يتواصل الجدل في تونس وألمانيا في خصوص ما أصبح يعرف بقضية المشتبه بكونه “الحارس الشخصي لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن” الذي وقع ترحيله إلى تونس قبل أيام قليلة. جدل ما فتئ يزداد حدّة خاصة بعد أن أعطت محكمة ألمانية سلطات بلادها مهلة بسبعة أيام لإعادة المشتبه به وهو ما قابلته تونس بالرفض، الأمر الذي من شأنه أن يحوّل القضية من قضية قانونية إلى سياسية.
مهلة لمدة سبعة أيام
في تطوّر مفاجئ في سير القضية، أصدرت محكمة ألمانية قرارا مثيرا موجها لهيئة شؤون الأجانب في مدينة بوخوم (مكان سكن عائلة المرحَّل)، حيث أعطت المحكمة السلطات مهلة لمدة سبعة أيام لإعادة المشتبه به بكونه حارسا سابقا لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن إلى ألمانيا، الذي تصنفه السلطات الألمانية على أنه خطير أمنيا.
وذكرت المحكمة الإدارية في مدينة غيلزنكيرشن الألمانية أن الهيئة لم تتخذ حتى الآن إجراءات جوهرية لإعادة المشتبه به من تونس. وهددت المحكمة المدينة بتكبيدها غرامة مالية بناء على طلب من التونسي بقيمة 10 آلاف يورو، حال عدم إعادتها له إلى ألمانيا في موعد أقصاه الثلاثاء المقبل.
يستند القضاة الألمان إلى غياب ضمانات فعلية تمنع تعرض هذا المواطن للتعذيب في بلده
وفق مصادر إعلام ألمانية، فقد شكت المحكمة من أنه لا يمكن حتى الآن سوى تقديم استفسارات للسلطات التونسية عن مكان إقامة التونسي ووضعه الحالي بمساعدة وزارة الخارجية الألمانية، معتبرة ذلك غير كافٍ. وقال متحدث باسم المحكمة إن مدينة بوخوم لم تتخذ حتى الآن رد فعل تجاه قرار المحكمة، موضحا أنه بإمكانها الطعن في القرار أمام المحكمة الإدارية العليا.
في مقابل ذلك، دافع وزير الهجرة واللجوء في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا يواخيم شتامب، عن تسفير المتهم، بالقول بعدم وجود قرار من المحكمة الاتحادية يقف بالضد من قرار تسفير التونسي حتى لحظة ركوبه الطائرة المنطلقة من فرانكفورت إلى تونس. وأكد الوزير، أن دائرته كانت ستلتزم بوقف الترحيل لو توفر قرار صادر عن المحكمة الاتحادية بهذا الشأن، وأضاف أن وزارته ستطعن في قرار المحكمة الاتحادية الداعي إلى إعادة المتهم إلى ألمانيا.
الخوف على مصيره في تونس
التجاء المحكمة الإدارية في غيلزنكيرشن إلى التهديد جاء بعد تلكؤ سلطات بلادها في استرجاع التونسي المرحّل، وفشلها في التعامل مع هذه القضية. وتُتهم السلطات الألمانية بـ “عدم احترام القانون” وذلك على خلفية ترحيل التونسي من ألمانيا رغم وجود حكم قضائي بمنع ترحيله.
وكانت المحكمة الإدارية في غيلزنكيرشن قضت في اليوم السابق للترحيل بعدم جواز ترحيله، إلا أن قرار المحكمة لم يصل رسميا إلى السلطات المختصة إلا بعد ترحيله، واعتبر قضاة محكمة غيلزنكيرشن ترحيل التونسي خرقا فجا للقانون، وطالبوا بإعادته إلى ألمانيا. ومن المقرر أن تصدر المحكمة الإدارية العليا في مونستر قرارها بشأن هذه الواقعة خلال الأسابيع المقبلة.
يخشى حقوقيون من تعرض المتهم إلى التعذيب في تونس
يعيش التونسي المشتبه به كونه حارس شخصي سابق لبن لادن، والذي يدعى سامي العيدودي منذ سنوات مع زوجته وأطفاله في مدينة بوخوم الألمانية وكان قد سافر إلى ألمانيا منذ عام 1997 للدراسة، ويشتبه بأنه تلقى تدريبات عسكرية في أحد معسكرات القاعدة بأفغانستان عام 2000 وكان لفترة ضمن الحرس الشخصي لأسامة بن لادن.
