تتجه الأنظار نحو جيل “Z” ومدى قدرتهم على حسم نتائج الانتخابات الأمريكية، في ظل ازدياد حدة التنافس بين مرشح الجمهوريين الرئيس السابق دونالد ترامب، ونائبة الرئيس كاميلا هاريس مرشحة الديمقراطيين، حيث تشير تقديرات مركز بيو للأبحاث إلى أنّ نحو 23 مليون شخص ولدوا بين عامي 1997 و2012، أصبحوا الآن مؤهلين للتوجه إلى صناديق الاقتراع للمرة الأولى للتصويت، إما للمرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس أو للرئيس السابق دونالد ترامب. وأشار التقرير إلى أن القوة والنفوذ السياسي لهذا الجيل سيستمران في النمو بشكل مطرد خلال الأعوام المقبلة مع بلوغ المزيد منهم سن التصويت.
في الآونة الأخيرة لوحظ تزايد تأثير جيل “Z” في مجريات الأحداث السياسية بما في ذلك الانتخابات، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية معتمدة، فإنه يعتقد أن مشاركتهم كان لها دور ملموس في حسم نتيجة انتخابات 2020 في الولايات المتحدة، وكذلك انتخابات تركيا في مايو/أيار 2023، إلى جانب فوز مرشح المعارضة السنغالية الشاب باسيرو ديوماي فاي بانتخابات الرئاسة مارس/آذار 2024.
وفي بنغلاديش وكينيا انفجرت مظاهرات الشباب في يونيو/حزيران ويوليو/تموز رغم موجات القمع العنيف الذي تسببت في مقتل العشرات، حيث جاء الحراك كرد فعل على تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع تكاليف المعيشة.
ثورة الطلاب البنغلاديشية نجحت في الإطاحة بالرئيسة حسينة بعد أن أمضت 5 فترات في المنصب، بينما أرغمت احتجاجات الشباب الكيني حكومة الرئيس وليام روتو على إلغاء الزيادات الضريبية التي ضمنت في مشروع قانون التمويل الحكومي للسنة المالية 2025/2024.
جيل “Z” أنقذ الديمقراطيين من هزيمة تشريعية
في الولايات المتحدة وقبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس عام 2022، كانت معظم استطلاعات الرأي وتقديرات الإعلام الأمريكي تشير إلى “تسونامي جمهوري” ساحق، إلا أن النتائج أسفرت عن استماتة الديمقراطيين في الحفاظ على مقاعدهم.
التغيير غير المتوقع في النتائج أرجعه موقع “كومون دريمز” إلى موجة الشباب من الناخبين التي قلبت الرواية التقليدية، حيث كانت تعمل هذه المجموعات على الأرض منذ شهور في الولايات الحاسمة، وتقوم بتثقيف الشباب وحثهم على التصويت.
وأظهرت النتائج الأولية للانتخابات آنذاك، أداءً ضعيفًا للجمهوريين في مقاعد مجلسي الشيوخ والنواب، على الرغم من أن الانتخابات النصفية اتصفت على مدى تاريخ الولايات المتحدة بغير الإيجابية للحزب الذي يتحكم في البيت الأبيض إلا نادرًا، لكن النتائج في المجمل كانت أفضل من المتوقع للحزب الديمقراطي بفضل التصويت الكثيف لجيل Z لصالح الديمقراطيين.
وبحسب استطلاع رأي أجرته مؤسسة إديسون للأبحاث، المتخصصة في مراقبة الانتخابات الأمريكية، فإنّ تصويت الشباب لعضوية مجلس النواب الأمريكي كان بنسبة 63% للديمقراطيين، و35% للجمهوريين.
وفقًا للمصدر السابق صوتت هذه المجموعة الديموغرافية بكثافة لصالح الديمقراطيين مدفوعةً بـ3 قضايا رئيسية، هي: عنف السلاح والإجهاض وتغير المناخ، حيث لعبت مجموعات شبابية كـ”مسيرة من أجل حياتنا” و”حركة شروق الشمس” و”جيل زد من أجل التغيير”، دورًا في قلب النتيجة بشكل غير متوقع.
