ترجمة وتحرير: نون بوست
عین الحلوة، لبنان- في الماضي، اشتهر فضل شاكر بأغانیه العاطفیة، ومن بینها أغنیة “یا غایب”، التي تقول كلماتها “أنا مشتاق لعینیك، یا حبیبي لا تروح بعید، أنت نصیبي وبقلبي الوحید”.
عندما كان هذه فضل شاكر یؤدي هذه الأغنیة في 2006 ،كان لا یزال یظهر وهو حلیق اللحیة بوجهه الطفولي، وكانت أغنیاته حول الحب تجذب الآلاف من عشاقه في الحفلات التي یقیمها في كل بلدان المنطقة، من تونس إلى بیروت. ولكن تلك الأیام باتت من الماضي.إذ أنه خلال الخمس سنوات الماضیة، ظل فضل شاكر عالقا في مخیم عین الحلوة للفلسطینیین، في محاولة للبقاء بعیدا عن السلطات اللبنانیة، التي تلاحقه على خلفیة دوره في الاشتباكات المسلحة التي وقعت في 2013 في منطقة عبرا في جنوب لبنان.
إلا أن هذا الفنان البالغ من العمر 49 عاما لا یزال یتمسك بالأمل في العودة في یوم من الأیام إلى عالم الموسیقى والغناء، وهو الآن یخطط للعودة للساحة الفنیة.
حالیا لم یعد فضل شاكر إلا شبحا لذلك النجم الذي كان علیه في الماضي، وهو یستقبل ضیوفه بكل لطف، ولكن بتحفظ، في شقته الواقعة في الطابق الثاني في عین الحلوة، أین یعیش منذ سنة 2013، وقد تحدث فضل بصوت منخفض، واشتكى من العدید من المشاكل الصحیة التي یعاني منها، ومن كونه ضحیة لسوء تفاهم فظیع.
فضل شاكر، الذي ینتمي هو بدوره إلى الطائفة السنیة، فقد كان مقتنعا بآراء الأسیر عندما تطورت الانقسامات في سوریا إلى حرب طائفیة، وابتعد عن عالم الفن والنجومیة في 2012، لینصرف اهتمامه نحو السیاسة والدین.
ففي أیلول/سبتمبر الماضي، كان محكمة لبنانیة قد حكمت علیه بالسجن غیابیا لمدة 15 سنة مع الأشغال الشاقة، على خلفیة تورطه في اشتباكات وقعت في حزیران/یونیو 2013 ،بین مجموعة من المسلحین السنة، والجیش اللبناني.
وقد أدت تلك الاشتباكات إلى وقوع حوالي 60 قتیلا، من بینهم 18 جندیا، وفي تلك الفترة كان ینظر إلىوكان المسلحون السنة حینها یقودهم رجل الدین السلفي وصاحب التأثیر الكبیر، أحمد الأسیر، الذي اكتسب شهرة كبیرة عبر انتقاداته اللاذعة للرئیس السوري بشار الأسد، وحزب االله اللبناني، الحزب الشیعي المتنفذ الذي ساند رئیس النظام السوري في الحرب الأهلیة منذ 2012.
وعلى إثر هذه المواجهات المسلحة، اختفى أحمد الأسیر، ثم تم إلقاء القبض علیه بعد سنتین أثناء محاولته الهروب متخفیا إلى خارج البلاد، عبر مطار بیروت، وقد تم الحكم علیه لاحقا بالإعدام، بسبب دوره في أحداث عبرة.
على الیسار صورة أحمد الأسیر قبل اشتباكات عبرة، وعلى الیمین صورته عندما قبض علیه في مطار بیروت.
أما فضل شاكر، الذي ینتمي هو بدوره إلى الطائفة السنیة، فقد كان مقتنعا بآراء الأسیر عندما تطورت الانقسامات في سوریا إلى حرب طائفیة، وابتعد عن عالم الفن والنجومیة في 2012، لینصرف اهتمامه;نحو السیاسة والدین.
وقد قام فضل حینها بإعفاء لحیته وحلق الشارب على الطریقة السلفیة، وبدأ یؤدي الأناشید الدینیة في المجالس التي ینظمها الأسیر.
وحول هذا الأمر، قال لنا شاكر وهو یجلس في غرفة الاستقبال في شقته: “لقد حدثت الكثیر من المجازروعملیات الاغتصاب… كیف یمكنني أن أشاهد ما یحدث للمواطنین السنة في سوریا دون أن أفعل شیئا”.
