ترجمة وتحرير: نون بوست
تحدث نجل أبرز سجين سياسي تحتجزه “إسرائيل”، والذي يُصنّفه مؤيدوه على أنه “نيلسون مانديلا الفلسطيني”، عن مخاوف عائلته من احتمال قيام “إسرائيل” بقتله انتقامًا لأحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر، على الرغم من أن حركة فتح التي ينتمي إليها البرغوثي هي منافسة لحركة حماس التي نفذت الهجوم.
يُعتبر مروان البرغوثي (البالغ من العمر 65 عامًا) أشهر سياسي فلسطيني، ويتربع على رأس قائمة الأسرى الذين يُمكن إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح ما يقدر بنحو 108 رهينة إسرائيليين متبقين في غزة، وذلك في إطار المفاوضات المُستمرة برعاية الولايات المتحدة حول وقف إطلاق النار المحتمل.
شجّعت القوى الغربية على إدراج البرغوثي – الذي أدين بِجُرم القتل قبل أكثر من عقدين – في أيّ عملية تبادل محتملة؛ حيث يرون فيه شخصيةً فلسطينيةً يُمكنها توحيد الفصائل المتناحرة والمساعدة في حل الأزمة التي تُخيم حاليًا على الضفة الغربية المحتلة وغزة.
يُصرح أحد الدبلوماسيين الغربيين في المنطقة: “إنه أهم سجين سياسي في العالم حاليًا”. وتُضيف الدكتورة جولي نورمان، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة كوليدج لندن ومؤلفة كتاب عن الأسرى الفلسطينيين: “إن إطلاق سراحه من شأنه أن يُحدث تحولًا كبيرًا في السياسة الفلسطينية والقومية الفلسطينية”.
ولكن لم يُشاهد البرغوثي من قبل العالم الخارجي لعقود. مثل مانديلا الذي أمضى أكثر من 20 عامًا في السجن.
يُصرح ابن البرغوثي عرب (البالغ من العمر 33 عامًا): “لا يزال هو الذي يمنحنا الأمل. أعتقد أن قوة والدي تكمن في قدرته على توحيد الشعب الفلسطيني. إنه رمز للوحدة ونحن متعطشون لها. لقد كان الانقسام ضارًا للغاية”.
مشيرًا إلى المقارنات التي تُجرى مع مانديلا، يُضيف: “يريد الغرب تبييض صورة مانديلا كشخصٍ مسالم كان هدفه السلام، لكنه كان على استعداد للقتال المسلح من أجل الحصول على حقوق الشعب الجنوب أفريقي، ووالدي ليس مختلفًا”.
كنا نتحدث في رام الله؛ عاصمة الضفة الغربية المحتلة، حيث ساد جوٌّ من التوتر لم يسبق له مثيل منذ اعتقال والده عام 2002 خلال الانتفاضة الثانية. فلم تشهد الضفة الغربية فقط تصعيدًا كبيرًا في العنف الاستيطاني ضد الفلسطينيين، بل نفذت القوات الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية مداهمات وغارات جوية في أكبر عمليةٍ من نوعها منذ 20 عامًا، ضمت مئات الجنود وطوابير من المركبات المسلحة وطائرات حربية وطائرات مسيرة، وهاجمت بلدةً ومخيمات اللاجئين في الشمال، مما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 20 فلسطينيًّا.
ويُصرح عرب: “هذه أسوأ حالة شهدتها في حياتي. إنهم يريدون منا أن ننكمش، أن نعيش في أحياء فقيرة، أن نشعر بأننا لا نملك وطنًا وأن نخاف. تستغل الحكومة الإسرائيلية تركيز العالم على إبادة الشعب الفلسطيني في غزة لفعل ما تشاء في الضفة الغربية”.
ووفقًا لمسؤولين إسرائيليين؛ تستهدف العملية المقاتلين الذين يخططون لشن هجمات على الإسرائيليين، مثل التفجير الانتحاري في تل أبيب الشهر الماضي، وهو الأول منذ ثماني سنوات. وذكر المسؤولون أنهم قتلوا عددًا من مسلحي حماس. ووفقًا للأمم المتحدة، فمن بين القتلى طفلين وشخصًا معاقًا، بينما أدى تجريف الطرق إلى حبس المدنيين في منازلهم دون ماء أو كهرباء، مما أدى إلى إصدار بيانٍ قوي غير معتاد من وزارة الخارجية البريطانية.
ووفقًا لجمعية الأسرى الفلسطينيين؛ لقي 600 شخصٍ مصرعهم في الضفة الغربية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، وتم اعتقال 9000 شخصٍ، وهو أكبر عددٍ منذ 15 عامًا. ويُصرح ابن البرغوثي أن أولئك الذين يقبعون بالفعل في السجن، مثل والده في سجن مجدو سيئ السمعة، يتعرضون لمعاملةٍ سيئة للغاية.
يُصرح عرب: “أعتقد أن ما يحدث للسجناء السياسيين يمر دون أن يُلاحَظ. لم أرَ قط سلطات السجون الإسرائيلية تصبح مجنونة هكذا أو تُظهر هذا القدر من اللاإنسانية. يخرج العديد من السجناء ونكاد لا نتعرف عليهم لأنهم فقدوا الكثير من وزنهم، وهناك ما بين 55 إلى 60 حالة موثقة لموت سجناء منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. كنا قلقين للغاية من أن يُقتلوا والدي”.
ويُضيف عرب: “بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، جاء رئيس السجن وأمر والدي بوضع يديه خلف ظهره ليُظهر للسجناء الآخرين أنه إذا استطاع أن يُجبر زعيمهم على الخضوع، يمكننه أن يجبرهم جميعًا على الخضوع”. ورفض والدي ذلك، لذلك جرُّوه بالقوة وخلعوا كتفَه من مكانه”.
