دخلت حملة الانتخابات الرئاسية في الجزائر التي ستجرى السبت المقبل 7 سبتمبر/أيلول ساعاتها الأخيرة باختتامها هذا الثلاثاء، للدخول في الصمت الانتخابي، وهي الحملة التي شكلت فيها الملفات الاجتماعية والاقتصادية أهم المواضيع التي ركز عليها المترشحون الثلاثة في مقدمتهم الرئيس عبد المجيد تبون الراغب في الحصول على ثقة الناخبين ومنحه ولاية ثانية، والأمر ذاته بالنسبة لمنافسيه: اليساري يوسف أوشيش والإسلامي عبد العالي حساني شريف الذي يرفض التوقعات التي تقول إن الانتخابات محسومة مسبقًا لصالح الرئيس المترشح.
وتختلف رئاسيات هذا العام عما سبقتها بالنظر إلى الظروف الإقليمية المحيطة بالبلاد، وكذا بالنظر لأنها تعرف مشاركة أكبر حزبين معارضين في الجزائر بعد ربع قرن من المقاطعة، ما يجعلها متباينة عن أي استحقاق سابق خاصة بعدما تخلى المترشحون عن التراشق السياسي الذي كان يطبع أي مشهد انتخابي سابق في الجزائر.
في الصدارة
بالنظر للتطورات التي عرفها المجتمع الجزائري الذي تزيد نسبة الشباب فيه على 70%، أصبح الملف الاقتصادي يشكل أولوية في اهتمامات الجزائريين الذين لا يرضون اليوم باقتصاد وطني مبني على ريع عائدات النفط، ما جعل هذا الملف أحد المحاور الرئيسية التي طبعت خطابات المترشحين الثلاث للرئاسيات الجزائرية، رغم انتمائهم لمشارب سياسية مختلفة، فالرئيس تبون يخوض هذا السباق كمترشح حر محسوب على التيار الوطني، وعبد العالي حساني شريف ينتمي للتيار الإسلامي ومدرسة الإخوان المسلمين، أما الأربعيني يوسف أوشيش فمعروف حزبه بمدرسته الاشتراكية.
عبد المجيد تبون
وفي لقاءاته الثلاث التي نظمها بكل من وهران غربي البلاد وقسنطينة شرقًا وجانت جنوبًا، في انتظار لقائه الأخير بالعاصمة الجزائر، شدد تبون على أن بقاءه في الحكم لولاية جديدة سيسمح باستكمال النجاحات الاقتصادية التي حققها للبلاد في عهدته الأولى.
ويردد تبون أن 2027 ستكون سنة الحصاد الاقتصادي للجزائر التي يتوقع أن يصل خلالها الناتج المحلي للبلاد إلى 400 مليار دولار، باستكمال الإصلاحات الاقتصادية التي نفذها في السنوات الخمسة من ولايته الرئاسية الأولى.
وقال تبون في تجمعه الانتخابي الذي نظمه بوهران وحضره الآلاف من مؤيديه: “سجلوها علي، في عام 2027، سيصبح دخلنا القومي 400 مليار دولار أمريكي، ويصبح اقتصاد الجزائر ثاني اقتصاد في إفريقيا”.
وحل اقتصاد الجزائر في المرتبة الثالثة إفريقيًا هذا العام، حسب التصنيف الذي صدر عن صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان الماضي بعدما وصل الناتج المحلي للبلاد إلى نحو 266.78 مليار دولار، بنسبة نمو تقارب 3.8% في 2024.
وقال تبون في قسنطينة: “أنتم تعرفون الآن جيدًا كيف كانت وأصبحت قيمة بلدنا بين دول العالم، حرصت طوال العهدة الأولى ألا تكون الجزائر رهينة الديون ولا يُمكن لأحد إذلال الجزائري، فالبترول ليس مصدر وضعنا المالي المريح، بل الوعي والنزاهة وعدم المساس بالمال العام، سنواصل كل الإنجازات والجزائر ستعرف انطلاقة حقيقية ليست كعهد الجائحة”.
ووعد تبون بأن تكلل استراتيجيته في الزراعة بتقليص الاستيراد المتعلق بالمواد الغذائية، حيث تهدف البلاد إلى تحقيق 80% من حاجاتها الغذائية محليًا، وذلك بتشجيع قطاع الفلاحة الذي أصبح يساهم اليوم بأكثر من 25 مليار دولار في الناتج المحلي للجزائر.
