ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما لا يبدي الرئيس الأمريكي جو بايدن أي نية لإنهاء دعمه للحرب الإسرائيلية على غزة، فقد كثفت إدارته من معارضتها لعنف المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، والذي وصل إلى أقصى درجاته في الأشهر الأخيرة. ففي شباط/فبراير؛ بدأت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على العديد من المستوطنين الأفراد المعروفين بمهاجمة الفلسطينيين والنشطاء الإسرائيليين في الضفة الغربية. وسرعان ما حذت دول أخرى حذوها، ومنذ ذلك الحين تم فرض عقوبات على البؤر الاستيطانية غير القانونية وبعض منظمات المستوطنين.
وفي يوم الأربعاء، 28 آب/ أغسطس، أعلنت الولايات المتحدة عن جولة جديدة من العقوبات، استهدفت هذه المرة منظمة “هاشومير يوش” وهي منظمة غير حكومية إسرائيلية تربطها علاقات وثيقة مع وزارات الدولة. وتقوم هذه المنظمة، التي يعني اسمها “حارس يهودا والسامرة” (في إشارة إلى المصطلح التوراتي للضفة الغربية)، بدعم المزارعين المستوطنين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، وترسل مئات المتطوعين المراهقين كل سنة – بعضهم من المستوطنين أنفسهم – للعمل في البؤر الاستيطانية غير القانونية والدفاع عنها.
وقد اتهمت وزارة الخارجية الأمريكية منظمة ”هاشومير يوش“ بالمساهمة في “مستويات متطرفة من عدم الاستقرار والعنف ضد المدنيين في الضفة الغربية”، من خلال تقديم الدعم المادي لمزرعة ميتاريم، وهي بؤرة استيطانية تم فرض عقوبات عليها في تموز/يوليو، وكذلك للعديد من المستوطنين الذين وردت أسماؤهم في جولات سابقة من العقوبات الأمريكية. وردًا على ذلك، أنكرت المنظمة أنها تنخرط في سلوك غير قانوني، مؤكدةً أن أنشطتها “مشروعة ويتم تنسيقها مع الحكومة [الإسرائيلية]”، التي تقدم لهم التمويل.
وعلى الرغم من ادعائها بعكس ذلك، إلا أن منظمة “هاشومير يوش” تنتهج أجندة استيطانية متطرفة منذ تأسيسها قبل أكثر من عقد من الزمن. وإلى جانب منظمات “زراعية تطوعية أخرى في “إسرائيل”، اغتنمت هذه المنظمة اللحظة السياسية الحالية لطرد الفلسطينيين وتوسيع البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية.
ويقول الفلسطينيون في المناطق الريفية في الضفة الغربية إن منظمة “هاشومير يوش” أصبحت محركًا مركزيًا لعنف المستوطنين. ويقول علي عوض، أحد المساهمين في موقع +972 وناشط حقوقي يعيش في قرية طوبا في تلال جنوب الخليل: “هذه هي المنظمة الأبرز. إنها تصف نفسها واسمها مرتبط بدعم الاستعمار الاستيطاني”.
سرقة الأراضي بدعم من الحكومة
يمكن إرجاع الجذور الأيديولوجية لمنظمة “هاشومير يوش” إلى أوائل القرن العشرين؛ فمع بدء الصهاينة الأوروبيين بالاستيطان في فلسطين، أسس ألكسندر زايد، وهو مهاجر يهودي من روسيا، منظمة تدعى هاشومير لحماية المستوطنات اليهودية في المناطق الريفية.
تم حلّ الهاشومير الأصلية مع تشكيل منظمة “الهاغانا” الصهيونية الرسمية شبه العسكرية، والتي تم دمجها لاحقًا في جيش الدفاع الإسرائيلي. ولكن بعد مرور أكثر من قرن من الزمان، لا تزال “هاشومير يوش” مستمرة في التقليد القديم: تأسيس وجود زراعي لتعزيز السيطرة اليهودية على الأرض على حساب الفلسطينيين، تحت ستار حماية المجتمعات ومكافحة “الإرهاب الزراعي”.