الحیاة في الخیم
باستثناء بعض الزیارات من العائلة مرة في كل أسبوع، یقضي فضل شاكر أغلب وقته بین شاشة التلفزیون الكبیرة المسطحة، والعدید من كامیرات المراقبة.
اشترطت المحامیة عدم طرح أسئلة ذات طابع سیاسي، فهي ترغب في أن یظهر موكلها بشكل إیجابي أكثر
وهو یمضي أغلب النهار في النوم، وفي المساء یبقى في غرفة الجلوس مع أصدقائه المخلصین والمتعاونین معه، حیث یدخنون بشراهة ویطلبون أطباق السوشي للعشاء من مدینة صیدا القریبة، والیوم، یحلم فضل بالشعور مجددا بطعم النجومیة كفنان، مثلما كان في الماضي.
وقد ظهرت هذه الرغبة من خلال تحویله الطابق الثالث من البنایة التي یعیش فیها إلى ما یسمیه هو “أستودیو”، وهو غرفة صغیرة توجد فیها آلة بیانو كهربائي، وإلى جانبها بنادق كلاشینكوف تعود ملكیتها لصاحب البنایة.
فضل شاكر یرفع علم المعارضة السوریة، أثناء مظاهرة یقودها الشیخ أحمد الأسیر في مدینة صیدا في جنوب لبنان، في 2012.
وقد تم اللقاء بین میدل إیست آي وفضل شاكر بترتیب من محامیته زینة مصري، وذلك بشرط الاطلاع على الأسئلة بشكل مسبق.
وقد اشترطت المحامیة عدم طرح أسئلة ذات طابع سیاسي، فهي ترغب في أن یظهر موكلها بشكل إیجابي أكثر، ویتجاوز الصورة السلبیة التي انتشرت حوله في السنوات القلیلة الماضیة في الإعلام اللبناني، الذي ظل یقدم فضل شاكر على إنه مسلح خطیر وخائن للوطن.
ومن أجل لقاء فضل شاكر، توجب علینا الحصول على ترخیص من الجیش اللبناني لدخول عین الحلوة، ثم المرور عبر واحدة من أربع نقاط تفتیش یشرف علیها الجیش تمثل المداخل الرسمیة، وذلك قبل أن یتم اصطحابنا من قبل أحد مساعدي هذا الفنان عبر شوارع المخیم الضیقة والملیئة بكتابات الغرافیتي على الجدران.
كل حي من أحیاء هذا المخیم الفقیر المكتظ بالسكان، یقع تحت سیطرة أحد الفصائل الفلسطینیة، التي فشلت كل محاولاتها خلال السنوات الماضیة لتنسیق عملها الأمني وتوحید نفسها.
ویذكر أن أجهزة الدولة اللبنانیة لم تدخل إلى مخیمات اللاجئین الفلسطینیین منذ اتفاق 1969 ،إلا في حالات استثنائیة هي في الغالب اندلاع أعمال عنف. وكنتیجة لذلك، فإن عین الحلوة، أكبر مخیم في لبنان، تحول إلى ملاذ آمن للمجموعات المسلحة.
ویقول شاكر، الذي یشغل هذه الشقة التي منحها له صدیق له، في منطقة تسیطر علیها مجموعة الشباب المسلم المتشددة: “إن المكان هنا أشبه بالسجن، ولكن على الأقل أنا حر”.
على غرار معلمه السابق أحمد الأسیر، الذي یقسم فضل شاكر بأنه قطع علاقته معه منذ نیسان/أبریل 2013 ،فإن هذا الفنان یتهم حزب االله بالدفع نحو اندلاع اشتباكات عبرا، رغم أن الجیش اللبناني ینفي أي ضلوع لطرف ثالث في تلك الأحداث.
كما أسّر لنا بأنه لا یرید المغامرة بالخروج إلى ما أبعد من الشوارع المحیطة بشقته، وذلك خوفا على حیاته.
ویلاحظ أن شقة فضل شاكر التي تحتوي على غرفة نوم واحدة، أكثر فخامة مقارنة بمستوى السكن المعروف في عین الحلوة، ولكنها رغم ذلك تبقى أقل بكثیر من الفیلا الفاخرة التي تبلغ قیمتها 5 ملیون دولار، والتي كان یملكها في صیدا المجاورة، وقد تم حرقها وتسویتها بالأرض، قبل وقت قصیر من اشتباكات 2013.
