“عازمة على الفوز بين دول المنطقة في نزع الجنسية”، جملة اختصرت الكثير من السرد، قالها نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومن رايتس ووتش، في سياق تقرير جديد للمنظمة، طالبت فيه سلطات البحرين بإعادة الجنسية إلى مئات المواطنين الذين نزعتها عنهم قسرًا.
بين مقصلة الترحيل والتهديد بسحب الجنسية.. أسارى بين واقعين أحلاهما مر
المنظمة الحقوقية نقلت في آخر تقرير لها عن معهد البحرين للحقوق والديمقراطية أن السلطات نزعت منذ عام 2012 الجنسية عن 738 مواطنًا على الأقل، منهم 232 منذ مطلع العام الحاليّ، في عملية تفتقر إلى الضمانات القانونية الكافية، وتشكل مخالفة صريحة لمواثيق حقوق الإنسان.
وفي الوقت الذي ذكر فيه معهد البحرين أن جميع قرارات نزع الجنسية المعروفة، منذ 1 من يناير، أصدرتها محاكم مدنية أو عسكرية؛ وثقت “هيومن رايتس ووتش” انتهاكات واسعة النطاق للمحاكمة العادلة في نظام كلا المحكمتين، خصوصًا منذ حملة السلطات القمعية ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة بعد عام 2011.
تعاقب المنامة الكثير من الناس لمجرد التعبير عن معارضتهم لها بشكل سلمي
ووفقًا للمعهد، تضمنت الإجراءات عدم الحصول على محامين، خاصة في أثناء الاستجواب، وانتزاع اعترافات بالإكراه بل وتطورت إلى ترك الغالبية العظمى من المواطنين البحرينيين الذين انتُزعت عنهم الجنسية عمليًا دون جنسية، ورُحِّل بعضهم.
إجراءات لم تستثن الحقوقيين أو الناشطين السياسيين فضلاً عن الصحفيين ورجال الدين، وليس بعيدًا عن هذا اتهام منظمة العفو الدولية للمنامة بقمع المعارضة بأساليب وحشية مختلفة بين السجن والنفي لحقوقيين بارزين، ومضايقة وترهيب ومحاكمة أفراد عائلاتهم، دون أي احترام للمعايير الأساسية للمحاكمة العادلة أو أي رادع من المجتمع الدولي.
وبحسب المعهد البحريني، نزعت السلطات الجنسية مباشرة عن 108 أشخاص قبل العام 2018، من خلال مرسوم ملكي أو أمر من وزارة الداخلية، وبين 15 و25 من مايو 2018، نزعت المحاكم التي حكمت في قضايا مختلفة الجنسية عما مجموعه 128 متهمًا.
منذ عام 2012 حتى فبراير 2017، نزعت السلطات البحرينية الجنسية عن 578 مواطنًا، ما جعل بعضهم دون جنسية
وفيما يتعلق بالترحيل التعسفي، لفتت المنظمة إلى أن السلطات رحلت 8 أشخاص إلى العراق منذ بداية عام 2018، وذلك بعد إسقاط الجنسية عنهم في 29 من يناير/كانون الثاني 2018، بتأييد محكمة الاستئناف الحكم الصادر عام 2012 بشأن إبعاد تسعة مواطنين ونزع جنسيتهم، واتهامهم بـ”الإضرار بأمن الدولة”.
هؤلاء الأشخاص التسع كانوا ضمن مجموعة أكبر تضم 31 شخصًا منهم ناشطون سياسيون وحقوقيون معارضون ومحامون أُلغيت جنسياتهم بموجب مرسوم وزارة الداخلية في 7 من نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وخمسة فقط من هؤلاء يتمتعون بجنسية مزدوجة، مما يترك أغلبيتهم بلا الجنسية.
ومنذ أشهر قليلة، أصدرت المنظمة تقريرًا آخر، وثق تلك الانتهاكات الحقوقيىة، فمنذ عام 2012 حتى فبراير 2017، نزعت السلطات البحرينية الجنسية عن 578 مواطنًا، ما جعل بعضهم دون جنسية، وفي آخر قضية في 31 من يناير/كانون الثاني، نزعت “المحكمة الكبرى الجنائية الرابعة” الجنسية عن 74 شخصًا بتهم تتصل بالإرهاب، وفي 1 من فبراير/شباط، نزعت المحكمة نفسها الجنسية عن 25 آخرين.