وحينها علّقت عضو الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز على الحدث بقولها: “لا يمكن التقليل من أهمية دور الشباب في هذه الانتخابات”، فقد كان الإقبال على التصويت كبيرًا في العديد من هذه الانتخابات. بحلول عام 2024، سوف يفوق عدد الناخبين من جيل الألفية والجيل “Z” عدد الناخبين من جيل طفرة المواليد وما فوق، 45/25 لقد بدأنا نرى التأثيرات السياسية لهذا التحول الجيلي”.
The role of young people in this election cannot be understated. Turnout delivered on many of these races.
By 2024, Millennials & Gen Z voters will outnumber voters who are Baby Boomers and older, 45/25.
We are beginning to see the political impacts of that generational shift. https://t.co/5U7AcMIgJi
— Alexandria Ocasio-Cortez (@AOC) November 9, 2022
ما يجدر ذكره أن ألكساندريا – المعروفة بمواقفها المؤيدة لفلسطين – كانت أصغر امرأة تُنتخب لعضوية الكونغرس في تاريخ الولايات المتحدة، إذ وُلدت في أكتوبر/تشرين الأول 1989، وبالتالي هي من جيل الألفية (Gen Y) لذا تعد الأقرب عمرًا لجيل “Z” مواليد الفترة من منتصف التسعينيات إلى منتصف العقد الأوّل من الألفية الثانية، فقد فازت عام 2018 على خصمها جو كراولي بمقعد الكونغرس في الدائرة الـ14 بنيويورك بفارق 15 نقطة، الأمر الذي أثار ضجة إعلامية آنذاك على مستوى الولايات المتحدة، ولا تزال محتفظة بمقعدها حتى الآن.
تفنيد السردية الإسرائيلية
تصدر جيل “Z” الساحة السياسية الأمريكية بعد عملية طوفان الأقصى وما تبعها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، ففي الوقت الذي كانت فيه وسائل الإعلام التقليدية غارقة في تبني السردية الإسرائيلية بكل ما فيها من تضليل، نشط اليافعون من جيل “Z” بكثافة في نشر محتوى مؤيد للفلسطينيين ومناهض للسردية الإسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي.
انتصر شباب جيل “Z” لأهل غزة ضد الإبادة الجماعية بتقديم سرديات حقيقية على منصات التواصل خاصة “تيك توك” و”إنستغرام”، كما قاموا بجمع التبرعات وتنظيم فعاليات لإظهار التضامن مع غزة، ثم اكتمل هذا المشهد بمظاهرات الطلاب واعتصاماتهم في الجامعات الأمريكية والعديد من الجامعات الأوروبية والكندية والأسترالية.
أهم ما يميز مجتمع هذا الجيل في الولايات المتحدة ترابطهم رغم تنوع خلفياتهم الثقافية والعرقية، وهو ما عزز قدرتهم على تبني قضايا حقوق الإنسان والمساواة، فضلًا عن براعتهم في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أصبح الإنترنت والهواتف الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياتهم منذ الصغر.
ونتيجة لاستخدامهم المكثف للإنترنت، أصبح الكثير من أفراد جيل “Z” على دراية جيدة بالقضايا العالمية خلافًا للأجيال التي سبقتهم، وغالبًا ما يكونون متحمسين للنشاط والمناصرة. ونظرًا لكونهم متصلين بالعالم عبر الإنترنت، يميل هذا الجيل إلى امتلاك منظور عالمي، وبالتالي هم أكثر وعيًا واهتمامًا بالقضايا الدولية مقارنة بمن سبقهم.