ویعلق فضل شاكر على ذلك الأمر بكل مرارة ویقول: “أعرف جیدا من فعل ذلك”. ویبدو أن كراهیته لحزب االله، الذي لم یتم ذكر اسمه بشكل صریح طوال هذا اللقاء، لا تزال على حالها.
وعلى غرار معلمه السابق أحمد الأسیر، الذي یقسم فضل شاكر بأنه قطع علاقته معه منذ نیسان/أبریل 2013 ،فإن هذا الفنان یتهم حزب االله بالدفع نحو اندلاع اشتباكات عبرا، رغم أن الجیش اللبناني ینفي أي ضلوع لطرف ثالث في تلك الأحداث.
أحمد الأسیر وفضل شاكر یشاركان في احتجاجات ضد الحكومتین السوریة والإیرانیة في بیروت في 2012
ویصر فضل على أنه بريء من التهم المنسوبة إلیه. وبحسب روایته هو للأحداث، فإنه كان نائما في شقة كان یقیم فیها في عبرا، في أعقاب الهجوم الذي تعرضت له فیلته الفاخرة. وتقول محامیته زینة مصري إن الصدفة هي التي وضعت فضل في تلك الضاحیة من صیدا، في الوقت الذي بدأ فیه أحمد الأسیر ومجموعته في تبادل إطلاق النار مع الجیش.
ویذكر أن المحكمة العسكریة في لبنان بّرأت فضل من التهم الإرهابیة الموجهة له حول مقتل الجنود اللبنانیین، إلا أنها وجدته مذنبا في قضیة تكوین مجموعة مسلحة، وتنفیذ تمرد مسلح ضد الدولة، والتحریض على الاقتتال الطائفي وامتلاك أسلحة بدون ترخیص.
إلا أن فضل یصر على أن كل هذه التهم ملفقة، ویؤكد أنه یرید الآن التركیز على العودة لمهنته الأصلیة وهي الغناء.
الصوت الذهبي
“أنا فنان ولا أعرف القیام بأي شيء آخر”، هكذا یقول هذا الفنان، الذي حاول في عدة مناسبات العودة إلى عالم الغناء منذ 2013، وفي أیار/مایو الماضي، حاول فضل مجددا، ولكن هذه المرة كانت النتائج معاكسة تماما لرغبته.
یقول بشارة مارون، وهو صحفي فني لبناني: “من باب احترام فضل شاكر، قامت شركة الإنتاج بترك الأغنیة معروضة على منصة یوتیوب، حیث حصدت الملایین من المشاهدات، وقامت بتعویضها بموسیقى أخرى في شارة البدایة في المسلسل”
حیث یقول فضل أنه تم الاتصال به من قبل شركة إنتاج مصریة، دفعت له 40 ألف دولار لتأدیة أغنیة البدایة في مسلسل تلفزیوني سیتم عرضه في شهر رمضان، عندما ترتفع معدلات المشاهدة في الدول الإسلامیة.
ولكن هذه المحاولة الأخیرة فجرت عاصفة من الغضب في لبنان، وخاصة لدى أفراد عائلات الجنود الذین قتلوا في عبرا، ولذلك تم سریعا سحب الأغنیة من هذا المسلسل.
وحول هذا الأمر، یقول بشارة مارون، وهو صحفي فني لبناني: “من باب احترام فضل شاكر، قامت شركة الإنتاج بترك الأغنیة معروضة على منصة یوتیوب، حیث حصدت الملایین من المشاهدات، وقامت بتعویضها بموسیقى أخرى في شارة البدایة في المسلسل”.
وبحسب الصحفي مارون، الذي یقول إنه تحدث للمدیر التنفیذي في شركة العدل المصریة، فإن فضل احتفظ بالمال، والمسلسل تم بثه في القنوات التلفزیونیة.
وتقول ساندي طنوس، المستشارة القانونیة في البرلمان اللبناني، أثناء لقاء لنا معها في مقهى في بیروت، “إن هذا الأمر شكل صدمة للجمیع، حیث أن شقیقها سمیر البالغ من العمر حینها 28 عام، كان أول جندي یسقط في الاشتباكات في ضاحیة عبرا”.
