تقع أراضي جمهورية قره شاي شركيسيا البالغة 14 ألفًا و300 كيلومتر، على مشارف جبال القوقاز الشمالية الغربية، وإلى الشرق والشمال من جبل إلبروس، ويحدّها إقليم كراسنودار من الغرب، وجمهورية قبردينو بلقاريا من الجنوب الشرقي، وإقليم ستافروبول من الشمال الشرقي، وتمتدّ حدودها الجنوبية على طول سلسلة جبال القوقاز مع جورجيا وأبخازيا.
نتتبّع تاريخ هذه الجمهورية ضمن ملف “ديار الإسلام في روسيا”، وفيه نسرد تاريخ منطقة سيبيريا إلى جانب جمهوريات شمال القوقاز التي تضمّ الشيشان وإنغوشيا وداغستان وقبردينو بلقاريا وقره شاي شركيسيا، وجمهوريتَي تتارستان وبشكيريا، وهي أقاليم روسية تقطنها غالبية مسلمة، يقدَّر عددها بنحو 25 مليونًا.
نستعرض في كل جمهورية أهم خصائصها الاجتماعية والدينية، ونمرّ على التحديات والمنعطفات التي شكّلت تاريخها وطبيعتها وموقعها في العالم على جميع الأصعدة، ونبيّن طبيعة العلاقات بين سكانها وأنظمتهم الحاكمة، وكل ذلك داخل إطار النفوذ الروسي.
التنوع العرقي والديني في قره شاي شركيسيا
قره شاي شركيسيا رغم صغر حجمها، هي واحدة من أعقد وأكثر المناطق تنوعًا عرقيًا ودينيًا في شمال غرب القوقاز، وللجمهورية 5 لغات رسمية هي الروسية والشركسية القباردية والأباظة والقراتشاي البلقارية والنوغاي، ويعتنق 64% من سكانها الإسلام ويتبعون المذهب الحنفي، و13% يتبعون الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
حسب إحصاء عام 2024، فقد بلغ عدد السكان 468 ألفًا و400 نسمة، يشكّل القراشاي الجزء الأكبر بنحو 44.38%، يليهم الروس 27.55%، ثم الشركس 13%، وآخرون 15%، كما تضمّ الجمهورية أيضًا أعدادًا كبيرة من السكان الأصليين من الأباظة الذين يرتبطون بالشركس والأبخاز، وكل مجموعة عرقية تعيش في منطقة منفصلة.
وفي حين يتمركز القراشاي في المرتفعات والمناطق الواقعة عند سفوح الجبال في الجانب الشرقي من الجمهورية، يعيش الشركس في الأراضي المنخفضة، كما يعيش الروس في السهول غرب الجمهورية، وكقاعدة عامة فإن التقسيم الإداري في مناطق قره شاي شركيسيا وفقًا للهيكل العرقي.
قره شاي شركيسيا تشبه إلى حد بعيد جمهورية قبردينو بلقاريا، ففيما يشكّل القبارديون الشركس الأغلبية في قبردينو بلقاريا يشكّل البلقاريون الأقلية، لكن في قره شاي شركيسيا فإن التركيبة العرقية معكوسة، ورغم أن القراشاي والبلقار من أصل واحد ونفس الشعب الناطق بلغة تنتمي إلى مجموعة اللغات التركية في شمال القوقاز، إلا أنهم يعيشون في جمهوريتَين متجاورتَين، نتيجة تقسيم السوفيت لهذه المنطقة بشكل مصطنع في ثلاثينيات القرن العشرين.
داخل قره شاي شركيسيا
تتمتع قره شاي شركيسيا بوفرة من المعادن والموارد الطبيعية كالذهب والرخام والفحم والطين، وخاصة الموارد المائية، إذ يتدفق عبر أراضيها 172 نهرًا صغيرًا وكبيرًا، ويوجد فيها 130 بحيرة والعديد من الشلالات الجبلية، بجانب الغابات المتساقطة والمختلطة، كما تتمتع بثروة حيوانية وإنتاج زراعي وفير، إذ يوجد بها أكثر من 1260 نوعًا من النباتات الطبيعة.
تعدّ قره شاي شركيسيا مهدًا للسياحة وجنة لعشاق المعالم والمحميات الطبيعية والجبال، إذ تغطي الجبال نحو 80% من أراضي البلاد، ورغم البيئة الطبيعية القوية ووفرة المياه والزراعة ورعي الماشية والسياحة الجبلية، فإن البلد يعيش أزمة اجتماعية واقتصادية عميقة، فالفقر منتشر على نطاق واسع، وتعاني البلاد من الفساد وارتفاع معدلات البطالة، حيث 25% من سكانها يعيشون تحت خط الفقر.
