في الوقت الذي تبحث فيه بعض الأطراف السياسية في تونس عن مرشح يخلف يوسف الشاهد في منصب رئيس الوزراء، بادر الأخير بتعيين وزير جديد للداخلية، على أن يتوجه هذا الوزير للبرلمان لنيل الثقة، وهو ما اعتبره البعض مراوغة من الشاهد، فإن تمكن هذا الوزير من نيل الثقة فسيعتبر ذلك حتمًا تجديدًا للثقة لرئيس الحكومة التونسي دون أن يتكبد عناء الذهاب إلى البرلمان، وهو ما يعتبر انتصارًا له على الرئيس السبسي ونجله.
وزير جديد للداخلية
تعيين وزير الداخلية الجديد جاء بعد قرابة الشهرين من إقالة وزير الداخلية لطفي براهم نتيجة محاولته التقليل من شأن يوسف الشاهد والعمل دون الرجوع إليه، وهو ما ظهر جليًا في زيارته للمملكة العربية السعودية التي أثارت جدلًا كبيرًا في تونس، فضلاً عن التقصير الأمني الذي اتسمت به الوزارة في عهده، فقد عجزت الوحدات الأمنية عن القبض على وزير الداخلية الأسبق ناجم الغرسلي الفار من العدالة.
نشرت رئاسة الحكومة التونسية، مساء الثلاثاء، بيانًا على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” جاء فيه أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد قرر تعيين السيد هشام الفراتي وزيرًا للداخلية، من دون تفاصيل إضافية.
وعُين رشاد الفراتي وزير للداخلية بعد أن أدار شؤونها بالنيابة لمدة شهر وزير العدل غازي الجريبي، وقال الشاهد في تصريح لوكالة تونس إفريقيا الرسمية للأنباء إن الوزير الجديد “شخصية وطنية يقبل بها الجميع، وملم بالشؤون الأمنية”.
وشغل رشاد الفراتي، وهو مستقل سياسيًا، موقع رئيس ديوان وزير الداخلية الأسبق الهادي مجدوب قبل أن يقيله الوزير السابق براهم، كما تقلد بعد ثورة 2011 موقع محافظ المنستير (شمال شرقي تونس) الساحلية، ومن المتوقع أن يعرض الشاهد هذه التسمية لنيل ثقة البرلمان في إطار تعديلات على فريقه الحكومي، ويجب أن يحظى بموافقة الأغلبية المطلقة أي 109 أصوات حتى يبدأ في مهامه.
امتحان لتجديد الثقة
تعيين هشام الفراتي وزيرًا للداخلية، اعتبره البعض مناورة من الشاب يوسف الشاهد الذي بدأ حياته السياسية مع الحزب الجمهوري (وسط) قبل أن ينتقل لحركة نداء تونس سنة 2012 كعضو في المكتب التنفيذي، ويكلف برئاسة لجنة التوافق التي أسسها رئيس الجمهورية خلال الأزمة التي عصفت بحزبه “نداء تونس” أواخر سنة 2015.
قرار الشاهد الأخير يمثل تحديًا منه للرئيس ونجله وغيرهم من المطالبين بضرورة رحيله من قصر القصبة
يرى مقربون من الشاهد، أن هذا القرار يمثل امتحانًا للشاهد الذي يتخوف من طرح تجديد الثقة لحكومته باعتبار أنها لم تعد تحظى بالدعم نفسه الذي نالت به الثقة فور تسلمها مهامها صيف سنة 2016، إذ سحب حزب نداء تونس الحاكم، بقيادة نجل الرئيس حافظ السبسي، دعمه للحكومة وتمسك برحيلها.
ويسعى الشاهد للاستفادة من الدعم القوي والمؤقت الذي يحظى به من حركة النهضة صاحبة أغلبية مقاعد البرلمان التي تتمسك بالاستقرار السياسي وبإجراء تعديلات وزارية جزئية والمضي في برنامج الإصلاحات الاقتصادية الكبرى التي يطالب بها المقرضون الدوليون.
