ترجمة وتحرير: نون بوست
لم يسبق لـ”إسرائيل” الاعتراف بامتلاك أسلحة نووية بشكل علني، لكنها ترغب في أن يعلم الجميع بحيازتها لهذه الأسلحة، ناهيك عن كونها لا تتردد في تقديم إشارات دقيقة لتبين أنها مستعدة إما لاستخدامها متى دعت الحاجة إلى ذلك، أو في حال تعرضها للتهديد. ويتراوح عدد المخزون النووي لتل أبيب بين 80 و300 سلاح نووي، وهو ما يتجاوز حجم الترسانة النووية الصينية برمتّها.
لطالما اعتمدت القوات الإسرائيلية على القنابل النووية التي يتم إسقاطها من الجو، بالإضافة إلى صواريخ أريحا الباليستية. وعندما هاجمت الجيوش المصرية والسورية “إسرائيل” خلال حرب أكتوبر، التي تعرف باسم حرب يوم الغفران، عمدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير إلى وضع سرب من ثمانية طائرات فانتوم إسرائيلية من طراز “إف-4” محملة برؤوس نووية على أهبة الاستعداد، وذلك تحسبا لإطلاقها بهدف شن غارات على القاهرة ودمشق، حيث أن مثل هذا العدوان كان من شأنه اختراق الجيوش العربية.
على الرغم من كون “إسرائيل” الدولة الوحيدة المسلحة نووياً في الشرق الأوسط، إلا أن حكومة تل أبيب قلقة من أن يحاول أحد الخصوم القيام بضربة استباقية في يوم ما لتدمير ترسانتها النووية، أو إطلاق الطائرات لقصف أراضيها قبل تمكنها من إبداء ردة فعل. وفي الوقت الحالي، يبدو أن سوريا وإيران الوحيدتان القادرتان على القيام بمثل هذا الأمر وتقويض الأمن الإسرائيلي.
لإحباط هذه الإستراتيجية، استهدفت “إسرائيل” برامج الصواريخ والتكنولوجيا النووية في كل من العراق وسوريا وإيران، وذلك من خلال القيام بعدة غارات جوية، كما قامت القوات الإسرائيلية بعدة أعمال تخريبية واغتيالات داخل هذه البلدان. علاوة على ذلك، طورت تل أبيب سلاح الضربة الثانية، وهو سلاح قابل للبقاء ويتم استعماله للانتقام إزاء الضربات النووية التي يشنها العدو، وذلك بغض النظر عن قوتها.
يعتبر تشغيل الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية أمراً مكلفا للغاية بالنسبة لدولة لا يتجاوز عدد سكانها عدد سكان نيو جيرسي، ناهيك عن التكلفة المرتفعة لعملية إطلاق الصواريخ الباليستية من هذه الغواصات
تعمل معظم القوى النووية على تشغيل الغواصات الحاملة للصواريخ الباليستية، والتي تعمل في العادة بالاعتماد على المفاعلات النووية، وهو ما يخول لها البقاء لعدة أشهر تحت سطح الماء وإطلاق صواريخ باليستية في أي لحظة لهدم المرافق الأساسية للخصوم وإحداث دمار مروع. ونظراً لصعوبة تحديد موقع هذه الغواصات قبل قيامها بتنفيذ الضربة الأولى، يفكر هؤلاء الخصوم ملياً قبل تنفيذ ضربتهم الأولى.
في المقابل، يُعتبر تشغيل الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية أمراً مكلفا للغاية بالنسبة لدولة لا يتجاوز عدد سكانها عدد سكان نيو جيرسي، ناهيك عن التكلفة المرتفعة لعملية إطلاق الصواريخ الباليستية من هذه الغواصات، وهو ما دفع بالسلطات الإسرائيلية لإيجاد حل بديل بتكلفة معقولة.
اعتذار برلين غير التقليدي
خلال حرب الخليج سنة 1991، ظهر جلياً أن العلماء والشركات الألمانية لعبوا دورا هاما في إطلاع بعض الحكومات العربية على خبايا تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والكيميائية، وهو ما ساعد صدام حسين على قصف الأراضي الإسرائيلية بواسطة صواريخ سكود. وكانت هذه الحقيقة غيضاً من فيض، حيث قام العديد من العملاء الإسرائيليين منذ بداية الستينات بمحاولات اغتيال واختطاف وتفجير استهدفت علماء أسلحة ألمان يعملون لصالح حكومات عربية.
في الوقت الذي كانت تشهد فيه شركات بناء السفن الألمانية تراجعاً كبيرا بسبب خفض الدول لسياساتها الدفاعية بعد الحرب الباردة، وضع المستشار الألماني هلموت كول استراتيجية لتعويض “إسرائيل” عن الأضرار التي لحقتها. وبداية من سبعينات القرن العشرين، بدأت شركة هووالدتسويركي-ديوتشي ويرفت لبناء السفن في صنع غواصات كهربائية تعمل بالديزل من طراز “209” من أجل تصديرها للخارج.