مؤخرًا، تدهور الوضع الديموغرافي في قره شاي شركيسيا بشدة، بسبب انخفاض معدل المواليد مع زيادة متزامنة في معدل الوفيات، إضافة إلى هجرة السكان، فقد أدّى إغلاق العديد من الصناعات في قره شاي شركيسيا إلى ترك عدد كبير من العمال المهرة والمهندسين وغيرهم من المتخصصين أعمالهم، والمغادرة للعمل في وسط روسيا وأوروبا.
اليوم تستغل روسيا فقر الشباب في قره شاي شركيسيا من أجل حثّهم على التطوع في جيشها في الحرب بأوكرانيا، وتدفع موسكو مبالغ مقدمة تصل إلى 2 مليون روبل (20 ألفًا و300 يورو) عندما يوقع الشباب في قره شاي شركيسيا عقدًا مع وزارة الدفاع للقتال في أوكرانيا.
ومن الجدير بالذكر أن قره شاي شركيسيا هي المنطقة الوحيدة في شمال القوقاز التي لا يوجد فيها مطار، ولا ترتبط بموسكو سواء عن طريق خط جوي أو سكك حديدية، وما زالت تكافح لإنشاء مطار خاص بها.
أما العشائر فتشكّل عنصرًا هامًّا في سياسة البلد، وما زالت الأعراف والتقاليد المحلية فيما يتعلق بالتعايش والحياة المجتمعية قوية إلى حد بعيد، ويشكّل القراشاي الناطقون بالتركية أغلبية ويسيطرون على الكثير من أجهزة الحكومة، كما يتمتع الشركس والأباظة أيضًا بهياكل قوية ومنظمة بشكل جيد، رغم أنهم أقلية.
فضلًا عن ذلك، تتمتع العديد من العرقيات الأخرى بوضع شبه مستقل داخل الجمهورية. لكن العلاقات العرقية في قره شاي شركيسيا لا تزال تهيمن عليها الخصومات، وتظهر أحيانًا في نوبات غضب ومواجهات وشجارات جماعية وخطابات تهديدية. وبسبب التنوع العرقي في الجمهورية، إلى جانب غياب المؤسسات الديمقراطية المستقرة، فإن التعبئة العرقية أمر شبه حتمي.
يمكن إرجاع العديد من هذه الصراعات إلى الحدود الجديدة والهياكل السياسية والإدارية التي فرضها السوفيت والروس، والتي تجاهلت التركيبة العرقية المعقدة، وقسّمت بعض المجتمعات، ومنحت مجتمعات أخرى الحكم الذاتي، بينما حرمت العديد من الاتحاد، كما أدّت عمليات إعادة التوطين وتهجير مجموعات سكانية بأكملها إلى تفاقم العلاقات بين هذه العرقيات.
الحقبة القيصرية
في عشرينيات وثلاثينيات القرن الثالث عشر، هاجم المغول أراضي قره شاي شركيسيا، ثم في تسعينيات القرن الرابع عشر دمّرت الحملات العسكرية لتيمورلنك في شمال القوقاز العديد من قرى ومدن قره شاي شركيسيا.
مسَّ الإسلام قره شاي شركيسيا منذ تحركاته الأولى في شمال سلسلة الجبال، لكن فترات انتشار الإسلام غمرت البلد عن طريق الدولة العثمانية وتتار القرم خلال أواخر العصور الوسطى وأوائل العصر الحديث، وبدأ الإسلام يحل محل المسيحية في قره شاي شركيسيا.
في القرن الخامس عشر تشكلت إمارة القراشاي، وتطورت تحت تأثير تركيا العثمانية وخانية القرم في أوائل العصر الحديث، ثم في القرن الثامن عشر شهدت منطقة شمال القوقاز صراعًا سياسيًا وعسكريًا بين روسيا وتركيا.
هجّر السوفيت ما يقرب من 70 ألفًا من القراشاي إلى كازاخستان وأوزبكستان، حيث قضوا السنوات الـ 14 التالية كعمال عبيد، ومات منهم ما بين 13 ألف و19 ألف إنسان
بدأ الجيش الإمبراطوري الروسي في التقدم بشكل منهجي إلى أراضي قره شاي شركيسيا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وبعد عدة اشتباكات عسكرية هزمت القراشاي في معركة دامية عُرفت باسم “خاساوكينسك” عام 1828، وتمّ ضمّ إمارة القراشاي إلى روسيا، وأجبرت النخبة على أداء قسم الولاء للإمبراطورية الروسية.
