فشل مجلس النواب المغربي، في ختام دورته الثانية خلال هذه السنة التشريعية في حسم قضية معاشات (تقاعد) البرلمانيين التي أحدثت جدلاً كبيرًا في البلاد، خاصة مع تباين وجهات النظر حولها، وتحولها إلى مادة للسخرية عند المغاربة الذين يطالبون بالإلغاء باعتباره ريعًا سياسيًا، وأن النيابة البرلمانية مهمة وليست وظيفة.
خلافات بين الأحزاب
قضية معاشات النواب، خلقت جدلاً كبيرًا في الأوساط السياسية والشعبية المغربية، حيث أحدثت انقسامًا كبيرًا بين نواب البرلمان حتى داخل كتل أحزاب الائتلاف الحاكم، بين مؤيد ومطالب بإنقاذ المعاشات ورافض لها ومطالب بإلغائها، وهو ما يفسر فشل المجلس في الحصول على إجماع الفرق البرلمانية والمجموعات النيابية بشأن المقترح المقدم بشأنها، الذي لم يتمكن النواب من تمريره في لجنة المالية.
الانقسام لم يكن بين الأحزاب فقط، بل داخل الحزب الواحد أيضًا، فقد انقسم موقف فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب، إلى مدافعين عن إصلاح صندوق المعاشات الخاص بالبرلمانيين مع حذف مساهمة الدولة منه، بينما طالب آخرون بإلغاء الصندوق بشكل نهائي.
وقال نور الدين مضيان رئيس الفريق البرلماني للحزب: “حزب الأصالة والمعاصرة (معارضة) يعبر عن موقف داخل اجتماعات رؤساء الفرق، بينما يعلن أخرى مختلفة خلال لقاء اللجنة البرلمانية أو التصريحات الصحفية”.
ترفض الحكومة المغربية، ضخ أي أموال من ميزانية الدولة في إنقاذ صندوق معاشات البرلمانيين
من جهته، دعا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أحد أحزاب الائتلاف الحاكم في المملكة المغربية، إلى “عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني لحسم موقفه من قضية المعاشات”، بعد أن وضع ملتمس رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، قيادة الحزب في مأزق، حيث تعتبر اللجنة الإدارية للحزب التي يترأسها الحبيب المالكي رئيس مجلس النواب، أعلى هيئة تقريرية وهو في نفس الوقت من عرض مقترح الأغلبية لإصلاح نظام معاشات البرلمانيين.
ويقترح نواب الأغلبية في البرلمان المغربي رفع سن الاستحقاق إلى 65 سنة، بدلاً من الاستفادة من التقاعد بمجرد مغادرة البرلمان، وخفض قيمة المعاشات وتقليص الامتيازات التي يتمتع بها البرلمانيون عن كلّ سنة إلى 700 درهم عن كل سنة بدلاً من 1000 درهم المعمول بها حاليًّا، وألا تتعدى مساهمة البرلماني في الصندوق 2900 درهم على أن تلتزم الدولة بالمبلغ نفسه في إطار مساهمتها عن كل برلماني.
وسبق أن طالب حزب العدالة والتنمية بتصفية صندوق المعاشات، قبل أن يتراجع عن مقترحه ليبقى مقترح فيدرالية اليسار وحيدًا في مقابل مقترحات تقدمت بها الأغلبية والفريق الاستقلالي تطالب بالإبقاء على المعاشات.
الحكومة ترفض
الحكومة من جهتها، قرّرت النأي بنفسها عن هذا الجدال وعدم حضور لقاء لجنة المالية لكونها “غير معنية” بالموضوع وفق الناطق الرسمي باسمها مصطفى الخلفي الذي اعتبر موضوع معاشات البرلمانيين يخص أعضاء البرلمان فقط.
وترفض الحكومة المغربية التي يرأسها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الإسلامي سعد الدين العثماني، ضخ أي أموال من ميزانية الدولة في إنقاذ صندوق معاشات البرلمانيين الذي لم يعد قادرًا منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول 2017 على صرف المعاشات.
يدعو المغاربة إلى حل مشاكلهم عوض الالتهاء بمعاشات النواب
الناطق الرسمي باسم حكومة العثماني قال: “لا يمكن تحميل ميزانية الدولة مصاريف إضافية”، مشيرًا إلى أنه لا يمكن إنقاذ صندوق معاشات البرلمانيين من ميزانية الدولة، وموقف الحكومة ثابت ولن يتغير”.
ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يثار فيها نقاش عن البرلمانيين، فإنه جاء أكثر حدة هذه المرة، لتزامنه مع معاناة الصندوق الذي يدير معاشات البرلمانيين المتقاعدين من عجز، بحيث لم تعد المساهمات تكفي لسداد المعاشات مع بلوغ عدد المستفيدين من معاش التقاعد 991 برلمانيًا.