تم تأسيس “هاشومير يوش” في سنة 2013، بهدف “مساعدة مختلف المزارعين في جميع أنحاء يهودا والسامرة، الذين يحمون أراضينا بشجاعة ويقفون بقوة في مواجهة الصعوبات الاقتصادية والجرائم الزراعية المتكررة”.
لكن انتشار “الجريمة الزراعية” وادعاءات العنف ضد المزارعين الإسرائيليين أمر مثير للجدل: فرغم وجود العديد من التقارير الإعلامية التي تشير إلى وقوع سرقات وحرائق متعمدة في الأراضي الزراعية الإسرائيلية في العقد الماضي، يقول آخرون إن هذا التهديد مبالغ فيه ويعمل في خدمة أجندة قومية للاستيلاء على الأراضي.
لطالما عُرف مؤسسو “هاشومير يوش” بعدوانيتهم وخطابهم العنيف تجاه الفلسطينيين. وقد سبق اعتقال أحدهم، مائير بيرتلر، في سنة 2011 بعد اقتحامه مع مجموعة من المستوطنين لممتلكات فلسطينية خاصة بالقرب من الحدود الأردنية. وفي نفس السنة، كتب مقالًا عن “السكان المتوحشين” من الفلسطينيين الذين يتزايد عددهم في قرى الضفة الغربية، ودعا الجيش الإسرائيلي إلى “الثأر لدماء” الإسرائيليين الذين قُتلوا.
وعلى غرار حركات “الحرس” المعروفة، مثل حركة “هاشومير هاشاداش” اليمينية (الحرس الجديد) وحركة “هاشومير هاتزير” اليسارية الصهيونية (الحرس الشاب)، تركز حركة “هاشومير يوش” على إشراك الشباب الإسرائيليين؛ حيث تقدم برامج تطوعية وبرامج ما قبل التجنيد العسكري التي ترسل الشباب لحراسة الأراضي في البؤر الاستيطانية غير القانونية.
وقد عرض الجيش الإسرائيلي هذه البرامج كبديل للخدمة العسكرية التقليدية، بينما تمنح جامعة أرييل، الواقعة في مستوطنة في الضفة الغربية، درجات أكاديمية للطلاب الذين يتطوعون مع المجموعة.
تلقت المنظمة ملايين الشواقل من الحكومة الإسرائيلية، بما في ذلك من وزارة الزراعة ووزارة النقب والجليل ووزارة الأمن الوطني. وفي سنة 2021، حصلت المنظمة على تمويل حكومي لشراء الطائرات المسيرة، على الرغم من أن المرسوم العام يحظر حيازة الطائرات المسيرة في الضفة الغربية. في شهر نيسان/ أبريل من هذه السنة، أطلقت منظمة “هاشومير يوش” حملة لجمع التبرعات لشراء 80 طائرة مسيرة بهدف حماية الرعاة في المزارع الزراعية.
وتلقت المنظمة تمويلًا كبيرًا من يهود الشتات. وتظهر الوثائق التي حصل عليها +972 أنها تلقت أكثر من 256,000 شيكل (70,000 دولار أمريكي) من الصندوق المركزي الإسرائيلي ومقره نيويورك، المعروف بتمويله لجماعات المستوطنين، بين سنتي 2015 و2019.
وفي سنة 2021، ناشدت منظمة “السلام الآن” اليسارية غير الحكومية وزارة الزراعة بوقف دعم منظمة “هاشومير يوش” بسبب تعاونها مع البؤر الاستيطانية غير القانونية، ولأن نشطاء إسرائيليين وفلسطينيين تعرضوا لهجمات من قبل رجال ملثمين يرتدون قمصان “هاشومير يوش”. ومع ذلك، استمر العنف: ففي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، ووفقًا لمنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، عمل أعضاء الحركة مع شركة خاصة لهدم مدرسة فلسطينية في مسافر يطا.
وفي السنة التالية، تم إرسال شابات يخدمن في الجيش إلى البؤرة الاستيطانية “أوبنهايمر” – التي سميت على اسم رئيس قسم الأراضي في المجلس المحلي الذي أنشأها – حيث كان المستوطنون يضايقون المزارعين والرعاة الفلسطينيين.