ويعول تبون الذي يكرر مقولة “عهدتنا القادمة بحول الله إذا زكّانا الشعب ستكون اقتصادية بامتياز” على الامتيازات التي يمنحها قانون الاستثمار الذي تم تعديله في عهدته الأولى، إضافة إلى الاستثمارات التي أطلقتها البلاد في مجال التعدين كالحديد والفوسفات وغيرهما والطاقات المتجددة والسكك الحديدية، والتسهيلات التي بدأت تمس قطاع السياحة.
عبد العالي حساني شريف
أما مرشح حركة السلم الإسلامي عبد العالي حساني شريف فيعد في برنامجه الانتخابي بـ”رفع الناتج الداخلي الخام إلى حدود 450 مليار دولار، والدخل الفردي إلى 9 آلاف دولار، وتقليص معدل البطالة إلى 5%، وخفض معدل التضخم إلى 3%، وتحقيق معدل النمو فوق عتبة 7%”.
ويلتزم المرشح الإسلامي بـ”ربط الامتيازات الضريبية بالنجاعة والمردودية الاقتصادية، وتكريس مبدأ الحياد الضريبي في التعامل مع العمليات المصرفية الإسلامية والتقليدية، وإصلاح الخدمات البنكية بمعايير التيسير وسرعة الخدمة، وتحقيق العدل بين معاملات الصيرفة التقليدية والإسلامية، وتحفيز استثمار رؤوس الأموال الخاصة، وتنمية المنتوج الوطني تحقيقًا للاكتفاء الوطني والتصدير”.
ويراهن حساني على “ترقية التبادلات التجارية المغاربية، والعربية، والإفريقية، ومراجعة اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تطوير الزراعات الاستراتيجية وتحقيق الكفاية الشاملة وبناء نسيج صناعي متنوع ومتطور”.
يوسف أوشيش
أما الاشتراكي يوسف أوشيش فأكد في جولته الدعائية الانتخابية أن برنامجه مبني على إعادة هيكلة الاقتصاد الجزائري، مع مراعاة الخصوصيات والمؤهلات التي تتمتع بها كل منطقة من البلاد.
وقال أوشيش في تجمع بولاية جيجل شرقي البلاد إنه سيعمل على إنشاء “أقطاب صناعية وفلاحية لإنهاء التبعية للمحروقات”، وأضاف “بلادنا تملك كل المؤهلات لبناء اقتصاد متنوع ومتكامل يراعي خصوصيات ومقدرات كل منطقة”، واعدًا بتطوير قطاع السياحة، حيث بين في هذا الإطار أن “العديد من البلدان التي لا تملك مقوماتنا السياحية تمكنت، بفضل دعم الاستثمار وحسن التسيير من جعل هذا القطاع موردها الأساسي”.
وصنفت عدة تقارير دولية متخصصة في السنوات الأخيرة الجزائر ضمن الوجهات السياحية التي ينصح بزيارتها، وتستحق التوجه لها في فترات العطل لاكتشافها.
تحسين
قدم المترشحون الثلاث للرئاسيات وعودًا كثيرةً لتحسين المستوى المعيشي للجزائريين المتأثرين بارتفاع مستوى التضخم في السنوات الماضية، والذي أدى إلى تأثر قدرتهم الشرائية، وبالخصوص الطبقة الوسطى التي وعد الرئيس المترشح عبد المجيد تبون بحمايتها.
والتزم تبون برفع أجور عمال الموظفين الحكوميين بنسبة 53% في السنوات الماضية، ليكون بذلك قد رفعها بنسبة كاملة بعدما بلغت الزيادات في الأجور التي أقرها في عهدته الرئاسية الأولى 47%.
ووعد تبون برفع منحة البطالة المقدمة للشباب المتخرجين الباحثين عن مناصب عمل إلى 145 دولارًا شهريًا، إضافة إلى بناء مليوني سكن يستهدف الطبقات الهشة والوسطى، وتوفير 450 ألف منصب شغل، إضافة إلى اتخاذ إجراءات حكومية للحد من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبالخصوص ذات الاستهلاك الواسع من خلال الإبقاء على الدعم الحكومي حفاظًا على الطابع الاجتماعي للدولة.
