ساعات شاقة من الانتظار قضتها المريضة سعديّة خضير، 60 عامًا، بين أروقة مستشفى عبد العزيز الرنتيسي الوحيد لمعالجة مرضى السرطان في القطاع غزة، للحصول على دوائها الروتيني لكنها خرجت دون جدوى، بسبب عدم توافره لدى الصحة، مما زاد معاناتها أكثر ما بين مكابدة وجع الخبيث وحرمانها من العلاج.
اكتشفت الستينيّة أنها مصابة بمرض سرطان الثدي قبل عام حينما كانت ذاهبة لإجراء تحليل دم، فصدمت بوقع إصابتها بالمرض الخطير، إثر ذلك تحصلت على نموذج رقم لإرساله إلى دائرة العلاج بالخارج لتلقي العلاج في مستشفيات الأراضي المحتلة عام 1948 فهي بحاجة لعملية جراحية يتم من خلالها استئصال ثديها لمنع تفشي المرض بباقي أنحاء جسدها.
وقالت لنون بوست: “أنها تقدمت لأكثر من مرة للحصول على تصريح تتمكن من خلاله السفر لتلقي العلاج فقوبلت بالرفض، وأحيانا يقوم الجيش الاسرائيلي بمساومتها وابتزازها مقابل الموافقة، وإدلائها بمعلومات عن الأوضاع في قطاع غزة، وكانت ترفض بشكل قطعي”.
تحرص المريضة على تناول المسكنات لحين إجرائها العملية الجراحية، لكنها باتت غير متوافرة هي الأخرى، وإن توافرت لدى صيدليات القطاع التجارية ثمنها غالي وليس باستطاعتها شرائها؛ لأنها بالكاد تستطيع توفير قوت يوم أطفالها فزوجها الآخر يعاني من أمراض مزمنة، وتقبع الآن رهينة مرضها لحين دخول دفعة دواء طبيّة للقطاع المحاصر.
منذ عشر سنوات سجلت وزارة الصحة الفلسطينية 15000 حالة مرضية بالسرطان، ويتم تشخيص ما يقرب من 80 إلى 90 حالة جديدة شهرياً، متوقعة أن تزيد حالات الإصابة بالسرطان الجديدة عن 1500 حالة سنوياً يتم اكتشافها؛ أي إن هناك زيادة بمعدل من 10 إلى 12% كل سنة
وتفاقمت أزمة القطاع الصحي في غزة أكثر من ذي قبل حتى بلغت ذروتها، منذرة بمؤشرات خطيرة لا يحمد عقابها، خاصة مع مرضى السرطان الذين يعيشون رحلة علاجيّة معبدة بالموت بين عدم توافر الدواء ، حرمانهم من الحصول على تحويلات طبية للعلاج بالخارج، كذلك ضعف الامكانيّات والكوادر الطبيّة.
من المفترض أن يغادر قطاع غزة شهرياً قرابة 400 مريض بالسرطان عبر حاجز بيت حانون “إيرز” للعلاج بالضفة أو الداخل المحتل؛ وذلك بعد إصدار مكتب العلاج بالخارج “التحويلات الطبية” الخاصة بهم؛ لكن الاحتلال الاسرائيلي يمنعهم من ذلك.
وفي حالة مأساوية لا تقل خطورة عن حالة المريضة الستينيّة خضير، الطفل لؤي درويش 15 عامًا المصاب بسرطان الغدة الدرقيّة، لم تقف عينا ي والدته عن ذرف الدموع أمام مشهد مصارعة ابنها للمرض، دون استطاعتها توفير الدواء له، رغم أنّها بحثت عنى بديل لدى صيدليات القطاع لكنّها لم تجد ما يخفف عنائه، والتزمت والدة الطفل عن البوح تجاه حالة طفلها الصحيّة، فالصورة كافية دون أي شرح.
رئيس قسم الأورام في مستشفى الشفاء الحكومي بمدينة غزة خالد ثابت أكد على أنّ القطاع الصحي في غزة منهار، وان لم يتم ايجاد حلول سريعًا سيحدث كارثة حقيقة خاصة على صعيد مرضى السرطان
ومنذ عشر سنوات سجلت وزارة الصحة الفلسطينية 15000 حالة مرضية بالسرطان، ويتم تشخيص ما يقرب من 80 إلى 90 حالة جديدة شهرياً، متوقعة أن تزيد حالات الإصابة بالسرطان الجديدة عن 1500 حالة سنوياً يتم اكتشافها؛ أي إن هناك زيادة بمعدل من 10 إلى 12% كل سنة.
وتدلّ المعطيات من وزارة الصحة الفلسطينية على تباين كبير جداً بين أعداد المصابين بمرض السرطان قبل اندلاع الحروب الثلاث على قطاع غزة؛ فقبل حرب 2008 بلغ عدد المصابين سنوياً 945 مصاباً، أي 65 إصابة من بين كل مئة ألف مواطن، في المقابل، وخلال العام 2014، سجّلت 1502 حالة إصابة بالمرض؛ أي بمعدل 83.9 مصاباً بين كل مئة ألف مواطن هناك، في حين سجل 2015 ارتفاعاً خطيراً في عدد المصابين الذي تجاوز الـ1600، ما يبين الزيادة السريعة والمطردة للإصابة بالمرض، على خلاف المعدلات السنوية السابقة لحرب 2008.