ويفيد ابنه أن حراس السجن الإسرائيلي نقلوه بين أربعة أو خمسة سجون، وعرضوه للتعذيب مثل توجيه أضواء ساطعة نحو وجهه في زنزانته، و”مكبرات صوت عند الباب تُشغل النشيد الوطني الإسرائيلي بصوتٍ مرتفعٍ لساعاتٍ وساعاتٍ حتى لا يتمكن من النوم”.
“وفي بداية شهر آذار/مارس؛ هاجمه الحراس وضربوه على وجهه وكتفه”، كما قال عرب. وهو يعتقد أن التدخل الغربي وحده هو الذي أنقذ حياة والده. “نحن ممتنون للغاية لأن العديد من الحكومات تدخلت وفرضت ضغوطًا دولية على الإسرائيليين، وخاصة الفرنسيين والولايات المتحدة، لأنهم يدركون أهمية والده في الضفة الغربية”.
ويتابع قائلًا: “إنهم يعتقدون أن والدي يمثل حلًا”، مُشيرًا إلى أن البرغوثي يتصدر استطلاعات الرأي، وقد قال: “ليس سرًا أنه الزعيم الأكثر شعبية في فلسطين، وهذا يحدث لسببٍ ما، فهو سياسيٌّ متفتحٌ ليس ملطخًا بِفساد [السلطة الفلسطينية بقيادة فتح]، ويريد السلام والرخاء، ولكن ليس على حساب الشعب الفلسطيني”.
لا يزال عرب قلقًا على صحة والده: “حالته لا تتحسّن هذه الأيام، فلقد خسر وزنًا لأنه لا يوجد طعام، ولم يتلقّ علاجًا لإصاباته”.
عرب، أصغر أبناء البرغوثي الأربعة – ثلاثة أبناء وبنت واحدة – كان في الحادية عشرة من عمره عندما اعتُقل والده؛ حيث يقول: “كنا في منزل عمي في قريتنا كوبر نشاهد التلفزيون عندما ظهرت لقطات له مُحاطًا بالجنود. واستطعت أن أرى اليأس في عيون الجميع”.
بعد أن دعم البرغوثي عملية السلام في أوسلو في التسعينيات، شعر بالإحباط من قلة التقدم ولجأ إلى العمل المسلح، وأدين بِجُرم القتل من قبل محكمة إسرائيلية لإصداره أوامر بِتنفيذ عمليات أودت بحياة خمسة مدنيين وحُكم عليه بخمسة أحكام بالسجن المؤبد. ويقول ابنه: “كانت والدتي تقول إنه سيتم اعتقاله لِبضع سنوات. لم نتوقع أبدًا أن يكون الأمر لعقود”.
شعر عرب، وهو في سن المراهقة، بالاستياء؛ حيث يقول: “عندما كنتُ أصغر سنًا، كافحتُ مع ذلك. بالنسبة لي، تم انتزاعه مني بسبب الشعب الفلسطيني. فقط بعد أن كبرت وفهمت مدى نباهة القضية التي ضحى من أجلها، شعرت أنه من مسؤوليتي التحدث عن الحملة التي أطلقتها والدتي”.
يعمل عرب في شركة تكنولوجيا معلومات تدير أكاديمية لتدريب الفلسطينيين في مجال البرمجة، وقال: “أدركتُ أننا بحاجة إلى إعادة صياغة فلسطين ومواجهة الإسرائيليين في مجال البيانات. والدي قال إن المقاومة ليست مجرد حمل سلاح والذهاب للقتال، بل تتعلق بالتعليم”.
آخر مرة رأى فيها عاب والده كانت قبل عامين، وكذلك والدته فدوى. وأضاف: “إنهم بالكاد يمنحوننا الإذن للذهاب – المعدل هو كل عامين”، وتابع: “كانت والدتي ترى والدي مرة واحدة في السنة، لكن في عام 2017، عندما أضرب عن الطعام مع 1500 سجين من أجل تحسين الظروف، منعوها من الزيارة لمدة أربع سنوات كعقوبة”.
حتى عندما يتمكنون من رؤيته، فإنها غالبًا ما تكون لبضع دقائق فقط، وكل شيء يتم الاستماع إليه. على الرغم من أن عرب لم يُعتقل قط، إلا أنه يخشى الآن أن يُعتقل في أي لحظة. يقول: “منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، تم اعتقال العديد من أبناء عمومتي من قريتنا كوبر، لذا فإن هذا التهديد دائمًا في ذهني. بالكاد نغادر رام الله بسبب العديد من إغلاقات الطرق ونقاط التفتيش”.
وعند سؤاله عما إذا كان من الممكن أن تحدث انتفاضة ثالثة كما يتنبأ البعض، يظهر عليه الجدية. يقول: “دائمًا ما أتذكر كلمات والدي في المحكمة: “أنا رجل مسالم، لكن يجب على الإسرائيليين أن يفهموا أنه لن يكون هناك سلام أو أمن للشعب الإسرائيلي طالما هناك احتلال غير قانوني لأرضنا””.
إذا تم الإفراج عن البرغوثي، فقد قال إنه سيسعى ليحل محل محمود عباس، الذي بلغ الثمانين من عمره، كزعيم للسلطة الفلسطينية — إذا تم إجراء الانتخابات المتأخرة بشكل كبير-. وعلى الرغم من أن المفاوضات حول غزة تبدو متوقفة؛ أصر ابنه قائلًا: “نحن واثقون جدًا أنه سيتم الإفراج عنه؛ لقد حان الوقت. نحن ننتظر اليوم الذي سيرى فيه أحفاده الستة الذين لم يلتقيهم أبدًا”.
المصدر: ساندي تايم