أما يوسف أوشيش الذي تعد الجبهة الاجتماعية أساس نضال حزبه الاشتراكي، فوعد برفح منحة الطلبة الجامعيين إلى 145 دولارًا، وحماية الفئات الهشة والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن، ومراجعة سلم الأجور واستحداث منح لفائدة الطبقات الهشة، مع الالتزام بتعزيز الطابع الاجتماعي للدولة.
وبالنسبة لعبد العالي حساني، فإن برنامجه يجعل من الإنسان الجزائري محور السياسات والبرامج التي سيطبقها في حال وصوله إلى قصر المرادية، وحماية القدرة الشرائية للموطن، من خلال التوزيع العادل للثروة بمراجعة طرق دعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة، والمراجعة المتدرجة للحد الأدنى للأجر المضمون ومعاشات التقاعد.
ويعد حساني بإعادة تفعيل الحوار الاجتماعي لتوزيع الفوائض على العمال في القطاع الاقتصادي، ومعالجة التضخم بالموازنة بين الإجراءات الظرفية والاستراتيجية، ومنح تحويلات اجتماعية عادلة ومستوعبة وشفافة، والربط بين تطبيق الدعم والمساعدة والتطور التدريجي للأسعار، ومراجعة وتعميق صلاحيات الهيئة الوطنية لتنظيم سوق العمل، ومراجعة منظومة الأجور والخدمات الصحية في القطاعين العام والخاص.
وتعهد حساني بالعمل على “تطوير شبكة الأجور والقوانين الأساسية لمختلف الفئات، وضبط السوق الوطنية، وتثبيت منحة البطالة كمنحة إدماج، وجعلها مرحلة انتقالية قبيل التحاق هذه الفئة بالمؤسسات الاقتصادية، فضلًا عن استحداث منحة خاصة للمرأة الماكثة في البيت خاصة التي لا عائل لها”.
وعند ملاحظة قائمة الوعود الاجتماعية التي أطلقها المترشحون الثلاث، تبدو شكلًا شبه متطابقة، لكنها مختلفة في التفاصيل الهادفة كلها لتحسين القدرة الشرائية التي تأثرت بفعل الزيادات المتوالية في أسعار عدة سلع ذات الطلب الواسع.
استحقاق مفصلي
يتوقع أغلب المتابعين أن يفوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية رئاسية ثانية بسهولة، بالنظر لما قام به منذ الوصول إلى السلطة في انتخابات 12 ديسمبر/كانون الثاني 2019، فيما انتقد حساني شريف الآراء التي تتحدث عن حسم الانتخابات مسبقًا لصالح الرئيس المترشح الراغب في ولاية رئاسية جديدة.
وشدد حساني خلال استضافته بمنتدى صحيفة المجاهد الحكومية قبل أيام على “ضرورة الابتعاد عن الممارسات الإدارية التي تدفع المواطنين إلى العزوف عن الانتخابات. خاصة الإشاعات التي تطلق حول أن الانتخابات محسومة“.
وحسب حساني، فإن الانتخابات مسؤولية جماعية من خلال السلطة المستقلة والمواطنين وحتى الأحزاب السياسية والمرشحين، كونها “استحقاق مفصلي في مسار الجزائر في ظرف إقليمي ودولي خطير لا يريد لنا الخير”.
ويتطابق هذا الرأي مع ما تراه مديرية الحملة الانتخابية لتبون التي أكد مديرها إبراهيم مراد أن نتائج الرئاسيات غير محسومة لفائدة مرشح دون المرشحين الآخرين، بقوله: “الأمور في الرئاسيات غير محسومة”.
وبين مراد أن المرشحين الثلاث على مسافة واحدة في هذه الانتخابات، موضحًا أن المداومة تعمل يوميًا لفائدة “الفوز المستحقّ للمرشح الحرّ”.
وفي الواقع، فإن التحدي الذي يواجه السلطات في الجزائر اليوم لا يتعلق بالفائز في الانتخابات، إنما في جعل المواطن يقبل على مكاتب الاقتراع وإحداث خرق مع أيام العزوف والمقاطعة التي تقول الحكومة إنها ولت، لأن كل الشروط موجودة لحماية أصوات الناخبين.