منذ بدء العام الحالي ونحن نسمع بين الفينة والأخرى عن ظواهر فلكية غريبة ونادرة الحدوث بحيث هرع عشاق الفلك إلى مراقبتها ومشاهدتها، أو القراءة عنها ما بين خسوفٍ للقمر وكسوفٍ للشمس واقترانات للقمر مع الكواكب النيّرة وبعض النجوم المعروفة وزخاتٍ للشهب إضافة إلى ظواهرَ عديدة أخرى.
المنطقة وما حولها على موعد مع القمر البدر الذي سيدخل في ظل الأرض في حدث مميز جدًا هو الخسوف الكلي للقمر
لكنّ الحدث الأعظم هذا العام الذي سنكون على موعدٍ معه هذه الليلة، أي في تاريخ 27-28 من يوليو/تمّوز، فهو ظهور كوكب المريخ، الكوكب الأحمر، قريبًا من كوكب الأرض، حيث ستبلغ المسافة الفاصلة بينهما فقط 57 مليون كيلومتر فقط، وهي مسافة ملائمة لكي يرسل الإنسان مركباته الفضائية إلى هذا المرّيخ، تمامًا كما وصلت المركبة الفضاء الأمريكية ” باثفايندر” إليه بعد سبعة أشهر من الطيران عام 2004، لتكون العربة سوجورنر التي أنزلتها المركبة أول عربة تسير فوق ثرى الكوكب الأحمر في تاريخ البشرية.
سيكون المرّيخ في أقرب نقطة له من كوكب الأرض منذ ما يقارب ال15 عامًا
وستكون هذه فرصة عظيمة لهواة الفلك من كلّ أرجاء الدنيا، الذين جهّزوا مراصدهم وتلسكوباتهم المتواضعة وغير المتواضعة لمشاهدة ذلك الحدث الجليل والجميل والذي يتكرّر فقط كل 15 أو 17 سنة على التوالي. لكنّ المفاجأة لن تقف عند هذا وحسب، فبعد ساعتين من ظهور المريخ، فستكون المنطقة وما حولها على موعد مع القمر البدر الذي سيدخل في ظل الأرض في حدث مميز جدًا هو الخسوف الكلي للقمر، حيث سيظهر القمر بلونٍ أحمر دمويّ بدءًا من الساعة 9:25 مساءً بتوقيت مكة المكرّمة، وهي فرصة مناسبة للغاية كي تلتقط عددًا من الصور وتشارك أصدقاءك هذا المشهد البديع.
أما السبب وراء طول الخسوف هذا فيعود لأنّ القمر يمر مباشرة عبر مركز ظل الأرض، ولهذا يستغرق وقتًا أطول للمرور خلال الظلام. إضافةً لأنّ الأرض ستكون أبعد ما تكون عن الشمس خلال مدارها، وهذا يجعل من الرحلة تستغرق وقتًا أطول أيضًا.
شهد عام 2018 خسوفان للقمر، وعبورًا لكوكب عطارد أمام قرص الشمس، وهذا الاقتراب التاريخيّ لكوكب المريخ ولقاءه بكوكبيْ المشتري وزحل
عام 2018: عام الأحداث الفلكية بامتياز
هذه الظواهر الغريبة والفريدة لم تلك الوحيدة، فعلى ما يبدو فعام 2018 هو عام الأحداث الفلكية بامتياز، لكثرة الأحداث والظواهر الفلكية، ففيها خسوفان للقمر، وعبورًا لكوكب عطارد أمام قرص الشمس، وهذا الاقتراب التاريخيّ لكوكب المريخ بعد غياب 15 سنة، وكذلك لقاءه مع كوكبي المشتري وزحل، إضافةً إلى عدد من زخات الشهب اللامعة.
ففي اليوم الأخير من شهر كانون الثاني/يناير الماضي وكذلك في آخر يومٍ من شهر آذار/مارس، شهدت الأرض ما يُعرف بظاهرة “القمر الأزرق الدامي العملاق”. وكما يشير المصطلح، فهذا الحدث النادر يجمع 3 ظواهر للقمر في الوقت نفسه، وهو حدث شهده العالم آخر مرة قبل 152 عامًا، وهي تمام البدر مع خسوف كليّ للقمر ووجوده على أقرب مسافة له من الأرض. وسوف تحدث الظاهرة المرة القادمة في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2020.
القمر الدموي العملاق كما ظهر ليلة 31 كانون الثاني/يناير هذا العام
أما في منتصف آذار الماضي، فقد أطلّ علينا كوكب عطارد في ظاهرةٍ تُدعى “الاستطالة الشرقية العظمى“، حيث وقع الكوكب على مسافة من الشمس تبلغ 18.4 درجة، ما يمكّن رؤيته من كوكب الأرض بعد أنْ كانتْ تحدّيًا كبيرًا للفلكيّين على مدار سنين طويلة، نظرًا لأنه يدور في مدارٍ داخليّ بالقرب من الشمس، فهو كوكب نادر الظهور في السماء، ويُذكر أنّ غاليلو غاليلي بنفسه لم يرَ عطارد في حياته قط.
الاستطالة العظمى لكوكب عطارد في منتصف آذار الماضي
لاحقًا، وخلال ليلتي 12 و13 آب/أغسطس، ستشهد السماء زخات شهب البرشاويات وهي أهم زخات للشهب على مدار العام ويمكن عند أوْجِها مشاهدة أكثر من 60 شهابا في الساعة. وتتزامن هذا العام مع ليلة غير مقمرة وهو ما يساعد في رصد عدد أكبر من الشهب. كما سيكون من المنتظر كذلك أن تتألق زخات الشهب المعروفة بالأسديات ليلتي 16 و17 تشرين الثاني/نوفمبر القادم بسبب غياب القمر في تلك الفترة مما يتيح ظلمة مثالية للسماء لرصد الشهب.
