تحولت الساحة السياسية الليبية إلى صراع معلن بين فرنسا وإيطاليا، ظاهره اختلاف بشأن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الليبية نهاية العام الحالي أو تأجيلها إلى ربيع 2019، وباطنه “حرب” على النفط الليبي والوضع الهش في “الهلال النفطي” ومن سيضمن الوجود بقوة من خلال شركات النفط الفرنسية والإيطالية.
بلغت درجة التنافس العلني بين فرنسا وإيطاليا أن أشار الناطق الرسمي للقيادة العامة للجيش الليبي العميد أحمد المسماري، في مؤتمر صحفي، عقد مساء اليوم، إلى أن: “الصراع الإيطالي الفرنسي يجب أن يبقى في أوروبا بعيدًا عن ليبيا”.
تحركات إيطالية معاكسة
لم يكد وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان يغادر تونس وليبيا، بعد تأكيده ضرورة التعجيل بتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية الليبية، نهاية العام الحاليّ، حتى استقبلت كل من تونس وليبيا، كلًا من وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا رفقة رئيس أركان الدفاع الإيطالي الجنرال كلاوديو غراتسيانو.
وزيرة الدفاع الإيطالية بصحبة السراج
وكان اجتماع باريس المنعقد في الـ29 من مايو 2018 تمخض عن اتفاق دعا إلى إجراء الانتخابات الليبية في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول 2018، اتفاق لم يرق للإيطاليين الذين كانوا يبحثون عن تأخير هذه الانتخابات إلى ربيع 2019 “بسبب الاضطرابات التي تعيشها ليبيا”.
لكن مراقبين يرون أن غضب إيطاليا من الاتفاق الفرنسي يعود إلى أنها ما زالت تعتبر ليبيا “مستعمرة” إيطالية، ومن غير المقبول أن يتم الاتفاق بشأن مستقبلها دون موافقة “المستعمر التاريخي”، حتى إن انتقاد إيطاليا لفرنسا جعل وزيرة دفاعها إليزابيتا ترينتا تخرج عن الدبلوماسية لتصرح بأن “القيادة في ليبيا لنا”، موجهة تحذيرًا لفرنسا، ومعتبرة أن إجراء الانتخابات سيعمق الأزمة في ليبيا بدل حلها، رغم أن البرلمان الليبي يرى أن الانتخابات المخرج الوحيد في ظل الانسداد السياسي الحاصل في البلاد.
فائز السراج: “ضرورة التزام الأطراف الأخرى بالاستحقاق الانتخابي وإعداد الإطار الدستوري لإجرائه في الموعد المقرر، بعيدًا عن أسلوب المناورات الذي ساد في الفترات الماضية”
إذًا تتحرك إيطاليا هذه الأيام على أكثر من واجهة لعرقلة اتفاق باريس، حيث اعتبرت وزيرة الدفاع الإيطالية إليزابيتا ترينتا، يوم أمس، في طرابلس، أنه “من الخطأ في ليبيا إجراء انتخابات قبل إتمام المصالحة”.
وأضافت خلال لقائها بفائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني: “القفز نحو الانتخابات بصفة مباشرة، وتخطي هذه المرحلة يُعد خطأ في التخطيط بهدف تحقيق انتخابات ناجحة”، مشيرة إلى أن “التعجيل في إجراء الانتخابات قبل استكمال عملية المصالحة الشاملة، سيضر ليبيا وإيطاليا، وعلى الجميع تفهم ذلك”، وفق وكالة الأنباء الإيطالية “آكي”.
الانتخابات نهاية العام والفوضى في ليبيا
وكان رئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي قد اعتبر بوضوح، قبل أسبوع، أن إجراء الانتخابات الليبية في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول 2018، سيزيد من الفوضى السياسية في البلاد.
وقال كونتي في تصريح إعلامي: “أخبرت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة مجموعة السبعة، أن هدفنا ليس تنظيم انتخابات بليبيا في ديسمبر المقبل، كما يريد (ماكرون)، بل استقرار البلاد”.
وزير الخارجية الفرنسي: “القادة الليبيون تعهدوا في باريس بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية نهاية العام الحاليّ”
وبهدف استمالة حكومة الوفاق الوطني، أكدت وزيرة الدفاع الإيطالية خلال لقائها بالسراج “استعداد بلادها لبدء الأنشطة الهادفة لتعزيز القدرات الداخلية لنظام الدفاع الليبي، التي ترمي إلى الحفاظ على الأمن الداخلي، وتعزيز السيادة الليبية، وفقًا لاحتياجاتكم واحتياجات الشعب الليبي”، بحسب وكالة “آكي” الإيطالية.
وشددت خلال لقائها بوزير الدفاع في حكومة السراج أوحيدة عبد الله نجم، على أن “احتكار القوة يجب أن يكون بيد الدولة”.
وأكد فائز السراج، في بيان له “ضرورة التزام الأطراف الأخرى بالاستحقاق الانتخابي وإعداد الإطار الدستوري لإجرائه في الموعد المقرر، بعيدًا عن أسلوب المناورات الذي ساد في الفترات الماضية”، داعيًا إلى “التركيز على إنجاح المسار السياسي والعمل على إنهاء محاولات العرقلة التي تقوم بها بعض الأطراف”.
سعي فرنسي محموم لتنفيذ اتفاق باريس
جاءت تحركات المسؤولين الإيطاليين على خلفية السعي المحموم للدبلوماسية الفرنسية من أجل تنفيذ مخرجات اجتماع باريس، نهاية مايو الماضي، الذي يرتكز أساسًا على إجراء انتخابات تشريعية وبرلمانية ليبية في الـ10 من ديسمبر/كانون الأول 2018.