وتتساءل هذه الشابة البالغة من العمر 30 عاما: “كیف یمكن لنا أن نقبل عودة شخص شارك في تلكالأحداث للحیاة العادیة، بینما حیاتنا نحن لم تعد عادیة على الإطلاق”.
بالنسبة لساندي، فإن الخیارات التي اتخذها فضل شاكر في تلك الفترة لا تزال غامضة، حیث تقول: “لا أفهم على الإطلاق كیف تبنى هذا الفنان خطابا متشددا، لقد كان واحدا من أشهر نجوم الغناء اللبنانیین، وكان یغني عن الحب وعن السعادة. لا أعتقد أنه كان یعي بشكل كامل تداعیات أفعاله في ذلك الوقت”.
ساندي طنوس، شقیقة الجندي الذي قتل في اشتباكات عبرة.
وعندما كان فضل شاكر في قمة نجاحه، كان مرتبطا بعقد مع روتانا، وهي شركة إنتاج فني ضخمة، یمتلكها أحد أبرز الأمراء في العائلة المالكة السعودیة، وهو الولید بن طلال.
ویقول مارون: “في سنوات الألفین، كان فضل شاكر في قلب قصة نجاح شركة روتانا، لقد كان یمتلك صوتا ذهبیا”.
ولكن یشیر مارون إلى أن فضل حتى في ذلك الوقت كان معروفا بأنه محافظ اجتماعیا، فقد كان شخصا مؤدبا وخجولا ولم یكن یتباهى بثروته، ولهذا بالضبط فإن التناقض بین الأغاني الرومانسیة التي كان یؤدیها، والمواقف المسلحة والعدائیة التي أظهرها بعد ذلك، كان كبیرا جدا.
ومن أكثر النقاط التي دمرت السمعة الفنیة لفضل شاكر، كان مقطع الفیدیو الذي نشره على موقع یوتیوب أثناء الاشتباكات، حیث كان محاطا بثلاثة رجال في حالة انفعال، وأحدهم یقول: “خلال المعارك التي جدت یوم أمس، قتلنا فطیستین”.
وترى ساندي طنوس، إلى جانب جزء كبیر من الرأي العام في لبنان، أن فضل كان یشیر بتلك الكلمات المهینة إلى جنود الجیش اللبناني، وبشكل خاص شقیقها، ولذلك تعتبر أن هذا الفنان لم یكن یعتبر الجنود بشرا.
یعتقد مارون أن حظوظ فضل شاكر في العودة إلى الساحة الفنیة تبدو ضئیلة، حیث یقول: “لا أعتقد أنه سیتمكن مجددا من الغناء في لبنان أو سوریا. لو أنه سلم نفسه للجیش، لكان ذلك قد ساهم في تحسین صورته، ولكن لا أعتقد أنه سیقدم على ذلك”
ولدى سؤاله حول مقطع الفیدیو، أكد شاكر ومحامیته أنه تم تصویره قبل اشتباكات عبرا، دون أن یقدم لنا أي تفاصیل إضافیة حول التاریخ أو المقصد من ذلك المقطع.
ویقول مارون: “في لبنان، یشهد الرأي العام انقساما: حیث أن الأغلبیة العظمى لم تعد تحترمه، ولكن آخرون یشتاقون إلى فضل شاكر الفنان”.
ولكن یعتقد مارون أن حظوظ فضل شاكر في العودة إلى الساحة الفنیة تبدو ضئیلة، حیث یقول: “لا أعتقد أنه سیتمكن مجددا من الغناء في لبنان أو سوریا. لو أنه سلم نفسه للجیش، لكان ذلك قد ساهم في تحسین صورته، ولكن لا أعتقد أنه سیقدم على ذلك”.
ولكن یمكن أن تكون حظوظ فضل شاكر أفضل في أماكن أخرى، حیث یقول مارون: “في مصر على سبیل المثال، لم یتابع الناس قصته بشكل دقیق، ولذلك لا زالوا ینظرون إلیه على أنه فنان یمتلك صوتا ممیزا وأغاني رائعة. إنهم لا یفهمون لماذا توقف عن الغناء. ولذلك فإن شركة الإنتاج المصریة فكرت فیه خلال رمضان الماضي، فقد شعروا بأن تلك الأغنیة تناسب طابعه الغنائي”.
المصدر: میدل إیست آي