ترجمة وتحرير: نون بوست
شهد سباق الرئاسة التونسية، المقرر إجراؤها في 6 أكتوبر، مفاجأة غير متوقعة بعدما وافق القضاء الإداري، في استئناف، على قبول ترشح عبد اللطيف المكي، وهو أحد قادة حركة النهضة الإسلامية المحافظة.
وكان ملف ترشح المكي قد رُفض مسبقًا، إلى جانب 13 مرشحًا آخر، من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي بررت قرارها بعدم استيفاء شروط الترشح، بما في ذلك عدم الحصول على عدد كافٍ من التزكيات، وعدم تقديم ضمانات مالية كافية، أو عدم استيفاء شروط الجنسية.
فهل سيرفع هذا القرار القضائي عدد المرشحين إلى أربعة؟ حتى الآن لم يقبل سوى ثلاثة مرشحين، من بينهم الرئيس قيس سعيد الذي يسعى لفترة رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات. أما المرشحان الآخران فهم زهير المغزاوي، وهو نائب سابق من اليسار العربي القومي، ورجل أعمال في الأربعينات من عمره، وأيّاشي زمّل، زعيم حزب ليبرالي.
انتخابات بلا رهانات حقيقية
“إنها انتخابات بلا رهانات حقيقية”؛ هذا ما قالته يسرى فروس، مديرة مكتب المغرب العربي والشرق الأوسط في الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان.
لا يبدو أن أيًا من المرشحين الحاليين يمتلك ما يكفي من التأييد الشعبي ليهدد موقف الرئيس الحالي. ويبدو أن اللعبة السياسية تم التخطيط لها بعناية. ويرى بسام خواجة، نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، أنه “بعد سجن عشرات المعارضين والناشطين البارزين، أزاحت السلطات جميع المنافسين الجديين للرئاسة، مما جعل هذه الانتخابات مجرد إجراء شكلي”.
وحسب المنظمة الدولية، تمّ “ملاحقة ثمانية مرشحين محتملين قضائيًّا، أو إدانتهم، أو سجنهم” مما حال دون ترشحهم فعليًا.
ومن المتوقع الإعلان الرسمي عن القائمة النهائية للمرشحين في الثالث من سبتمبر.
قفل باب الترشح
هل تُعوّق السلطات الحاكمة ترشح أي شخص في الانتخابات الرئاسية التونسية؟ تعتقد العديد من المنظمات غير الحكومية، بما في ذلك رابطة حقوق الإنسان التونسية والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان، أن الانتخابات التي ستُجرى الشهر المقبل لن تكون “مُتوافقة مع القواعد الديمقراطية وشفافة”.
بخلاف عمليات الاعتقال؛ اشتكى العديد من المرشحين من تعرّضهم لعراقيل إدارية عند محاولة الحصول على استمارات التزكيات، بالإضافة إلى سجلاتهم الجنائية. ووفقًا للعديد من الشهادات، امتنعت وزارة الداخلية عن تزويدهم بالوثائق اللازمة.
وتقول يسرى فروس، مديرة مكتب المغرب العربي والشرق الأوسط في الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان: “الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تخضع لسيطرة رئيس الجمهورية، فقد عيّن هو أعضاءها ورئيسها. وجعلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عملية تكوين ملف الترشح للرئاسة صعبة جدًا، وربما مستحيلة”.
قيس سعيد: الرجل القوي، الرجل النزيه
قال رمضان بن عامر، المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: “يتصرف قيس سعيد وكأن الانتخابات قد حُسمت مسبقًا، وقد قال عبارات مثل “لن أُسلّم السلطة لخائن”.
مع ذلك، لا تزال هناك شريحة من الناخبين تدعم الرئيس الحالي؛ حيث “يرونه رجلًا قويًا، ورجلًا نزيهًا، لم يُورط عائلته في دائرة السلطة، كما فعلت الطبقة السياسية بعد الثورة”، حسب ما قاله صحفي تونسي رفض الكشف عن هويته.
وأضاف الصحفي: “لم يُعيّن سعيد أي شخص من عائلته في دوائر السلطة. إنه الشخص الذي تمكن من قطع علاقته بالنظام السابق وبفترة ما بعد الثورة. يُنظر إليه كمُناهض للنظام القائم. وفي ظل الأزمة الأمنية، خاصة تلك المتعلقة بالمهاجرين، يدعمه البعض لأنهم يرون فيه شخصية قادرة على الحفاظ على الاستقرار وضمان أمن البلاد. باختصار، فإن من يدافعون عنه على استعداد “للتضحية بقيم الديمقراطية في مقابل خطاب شعبوي”.