وشجع شابتاي كوشيليفسكي، أحد مؤسسي منظمة “هاشومير يوش”، المتطوعين على تعلم اللغة العربية لتعزيز قدرتهم على الاستيلاء على الأراضي. وفي محاضرة تمهيدية حول اللغة العربية المحكية في حزيران/ يونيو 2023، صرح قائلاً: “إذا كنا نريد الاستيلاء على الأرض وامتلاكها، فإن معرفة اللغة تشكل جزءًا مهمًا من كوننا أصحاب الأرض.”
التصعيد في زمن الحرب
منذ اندلاع الحرب، زادت نشاطات منظمة “هاشومير يوش” بشكل مكثف بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي. وقد رصد موقع +972 العديد من حوادث الاستفزاز والعنف التي تورطت فيها “هاشومير يوش” منذ تشرين الأول/ أكتوبر.
وقال درور إتكيس، مؤسس منظمة “كيرم نافوت” الإسرائيلية التي تراقب النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية: “أصبح من الممكن الآن القيام بأمور كانت صعبة التنفيذ لولا ذلك. أصبح من الأسهل ترحيل المجتمعات الفلسطينية، وإقامة البؤر الاستيطانية، والاستيلاء على الأراضي.”
عندما اندلعت الحرب، أعرب المزارعون المرتبطون بالمجموعة عن قلقهم من احتمالية انتشار العنف إلى الضفة الغربية. وردًا على ذلك، قامت منظمة “هاشومير يوش” بـ “إرسال أكبر عدد ممكن من الحراس إلى المناطق المعرضة للخطر” و”التنسيق مع الجيش لحماية وتعزيز المناطق المكشوفة”.
لقد شعر الفلسطينيون الذين يعيشون في الضفة الغربية بتصاعد الوضع على الفور تقريبًا، وقال عوض: “كان لديهم غضب في داخلهم قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن الآن لديهم القدرة والقوة للقيام بشيء ما حيال ذلك”.
وترتبط المنظمة بصلات وثيقة بالمستوطن ينون ليفي، الذي فرضت عليه إدارة بايدن عقوبات في شباط/ فبراير بسبب قيادته لاعتداءات ضد التجمعات الفلسطينية وحرقه لحقولها. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أرسلت المنظمة متطوعين إلى مزرعة ليفي وأطلقت صفحة لجمع التبرعات لتجنيد “متطوعين مسلحين”.
وفي كانون الثاني/ يناير، قامت مجموعة من المستوطنين، بما في ذلك بعض من مزرعة ليفي، بطرد جميع سكان خربة زنوتة، وهي قرية فلسطينية تقع في جنوب تلال الخليل، بينما كانوا يرتدون قمصانًا تحمل شعار “هاشومير يوش”. ووفقًا لما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية، قام متطوعون من المنظمة بتسييج القرية بعد ذلك لمنع السكان من العودة إليها. وفي تموز/ يوليو، زُعم أن منسقًا ميدانيًا تابعًا لمنظمة “هاشومير يوش” أطلق النار على ثلاثة جمال في منطقة أنشأ فيها بؤرة استيطانية.
ومن الواضح أن منظمة “هاشومير يوش” قد تلقت تشجيعًا من الدعم المستمر الذي تتلقاه من الحكومة الإسرائيلية في خضم المجهود الحربي. ففي كانون الثاني/ يناير، شاركت وزيرة حماية البيئة، عيديت سيلمان، في حفل زراعة نظمته “هاشومير يوش” في بؤرة استيطانية غير قانونية في الضفة الغربية. وفي حزيران/ يونيو، التقى وزير الزراعة آفي ديختر مع منظمة “هاشومير يوش” ومع مجموعة من المنظمات التطوعية الأخرى لتأكيد دعمه لعملهم خلال الحرب.
ويقول النشطاء إن تأثير العقوبات على نشاط المنظمة ما زال موضع شك. وحذر إتكس قائلًا: “لا أرى أن المنظمة ستنهار بسبب العقوبات.لا أعتقد أن ذلك سيحدث.”
المصدر: +972