ويستند القضاة الألمان إلى غياب ضمانات فعلية تمنع تعرض هذا المواطن للتعذيب في بلده، وهو ما دفع بسياسيين ألمان إلى انتقاد سلطات بلادهم وابداء مخاوفهم على “نزاهة القضاء”، في الوقت الذي تلقي فيه حوادث ترحيل ألمانيا لأفغان تعرضوا للقتل أو للتعذيب سابقا، بظلالها على قضية المتهم التونسي الذي تخشى جهات حقوقية على مصيره.
رفض تونسي
من جهتها تصرّ تونس، التي لم تتسلم بعد رسميا أي طلبات بإعادة المتهم إلى ألمانيا، على أحقيتها في التحقيق ومحاكمة سامي، كونه تونسي وإن كان يعيش خارج البلاد، وأنه لا مجال لتسليمه إلى دولة أخرى، حيث أصبح في قبضة العدالة.
وردّا على الضغوطات الألمانية، قال مسؤول قضائي تونسي، إن بلاده لن ترحل العيدودي إلى ألمانيا، التي سبق وأن سلمته لتونس، وإنه سيجري التحقيق معه في الداخل في اتهامات تتصل بـ “الإرهاب”. وقال سفيان السليتي المتحدث باسم الهيئة القضائية المختصة بمكافحة الإرهاب في تونس، إن المشتبه به سيحاكم في تونس إذا ثبتت عليه اتهامات “الإرهاب”.
تستند تونس في موقفها إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي سنّ عام 2015
قال السليتي، “لا مجال لترحيله لأي بلد آخر. ليس هناك أي أساس لذلك. هناك سيادة وطنية وستتم محاكمته وفقا للقانون بتهمة شبهة الإرهاب خارج حدود الوطن”. ومضى يقول “بالنسبة للادعاءات بإمكانية التعرض للتعذيب نقول إن هذه مجرد ادعاءات عارية من الصحة تماما، ونؤكد أن ذلك لن يحصل، وأن القضاء مستقل ولن يسمح بمثل هذه الممارسات، وهو مواطن له كامل الحقوق في محاكمة عادلة”.
إنابة قضائية دوليّة
بعد تأكيده عدم وجود نيّة لإعادة تسليمه إلى ألمانيا، استدرك السليتي بالقول، وقال إنه لن يتمّ تسليم المتهم إلى ألمانيا إلا في حال صدرت إنابة قضائية دوليّة من القضاء الألماني للتّحقيق معه بشبهة الإرهاب، وذلك في إطار التّعاون القضائي الدّولي. وأودع المشتبه به مركز احتجاز في العاصمة تونس منذ تسلمه من ألمانيا.
حسب السليطي فإن العيدودي كان مدرجا على لائحة التفتيش من قبل السلطات التونسية حتى قبل ترحليه من ألمانيا، مضيفا: “جرى فتح بحث قضائي ضد العيدودي وهو مدرج بالتفتيش لوجود معلومات تفيد بتورطه في أنشطة متطرفة بألمانيا كما خضع لتدريب عسكري في أفغانستان”.
الاستناد إلى قانون الإرهاب
تستند تونس في موقفها إلى قانون مكافحة الإرهاب الذي سنّ عام 2015 وجاء ليعوّض قانون الإرهاب الذي سنّه نظام زين العابدين بن علي في 10 ديسمبر من العام 2003. ويقول قانون مكافحة الإرهاب للعام 2015، إنّ الجرائم التي ارتكبت خارج الحدود التونسية تختصّ فيها حصرا “المحكمة الابتدائية بتونس بواسطة القضاة الواقع تسميتهم بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب“.
تشدّد تونس على محاكمة المتهم فوق أراضيها
يشترط القانون لتحقيق ذلك، في فصله 83 (القسم التاسع) أنّ تكون الجريمة الارهابية قد ارتكبت من قبل مواطن تونسي، أو ضد أطراف أو مصالح تونسية، أو إذا ارتكبت ضد أطراف أو مصالح أجنبية من قبل أجنبي أو شخص غير تونسي يوجد محلّ إقامته المعتاد داخل التراب التونسي، أو من قبل أجنبي وجد بالإقليم الوطني، ولم تطلب سلطة أجنبية مختصّة بالنظر في قضيته تسليمه بصفة قانونية قبل صدور حكم بات بشأنه من قبل المحاكم التونسية.