جيل مهووس بالقضية الفلسطينية
لا تزال مراكز التفكير والأبحاث العالمية محتارة حتى اليوم في التعاطف غير المسبوق الذي حصدته غزة هناك، لدرجة أن البعض من الباحثين الأمريكيين عدّ هذا الجيل مهووسًا بفلسطين.
كانت غزة الحرب الحقيقية الأولى لجيل “Z”، بحسب ما نقل الكاتب والمراسل الحربي الأمريكي كريس هيدجيز، موضحًا في مقالٍ له أن الحرب على غزة، وفلسطين الحرة التي تمتد من النهر إلى البحر، قد أثّرت على أهداف حياة جيل “Z” وقيمه، وحتى تصوره لمعنى الحياة، فقد أظهر الطلاب المحتجون في جميع أنحاء الولايات المتحدة شجاعةً نادرة، إذ واجه الكثير منهم الاعتقال والتجميد والطرد من الدراسة، رغم أن حراكهم كان سلميًا، إذ لم يعتدوا على الحرم الجامعي ولم ينخرطوا في هجمات على الطلاب اليهود – فالعديد من زملائهم المحتجين يهود – ولكنهم كشفوا الفشل الذريع من جانب النخبة الحاكمة ومؤسساتها لوقف الإبادة الجماعية وجرائم الحرب التي ترتكب في حق الأبرياء.
في هذا الخصوص أظهر كلا المرشحين كاميلا وترامب دعمهما المطلق لـ”إسرائيل” الأمر الذي يضع مجتمع جيل “Z” في مأزق حقيقي، مع العلم بأن الكثير منهم يحق لهم المشاركة لأول مرة في الاقتراع بعد بلوغهم السن القانونية (18 عامًا) كما سبق لنا الإشارة إلى ذلك.
مؤخرًا، حاولت نائبة الرئيس كاميلا هاريس اجتذاب جيل “Z”، حيث فتحت اللجنة الوطنية الديمقراطية أبوابها لمؤثري وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف الوصول إلى الناخبين الأصغر سنًا من خلال تسليط الضوء على شخصيات مؤثرة عبر الإنترنت، وفي خطوة استراتيجية منحت اللجنة بطاقة الصحافة لأكثر من 200 مؤثر لحضور فعاليات المؤتمر الوطني الديمقراطي، وهذا يعكس رغبة الحزب في جذب انتباه الشباب.
تقدم للديمقراطيين مع جيل “Z” بعد ترشح كاميلا
وفقًا للمراقبين، حقق الحزب الديمقراطي تقدمًا ملحوظًا مع جيل “Z” منذ أن حلّت هاريس محل الرئيس بايدن كمرشح، وأكد خطابها على أهمية تصويت الجيل الجديد، معتبرًا أن هذا الجيل يمثل قوة مؤثرة في تحديد مستقبل السياسة الأمريكية، ولذلك كان من الضروري توجه خطاب يتماشى مع اهتماماته وتطلعاته.
@johnnypalmadessa Madam Vice President Kamala Harris has me fangirling — she’s so fierce! #DonaldTrump #KamalaHarris #Legal #Law #President
وتشير استطلاعات الرأي التي أجريت خلال أغسطس/آب الماضي إلى أن الناخبين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا يميلون نحو المرشحة الديمقراطية، حيث قدمت هاريس خطابًا ملهمًا ومؤثرًا جذب الانتباه ليس فقط للمشاركين في المؤتمر، بل جذب المشاهدين للمؤتمر عبر وسائل الإعلام المختلفة، فقد اعتبر المتابعون للشأن الأمريكي، أن كلمات هاريس في مؤتمر الحزب الديمقراطي كانت بمثابة دعوة قوية للجيل الجديد للتفاعل والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية.
