هل ولدت “مبادرة التوافق الوطني” لإسلاميي الجزائر ميتة؟ هل قضي عليها في المهد، وهي عبارة عن أفكار لم تنضج بعد، بعد تأكيد نائب وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش الشعبي الجزائري الفريق أحمد قايد صالح أن “مؤسسة الجيش ترفض الزج بها في الصراعات السياسية”، الذي جاء متماهيًا مع رد الأمين العام لحزب جبة التحرير الوطني الحاكم جمال ولد عباس عندما شدد على وجود تحفظات، قائلًا: “لا رجعة بشأن هذه التحفظات التي تبقى قائمة حتى تغير “حمس” من رؤيتها، وإلا فلن نتواصل معها بشأن المبادرة”، في إشارة إلى دعوة الجيش للتدخل من أجل قيادة الجزائر قبل تسليمها إلى مسؤولين يتم الاتفاق بخصوصهم من طرف الجميع.
عبد الرزاق مقري: “المؤسسة العسكرية هي الضامن لانتقال ديمقراطي وسلس وآمن للسلطة”
وكانت حركة مجتمع السلم ثمنت، يوم أمس، مبدأ التوافق الذي تقدمت به مبادرة التوافق الوطني، وفق بيان نشره الموقع الرسمي لـ”حمس” على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، مؤكدة أنها “فرصة جديدة لا ينبغي أن تهدر لحل الأزمة المتعددة الأبعاد من أجل جزائر آمنة ومستقرة ونامية”، معتبرة أن “الانتخابات الرئاسية القادمة 2019 فرصة للتغيير وفتح الأفق السياسي على قاعدة التوافق والديمقراطية”.
أزمة متعددة الأبعاد
أكد رئيس حركة مجتمع السلم (الحزب الإسلامي الأكبر في الجزائر) عبد الرزاق مقري، أن حركته ترى أن المؤسسة العسكرية الضامن لانتقال ديمقراطي وسلس وآمن للسلطة”، مشيرًا في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية، عن “مبادرة التوافق الوطني” المقترحة التي أثارت جدلًا واسعًا في الجزائر، أن “نقاشًا موسعًا بمشاركة الجميع، دون استثناء، وذلك للاتفاق على اختيار رئيس جمهورية توافقي ورئيس حكومة توافقي كذلك، إلى جانب رؤية إصلاحية سياسية واقتصادية، وهؤلاء سيتولون المسؤولية لعهدة كاملة أي خمس سنوات، آملين أن ننجح في بلوغ هذا التوافق الوطني”.
القيادي الإسلامي عبد الرزاق مقري
وشدد عبد الرزاق مقري بأن حركته لا علم لها بمدى قبول المؤسسة العسكرية بهذه المبادرة الوطنية، مضيفًا “نتمنى أن يدرك ويستشعر الجميع خطر المرحلة التي نعيشها، سنتصل بالجميع، من الناحية النظرية المبدئية الكل موافق، لكن التنفيذ يحتاج لإرادة سياسية، ونحن نرفض كلية التأويل بأن دعوتنا قد تكون بداية محاولة لجر الجيش للدخول في صراع مع الرئاسة عن السلطة”.
نائب وزير الدفاع يدعو إلى عدم إقحام مؤسسة الجيش في المتاهات أو الزج بها في الصراعات السياسية
وأوضح مقري قائلاً: “إذا رفضت السلطة مقترحنا، وصمم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على الترشح مجددًا للانتخابات الرئاسية، فهذا يعني فشل المبادرة، وأنها ستلحق بمصير غيرها من المبادرات التي أجهضت من قبل، وحينها، لا بد أن يكون مطلبنا جميعًا، معارضة ومجتمعًا مدنيًا ومؤسسات، إيجاد ضمانات بنزاهة الانتخابات، وتحميل رئيس الجمهورية والحكومة كل المسؤولية في سبل تحقيق ذلك، وعدم الإخلال به”.