أما فيما يتعلّق بالتسليم الذي طالب به القضاء في ألمانيا، فيقول الفصل 87 من قانون مكافحة الارهاب التونسي أنه “لا يمكن اعتبار الجرائم الإرهابية، بأي حال من الأحوال، جرائم سياسية غير موجبة للتسليم“. ويتم التسليم وفقا لأحكام القانون الجزائي، إذا ارتكبت الجريمة خارج تونس ضد أجنبي أو مصالح أجنبيّة من قبل أجنبي مقيم في تونس. ولا يتمّ التسليم “إلاّ في صورة تلقي السلطات التونسية طلبا قانونيا في ذلك“.
عملية الترحيل
الجدل في خصوص هذه القضية بدأ يوم 13 تموز/ يوليو الجاري، حين رحّلت السلطات الألمانية سامي العيدودي من ولاية شمال الراين- ويستفاليا إلى موطنه تونس، متجاهلة تحذيرات سياسيين في ألمانيا من احتمال تعرضه للتعذيب، وعلى الرغم من صدور حكم قضائي يسمح له بالبقاء، وذلك قبل يوم واحد من ترحيله.
وتقدم التونسي المشتبه به بطلب للحصول على اللجوء في ألمانيا في عام 2006، لكنه لم يحصل عليه. وتشتبه السلطات الألمانية بتورطه في أنشطة متطرفة بألمانيا لكنها فشلت في ترحيله منذ حيث نجح سامي في الطعن ضد هذا القرار مدعيا إمكانية تعرضه إلى التعذيب في تونس. يذكر أن زوجة سامي وأطفاله يحملون الجنسية الألمانية.
رحلت ألمانيا خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير حتى نهاية أيار/ مايو الماضيين 155 تونسيا إلى موطنهم
ينفي المتهم بكونه الحارس الشخصي لابن لادن صحّة الاتهامات الموجّهة إليه، وقد ألقي القبض عليه في ألمانيا في حزيران/يونيو الماضي. وكان يتحتم على سامي العيدودي الذهاب يوميًّا إلى مقر الشرطة، لإثبات الحضور، وهو ما داوم عليه طيلة 12 عامًا كاملة. وسبق أن رفضت السلطات طلبا للجوء تقدم به في عام 2007، لأنه كان مدرجا على قائمة الخطر الأمني
وفي وقت سابق، كشفت الحكومة الإقليمية لولاية الراين الشمالي فيستفاليا عن قيمة الراتب الذي يتقاضاه سامي في ألمانيا بعد أن قدم حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني المتطرف طلب إحاطة بشأن الرجل، ويتقاضى راتبا اجتماعيا شهريا قيمته 1168 يورو. والتحق المتهم بعدد من الدورات الدراسية في مجال التكنولوجيا، بعد أن حصل على تصريح إقامة مؤقت في ألمانيا عام 1999.
ارتفاع عدد التونسيين المرحلين من ألمانيا
أعادت قضبة سامي، مسألة ترحيل التونسيين من ألمانيا إلى الواجهة، ومؤخرا ذكرت وزارة الداخلية الألمانية أن ألمانيا رحلت 251 تونسيا سنة 2017 إلى موطنهم، مقابل 116 سنة 2016، و17 تونسيا سنة 2015. وقد رحلت ألمانيا خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير حتى نهاية أيار/ مايو الماضيين 155 تونسيا إلى موطنهم.
ويأتي ارتفاع عدد التونسيين المرحلين من ألمانيا على خلفية مفاوضات أجراها وزير الداخلية الألماني السابق توماس دي ميزير مع دول المغرب العربي في ربيع عام 2016 لتسهيل إجراءات الترحيل، مثل سرعة إثبات الهوية وتوفير الوثائق الثبوتية الضرورية للملزمين بالترحيل.
تضاعف عدد التونسينن المرحلين من ألمانيا
قبل نحو اسبوعين، اعتمدت الحكومة الألمانية للمرة الثانية مشروع قانون يعتبر الدول المغاربية (تونس والجزائر والمغرب) بلدانًا آمنة، وهو ما يسمح إن تمّ اقراره بالإسراع في إجراءات البت بطلبات اللجوء وترحيل المرفوضة طلباتهم بسرعة وبسلاسة، ويستثني مشروع القرار من شرع بالعمل أو بدأ تدريبًا مهنيًا.
وخلال السنة الماضية تقدم 8700 مواطن من الدول المغاربية الـ3 بطلبات لجوء، وحصل 4.3% من المتقدمين الجزائريين و4.4% من المغاربة و0.7 %من التونسيين على حق اللجوء، حسب وكالة الأنباء الألمانية، ويعد هذا المشروع الثاني من نوعه الذي تتقدم به الحكومة الألمانية، بعد الأول الذي رفضه مجلس الولايات خلال العام الماضي.