تتمتع ليبيا بثروة ثمينة من الآثار والمدن القديمة والمباني التاريخية التي لا تقدر بثمن، ما أهلها أن تكون واحدة من أبرز دول حوض المتوسط المليئة بالآثار والتراث الحضاري، إلا أن هذه الثروة تعاني الكثير خاصة مع انتشار السلاح وسيطرة الميليشيات على البلاد، ما جعل اليونسكو تدق ناقوس الخطر.
سرقة وتهريب وتخريب
هذه الآثار تعاني منذ عهد معمر القذافي الذي انتهى سنة 2011، وازدادت المعاناة بعد ذلك، حيث لحق بالعديد من الآثار تخريب وتشويه وسرقات بسبب التوتر الأمني وغياب سلطة القانون القادرة على حماية هذا المخزون الهائل والفريد.
وتفتقر مواقع الآثار في ليبيا إلى الحراسة الأمنية، إذ تقتصر حراسة المواقع الأثرية حاليًّا على الموظفين المدنيين غير المسلحين والتابعين لمصلحة الآثار وبعض المتطوعين، بعدما كان يحميها في السابق جهاز شرطة السياحة.
تعتبر المواقع الأثرية في ليبيا ضحية سوء التصرف في الموارد بالدولة الليبية
غياب الحراسة وضع هذه المواقع تحت أيدي الميليشيات المسلحة والعابثين، فتمت سرقة العديد من التحف والآثار وبيعها داخل ليبيا وخارجها، وكان أشهرها سرقة الكنز القوريني الذي يضم مجموعة من قطع العملات الذهبية والفضية والعقيق والقلائد والأقراط والتماثيل البرونزية الصغيرة التي يعود بعضها إلى عصور ما قبل التاريخ، ويبلغ عددها نحو 7700 قطعة، من المصرف التجاري ببنغازي في مايو/أيار 2011.
إلى جانب سرقة عدد من الأواني الفخارية من متحف سوسة، وسرقة بعض الأواني الفخارية من متحف سلطان بالقرب من مدينة سرت، إضافة إلى سرقة لوحتين من الفسيفساء في شحات، والعديد من التماثيل التي ترجع إلى حقب تاريخية متنوعة.
وأدى ضعف الأجهزة الأمنية وانقسام المؤسسات المعنية بالآثار في البلاد إلى تفشي جريمة تهريب الآثار في ليبيا إلى حد إعلان تجار الآثار عن بضائعهم على شبكة الإنترنت، وفتح صفحات متخصصة على شبكات التواصل الاجتماعي علنًا للبيع.
وتعاني مصلحة الآثار الليبية تبعات حالة الانقسام السياسي الذي أثر في معظم مؤسسات الدولة الليبية بين الشرق والغرب، ويوجد بها مصلحتان، إحداهما تابعة لحكومة الوفاق الوطني غربي البلاد، والأخرى تابعة للحكومة المؤقتة المنبثقة عن مجلس النواب شرقي البلاد.
تعرض قطع الأثرية عديدة للسرقة في ليبيا
فضلًا عن السرقة والتهريب تعرضت مواقع عديدة للتجريف والتخريب بينها مواقع داخل مدينة شحات، كما تعرضت نقوش صخرية في جبال أكاكوس في قلب الصحراء أيضًا إلى أعمال تخريب بالطلاء، وطال التخريب قصر إسلامي بناه المعز لدين الله الفاطمي في منطقة العزيات غرب مدينة طبرق على الحدود الليبية – المصرية، ليتحول إلى حظيرة للحيوانات.
كما تعرضت كثير من الأضرحة للتدمير على أيدي مسلحين، بينها أضرحة في زليتن شرق طرابلس وفي العاصمة نفسها، وأضرحة زويلة التاريخية في الجنوب وأضرحة في درنة والأضرحة والمواقع الصوفية في مدينتي صرمان وصبراتة غرب العاصمة.
سوء تصرف
تعتبر المواقع الأثرية في ليبيا ضحية سوء التصرف في الموارد بالدولة الليبية في السنوات الماضية والتركيز فقط على ريع البترول الذي سينفد يومًا ولا يجد الليبيون قوت يومهم، فكثير من المدن الأثرية يمكن أن تكون مصدر جذب سياحي كبير في البلاد، ما يوفر موارد مالية إضافية ويساعد على نمو الاقتصاد المتهالك.