رغم مواصلة المفاوضات بشأن مصير حكومته، يواصل الشاهد عمله على رأس الحكومة، حتى إنه سرع في نشاط عمله بالقيام بالعديد من الإصلاحات التي كان قد أعلنها في وقت سابق وتردد في تنفيذها مرات عدة، ويحاول الشاهد رمي الكرة في ملعب معارضيه.
يسعى الشاهد إلى عدم الذهاب إلى البرلمان
يسعى الشاهد للاستفادة من التحسن الاقتصادي الذي تعرفه البلاد مؤخرًا، وإلى الاستفادة من مؤسسات الدولة للترويج لشخصه وتلميع صورته خاصة بعد إعلانه الحرب على الفساد التي اتخذها مطية للقضاء على بعض الوجوه التي تدعم الشق الذي يواليه العداء ويسعى إلى إبعاده من الساحة السياسية في البلاد.
الشاهد يستميت في منصبه
لئن اعتبر البعض تعيين الفراتي وزيرًا للداخلية، محاولة من يوسف الشاهد تجديد الثقة في حكومته دون التوجه إلى البرلمان، فقد اعتبره آخرون تحديًا من الشاهد للرئيس الباجي قائد السبسي ونجله وغيرهم من المطالبين بضرورة رحيله من قصر القصبة.
وقبل أيام قليلة، قال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي في حوار مع قناة نسمة التونسية الخاصة، إن على الشاهد إما أن يستقيل أو يذهب إلى مجلس النواب لطلب الثقة، مضيفًا “الوضع السياسي الحاليّ صعب ولا يمكن أن يستمر كما هو عليه، فقد وصلنا إلى حد لا يمكن المواصلة معه، وبدأنا في الانتقال من السيء إلى الأسوأ”.
يرى السبسي أن الشاهد تمرد على ولي نعمته وخرج عن طوعه وارتمى في أحضان حركة النهضة
يسعى السبسي الأب والابن بمعاضدة الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) وبعض الأحزاب المنشقة عن نداء تونس إلى وضع حد لمسيرة الشاهد، وقد قاد الرئيس في الفترة الأخيرة مشاورات تهدف لإقالة الشاهد غير أنه اصطدم بـ”فيتو” من حركة النهضة الإسلامية التي شددت على ضرورة المحافظة على استقرار البلاد.
توتر متواصل بين القصبة وقرطاج
اختيار الشاهد التصعيد وعدم الاستجابة لنداء الرئيس الذي طالبه بالاستقالة أو الذهاب للبرلمان لطلب تجديد الثقة، وهو الذي أتى به إلى قصر القصبة خلفًا لسلفه الحبيب الصيد قبل سنتين من الآن، يؤكد وصول الأزمة بين الطرفين إلى مستويات متقدمة لا تنفع معها المهادنة.
وتعود أسباب العداء بين السبسي والشاهد، وفق مصادر عدة إلى خشية السبسي من تنامي نفوذ رئيس الحكومة، فقد بدأ اسم الشاهد في الصعود محققًا نسبة ثقة كبيرة لدى العديد من التونسيين بعد نجاحه في تحقيق بعض الإنجازات الاقتصادية، وفقًا لما تؤكده نتائج سبر الآراء.
الابتسامات المتبادلة تحفي خلفها صراعات كبيرة
يرى السبسي أن الشاهد تمرد على ولي نعمته وخرج عن طوعه وارتمى في أحضان حركة النهضة التي تساند بقاء الشاهد في منصبه على ألا يترشح للانتخابات الرئاسية القادمة المقررة خريف سنة 2019، وأن يلتزم بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي وقع التوافق بشأنها في وثيقة قرطاج 2، والقيام بتعديل وزاري لإضفاء مزيد من النجاعة على العمل الحكومي.
هذه الأزمة المتواصلة بين قصري قرطاج والقصبة، جعلت الأمور ليست على ما يُرام في تونس، وقد عطلت في كثير من الأحيان نشاط الحكومة وعمل مجلس نواب الشعب، ما من شأنه أن يؤثر سلبًا على التونسيين وثقة المجتمع الدولي بالتجربة التونسية التي تعتبر الاستثناء في المنطقة.