مؤسسة الجيش تغلق الأبواب و”حمس” تؤيد
لأن المؤسسة العسكرية لا تريد أن تدخل في صراع مع رئاسة الجمهورية، فقد أكد نائب وزير الدفاع ورئيس أركن الجيش الجزائري الفريق أحمد قايد صالح “التزام الجيش بمهامه الدستورية”، داعيًا إلى عدم إقحام مؤسسة الجيش في المتاهات أو الزج بها في الصراعات السياسية، في إطار الرد على دعوات إلى الجيش بالتدخل في عملية الانتقال الديمقراطي وفق “مبادرة التوافق الوطني” التي اقترحتها حركة مجتمع السلم.
وحذر أحمد قايد صالح من الحديث باسم المؤسسة العسكرية، مؤكدًا أنه لا وصاية على الجيش، فالمؤسسة تتلقى توجيهاتها من لدن رئيس الجمهورية ووزير الدفاع، مشددًا على ضرورة التزام الطبقة السياسية بالمهام الموكلة إليها في متابعة قضايا الشعب.
وفي تصريح إعلامي لوسائل إعلام جزائرية محلية، أكد رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري تأييده لما جاء في كلمة نائب وزير الدفاع، مشيرًا إلى أن الجيش الوطني الشعبي جيش يعرف حدوده، بل ونطاق مهامه الدستورية، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إقحامه في المتاهات الحزبية والسياسية والزج به في صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل.
أشار مقري إلى أن حركته لم تدخل في مناكفة مع أي حزب حول دور الجيش، داعيًا إلى وقف المزايدات باسم المؤسسة العسكرية
وقال إن حركته لا تشعر بأنها معنية بهذا الرد، لأنها لم تدع الجيش إلى التدخل، بل تحدثت في سياق عرض المبادرة، مؤكدة أن دور المؤسسة العسكرية في التوافق الوطني هو المساهمة في ضمان حماية التوافق إذا حصل بين الجزائريين.
وأشار مقري إلى أن حركته لم تدخل في مناكفة مع أي حزب حول دور الجيش، داعيًا إلى وقف المزايدات باسم المؤسسة العسكرية، معتبرًا أن الجيش الوطني الشعبي جيش كل الجزائريين وأن قوته ومناعته، هي قوة ومناعة الجزائر، ودعمه والالتفاف حوله في مهامه الدستورية واجب كل الجزائريين.
لكن رئيس “حمس” اتهم في تدوينة على موقعه الرسمي على “فيسبوك”، من أسماهم بـ”نخب وكيانات من التيار العلماني”، ودون “معروفة لدى المطلعين بصفقاتها الخفية، بل بعضها لم يوجد، ولم يعرف إلا بترتيبات سرية قديمة، أخافهم كثيرًا الحراك الذي صنعته مبادرتنا، فظنوا بأن ثمة صفقة ما عقدتها حركة مجتمع السلم، على مقربة من الانتخابات الرئاسية”.
ولد عباس: “لدينا تحفظات على مبادرة التوافق الوطني ونطالب بمراجعتها”
وأضاف عبد الرزاق مقري “فليطمئنوا، لا توجد أي صفقة، إنما هي مبادرة لمصلحة الوطن، وهي حركة مناضلة متجذرة في كامل التراب الوطني، لا تستمد قوتها من أي دعم خارج ذاتها، تضمن وجودها وتفرض احترام الناس لها بتجردها ووطنيتها وتضحياتها ونشاطها ومبادراتها وبتمسكها بأصالة وهوية بلدها وبنبذها للفساد وللجهوية والعرقية والتطرف بكل أشكاله.
جبهة التحرير تتماهى مع الجيش
شدد الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس، على تسجيل حزبه لتحفظات بشأن “مبادرة التوافق الوطني” التي أطلقتها حركة مجتمع السلم، مؤكدًا أنه لن يغير رأيه، لتكون له رؤية أخرى، إلا إذا غيرت “حمس” من رؤيتها للتوافق وتراجعت عن بعض ما جاء في مبادرتها.
وأوضح ولد عباس، في تصريحات صحفية، أن حزبه يتحفظ على بعض النقاط، مؤكدًا أنه “لا وصاية على الجيش الجزائري”، ومشيرًا إلى أن التوجيهات والتعليمات وأوامر الجيش الوطني الشعبي، تأتي من عند رئيس الجمهورية بصفته وزير الدفاع الوطني والقائد الأعلى للقوات المسلحة، داعيًا إلى عدم الزج بالمؤسسة العسكرية في المتاهات السياسية لأن دورها منصوص عليه في الدستور ومحدد.
