قبل أيام قليلة، خرج الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بعد طول غياب على الشعب، منتصرًا لابنه “حافظ”، حيث طالب رئيس الحكومة يوسف الشاهد بالاستقالة أو الذهاب للبرلمان كسلفه وطلب تجديد الثقة منه، في تجاوز واضح لدستور البلاد.
لم يتوقف الرئيس التونسي عند هذا الحد، بل واصل انتهاك الدستور، ونسي أنه استقال من العمل الحزبي، حيث اجتمع في قصر الرئاسة بقرطاج بقيادات حركة “نداء تونس” الذي أسسه صيف 2012، ومنذ ذلك الحين وهو يعيش على وقع الأزمات والانقسامات المتتالية حتى ارتبط اسمه بالصراع على الحكم.
بحث عن تجاوز أزمة “النداء”
هذا الاجتماع الذي احتضنه قصر قرطاج، جاء في ظل تفاقم الأزمة السياسية التي يشهدها حزب نداء تونس وتوالي الانقسامات الداخلية للحزب، وتوتر العلاقة بين المدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي والهيئة السياسية التي تضم أبرز نواب النداء، نتيجة تباين وجهات النظر بين “الندائيين” بشأن مستقبل حكومة يوسف الشاهد.
ويعيش حزب السبسي منذ تأسيسه على وقع الصراعات والانقسامات، نتيجة عدم الانسجام بين أعضائه، فقد ضم في بداية تكوينه مجموعة من اليساريين والدستوريين والتجمعيين ورجال الأعمال والنقابيين فضلاً عن بعض المستقلين، لا رابط بينهم سوى الرغبة في الاستيلاء على الحكم، وما إن تحقق هدف الوصول إلى السلطة حتى انفك العقد لدقة خيطه.
يحاول السبسي استعمال صورته المعنوية للتأثير على المستقيلين والمناوئين لابنه
مؤخرًا اتسعت حدة الأزمة داخل نداء تونس، حيث تم عزل المدير التنفيذي حافظ قايد السبسي من الحزب، وإعلان الهيئة السياسية مسكها زمام الأمور، وتكليف أنس الحطاب كناطق رسمي بدلاً من منجي الحرباوي، مع تأكيد الهيئة التي تقودها مجموعة من المساندين لرئيس الحكومة يوسف الشاهد والمتمسكين بالحفاظ على خط التحالف والتوافق مع حزب “النهضة”، مساندتها يوسف الشاهد، عكس ما يدعو له نجل السبسي.
ووصف حافظ قايد السبسي الهيئة السياسية بـ”المخربين والانقلابيين والأقلية التي اختارت الانقلاب على المواقف الرسمية للحزب خدمة لمصالح وحسابات ضيقة، بهدف تشتيت الحركة وإضعاف موقعها في المشهد السياسي”، متوعدًا من وصفهم بـ”المخربين” بعقوبات.
كان الحزب قد دعا في الـ14 من يوليو/تموز الحاليّ، الرئيس المؤسس لحركة نداء تونس الباجي قايد السبسي للتدخل العاجل، للم الصف وإنقاذ الحزب من التجاذبات والمصالح الشخصية الضيقة حفاظًا على التوازن السياسي في البلاد، بحسب بيان المنسقين الجهويين، ودعا أيضًا إلى التذكير بأن هياكل الحزب العمود الفقري للحركة، وبالتالي فإن إشراكها في أخذ القرارات – بما في ذلك الإعداد للمؤتمر الانتخابي – أمر حتمي لا مزايدة فيه“.
لم الشمل والتصدي للنهضة
يعمل الباجي قائد السبسي وهو رئيس التونسيين الذي لم يقدم لهم حلولاً تذكر للخروج من أزمة البلاد السياسية والاقتصادية المتواصلة منذ توليه الحكم، على لم شمل “العائلة الندائية”، والدفع ببعض المستقيلين من الحزب للرجوع إلى النداء والوقوف صفًا واحدًا أمام ما يصفه البعض بـ”تغول حركة النهضة”.