وتعد ليبيا موطنًا لأبرز العجائب التاريخية وأماكن الغموض والجمال في منطقة البحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا، فهي تمتلك وفرة من الثراء الأثري الهائل والفريد الذي يعود إلى مراحل مهمة في تاريخ الحضارة الإنسانية من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر العثماني.
تراث مهدد
هذه الأعمال حتمت على منظمة التربية والعلوم والثقافة التابعة للأمم المتحدة (اليونسكو)، مواصلة الاحتفاظ للعام الثالث على التوالي بالمواقع الأثرية والثقافية الليبية الـ5 الموضوعة على قائمة مواقع التراث العالمي المهدد في نفس القائمة، نتيجة تواصل الخطر الذي يهددها.
بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة فإن قائمة التراث العالمي المعرض للخطر تهدف إلى إطلاع المجتمع الدولي على الظروف المهدِدة باندثار الصفات التي أدت إلى إدراج موقع ما على قائمة التراث العالمي، وحشد دعم المجتمع الدولي من أجل حماية هذه المواقع.
منذ الـ24 من يوليو/تموز 2016 تم إدراج المواقع الأثرية الليبية الـ5 ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي المُهدد بالخطر
وتضم المواقع التراثية الـ5 حضارات وحقب كثيرة من عصور ما قبل التاريخ والحضارات الفينيقية واليونانية والبيزنطية والرومانية التي توجد في مدينة شحات الأثرية، والمدينة القديمة في غدامس التي غالبًا ما يشار إليها باسم “لؤلؤة الصحراء”، ومدينة لبدة الكبرى الأثرية التي كانت تعتبر سابقًا أحد أهم المواقع التجارية على البحر الأبيض المتوسط، وكانت ذات يوم جزءًا من المملكة النوميدية الزائلة في ماسينيسا قبل الاكتساح الروماني.
والموقعان الآخران وهما مدينة صبراتة الأثرية والمواقع الصخرية الفنية في جبال أكاكوس على الحدود مع الجزائر التي تتميز باحتوائها ومحافظتها داخل الكهوف والمغارات على العديد من الوحات التي يعود تاريخها إلى ما بين 12 ألف عام قبل الميلاد إلى 100 بعد الميلاد.
طلب الحماية
أمام تواصل العبث بهذه المواقع، طالب اتحاد بلديات الاثرية الـ5 ولجنة التراث العالمي في ختام اجتماعات غدامس بضرورة حماية المواقع الأثرية والمحافظة عليها حتى لا يتم شطبها من قائمة المدن الأثرية العالمية من اليونسكو.
واقترح الجماعة أن يتم تسييج هذه المواقع ومتابعتها من خلال مكاتب الآثار والسياحة والتنسيق مع الجهات المختصة للحفاظ عليها ومعاقبة من يعتدي عليها، ورأوا أن يتم اتباع نظام الحماية الإلكترونية، كما أكدوا أهمية أن يتم رسم خرائط جديدة للمواقع الأثرية في ليبيا ولفتوا النظر إلى حماية المواقع الأثرية والتراثية من التوسع العمراني والتوغل السكاني.
التخريب طال العديد من المواقع الأثرية
برزت في الفترة الأخيرة على الساحة الليبية نداءات من خبراء ومتخصصين في مجال الآثار تطالب بإلغاء قرار اليونسكو إدراج مواقع التراث العالمي الليبية الـ5 في قائمة التراث العالمي المعرض للخطر، وبلغت حد تقديم أحد الخبراء طعنًا في قانونية هذا القرار.
ومنذ الـ24 من يوليو/تموز 2016 تم إدراج المواقع الأثرية الليبية الـ5 ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي المُهدد بالخطر، وترجع المنظمة الأممية سبب وضعها المواقع الليبية الـ5 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المهدد إلى عدم الاستقرار الذي يؤثر على البلاد، والخطر الذي تمثله الجماعات المسلحة وأمراء الحرب على هذه المواقع، بالإضافة إلى عدم تقديم السلطات الليبية معلومات عن وضع المواقع الـ5.