موقف المعارضة
مطلب الأغلبية، وجد رفضًا كبيرًا من أحزاب المعارضة، حيث أكد حزب “النهج الديمقراطي” (يساري راديكالي) وقوفه إلى جانب المطلب الشعبي بإلغاء معاشات البرلمانيين، باعتبارها هدرًا لأموال الشعب وشكلاً من أشكال الريع السياسي وتتناقض كليًا مع الطابع التطوعي للعمل السياسي بالمعنى النبيل، وفق قوله.
ورغم الاختلاف داخلهم، فقد أكد حزب “الأصالة والمعاصرة” (ليبرالي) أيضًا ضرورة إلغاء مساهمة الدولة في معاشات البرلمانيين، وقالت مصادر حزبية إن الأمين العام للحزب حكيم بنشماش رئيس مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية) حث الفريقين البرلمانيين على رفض مقترح قانون الأغلبية الذي يهدف إلى الإبقاء على مساهمة الدولة في معاشات البرلمانيين.
صعوبة تكريس الديمقراطية وتنزيل المبادئ الدستورية كممارسة عملية في المملكة، في ظلّ محاولات البرلمانيين
من جهته جدّد حزب الاستقلال رفضه لمطلب الأغلبية، مؤكدًا أنه “لا تنازل عن موقفهم الرافض لأي إصلاح أو استعمال للمال العام في ذلك”، وجاء ذلك بعد أن شن مغاربة حملة ضد رئيس كتلة حزبهم في البرلمان نور الدين مضيان الذي دافع عن معاشات البرلمانيين.
في ذات الشأن اقترح برلمانيان اثنان عن فيدرالية اليسار الديمقراطي هما عمر بلافريج ومصطفى الشناوي مشروع قانون لإلغاء المعاشات، وبحسب المطالبين بإلغاء معاشات البرلمانيين، فإن النواب مكلفون خلال فترة محددة تمتد لخمس سنوات في ولاية تشريعية واحدة، وهم يتقاضون عنها تعويضات تمكنهم من أداء مهماتهم بشكل جيد، ولا يحق لهم الاستفادة من معاشات عن ذلك كما هو الشأن بالنسبة للوظائف والمهن الأخرى.
رفض شعبي
يرى مغاربة أن التشبث بصندوق معاشات البرلمانيين وطلب دعمه من الحكومة يمثل تجسيدًا للتمييز بين أبناء الوطن الواحد وتناقضًا في تكريس مفهوم المواطنة في ظل تقنين ممارسات التمييز، ويرى آخرون أن هذه المسألة تمثّل اختبارًا حقيقيًا للفاعلين السياسيين في الإيمان بمغرب المساواة في الحقوق والواجبات.
ويقول خبراء مغاربة إن المفروض في ممثلي الأمة كونهم يراقبون الحكومة، ويرصدون الممارسات الخاطئة، سندهم في ذاك التفويض الشعبي الذي حصلوا عليه، غير أن دفاعهم عن ريع المعاش الحزبي مناقض للتعاقد الدستوري الذي دستر مبدأ المساواة، ويتنافى مع تحقيق العدالة الاجتماعية والالتزام الأخلاقي.
ويؤكّد متابعون للشأن البرلماني المغربي صعوبة تكريس الديمقراطية وتنزيل المبادئ الدستورية كممارسة عملية في المملكة، في ظل تواصل محاولات البرلمانيين “تدبير الريع بدل إسقاطه”، وهو ما يحول البرلمان إلى مؤسسة لا تخدم عموم المواطنين، وفق قولهم.
مادة للسخرية
أمام تواصل الجدل بخصوص هذه المسألة، أطلق نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي حملة ساخرة ضد نواب الأمة شعارها “عاونوا البرلمانيين” (ساعدوا البرلمانيين)، ونشر العديد من النشطاء هاشتاغات على صفحاتهم بموقعي “فيسبوك” و”توتير” تحمل شعار “عاونوا البرلمانيين” يطلبون فيها جمع تبرعات نقدية للنواب، في سخرية من تشبثهم بمعاشاتهم.
ونشر ناشط مغربي يدعى جوادي ريفاني صورة وكتب فوقها “كهنة معبد آمون شادين الصف على فلوس الشعب”.
https://twitter.com/jawadrifani/status/1020078636911783937
فيما تداول آخرون مقطع فيديو يظهر عملية جمع عمل للنواب في إحدى الحافلات في المملكة.
هذه القضية دفعت الكثير من المغاربة لطلب مد المساعدة للبرلمانيين بسبب ظروفهم المادية الصعبة، ما جعل البعض يعرضون اقتطاع مبلغ من رواتبهم لمنحه للنواب، تهكمًا منهم على النواب.