يحاول السبسي استعمال صورته المعنوية للتأثير على المستقيلين والمناوئين لابنه، فهم يعلمون أن الحزب ارتبط منذ تأسيسه باسم مؤسسه الباجي قائد السبسي، فالنداء هو السبسي والسبسي هو النداء، فالذين صوتوا في الانتخابات التشريعية الأخيرة أكتوبر 2014، صوتوا للباجي ولم يصوتوا للذين ضمتهم قوائم النداء.
انتهاك الدستور
اجتماع السبسي بقيادات حزبه “السابق”، يؤكد خروج الرئيس عن منطق الحياد والوقوف على مسافة واحدة بين جميع الأحزاب، فعديد من الأحزاب السياسية في تونس تشهد صراعات وانقسامات داخلية ولم يتحرك الرئيس لمحاولة الجمع بين الفرقاء إلا إذا تعلق الأمر بنداء تونس.
وكان على السبسي أن ينأى بنفسه عن التجاذبات الحزبية، وهو الذي أقسم في شهر ديسمبر/كانون الأول سنة 2014، عند تسلمه رئاسة البلاد من سلفه الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي على أن يكون رئيسًا لكل التونسيين ولكل الأحزاب السياسية دون استثناء.
يسعى السبسي الأب إلى الدفع بابنه إلى الحكم وإن اضطره ذلك إلى انتهاك الدستور
ما زاد من خشية التونسيين من أن يتحول الصراع داخل حزب نداء تونس إلى مؤسسة الرئاسة أن الاجتماع تم في قصر قرطاج الذي يفترض أنه ملك لكل التونسيين وليس مقرًا حزبيًا يجتمع فيه لبحث مشاكل الأحزاب والنظر في حلول لها.
ويعرف الحزب منذ فترات هزات متتالية كان آخرها الهزيمة التي تكبدها خلال الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث خسر نداء تونس مركزه كأول حزب في الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت هذا الشهر وحل ثانيًا وراء حزب النهضة، وخسر نداء تونس نحو 900 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة مقارنة بانتخابات 2014 البرلمانية.
حافظ السبسي أم يوسف الشاهد؟
سبب تدخل السبسي هذه المرة رغبته في تغليب كفة ابنه حافظ قائد السبسي الذي يتهمه خصومه بالسعي لاستغلال نفوذه العائلي للسيطرة على أجهزة الحزب والدولة، وهو ما يرفضه السبسي الابن الذي يقول إنه يمارس حقًا سياسيًا متاحًا للجميع بحكم الدستور.
سبق أن اتهم يوسف الشاهد، نجل رئيس الجمهورية حافظ قائد السبسي بتدمير حزب نداء تونس الحاكم الذي ينتمي إليه والوقوف وراء حملة المطالبة بإقالته، وقال الشاهد: “الأزمة التي تسبب بها حافظ قائد السبسي في الحزب الحاكم تسربت إلى مؤسسات الدولة وأصبحت خطرًا على وجودها“.
السبسي ينتصر لابنه حافظ
رئيس الحكومة التونسية، اعتبر حينها أن وجود القيادة الحاليّة على رأس حزب نداء تونس خطر على المشروع المجتمعي للبلاد، حيث قال: “حافظ قائد السبسي والمحيطون به دمروا نداء تونس الذي خسر نحو مليون صوت في الانتخابات الأخيرة، وأزمة الحزب ليست داخلية بل أثرت على مؤسسات الدولة”.
ويسعى السبسي الأب إلى الدفع بابنه إلى الحكم وإبعاد كل المناوئين له عن طريقه، وإن اضطره ذلك إلى انتهاك الدستور والتعدي على القوانين التي تفرض عليه التزام الحياد والنأي بنفسه عن التجاذبات السياسية وأن يكون الجامع لا المفرق بين عموم التونسيين.
ويرجع عديد من المتابعين للشأن التونسي ما آلت إليه أوضاع البلاد إلى الفشل الكبير الذي أظهرته المؤسسات الحاكمة على جميع المستويات، ذلك أن نداء تونس الذي يتزعم الائتلاف الحاكم في البلاد المسؤول المباشر عن تأزم الوضع في تونس، وهو الذي أوصل البلاد إلى الحال التي تعرفها الآن نتيجة سوء تصرفه وتوجهه إلى الصراعات السياسية عوض الاهتمام بوضع البلاد.