هل وصل بك شغفك بعملك حد الجنون يومًا ما؟! في الفن وخصوصًا في التمثيل قد يصل الممثل في أثناء تحضيره واستعداده لأداء الشخصية لحافة الجنون، قد تعتقد أن كل ما يتطلبه الأمر بعض التغييرات الطفيفة في شكل الشعر أو المكياج أو بعض المؤثرات، لا، ليس الأمر بهذه البساطة على الإطلاق.
على الممثل المحترف أن يقنعك تمامًا وأنت تشاهد الفيلم أو العمل الدرامي بأن القصة التي تراها أمامك على الشاشة حقيقة تم تسجيلها، ويجعلك تغوص في الأحداث حتى تصبح شاهدًا عليها.
يصبح الأمر تحديًا لغرور الممثل الذي قد يفعل الكثير من الأمور الجنونية ليندمج بالشخصية المكتوبة في القصة إن كانت حرفة أو مهنة أو أسلوب حياة، حتى تصدق تمامًا أن ما تراه ليس زائفًا، حتى لو وصل بهم جنونهم لحد الألم الجسدي أو النفسي، بالنسبة لهم تقمص الشخصية والانصهار في تفاصيلها شيء مقدس يجعلهم يفعلون الكثير والكثير للوصول لقمة الإتقان.
فيما يلي بعض حكايات هؤلاء المجانين
كريستيان بيل
المتتبع لمسيرة كريستيان بيل سيدرك تمامًا أن هذا الممثل يستطيع فعل أي شيء في سبيل تقمص الدور الذي سيؤديه، الدور الذي لا بد أن يكون نحيفًا به يفقد من وزنه ما يجعلك تستطيع رؤية عظام هيكله العظمي، فقد وصل به التطرف أن وصل لوزن 55 كيلوغرامًا في أحد أدواره في فيلم The Machinist.
وكرر كريستيان بيل تحدياته لنفسه من التغيير الشامل لشكله لدرجة أنه في يوم من الأيام كانت تجمعه والممثل القدير روبرت دي نيرو بعض المشاهد ولم يتعرف عليه دي نيرو من شدة تغير شكله، رُشح كريستيان لجائزة الأوسكار ثلاث مرات وفاز بها عام 2016 عن دوره في فيلم The Big Short.
تشارلز دانس
الممثل البريطاني القدير تشارلز دانس، مواليد أكتوبر 1946 (71 عامًا)، وهو أحد أبطال المسلسل الشهير “صراع العروش”، في أحد مشاهد المسلسل الذي يشتهر بقصته الدموية والكثير من الصراعات، كان على تشارلز أن يقطع ويسلخ غزال بري ضخم!
فما كان من الممثل الذي تعدى عمره السبعين عامًا إلا أن تدرب على سلخ وتقطيع الغزال ومثل المشهد وهو يفعل ذلك بنفسه!
أشتون كوتشر
قام كوتشر بدور العالم العبقري “ستيف جوبز” بعد وفاته، بالطبع كان الفيلم يحكي عبقرية حياة جوبز مما جعل كوتشر يتقمص شخصية جوبز الحقيقية حتى في تفاصيل الحمية الغذائية التي كان يتبعها جوبز وهي حمية “الفواكه”، جوبز كان يعتمد على الفواكه فقط في نظامه الغئائي (ربما كانت هذه رسالته السرية لنا برمز التفاحة الذي يميز أجهزته).
ظل كوتشر يأكل الفواكه فقط لمدة شهر كامل ومنع باقي العناصر الغذائية عن جسمه تمامًا، فسقط مغشيًا عليه قبل دخوله التصوير بيومين فقط، فكان يعاني من ضعف عام في الجسم ونقص في المعادن والفيتامينات وهشاشة في العظام وتطلب الأمر منه علاجًا طويلاً ليسترد عافيته مرة أخرى، يبدو أن تفاحة ستيف جوبز كانت عبقرية مثله وتمده بكل العناصر التي يفتقدها هذا النظام الغذائي!
شيا لابوف
رغم صغر سنه، فقد صنع لنفسه مكانًا مميزًا وسط نجوم هوليوود العمالقة، في فيلم Fury، قد تعتقد أن وقوفه أمام ممثلين قديرين ولهم جمهودهم مثل براد بت ومايكل بينا قد يجعله يظهر أقل منهم خبرة وموهبة، ولكن ما حدث منه أبهر صانعي الفيلم أنفسهم.
كان يجسد في الفيلم دور جندي في الحرب العالمية الثانية فقرر أن يبقى دون استحمام لأطول فترة ممكنة!
بقي لابوف دون استحمام لمدة 4 شهور لكي يعيش تجربة جندي يعيش في دبابة في أوائل الأربعينيات، ولم يتوقف لابوف عند عدم الاستحمام فقط، بل قرر خلع واحد من أسنانه بيديه أمام طاقم العمل وجرح نفسه في الوجه ليظهر بمظهر جندي حقيقي في الحرب!
نيكولاس كيدج
عام 2012 اشترك الممثل العالمي الشهير نيكولاس كيدج في بطولة فيلم “صائدو الأرواح” الجزء الثالث، كان نيكولاس كيدج وقتها يعاني من بدايات فقدان الشغف بموهبته التمثيلية، فقرر استخدام طرق جديدة لمساعدته – من وجهة نظره – في استعادة موهبته.
أحضر كيدج قناع من قبائل إفريقية تشتهر بالسحر الأسود يسمى قناع الفودو ومجموعة من أحجار الأهرامات المصرية وصنع منها أشكالاً وضعها في غرفته بموقع التصوير.
كان يرتدي القناع لساعات طويلة ويضع عدسات لاصقة لونها أسود بحجم العين كاملة ويظل يمشي بين طاقم العمل طوال اليوم دون أن يتكلم مع أي شخص بأي كلمة وينظر للجميع في عيونهم حتى بدأ بعضهم يشعر بالخوف الحقيقي منه ومما يفعله، وقد صرح مخرج الفيلم برايان تيلور أن كيدج أخبره أنه لولا هذه الطقوس التي فعلها ورؤيته للخوف والرعب في عيون زملائه لم يكن ليستطيع تمثيل دوره الذي كان يجسد به شخصية روح شريرة من بعد آخر.
وفي الدراما المصرية، من وقت لآخر تجد من يقوم بعمل جرئ وغريب لتجسيد دوره باحترافية، آخرهم كانت الممثلة نورين كريم التي جسدت دور “حسيبة القرعة”.
في مسلسل “طاقة نور” كانت نورين تقوم بدور “حسيبة” شقيقة المعلم شعبان، مجرم وبلطجي المنطقة، حلقت نورين شعرها تمامًا لتجسد الدور المكتوب ولم تهتم بأنوثتها أو شكلها وقررت التضحية بكل ذلك في سبيل أن يكون دورها مميزًا وناجحًا، وصرحت نورين في أحد اللقاءات الصحفية عند سؤالها عن سبب حلقها لشعرها بدلاً من استخدام باروكة مطاطية، قالت “أنا مشخصاتية، لا بد أن أذهب للشخصية حسب ما تكون”.
لا نعلم حقًا هل الاحترافية وتقمص الشخصيات التي يؤديها الممثلون موهبة ونعمة قد حظوا بها أم نقمة ولعنة قد توصلهم للجنون الحقيقي؟!
على أي حال كل هذا التطرف الاحترافي في مصلحة المشاهدين الذين ستتضاعف نسبة استمتاعهم بالأعمال الدرامية التي يجسدها لهم كل هؤلاء المجانين.