عرض كول تقديم دعم كامل لبناء نوعين معدلين من غواصات 209، حيث يتم زيادة سعتها بشكل ملحوظ
ويمكن إيجاد حوالي 60 غواصة من هذا النوع بصدد التجول في البحار والمحيطات في الوقت الحالي. وتمكنت إحدى هذه الغواصات، والتي تدعى “سان لويس”، من نصب كمين لسفن البحرية الملكية البريطانية في مناسبتين خلال حرب جزر الفوكلاند، لكنها عجزت عن إغراق أي سفينة منها بسبب طُوربيداتها المعيبة.
من جهته، عرض كول تقديم دعم كامل لبناء نوعين معدلين من غواصات 209، حيث يتم زيادة سعتها بشكل ملحوظ. ووقع تصنيف هذه الغواصات المعدلة ضمن فئة “الدولفين” كما عمل المستشار الألماني على وضع استراتيجية تمول ألمانيا بموجبها 50 بالمائة من تكلفة عملية بناء غواصة ثالثة سنة 1994. وأثناء غمرها بالمياه، كانت غواصات “دولفين”، التي يبلغ طولها 57 مترا، قادرة على حمل حمولة تقدر بحوالي 1900 طن، وهو ما استوجب تواجد طاقم قوامه 35 فرداً لقيادتها، بالإضافة إلى استيعابها لحوالي 10 أفراد من القوات الخاصة على متنها. ودخلت هذه الغواصات الخدمة بين سنتي 1999 و2000، وحملت اسم “إي إن اس دولفين” و” “لڤياثان” أو “حوت” و”تاكوما”.
زُودت غواصات “دولفين” بستة أنابيب لإطلاق طُوربيدات “سي هاك DM2A4” الثقيلة، والتي يبلغ طولها 533 مليمترا، والتي يمكن توجيهها بواسطة تكنولوجيا الألياف البصرية، وصواريخ “بوينغ هاربون” المضادة للسفن. وتحتوي هذه الغواصات على أربعة أنابيب بطول 650 مليمترا، وهو ما يعد من النادر وجودها في الغواصات الحديثة، التي يمكن استخدامها لنشر قوات الكوماندوز البحرية للقيام بمهام الاستطلاع والتخريب، التي لعبت دوراً هاما في إنجاح مهام الغواصات الإسرائيلية.
مع ذلك، تستعمل أنابيب الطوربيد ذات الحجم الكبير في مهام إضافية، إذ يمكن أن تسع، بشكل خاص، الصواريخ الجوالة الكبيرة التي تطلق من الغواصات، والتي تعتبر قذائف كبيرة بما يكفي لحمل رأس حربي نووي. وبينما تبلغ سرعة الصاروخ الباليستي الذي يطلق في الفضاء سرعة الصوت، تتميز سرعة صواريخ الجوال بأنها أشد بطأ، وتطير بمقربة من سطح الأرض.
من المرجح أن تكون غواصة من طراز “دولفين” التابعة لـ”إسرائيل” قد ضربت ميناء اللاذقية بصاروخ جوال عادي سنة 2013 بسبب بعض الإفادات عن شحنة صواريخ من طراز “بي-800” المضادة للسفن الروسية.
في تسعينات القرن الماضي، رفضت الولايات المتحدة الأمريكية تزويد “إسرائيل” بصواريخ من طراز “توماهوك” التي تطلق من الغواصات بسبب قواعد نظام تحكم تكنولوجيا القذائف التي تحظر نقل صاروخ جوال يتجاوز مداه 300 ميلا. في المقابل، مضت تل أبيب قدما وطورت صواريخها الخاصة. وفي سنة 2000، اكتشفت الرادارات التابعة للبحرية الأمريكية تجارب لإطلاق صواريخ جوالة تطلق من الغواصات في المحيط الهندي التي أصابت هدفا عن بعد 930 ميلا.
يعتقد أن هذا السلاح المستعمل هو صاروخ “ باباي توربو”، وهو مستوحى من الصاروخ الجوال دون سرعة الصوت الذي يطلق من الجو، والذي يزعم بأنه يستطيع حمل رؤوس حربية نووية بقوة 200 كيلوطن. ومع ذلك، يتم حجب خصائص الصواريخ الجوالة التي تطلق من الغواصات وتفيد بعض المصادر باستخدام أنواع أخرى من الصواريخ المختلفة كليا. ومن المرجح أن تكون غواصة من طراز “دولفين” التابعة لـ”إسرائيل” قد ضربت ميناء اللاذقية بصاروخ جوال عادي سنة 2013 بسبب بعض الإفادات عن شحنة صواريخ من طراز “بي-800” المضادة للسفن الروسية.