وعقب زيارته تونس ولقائه بكل من الرئيس الباجي قائد السبسي ووزير الخارجية خميس الجهيناوي، تحول وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، حيت التقى فائز السراج، وقال في مؤتمر صحفي بالعاصمة الليبية طرابس إن بلاده تدعم جهود المبعوث الأممي غسان سلامة للخروج من الأزمة السياسية الليبية الراهنة، مؤكدًا أن فرنسا مستعدة لدعم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال هذا العام.
وقال الدبلوماسي الفرنسي بحضور وزير خارجية حكومة الوفاق محمد سيالة: “القادة الليبيون تعهدوا في باريس بضرورة إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية”، مشددًا أن بلاده ستضغط دوليًا لمساعدة الليبيين للوصول إلى الانتخابات نهاية العام الحاليّ، مؤكدًا أن مفوضية الانتخابات في ليبيا تلقت دعمًا ماليًا من الأمم المتحدة يقدر بمليون دولار لمساعدتها على إجراء الانتخابات المقبلة، وأضاف أن فرنسا “تدعم سلطة حكومة الوفاق على مؤسسات البلاد، ومنها خاصة المنشآت النفطية”.
وكشف مصدر لــ”العربي الجديد” أن باريس أفشلت مساعيها بعدم تقديرها الصحيح شكل الأزمة في ليبيا، وبالتالي فقد خذلت المبعوث الأممي إلى ليبيا فؤاد سلامة الذي يمثل مظلة سعيها لدى الأمم المتحدة في ليبيا، ولم يعد بالإمكان الاستماع إليها مجددًا من عواصم كبرى مثل واشنطن أو نظيراتها في أوروبا.
وأكد ذات المصدر أن روما كانت تراهن على الوقت لإقناع المجتمع الدولي بعدم جدوى الرؤية الفرنسية، وهو ما حدث بالفعل، فالوضع السياسي والأمني متأزم إلى حد كبير في ليبيا، ما يجعل إجراء انتخابات أمرًا مستحيلًا نهاية هذه السنة، بحسب إعلان باريس، فضلًا عن أن هذه الانتخابات ستقام على أساس الدستور الذي لم يعد هناك وقت كافٍ للتوافق عليه، حيث كان من المقرر بحسب إعلان باريس، أن يتم الاتفاق عليه في سبتمبر/أيلول 2018، أي بعد نحو شهر.
العملية الانتخابية مفتاح الاستقرار
اعتبر وزير الخارجية الفرنسي لودريان، خلال لقائه برئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح في مدينة طبرق، أن “الجواب الوحيد على كل التساؤلات المتعلقة بالشرعية السياسية هو العملية الانتخابية”، مشيرًا إلى أن أهمية المسألة تهدف إلى استعادة الشعب الليبي الطمأنينة والتنمية، وهذا مهم أيضًا لفرنسا وأوروبا، لأن ليبيا تساهم في تحقيق أمن هذه المنطقة، وفي تحقيق أمن أوروبا أيضًا”.
من ناحيته، عبر عقيلة صالح عن اطمئنانه من خلال تلقيه رسائل طمأنة من فرنسا، تؤكد العزم على تصويت مجلس النواب على القوانين الانتخابية المساعدة على تنفيذ مخرجات اتفاق باريس.
وزير الخارجية التونسية التونسي: “تونس حريصة على استقرار الأوضاع في ليبيا”
واعتبر رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد مشري، أن “الصراع في ليبيا بين فريقين، أحدهما يؤمن بالمسار الديمقراطي ويتمسك به، بينما الآخر يقف ضد هذا الخيار”، مؤكدًا للضيف الفرنسي أن المجلس ملتزم باتفاق باريس رغم بعض المخاوف التي قد تعرقل هذا المسار.
تونس تتطلع إلى استقرار ليبيا
أوضح وزير الخارجية التونسية خميس الجهيناوي لضيفه الفرنسي أن تونس حريصة على استقرار الأوضاع في ليبيا، مؤكدًا “دعمها لكل المبادرات الهادفة إلى التقدم بالمسار السياسي في هذا البلد الشقيق وفقًا لخطة الطريق الأممية التي يعمل على تنفيذها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة رئيس بعثة الدعم الأممي إلى ليبيا غسان سلامة”.
وتقتضي خطة الأمم المتحدة التي أعلنها المبعوث الأممي غسان سلامة في الـ20 من سبتمبر/أيلول 2017 “الذهاب إلى مرحلة انتخابات برلمانية ورئاسية، لإنقاذ البلاد من حالة الانقسام السياسي والأمني قبل نهاية عام من إعلان الخطة، بعد فشل الحوارات الرامية إلى تعديل الاتفاق السياسي المتعثر”.
وزير الخارجية الفرنسي مع نظيره التونسي
وأشارت جريدة “الأهرام” المصرية إلى أن السفير المصري بباريس إيهاب بدوي، أعلن اعتزام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارة القاهرة قريبًا لبحث التحديات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وهو ما يؤكد عمق الصراع بين فرنسا وإيطاليا بشأن نفوذ ومصالح البلدين في ليبيا.
وتم أخيرًا تعيين القائمة بالأعمال في السفارة الأمريكية بطرابلس ستيفاني وليامز، في منصب نائب الممثل الخاص للشؤون السياسية في بعثة الأمم المتحدة في ليبيا ورئيسة لمكتبها السياسي، ما يقيم الدليل على أن الصراع من أجل السيطرة على النفط الليبي، لا يقتصر على فرنسا وإيطاليا، بل يوجد لاعبون آخرون، على المستويين الإقليمي والدولي، أولهم الولايات المتحدة الأمريكية.