إجراءات سحب الجنسية لم تستثن الحقوقيين أو الناشطين السياسيين فضلاً عن الصحفيين ورجال الدين
مسلسل سحب الجنسيات يكشف تنافضات المملكة الصغيرة
بينما تدعي السلطات أن هذه الأفعال مُرتبطة بأمن الدولة، يؤكد الواقع أنها تعاقب الكثير من الناس لمجرد التعبير عن معارضتهم لها بشكل سلمي، وكان الحقوقي البحريني البارز سيد أحمد الوداعي مثالاً على ذلك، وهو يعيش في المملكة المتحدة منذ 2012 حيث طلب اللجوء.
ففي عام 2015، نزعت وزارة الداخلية الجنسية عن الوداعي وكان على قائمة بـ72 شخصًا نزعت وزارة الداخلية جنسيتهم، وضمت المجموعة حقوقيين وناشطين سياسيين وصحفيين اتهمتهم السلطات بتشويه صورة النظام والتحريض ضد النظام، ونشر أخبار كاذبة لعرقلة قواعد الدستور، وإهانة بلدان شقيقة، من بين مزاعم أخرى.
كما تكررت قضية تسييس الأحكام مع رجل الدين الشيعي الشيخ عيسى قاسم الزعيم الروحي لحركة الوجود المحظورة حاليًا، ففي عام 2016، نزعت الحكومة الجنسية عنه، ووضعته السلطات تحت الإقامة الجبرية حتى 9 من يوليو/تموز، ثم منحته جواز سفر مؤقت للسفر إلى المملكة المتحدة من أجل إجراءات طبية عاجلة.
وإذ تبدو المراسيم الملكية والأوامر الوزارية قابلة – ظاهريًا – لمستويين من الطعون في المحاكم، فإن المحكمة نادرًا ما نقضت قرارًا بنزع الجنسية صادرًا من وزارة الداخلية أو المرسوم الملكي، إن فعلت ذلك أساسًا، وفق ما قاله ناشط حقوقي رفض ذكر اسمه لـ”هيومن رايتس ووتش”.
أفعال #البحرين لا تطابق الميثاق الذي صادقت عليه، والذي ينص على أن “لكل شخص الحق في التمتع بجنسية، ولا يجوز إسقاطها عن شخص بشكل تعسفي أو غير قانوني” https://t.co/tPeSXUk0i6 pic.twitter.com/o9whY6sJyN
— هيومن رايتس ووتش (@hrw_ar) ٢٧ يوليو ٢٠١٨
ويحضر في هذا السياق أن أجرت تعديلات في يوليو/تموز 2014 على قانون الجنسية الصادر عام 1963، تمنح وزارة الداخلية سلطة إضافية لنزع جنسية الأشخاص الذين لا يلبون “واجب الولاء” للدولة، حيث أتاحت التعديلات تلك لوزير الداخلية نزع الجنسية عن أي شخص ساعد أو انخرط في خدمة أي دولة معادية أو تسبب في أضرار لمملكة البحرين أو تصرف تصرفًا يناقض واجب الولاء لها، بحسب المادة 10 من قانون الجنسية في البحرين.
وحدد الدستور بعد تعديلاته الأولى في 2002 في بابه الثالث المعنون بـ”الحقوق والواجبات العامة – المادة 17″ أن الجنسية البحرينية يحددها القانون، ولا يجوز إسقاطها عمن يتمتع بها إلا في حالات معينة، ولا يعني إسقاط الجنسية إسقاط الحقوق الإنسانية لمن أسقطت جنسيته، ولا يعني بالضرورة طرده من البلاد.
هذه الإجراءات تتناقض مع المادة الـ15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تؤكد أن لكل فرد حق التمتع بالجنسية ولا يجوز حرمان أي شخص تعسفًا من جنسيته، أو حرمانه من حقه في دخول بلده.
اللافت هنا أيضًا أن المملكة صادقت على الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يمنع سحب الجنسية بشكل تعسفي، كما صادقت على المرسوم العربي لحقوق الإنسان
اللافت هنا أيضًا أن المملكة صادقت على الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يمنع سحب الجنسية بشكل تعسفي، كما صادقت على المرسوم العربي لحقوق الإنسان الذي تنص المادة الـ29 منه على أن “لكل شخص الحق في التمتع بجنسية، ولا يجوز إسقاطها عن شخص بشكل تعسفي أو غير قانوني”.