ويأتي تصريح ولد عباس متماهيًا مع تصريحات نائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح الذي شدد على أن المؤسسة العسكرية بعيدة عن المناكفات السياسية.
من جانبه، أشار عبد القادر بن قريبة رئيس حركة البناء الوطني إلى أنه يرحب بكل ما يقرب الجزائريين، رغم أن حزبه يعد هو الآخر مبادرة وطنية، وقال لـ”الجزائر الآن”: “نحن ننأى بالمؤسسة العسكرية عن أي سجالات سياسية، ولا نزج بها في الأوحال السياسية”.
قال بن قريبة، في إشارة إلى “حمس”: “هناك أحزاب تعد نفسها من دعاة النظام الديمقراطي، أضلت الطريق واختارت السير على نهج خاطئ ولا يؤدي إلى أي نتيجة للتحايل على هذا الشرط الأساسي لأي مخرج من الأزمة”
أما التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، فأكد أن مبادرة “حمس” لا جدوى منها، داعيًا إلى عدم تعقيد الوضع بمبادرات لا جدوى منها، رافضًا مشاركة الجيش في أي عمل سياسي، ومشددًا على أن تشريك الجيش لا يمكن أن يشكل حلاً معقولاً وذات مصداقية للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد.
وقال بن قريبة، في إشارة إلى “حمس”: “هناك أحزاب تعد نفسها من دعاة النظام الديمقراطي، أضلت الطريق واختارت السير على نهج خاطئ ولا يؤدي إلى أي نتيجة للتحايل على هذا الشرط الأساسي لأي مخرج من الأزمة”.
انتخابات ربيع 2019
لا عنوان لهذا السجال الدائر في الساحة السياسية الجزائرية سوى الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في ربيع 2019، ولا حديث إلا عن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وصحته ومدى قدرته على القيام بمهامه كرئيس للدولة، وهل سيترشح للمرة الخامسة، أم أنه سينسحب تاركًا مكانه لشخصية أخرى تفرضها الانتخابات، ولهذه الأسباب فإن الحراك السياسي لا يخرج عن دائرة الانتخابات الرئاسية وتعويض بوتفليقة، ويعتبر بوتفليقة أطول رؤساء الجزائر حكمًا بعد أن تربع على عرش السلطة منذ أبريل 1999.
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة
وفي خضم الحديث عن خلافة بوتفليقة، طالبت 14 شخصية جزائرية معارضة بعدم الاستجابة لدعوات ترشيحه لولاية خامسة، لأن ذلك سيكون “محنة له وللبلاد”، في رسالة وجهتها له شخصيات سياسية وحقوقية في مايو الماضي، من بينهم رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور، والروائي المشهور ياسمينة خضرة، ورئيس حزب “جيل جديد” جيلاني سفيان.
وقال الموقعون على الرسالة: “قوى خبيثة تجتمع لدفعكم نحو طريق العهدة الخامسة”، منبهين بوتفليقة إلى “الخطأ الجسيم الذي قد تقترفونه إن رفضتم صوت الحكمة الذي يخاطب الضمير في الأوقات المصيرية”.
وصل بوتفليقة إلى سدة الرئاسة في الجزائر في انتخابات أبريل 1999، ثم انتخب في ثلاث ولايات جديدة في 2004 و2009 و2014، ولم يتبق من عهدته الرابعة سوى عام واحد تقريبًا
ودعوه إلى “التخلي عن الولاية الخامسة”، مؤكدين أنه القرار الوحيد الذي يمكن أن يفتح حقبة جديدة للبلاد، وناشد حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الترشح لولاية خامسة العام القادم، لكن بوتفليقة لم يعلن إلى حد الآن نيته الترشح أو الانسحاب من الحياة السياسية.
ووصل بوتفليقة إلى سدة الرئاسة في الجزائر في انتخابات أبريل 1999، ثم انتخب في ثلاث ولايات جديدة في 2004، و2009، و2014، ولم يتبق من عهدته الرابعة سوى عام واحد تقريبًا، إذ ينتظر أن تجرى الانتخابات الجزائرية في أبريل أو مايو 2019.