أحداث فلكية نادرة شهدها وسيشهدها جيلنا
شهد عام 2004 عبورًا فلكيًا لكوكب الزهرة أمام الشمس بتاريخ 8 حزيران/يونيو، ويعدّ العبور الأول للزهرة في القرن الحالي، إذ حدث السابق له عام 1882، أي قبله بما يقارب 122 عامًا. والنادر بالموضوع أيضًا هو ذلك العبور الثاني في نفس القرن، والذي حدث في يومي 5 و6 حزيران/يونيو من عام 2012، ولن يحدث أيّ عبورٍ مماثل لهما حتى عام 2117، أي بعد 105 أعوام، ثمّ في عام 2125.
صورة لعبور كوكب الزهرة أمام الشمس عام 2004
أما عام 2017، فقد شهد العالم كسوفًا كليًا للشمس للمرة الأولى منذ 99 عامًا أي منذ العام 1918، وقد استمرّت مدته دقيقتين ونصف الدقيقة، تحوّلت فيها الشمس كليًّا إلى قرصٍ أسود شهده سكّان أمريكا فقط من العالم.
الكسوف الكليّ للشمس عام 2017
وستتكرّر ظاهرة الكسوف الكليّ ثانية في الثاني من تموز/يوليو من العام القادم 2019، لكنه سيكون مرئيًا من أجزاء صغيرة من دولتي تشيلي والأرجنتين فقط قبل غروب الشمس مباشرة. أما في بعض مناطق المحيط الهادئ وأمريكا الجنوبية، بما في ذلك مناطق في الإكوادور والبرازيل وأوروغواي وباراغواي، فستشهد كسوفًا جزئيًا للشمس إذا سمح الطقس بذلك.
احتجابات نادرة للمرة الأولى منذ قرنين
الاحتجاب في علم الفلك هو أن يحجب جرم سماوي جرمًا سماويًا آخر، ويحدث عندما يمر الجرم السماوي أمام جرم آخر من منظور المراقب. ومن النادر أن تقوم الكواكب بحجب بعضها البعض، لكنّ القرن الواحد والعشرين على موعدٍ مع عدةِ ظواهر احتجابية نادرة.
صورة تظهر حجب القمر لكوكب المشتري
فالاحتجاب الأخير حدث عام 1818 حين حجب كوكب الزهرة المشتري. والاحتجاب التالي من هذا النوع سيكون في يوم 22 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر في عام 2065 حيث سيحجب الزهرةُ المشتريَ أيضًا. يليه احتجابٌ آخر عام 2067، حيث سيحجب عطارد كوكب نيبتون. أما في عام 2079 فسيحجب عطارد المريخ، وسيقوم عطارد بحجب المشتري عام 2088 ثمّ مرةً ثانية عام 2094 قبل نهاية القرن.
عام 2033: البشر سيغزون المرّيخ
تعمل وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” منذ سنوات على خطة إرسال بشر إلى كوكب المريخ باستخدام صاروخها العملاق الجديد “سبيس لانش سيستم”، ومركبة فضاء جديدة تدعى “أوريون”. وفي 21 مارس/آذار الماضي وقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب قانونا يفوض ناسا بإرسال بشر إلى المريخ بحلول عام 2033، ثم بعد ذلك بأسبوع نشرت الوكالة أكثر خططها تفصيلا على الإطلاق لكيفية الوصول إلى الكوكب الأحمر.
تخطط “ناسا” لابتعاث البشر إلى المريخ ضمن خمس مراحل؛ الأولى قيد التنفيذ حاليًا والأخيرة عام 2033 ستهدف إلى تطوير “بعثات هبوط الإنسان على المريخ”
وتخطط “ناسا” لابتعاث البشر إلى المريخ ضمن خمس مراحل؛ الأولى قيد التنفيذ حاليًا وتتعلق باستخدام محطة الفضاء الدولية كأرضية اختبار لاستعراض إمكانات وعمليات الاستكشاف الرئيسية. أما الثانية فهي ما بين عامي 2018 و2025 وسيكون هدفها الأساسي اختبار صاروخ “سبيس لانش سيستم” العملاق الذي يزيد طوله على 321 قدمًا، تليها المرحلة الثالثة والتي ستنطوي على إطلاق المركبة “ديب سبيس ترانسبورت” إلى المحطة الجديدة وذلك سنة 2027، ثم بحلول عام 2028 أو 2029 سيتم إرسال أربعة رواد فضاء ليمكثوا نحو أربعمئة يوم داخل هذه المركبة.
أول طاقم سيصل المرّيخ بحلول عام 2033 سيكون مكوّنًا من 4 أشخاص
وبحلول عام 2030 سيتم إطلاق صاروخ “سبيس لانش سيستم” آخر لتزويد المركبة بالإمدادات والوقود، ثم إطلاق آخر لينقل إليها الطاقم المكوّن من 4 أشخاص سيكونون أول مجموعة تزور المرّيخ. أما المرحلة الخامسة والأخيرة فستحدث بعد عام 2033 وهي لا تزال غير واضحة تماما حتى هذه النقطة، وكل ما تدعو إليه في وثيقة غريستنماير هو “تطوير وبعثات تحضيرية روبوتية” لتوفير موائل وإمدادات إلى سطح المريخ، بالإضافة إلى “بعثات هبوط الإنسان على المريخ” في نهاية المطاف.