“نزيه” إلى حد معين؛ فقد بدأت موجة اعتقال المعارضين والمختلفين في شباط/فبراير 2023. ومنذ ذلك الحين، تمّ الإفراج عن بعضهم بشكل مشروط، بينما حلّ آخرون محلهم في السجون، ومن بينهم المحامية والكاتبة سونيا دحماني، فبعد شهرين من اعتقالها بطريقة وحشية يوم 11 أيار/مايو في دار المحامين بتونس العاصمة حيث لجأت، حُكم عليها بالسجن لمدة عام بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، بموجب المرسوم بقانون رقم 54 المثير للجدل.
وينصّ هذا القانون، الذي أصدره الرئيس قيس سعيد في عام 2022، على عقوبة السجن لأي شخص “يستخدم عمدًا شبكات الاتصال ونظم المعلومات لإنتاج أو نشر أو بثّ معلومات كاذبة أو شائعات كاذبة”.
وخلال برنامج تلفزيوني في بداية أيار/مايو على قناة “قرطاج بلس”، قالت سونيا دحماني ساخرةً: “عن أي بلد رائع تتحدثون؟”، ردًا على أحد المُحلّلين الذين زعموا أن المهاجرين القادمين من عدة دول في جنوب الصحراء الكبرى يسعون للاستقرار في تونس.
يعتقد الصحفيون ومجموعات حقوق الإنسان أن قانون رقم 54 يُستخدم من قبل السلطة لإسكات الأصوات المُعارضة، ويُشكل “تهديدًا جديًا” لحرية الصحافة في البلاد.
“حتى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات التي استولت على إدارة العملية الانتخابية، بدأت في تحديد بطاقات الاعتماد للصحفيين”، كمل يقول رمضان بن عامر، مضيفًا: “وعندما تتابع وسائل الإعلام الحكومية، التلفزيون والإذاعة العامة التونسية، ستجد أن جميع الضيوف هم من مؤيدي الرئيس الحالي تقريبًا”.
وعلق صحفي تونسي لم يكشف عن هويته، ساخرًا: “لحسن الحظ أنه لم يفرض التعذيب!”.
تغيير وزاري مُفاجئ
من المفاجئ، قبل ستة أسابيع من الانتخابات الرئاسية، قام الرئيس قيس سعيد بإجراء تعديل وزاري واسع النطاق؛ حيث تمّ استبدال 19 وزيرًا بعد إقالة رئيس الوزراء أحمد الحشاني في بداية آب/أغسطس.
ويبرر قيس سعيد هذا التغيير بـ”أسباب أمنية وطنية”، بدعوى “المصلحة العليا للدولة”. ووفقًا لقوله: “نجح نظام فاسد، تهدف أطرافه إلى العودة إلى الوراء، في التلاعب بالعديد من مسؤولي الدولة وعرقلة آلياتها”.
ويُفسّر رمضان بن عامر هذه الخطوة بشكل مختلف: “من خلال هذا التغيير الوزاري، يريد قيس سعيد أن يُخبر الشعب أن فشل السنوات الثلاث الماضية – منذ 25 يوليو 2021 – يرجع إلى الوزراء الذين لم يكونوا على مستوى رؤيته وقراراته. إنها طريقة منه لتوقع الانتقادات على سجله الاقتصادي والاجتماعي، الذي هو في الواقع فشل. وهي طريقة لوضع المسؤولية على عاتق الوزراء… المسؤولون هم المعارضون والمهاجرون… والآن، هم الوزراء”.
من الواضح لماذا قيس سعيد مرتاح مع وزيرة العدل!
ومن بين الذين بقوا في الحكومة، وزيرة المالية ووزيرة العدل، حيث تقول يسرى فروس ساخرة: “يمكننا فهم سبب راحة قيس سعيد مع وزيرة العدل، فهي التي قبلت استخدام العدالة لأغراض سياسية، وأن تكون العدالة أداة لمطاردة المعارضة، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والصحفيين…”.
“انقلاب” 25 تموز/يوليو 2021
في الواقع؛ استولى الرئيس سعيد، الذي انتُخب ديمقراطيًّا عام 2019، على جميع السلطات في انقلاب يوم 25 تموز/يوليو 2021. ففي خضمّ جائحة كوفيد، وبعد أشهر من الشلل السياسي، أقال رئيس الوزراء وعَلّق عمل البرلمان قبل أن يُذوّبه.
في البداية، لاقى هذا الانقلاب استحسانًا من جانب جزء من السكان، الذين سئموا عجز الأحزاب السياسية عن إيجاد حلول لمشاكل البلاد.
لكن سرعان ما ألغى قيس سعيد، ثمّ عدّل دستور عام 2014، الذي وُلد بعد ثورة الربيع العربي عام 2011 التي أطاحت بالدكتاتور بن علي، وجعلت تونس مختبرًا لدول المغرب العربي على طريق الديمقراطية.
