من الصعب أن يحظى اقتصاد دولة ما باهتمام عالمي إذا لم تتقاطع أهدافه وخططه مع قطاع التكنولوجيا الذي سيطر على جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لذلك يعتبر غياب البلدان العربية عن هذه الساحة افتقارًا للقوة بمفهومها الحديث التي تساوي بأهميتها القوة السياسية والعسكرية.
كما لا شك أن لهذه الصناعة مستقبلًا في إنقاذ المجتمعات العربية من البطالة، حيث توضح بعض التقارير الرسمية أن الاستثمار في مجال التكنولوجيا قد يحد من نسب البطالة المرتفعة بين الشباب في المنطقة العربية، إذ تشير الإحصاءات إلى أن استمرار معدلات المواليد بالارتفاع يعني وجود 598 مليون مواطن بحلول عام 2050 مع وجود 149.5 مليون شاب عاطل عن العمل، ويمكن خفض هذه النسبة إلى 25.1% من خلال زيادة الاستثمار في قطاع التكنولوجيا.
دول عربية تحاول اللحاق بالتطورات التكنولوجية العالمية
شركات ناشئة ومشاريع ثنائية بين الشرق والغرب لاستغلال المهارات العربية
لا يملك الحضور العربي في قطاع التكنولوجيا أي صدى، فوفقًا للدراسات فإن استثمارات العالم العربي في الاقتصاد الرقمي أقل من الهند بـ10 أضعاف، وأضعف من الصين بـ15 مرة، وتزداد الفجوة اتساعًا وعمقًا عند مقارنتها مع الولايات المتحدة الأمريكية التي تسبقها بـ200 ضعف.
ورغم وجود بعض الشركات الناشئة فإنها عاجزة عن سد هذه الفجوة التي لا تحتاج سوى إلى اهتمام الحكومة بالخطط الإستراتيجية لإعداد موازنات قادرة على دعم الشركات الناشئة والمهارات الصاعدة، لا سيما أن السوق العربية تحتوي على كم هائل من فرص الابتكار والتوسع بسبب القوى العاملة الكبيرة وعدد المستهلكين الذي ينافس دول عديدة.
لبنان والكويت قد خطتا خطوات متقدمة وجذرية في المجال التكنولوجي، فاحتلت الكويت المرتبة 61 ولبنان المرتبة 88 أي أنهما تقدمتا بنحو 11 مركزًا عن عام 2015
ويمكن اقتباس مدينة كامبردج كمثال، فقبل عقد من الزمن فتحت أبوابها أمام رواد الأعمال والمستثمرين في مجال التكنولوجيا، لتنجح بعد ذلك في توظيف نحو 57 ألف شخص في شركات تكنولوجية تبلغ قيمة أعمالها ونشاطاتها مجتمعة نحو 50 مليار دولار، وتبعًا لهذه الإستراتيجية والأرباح يمكن تخيل مدى قدرة هذه المشاريع على تعزيز اقتصاد الدولة.
أما في المنطقة العربية، فقد أكد تقرير تكنولوجيا المعلومات العالمي لعام 2016 أن لبنان والكويت قد خطتا خطوات متقدمة وجذرية في المجال التكنولوجي، فاحتلت الكويت المرتبة 61 ولبنان المرتبة 88 أي أنهما تقدمتا بنحو 11 مركزًا عن عام 2015، حيث حظيت دولة لبنان بهذه الفرصة من خلال نظامها التعليمي الذي يعتمد على تعليم مواطنيها لغتين أجنبيتين، كما أنه يزود مواطنيها برؤية أوسع لقطاع التكنولوجيا.
كما تحققت أول التطورات على أرض الواقع عندما تعاونت الحكومة مع المملكة المتحدة لدعم المواهب في لبنان وتزويدها بالخبرات العملية، وكانت النتيجة استضافة المملكة لأكثر من 15 شركة تكنولوجية لبنانية في لندن، ودعمهم لتقديم ورش عمل وطرح مشاريع كمحاولة لاستقطاب الأفكار والمواهب التي تفيد السوق الرقمي في المملكة.
هناك رائدات أعمال نساء في مجال التكنولوجيا أكثر من الرجال في الشرق الأوسط بنسبة 35% في العالم العربي مقارنة مع 10% في بقية دول العالم
وفي الوقت نفسه، تصدرت دول مجلس التعاون الخليجي قائمة الحكومات الأكثر اعتمادًا وترويجًا للتكنولوجيا في بلدانها، حيث تبوأت دولة الإمارات المرتبة الثانية عالميًا بعد سنغافورة، تليها البحرين في المركز الثالث وقطر في المركز الخامس، كما تؤكد تقارير أخرى أن الأردن يضم نحو 1500 شركة تكنولوجية يعمل بها أكثر من 19 ألف شخص.
