاملة دولية، سيكون الوصول إلى النظام المالي الأمريكي (الذي سيتم مقاطعته في حالة فرض العقوبات الأمريكية)، بالإضافة إلى سوق المستهلك الأمريكي، أكثر أهمية بكثير من أي تعامل مع إيران. وفي حين أعرب الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه أنهم سيستمرون في الالتزام بالصفقة، سيكون أمامهم القليل من الخيارات الواقعية المتبقية للحفاظ على استمرارية الاتفاق.
أكدت إدارة ترامب أنها تدعم الشعب الإيراني ضد حكامها. ولكن تعد إيران، في الوقت نفسه، من بين الدول المُدرجة على قائمة الدول التي يُحظر على مواطنيها السفر إلى الولايات المتحدة في معظم الظروف
وفي خطاب ألقاه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في شهر أيار/مايو، ذكر 12 شرطاً يجب على إيران الالتزام بهم إذا ما أرادت تأسيس علاقات دبلوماسية وتجارية مع الولايات المتحدة. ومن بين هذه الشروط؛ إنهاء إيران لبرنامج الصواريخ الباليستية، ووضع حد لدعمها للجماعات الإرهابية على غرار حزب الله، وسوء تصرفها في إيران وسوريا. وفي هذا السياق، أخبرتني مديرة مبادرة مستقبل إيران في المجلس الأطلسي، باربرا سلافين، أنه في ذلك الوقت لم تجد تلك القائمة نفعا. وأضافت المصدر ذاته في إشارة إلى بومبيو قائلة: “هو لا يطلب من الفهد أن يلين قليلا، بل يريد منه أن يصبح حملا وديعا”.
والجدير بالذكر أن الإيرانيين توقعوا أن تساهم الصفقة النووية في تعزيز اقتصاد البلاد الذي تعطل بسبب سنوات من العقوبات الدولية. في المقابل، كانت الفوائد المتوقعة بطيئة التحقق، نظرا لأن منتقدي إيران يعتبرون أن الجمهورية الإسلامية بصدد إنفاق أموالها على المغامرات العسكرية في كل من سوريا واليمن وأماكن أخرى في المنطقة، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات ضد كل من قادة إيران المنتخبين، بالإضافة إلى رجال الدين الشيعة الذين يحظون بسلطة شبه مطلقة.
من جهة أخرى، أكدت إدارة ترامب أنها تدعم الشعب الإيراني ضد حكامها. ولكن تعد إيران، في الوقت نفسه، من بين الدول المُدرجة على قائمة الدول التي يُحظر على مواطنيها السفر إلى الولايات المتحدة في معظم الظروف. وفي سياق متصل، أوضح بومبيو، الذي أجرى مقابلة يوم الأحد في مكتبة رونالد ريغان الرئاسية، التي تقع في سيمي فالي بكاليفورنيا، أن النظام الإيراني “يشبه المافيا أكثر من كونه حكومة”. وأضاف المصدر ذاته قائلا: “يتمثل الهدف الكامن وراء جهودنا في رؤية الإيرانيين في إيران وهم يتمتعون بنفس نوعية الحياة التي يتمتع بها الإيرانيون في الولايات المتحدة”.
في المقابل، ردّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، من طهران، قائلا إن “تصريحات بومبيو تشير إلى خيبة أمل الولايات المتحدة، كما أن خطاب بومبيو منافق وسخيف، فضلا عن أنه يشكل دليلاً واضحًا للغاية على الجهود الأمريكية للتدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية. علاوة على ذلك، ربما يكون هذا هو موقف العديد من جيران إيران من تحركاتها داخل حدودها”.
كل ما تستطيع إيران فعله هو جعل الأمور أكثر تعقيدا في المنطقة بالنسبة لترامب، نظرا لأنها تحظى بنفوذ سياسي وثقافي واسع في العراق
في نهاية المطاف، لا تستطيع إيران تحمل ثمن اندلاع حرب مع الولايات المتحدة، فهي مقيدة في سوريا والعراق، وبشكل أقل، في اليمن ولبنان، فضلا عن أنها تمول حزب الله وحركة حماس والحوثيين. كما أنها تقوم بكل هذه المغامرات العسكرية بينما يعيش اقتصادها حالة من الجمود، ما يعني أنه من المؤكد أن يزداد وضعه سوءًا.
كل ما تستطيع إيران فعله هو جعل الأمور أكثر تعقيدا في المنطقة بالنسبة لترامب، نظرا لأنها تحظى بنفوذ سياسي وثقافي واسع في العراق. وفعلى الرغم من الاحتجاجات المستمرة التي يشهدها، إلا أنه على أعتاب تحقيق الاستقرار بعد معاناته من الحرب لسنوات. فضلا عن ذلك، تواصل طهران تقديم الدعم لنظام الأسد في سوريا، ولديها القدرة على زرع بذور الاضطرابات وعدم الاستقرار في أفغانستان، التي تشاركها الحدود نفسها.
والجدير بالذكر أن الولايات المتحدة على دراية بكل هذه المعطيات. فحتى وإن كانت العناصر الأكثر عدوانية في إدارة ترامب قد تُفضل مواجهة إيران وجها لوجه، غير أنه لا توجد أية مؤشرات تدل على صحة هذا الأمر، نظرا لأن الرئيس الأمريكي الحالي نفسه يُعرف بأنه يتفادى إقحام الولايات المتحدة في أية مغامرات عسكرية، فضلا عن أن مصالحه الشخصية تعد أهم شيء في البلاد، على حد تعبيره.
المصدر: الأتلانتيك