اتخذ شيوخ القراشاي خطوات للحيلولة دون وقوع مذابح في قراهم، وأجروا مفاوضات مع الروس أسفرت عن الاتفاق على ضمّ أراضي قره شاي إلى الإمبراطورية الروسية، مقابل السماح للقراشاي بتنظيم إدارة محلية خاصة بهم.
مع ذلك، لم تتمكن روسيا من فرض كامل حكمها على قره شاي شركيسيا إلا بحلول عام 1864، وقد استغرقت في غزوها لشمال القوقاز أكثر من قرن، من الغزوات الأولية التي شنّها بطرس الأكبر على طول ساحل بحر قزوين إلى القهر الوحشي الذي مارسته روسيا على المرتفعات الشمالية الغربية في ستينيات القرن التاسع عشر.
وبسبب عمليات الإبادة الروسية تجاه القراشاي، هاجر العديد منهم إلى أجزاء مختلفة من الإمبراطورية العثمانية في ستينيات وسبعينيات القرن التاسع. وبحلول ستينيات القرن التاسع عشر، بدأ المستوطنون القوزاق في الوصول إلى أراضي قره شاي شركيسيا، وأسّسوا عدة قرى كبيرة، وفي الوقت نفسه ظهرت مستوطنات لليونانيين والأوسيتيين وحتى قرى يهودية.
هكذا تغير التكوين العرقي لمنطقة قره شاي شركيسيا بشكل جذري مع الغزو الروسي العنيف (عام 1828 وما بعده)، وبحلول عام 1939 كانت منطقة قره شاي شركيسيا ذات أغلبية روسية.
المشنقة السوفيتية
عندما أسّست شعوب شمال القوقاز جمهورية الجبل عام 1918، قام السوفيت بحلها عام 1924، وبدلًا منها أنشأ الروس 6 مناطق ودمجوا شعوبًا من أعراق ولغات مختلفة بشكل تعسفي في كيانات لم تكن موجودة من قبل، مثل القبارديين والبلقار أو الشركس والقراشاي.
في عام 1920 تم تقسيم مناطق القراشاي إلى نصفين، ثم في يناير/ كانون الثاني 1922 ضمّ السوفيت أجزاءً من منطقتي قره شاي وشركيسيا معًا، وذلك وفقًا لتكتيكات ستالين المتمثلة في تقسيم المجموعات العرقية وجمعها في وحدات إدارية أصغر، لإضعاف أي تحدٍّ للسلطة المركزية. وكجزء من هذا النمط، غيرت المنطقتان اسميهما وحدودهما بشكل متكرر في العهد السوفيتي.
تجنّبت قره شاي شركيسيا الحرب الأهلية بصعوبة بالغة، لكن ظلت العلاقات بين الشركس والقراشاي عدائية، واقتربت الدولتان الجارتان اللتان كانتا طيبتين في السابق من الحرب الأهلية في أكثر من مناسبة منذ عام 1991
رغم أنه لم يكن من المنطقي رسم حدود حول المتحدثين بالشركسية والمتحدثين بالتركية في شمال غرب القوقاز، وتجميع كل منهم في وطن منفصل، فقد قامت القيادة السوفيتية بدمجهم في وحدات إدارية تعسفية، الشركس والقراشاي في واحدة، والكبارديين والبلقاريين في أخرى، ما أدّى في النهاية إلى ظهور جمهوريات قره شاي شركيسيا وقبردينو-بلقاريا.
تأثر القراشاي بشدة بالتطهير الستاليني في فترة 1936-1938، وخلال الحرب العالمية الثانية اتهم السوفيت البلقار والقراشاي بالتعاون مع الجيش الألماني أثناء تقدمه إلى وسط القوقاز عام 1942.
واستنادًا إلى اتهامات لا أساس لها، حاصر أكثر من 60 ألف جندي سوفيتي قرى القراشاي، وأجبروا جميع السكان ومعظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، على ركوب عربات الماشية تحت تهديد السلاح بسبب تعاونهم المزعوم مع النازيين، وأعلن الروس أن القراشاي أمة خائنة، في حين كان يقاتل 20 ألف جندي من القراشاي في الجيش الأحمر، وهي حقيقة اختارت السلطات السوفيتية عدم الإعلان عنها.