جدير بالذكر أن دراسة أمريكية حديثة ذكرت أن هناك رائدات أعمال نساء في مجال التكنولوجيا أكثر من الرجال في الشرق الأوسط بنسبة 35% في العالم العربي مقارنة مع 10% في بقية دول العالم، وفي تقرير آخر نُشر على موقع “تكنولوجي ريفيو” فإن 25% من الشركات التكنولوجية الناشئة أسستها أو تقودها النساء، وهذا على النقيض من الولايات المتحدة التي تقترب نسبتها من 17%.
وتعليقًا على ذلك تقول هلا فاضل أحد مؤسسي “ليب فنتشرز” وهي شركة رائدة في مجال رأس المال الاستثماري ومقرها في بيروت: “لا تملك التكنولوجيا أي إرث يسيطر عليه الذكور، وهي تحتضن ثقافة الحرية حيث يُنظر إلى كل شيء على أنه ممكن، وتكسر الحواجز بين الجنسين”، مضيفةً “المجال التكنولوجي مقنع جدًا للنساء العربيات من الطبقة الوسطى اللواتي يرغبن في العمل، فالكثيرات منهن يبدأن أعمالهن في مجال التكنولوجيا في منازلهن”.
هل تمنح الصين الأمل للدول العربية في قيادة الثورة الرقمية؟
قطاع التكنولوجيا في الشرق الأوسط بين يدي الصين
ساعد نجاحات بعض الشركات التقنية في منطقة الشرق الأوسط مثل “سوق.كوم” و”كريم” بشكل كبير على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية إلى هذا السوق الذي يتمتع مستهلكيه بقوة شرائية عالية من شأنها أن تزيد أرباح الشركات المستثمرة وتدفع بهم إلى مراتب منافسة، بالجانب إلى ميزة اعتمادها على العمالة الرخيصة من باكستان والهند.
العام الماضي كشفت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة “علي بابا” أكبر استثمار تقني في الشرق الأوسط، وهي خطة بقيمة 600 مليون دولار تهدف إلى إنشاء “Tech Town” أو قرية تقنية في دبي ستضم نحو 3 آلاف شركة تعمل على تطوير الروبوتات وتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطبيقات المحمول الجديدة.
كشفت شركة التكنولوجيا الصينية “علي بابا” أكبر استثمار تقني في الشرق الأوسط، وهي خطة بقيمة 600 مليون دولار تهدف إلى إنشاء قرية تقنية في دبي ستضم نحو 3 آلاف شركة
كما وسعت أهدافها بافتتاح شركة “شياومي” أكبر شركة مصنعة للهواتف الذكية في الصين وتسمى أحيانًا “آبل الصين” متاجر في دبي والقاهرة، حيث تهدف إلى تحقيق مبيعات بقيمة 15 مليار دولار، لكن هذه التحركات لا تزال محفوفة بمخاطر الفشل، فقد أغلقت شركة بايدو أو “جوجل الصين” مراكزها في القاهرة بعد أن واجهت نقصًا حادًا في المهندسين والمستهلكين الذين يثقون بالمنتجات الصينية.
التركيز الصيني على الشرق الأوسط يعكس إستراتيجيتين، الأولى رغبة الشركات العملاقة الصينية في تحقيق نجاح يزيد من نفوذها على الساحة العالمية، والثانية هي الإمكانيات المذهلة التي يمتلكها سوق الإنترنت في الشرق الأوسط
لكن بالنسبة إلى خبراء الاقتصاد فإن التركيز الصيني على الشرق الأوسط يعكس إستراتيجيتين عن واقع الاقتصاد الرقمي في المنطقة، الأولى هي رغبة الشركات العملاقة الصينية في تحقيق نجاح يزيد من نفوذها على الساحة العالمية، والثانية هي الإمكانيات المذهلة التي يمتلكها سوق الإنترنت في الشرق الأوسط.
عدا عن الأرقام المشجعة للاستثمار في هذه المنطقة، فهي تضم نحو 170 مليون مستخدم للإنترنت أي أكثر من إجمالي سكان روسيا، إضافة إلى الإحصاءات التي تشير إلى أن قوة الشراء والاعتماد على الأجهزة التكنولوجية تزيد عن نسب الشراء في فرنسا وبريطانيا مجتمعتين بنسبة 86 مليون جهاز في العالم الماضي، وهذا ما يجعل خطة الصين ببناء وادي سيليكون جديد في الشرق الأوسط أمرًا محتمل التحقق بنجاح.