وفضلاً عن المنظمات الإنسانية، فإن خبراء في الأمم المتحدة ينتقدون البحرين بسبب استخدام قانون مكافحة الإرهاب خارج مجاله، فقد جاء في تقرير للأمم المتحدة لعام 2013 أن “القانون الدولي يُلزم الدول بتوفير فرصة لاستعراض مغزى القرارات المتعلقة بالجنسية، بما في ذلك القضايا الجوهرية”. ويشير التقرير إلى أنه إذا تم نزع جنسية مواطن، فإن “تقديم استئناف يجب أن يُعلق آثار القرار، بحيث يستمر الفرد في التمتع بالجنسية – والحقوق ذات الصلة – إلى أن تتم تسوية الاستئناف”.
أنت متهم بالإرهاب إذا لست بحرينيًا
منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية ترى أن ما يحدث “حرب دولة” على مواطنيين وناشطين وسياسيين أرادوا التغيير
الأمر إذًا ليس جديدًا، لكنه يضيف – بحسب المديرة العامة للشرق الأوسط بمنظمة هيومان رايتس واتش سارة ليا ويتسون – إلى نمط يُسقط ادعاءات السلطات البحرينية بالتعددية والتسامح مع المعارضة، مع نزعها الواضح لجنسية مواطنيين لا ترغب بهم، فالقضاء البحريني اعتبر أنهم لم يعودوا بحرينيين.
وكل هذه الاتهامات تنفيها المنامة وتصف هذه الأخبار بغير الموثقة وأنها لا تعكس واقع أوضاع حقوق الإنسان في ممكلة البحرين، وفي مقابل ذلك تتحدث دائمًا عن أدلة وتهم وسياق قانوني، لكن في الواقع، جعلت السلطات البحرينية المحاكم أداة صورية في سعيها لخنق المعارضة بالكامل، وأصبحت جزءًا من السياسة السائدة، فالأحكام الصادرة بحق العشرات دائمًا ما تصفهم بـ”أعضاء تنظيم إرهابي” كان يخطط لتنفيذ عمليات وتخابر مع دولة أجنبية هي إيران.
وعندما تُذكر إيران في البحرين لا بد أن يتبعها أنباء عن اعتقال وتعذيب، ومؤخرًا سحب الجنسية، والغريب أنها الدولة الوحيدة التي تُتبع فيها تهمة الإرهاب بسحب الجنسية، وبالعودة إلى محاكمات وأحكام فإن تهمة الإرهاب وجهت إلى معارضين سياسيين منتخبين وناشطين منهم من غرد فقط ضد حرب اليمن.
ذهبت ردود الفعل على الأحكام الأخيرة في اتجاه واحد، وهو أن المنامة تصفي حساباتها السياسية باستخدام القضاء غير المستقل
لذلك ذهبت ردود الفعل على الأحكام الأخيرة في اتجاه واحد، وهو أن المنامة تصفي حساباتها السياسية باستخدام القضاء غير المستقل، وندد معهد البحرين بذلك، وقال إن الأحكام تعبر عن مستوى لا مثيل له من الظلم.
واعتبرت جمعية الوفاق المعارضة ذلك استمرارًا لسياسة تكميم الأفواه وقمع المعارضين ضمن مشروع الانتقام من المطالبين بالتحول الديمقراطي، فيما منظمة هيومان رايتش فرست، ومقرها الولايات المتحدة، تحدثت عن انزلاق البحرين في اتجاه واضح وخطير، ففي يناير العام الماضي أعدمت المملكة 3 مواطنين شيعة رميًا بالرصاص بعد إدانتهم بقتل شرطيين، في أول واقعة إعدامات في البلد منذ 20 عامًا.
ومنذ اندلاع الاحتجاجات في البحرين، بداية الربيع العربي، التي انهت دوار اللؤلؤة (دوار مجلس التعاون كان دوار يقع في العاصمة البحرينية المنامة) نفسه، واعتقال وسجن وتعذيب معارضين، وضع حقوق الإنسان في المملكة في أسوأ سنواته، وبينما تقول المنامة إنها تحارب المتشددين والإرهابيين، ترد منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية بأن ما يحدث “حرب دولة” على مواطنيين وناشطين وسياسيين أرادوا التغيير.