رئيس قسم الأورام في مستشفى الشفاء الحكومي بمدينة غزة خالد ثابت أكد على أنّ القطاع الصحي في غزة منهار، وان لم يتم ايجاد حلول سريعًا سيحدث كارثة حقيقة خاصة على صعيد مرضى السرطان الذين يتجرعون الموت في كل ساعة تمضي عليهم دون علاج.
وقال ثابت متحدثا لنون بوست: “إنّ خدمات مرضى السرطان توفقت بنسبة 90 % لدى مشافي قطاع غزة، وفقدت 50 صنف من الأدوية على رأس هذه الأدوية علاج سرطان الثدي والبروستاتا وسرطان المخ والأعصاب وهناك قائمة بأصناف أدوية أخرى للسرطان غير متوفرة بتاتًا”.
مرضى السرطان كغيرهم من المرضى الغزيين يدفعون أرواحهم ثمن المناكفات السياسيّة والحصار
وأضاف ثابت أن أكثر من 60% من خدمات العلاج الكيميائي والإشعاعي غير متوفرة في غزة، مما يجعل المرضى بحاجة لتحويلات طبية للعلاج بالخارج، وحالات كثيرة يتم منعها من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
تقارير اللجنة الصحيّة في تجمع الشخصيات الفلسطينية المستقلة، كشفت أن قطاع غزة يحتل المركز الأول عالمياً في نسبة المصابين بمرض السرطان، أظهرت نتائج مسح بياني قامت بإعدادها اللجنة نبهت فيها أنّ من بين كل 1000 مواطن يسكن غزة هناك 8 أشخاص مصابون بهذا المرض الخطير.
وعزا ثابت سبب الارتفاع الكبير لحالات مرضى السرطان في قطاع غزة الى مخلفات صواريخ الحروب المصحوبة باليورانيوم وكانت تطلقها اسرائيل على القطاع، والأسمدة الكيماويّة والمبيدات الزراعية التي يستخدمها المزارعون في القطاع الزراعي، وهنالك أسباب وراثية.
والجذير ذكره ان مرضى السرطان كغيرهم من المرضى الغزيين يدفعون أرواحهم ثمن المناكفات السياسيّة والحصار، إغلاق المعابر، ولم يتم تحييدهم عن تلك المعتركات السياسيّة.
مدير عام الادارة العامة للصيدلة بوزارة الصحة منير برش حمل الاحتلال الاسرائيلي المسؤولية المباشرة عن ما يحدث من أزمة طبيّة في قطاع غزة، وكذلك تشديده الحصار، مما أدى الى تبعات تجلت أثارها بشكل واضح على الجانب الصحي ومراكز الرعاية الأولية في القطاع.
وقال لنون بوست : “إن وزارة الصحة الفلسطينية برام الله لم ترسل سوى ما يسد حاجة مرضى القطاع لثلاثة شهور فقط منذ بداية العام، رغم أنّ القطاع الصحي بغزة يحتاج الأضعاف، وذلك استمرارا في فرض عقوباتها على غزة”.
حذر البرش أنّه في حال اشتد العجز أكثر سيفقد السكان كثير من ضحايا مرضى السرطان، على خلاف ما تعانيه المشافي أصلا من ضغوطات كبيرة تقوق قدرتها الطبيّة بسبب مسيرات العودة الكبرى أخيرا”
وحول المنهجية التي اتبعتها الوزارة لتخفيف حدة الأزمة، بيّن البرش أنّ هناك لجان متخصصة قد شكلت لترشيد استخدام الأدوية الطبيّة، واتخاذ اجراءات تقشفية للحد من تفاقهم أزمة نقص الأدوية خاصة المتعلقة بمرضى السرطان الذي يترقبون الموت”.
وحذر البرش أنّه في حال اشتد العجز أكثر سيفقد السكان كثير من ضحايا مرضى السرطان، على خلاف ما تعانيه المشافي أصلا من ضغوطات كبيرة تقوق قدرتها الطبيّة بسبب مسيرات العودة الكبرى أخيرا”.
حقوقيّون استنكروا ما يحدث بحق مرضى السرطان في قطاع غزة وأعقب نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان جميل سرحان على ذلك بحديثه قائلًا : “إنّ هناك سياسة ممنهجة تتبع ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وخاصة المرضى الذين لم يتم تحييدهم عن أي مناوشات سياسية”.
وأكدّ أنّ ما يحدث هو انتهاك صارخ لحقوق الانسان خاصة الحق في تلقي العلاج الذي كفلته القوانين والاتفاقيات الدولية، أهمها اتفاقية جنيف المتعلقة بالسكان المدنيين وحقهم في التمكين من العلاج وضمان وصول الأدوية لهم.
وأشار الى أنّ “اسرائيل” التي تفرض الحصار على القطاع منذ أكثر من عشرة سنوات تخترق القانون الدولي من جهة، والسلطة الفلسطينية التي تفرض عقوباتها على القطاع وتؤخر دخول كميات الأدوية كإجراءات عقابية من جهة أخرى.
ناشد الحقوقي الجهات المعنية بتوفير الدواء لمرضى السرطان الذين يقبعون تحت وطأة العلاج الكيماوي وبحاجة لتوفير تحويلات طبيّة في أقصي سرعة.