نظام رئاسي
ما الذي بقي من ثورة الربيع العربي؟ تتساءل يسرى فروس، مضيفة: “للأسف، لا شيء سوى سراب اليوم. فقد فكّك قيس سعيد بشكل منهجي دولة القانون والديمقراطية في تونس. وأعاد ترسيخ الخوف الذي كنا قد أزَلناه من خلال إجبار بن علي على مغادرة تونس في عام 2011”.
وتمّت المصادقة على الدستور الجديد في استفتاء أُجري يوم 25 تموز/يوليو 2022 (بنسبة مشاركة بلغت 28 بالمئة فقط)، وأسّس عمليًا لنظام رئاسيّ، وقلّص صلاحيات البرلمان.
وبعد حلّ المجلس الأعلى للقضاء، خضعت السلطة القضائية تدريجيًا لسيطرة السلطة التنفيذية ووزارة العدل، وتمّت إقالة 57 قاضيًا، من بينهم قضاة تحقيق.
واليوم، أصبح البرلمان مجرد غرفة تسجيل، حيث غابت أحزاب المعارضة.
ولكن أين مُتظاهرو 2011؟
أصبح الحديث عن السياسة في المقاهي أمرًا يُتجنب الآن؛ حيث تقول فروس، المدافعة عن حقوق الإنسان: “عندما يرتبط الفقر بالخوف، لا يوجد أمل كبير في خروج التونسيين إلى الشوارع للمطالبة بالديمقراطية والحرية، فأولوياتهم تتمثل في إدارة شؤونهم اليومية، والبقاء على قيد الحياة. لذلك، يُعاني العديد من التونسيين اليوم من الحنين إلى تلك الفترة، قبل عشر سنوات”.
اقتصاد على حافة الهاوية
في عام 2010؛ مثّلت الطبقة المتوسطة في تونس 60 بالمئة من السكان. واليوم: انخفضت هذه النسبة إلى 25 بالمئة، وانتقل الباقي إلى فقر مدقع، لا سيما بسبب التضخم وارتفاع معدل البطالة (حوالي 16 بالمئة).
يشرح رمضان بن عامر قائلًا: “لم تعدّ المنتجات الضرورية مثل الزيت والدقيق والسكر نادرة، لكنّ ذلك لا يمنع مؤشرات الاقتصاد من كونها مقلقة للغاية”. وتواجه تونس – المثقلة بديون تبلغ 80 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي، وتعاني من انخفاض النمو الاقتصادي (0.4 بالمئة في عام 2023) – سنة جفاف سادسة على التوالي.
اتفاق بشأن المهاجرين
تقول سونيا دحماني ساخرةً”عن أي بلد رائع تتحدثون؟”، في العام الماضي وقع الاتحاد الأوروبي اتفاق “شراكة إستراتيجية” مع تونس، يهدف إلى نقل جزء من مسؤولية إدارة شؤون الهجرة إلى تونس مقابل مساعدات مالية، ووافقت تونس على التحكم بشكل أكبر في مغادرة المهاجرين غير الشرعيين من شواطئها.
ويوضح رمضان بن عمر قائلًا: “أصبحت أزمة المهاجرين أقل وضوحًا لأن الدولة التونسية اختارت طرد المهاجرين من المدن، مثل صفاقس، وتونس والمدن الساحلية”، مضيفًا: “لكنّنا نجدُهم الآن في الداخل، على سبيل المثال في مناطق بني والهمّام… إنهم في خيام بلاستيكية، محرومون من أي شكل من أشكال المساعدة والدعم”.
وفقًا للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بعد مرور أكثر من عام على تصريح الرئيس قيس سعيد الذي ربط وجود المهاجرين “بمؤامرة لِتغيير التركيبة السكانية في تونس”، تستمر الانتهاكات المنهجية والحملات العنصرية والكراهية التي تستهدف المهاجرين من جنوب الصحراء في تونس، وتبقى إلى يومنا هذا دون عقاب.
طرد نساء مع أطفالهن، ونساء حوامل إلى الصحراء، دون ماء أو طعام
ويُعرب رمضان بن عامر عن قلقه: “نلاحظ بشكل منتظم عمليات طرد النساء مع أطفالهن والحوامل نحو الصحراء، دون ماء أو طعام، باتجاه الحدود الليبية أو الحدود الجزائرية، هذا أمرٌ مُروّع!”.
وتريد يسرى فروس توعية الدول الغربية بضرورة احترام حقوق الإنسان خارج حدودها: “نود من الديمقراطيات الغربية أن تكون أكثر حذرًا في شراكاتها مع تونس. وأن تُعطي أولوية لِمسألة حقوق الإنسان في جميع المفاوضات. للأسف، الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية بشكل عام، مستعدون لِتقديم تَنازلات كبيرة. تُنسى القيم عندما يُصبح الأمر متعلقًا بِمكافحة الإرهاب، أو مكافحة تدفقات الهجرة”.
المصدر:رتبف آكتوس