في المقابل، حاول المرشح الجمهوري استقطاب جيل “Z” حيث تعهد بمنح البطاقات الخضراء (الإقامة الدائمة) لجميع طلاب الجامعات الأجانب عند التخرج، وهو تصريح استغربه كثيرون نظرًا لكون الرئيس السابق معروف بمواقفه العنصرية المناهضة للمهاجرين، وسبق أن وصفهم بـ”الحيوانات”، كما وعد بتفعيل حظر دخول مواطني بعض الدول الإسلامية كما فعل في 2017، وفيما يتعلق بالتعاطف مع غزة وعد بطرد كل طالب يخرج بالمظاهرات المؤيدة لفلسطين.
في تخبط جديد لترامب:
“يقول ترامب إنه سيمنح البطاقات الخضراء (الاقامة) لجميع طلاب الجامعات الأجانب عند التخرج”
-قبل شهرين قال ان المهاجرين هم حيوانات و وعد ان يفعل حظر الدخول للاجئين كما فعل في ٢٠١٧ و حظر دخول مواطني بعض الدول الاسلامية وكما وعد بطرد كل طالب يخرج بالمظاهرات… https://t.co/9847p5avrA pic.twitter.com/haqA7KAWG1
— Facts Matter بالعربي (@Facts_Arabi) June 21, 2024
3 سيناريوهات
في ظل تنامي دور جيل “Z” وارتفاع أعدادهم، تبرز احتمالات عدة بشأن توجهات هذا الجيل في الانتخابات المقبلة:
السيناريو الأول: أن يميل جزء كبير منهم إلى التصويت لصالح المرشحة الديمقراطية كاميلا هاريس نظرًا لاقتناعهم بخطابها وتطابق بعض مواقفها مع قضاياهم.
كما لا يخفى علينا تأثير النجوم والمشاهير على توجهات ناخبي الجيل، فوفقًا لاستطلاع رأي أجرته مجلة “نيوزويك” فإنّ 34% من المستجيبين من جيل “Z” عبروا عن استعدادهم للتصويت لصالح المرشح الذي تدعمه تايلور سويفت، بينما ارتفع هذا الرقم إلى 40% لصالح بيونسيه.
لم تتخذ نجمة البوب سويفت أي موقف بعد في شأن تأييد هذا أو ذاك من المرشحين المتنافسين في السباق الرئاسي الأمريكي، لكن مجموعة من المعجبين بها سُمّيت “سويفتيز من أجل كاميلا هاريس” “Swifties for Kamala Harris”، اجتذبت عشرات الآلاف من المؤيدين، من بينهم بعض النجوم، وشكّلت مصدر تمويل لحملة كاميلا.
السيناريو الثاني: قد يفضل آخرون الرئيس السابق ترامب في ظل برنامجه الذي يتناول بعض القضايا الاجتماعية المهمة لهذا الجيل وتعهداته بمنح البطاقة الخضراء للخريجين الأجانب، وتوقفه عن الخطاب العنصري المناهض للمهاجرين.
السيناريو الثالث: من غير المستبعد أن يلجأ الكثير من أفراد الجيل “Z” إلى الطريق الثالث وهو مقاطعة الاقتراع في ظل إحباطهم المتنامي من المرشحين، خاصة بعد التصريحات الأخيرة التي أدلت بها نائبة الرئيس، التي أعلنت فيها عن تأييدها “إسرائيل” بشكل كامل، فيما يتوعد الرئيس السابق بطرد كل طالب يشارك في التظاهرات المؤيدة لفلسطين.
أخيرًا، الأمر الذي لا لبس فيه أن الجيل “Z” مع رفاقهم أبناء الجيل “Y” (الأشخاص الذين ولدوا في الفترة ما بين 1981 و1996) يشكلون مجتمعين قرابة 50% من الناخبين المحتملين، خاصة في الولايات المتأرجحة المفصلية مثل ميشيغان وجورجيا وأريزونا وبنسلفانيا وويسكونسن، إذ سيكون لديهم القدرة على حسم نتيجة الانتخابات إذا تمكنوا من الاتفاق على موقف موحد من المرشَحين، فهل يمكن أن تخرج منهم مبادرة كهذه في الفترة القادمة؟