لقد اشترى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو ثلاثة غواصات أخرى، مما أثار جدلا كبيرا خاصة وأن العديد من المسؤولين قد شعروا أن هذه الخطوة كانت غير ضرورية. وفي سنة 2012، نشرت صحيفة “دير شبيغل” تفاصيل كشفت من خلالها كيف كان المهندسون الألمان على دراية بأن الغواصات من طراز “دولفين” كانت ستستعمل كجهاز لإيصال الأسلحة النووية.
وقد أثارت هذه التفاصيل بدورها بعض الجدل في صفوف العامة، خاصة وأنه من المفترض أن تكون المستشارة الألمانية ميركل قد وافقت على البيع مقابل وعود، لم تتحقق، من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بتبني سياسات توفيقية تجاه الفلسطينيين. ومع ذلك، استقبلت “إسرائيل” غواصتين من طراز “دولفين”، وهما “رهاف” أو “نبتون” و”تانين” أو “التمساح” وفي انتظار “داكار”، الغواصة الثالثة، التي من المتوقع أن تصل إلى “إسرائيل” سنة 2018 أو 2019.
في الوقت الحالي، تعتبر الغواصة الصينية التي تعمل بنظام “منظومة الدفع اللاهوائية” نوع 32، الغواصة الوحيدة التي تعمل بهذا النظام والمسلحة بالصواريخ الباليستية.
تستند الغواصة من طراز “دولفين 2” التي يبلغ وزنها 2400 طن على الغواصة فائقة التطور من طراز “تايب 212″، التي تتميز بتكنولوجيا منظومة الدفع اللاهوائية، وتسبح بسرعة تفوق 25 عقدة. في حين تعتمد الغواصات التي تعمل بوقود الديزل على مولدات الوقود الصاخبة التي تستهلك الهواء الذي يتطلب أن تطفو الغواصة وتغطس بشكل منتظم، ويمكن للغواصات التي تعمل بنظام منظومة الدفع اللاهوائية، الغوص تحت الماء بهدوء شديد وبسرعة منخفضة لأسابيع في كل مرة.
عموما، لا يعني ذلك فقط أن هذه الغواصات تستعمل بمثابة منصات سرية للتحكم في البحار، بل يجعلها أكثر نجاعة في الدوريات المطولة للردع النووي. وفي الوقت الحالي، تعتبر الغواصة الصينية التي تعمل بنظام “منظومة الدفع اللاهوائية” نوع 32، الغواصة الوحيدة التي تعمل بهذا النظام والمسلحة بالصواريخ الباليستية.
على الرغم من ذلك، وكما يشير كاتب زميل في المعهد عبر الوطني، يدعى روبرت إيلي، تقلل العقبات الجغرافية من التطبيق العملي للردع النووي الإسرائيلي المتواجد في البحر. في الوقت الراهن، لا يوجد سوى هدف واحد تركز عليه “إسرائيل”، وهو إيران البلد الذي يبعد مئات الأميال عن “إسرائيل”. وعلى الرغم من إمكانية وصول صواريخ الغواصة الإسرائيلية التي يبلغ مداها 930 ميلا إلى طهران انطلاقا من قاعدتها في حيفا إلى البحر الأبيض المتوسط، إلا أن الصواريخ ستضطر إلى قضاء أكثر من ساعة في التحليق فوق سوريا والعراق، الأمر الذي يطرح العديد من التحديات الملاحية خاصة فيما يتعلق بقدرة الصواريخ على الوصول إلى الهدف.
في المقابل، هناك مكان أقرب للخليج العربي يمكن أن تشن منه “إسرائيل” هجماتها، إذ يشمل إما نقل الغواصات عبر قناة السويس التي تسيطر عليها مصر، حول أفريقيا التي تعتبر مسافتها بعيدة بالنسبة للغواصات من طراز “دولفين”، أو تمركز بعضها في القاعدة البحرية المتواجدة في مدينة إيلات التي تطل على خليج العقبة على الطرف الجنوبي لـ”إسرائيل”وتحيط بها كل من مصر والأردن والمملكة العربية السعودية. باختصار، يتطلب نشر غواصات إسرائيلية إلى الجناح الجنوبي لإيران التعاون والدعم اللوجستي من دول شرق أوسطية أخرى قد تكون غير واردة في سيناريو الأزمات.
ربما يكون فارلي محقا في قوله إن الصواريخ الجوالة التي تطلق من الغواصات والمجهزة برؤوس نووية ليست نشيطة مقارنة بمنصات الأسلحة النووية الأخرى في تل أبيب. وفي هذا الشأن، لا تواجه “إسرائيل” في الوقت الحالي أي خصوم يمتلكون قدرات نووية لتقوم بردعهم. ومع ذلك، وعلى غرار قدرة الهجمات الثانية في العموم، قد يكون تهديد الأسلحة النووية التي تطلقه “إسرائيل” عبر البحر سلاحا سياسيا أكثر من كونه سلاحا مخصصا تماما لفعاليته العسكرية.
المصدر: ناشيونال إنترست