هجّر السوفيت ما يقرب من 70 ألفًا من القراشاي إلى كازاخستان وأوزبكستان، حيث قضوا السنوات الـ 14 التالية كعمال عبيد، ومات منهم ما بين 13 ألف و19 ألف إنسان، كما تم تقسيم معظم أراضي قره شاي شركيسيا بين إقليم ستافروبول وجمهورية جورجيا، واجتاحها مستوطنون جدد.
في أواخر خمسينيات القرن العشرين بعد موت ستالين، سُمح للقراشاي بالعودة إلى ديارهم، لكن عودة القراشاي كانت أكثر إشكالية، فقد وجدوا أماكنهم الأصلية ومساحات كبيرة من أراضيهم استوطنها آخرون، كما أدّت هجرة الروس وغيرهم من الشعوب السلافية إلى زيادة حصة المسيحيين الأرثوذكس في قره شاي شركيسيا.
بدلًا من أراضيهم التي احتلها الجورجيون، استقر العديد من القراشاي في الأراضي المنخفضة إلى جانب القرى الروسية والشركسية والأباظية، كما شعروا بالغضب إزاء استمرار التمييز ضدهم من جانب السوفيت. ومرة أخرى تمّ تعديل الأراضي والحدود، وتزايدت التوترات العرقية التي لا تزال قائمة حتى اليوم.
ما بعد الاتحاد السوفيتي
في عام 1989 كانت قره شاي شركيسيا منطقة تتمتع بالحكم الذاتي داخل إقليم ستافروبول، وكان المزيج العرقي في المنطقة معقدًا ومتناقضًا، فقد بلغ عدد السكان 414 ألفًا و970 نسمة، وكان الروس والقوزاق يشكلون 42% والقراشاي يمثلون 31%.
كما كانت هناك أيضًا مجموعات صغيرة من الأوسيتيين، والعديد من اللاجئين الأرمن من زلزال سبيتاك عام 1988 الذي دمّر أرمينيا، ولم يكن أحد سعيدًا بالوضع الراهن، وكان من المحتم أن تندلع الصراعات في أفضل الظروف.
لكن مشاكل أخرى جعلت الأمور أسوأ، فلم تشهد البنية الأساسية أي تحديث منذ أيام ستالين، وكان أغلب السكان الأصليين يعيشون في قرى على مستوى الكفاف، كما أدى إلقاء المعادن الثقيلة وغيرها من السموم إلى تلويث العديد من الأنهار، والأهم الخلافات الكبرى بشأن توزيع الأراضي، خاصة بين القراشاي والقوزاق، والتي اشتعلت منذ الخمسينيات.
شعر القراشاي أنهم لم يحصلوا على تعويض مناسب عن معاناتهم أثناء التهجير، وأصبحوا سكانًا ساخطين، وطيلة عامي 1989 و1990 مارسوا ضغوطًا متزايدة من أجل الحكم الذاتي داخل مناطقهم، ثم أعلنوا إنشاء جمهورية القراشاي في 9 يونيو/ حزيران 1990، وطالبوا بفصل بلقاريا عن جمهورية قبردينو بلقاريا وإعادة توحيدها مع الجمهورية التي أعلنوا عنها.
تتحكم موسكو في المناخ الديني بالجمهورية من خلال مراقبة التعيينات الدينية والمواقع الإلكترونية، كما يتم تأطير الزعماء والحركات الإسلامية المستقلة على أنها متطرفة دينيًا أو وهابية
بعد إعلان القراشاي الحكم الذاتي، رد القوزاق باقتراح إنشاء قره شاي شركيسيا كجمهورية مستقلة تحت هيمنة الاتحاد الروسي، كما أراد الشركس، وهم مجموعة صغيرة نسبيًا بنسبة حوالي 12%، فصلهم عن قره شاي شركيسيا وانضمامهم إلى قبردينو بلقاريا.
مع تفكُّك الاتحاد السوفيتي، انفصلت قره شاي شركيسيا عام 1990 عن منطقة ستافروبول لتشكّل وحدة إدارية جديدة داخل الاتحاد الروسي، لكن مرّت قره شاي شركيسيا بأوقات مضطربة وصراعات عرقية واشتباكات مسلحة طوال تسعينيات القرن العشرين، رغم إجراء استفتاء 28 مارس/ آذار 1992 الذي صوّت فيه أغلبية السكان ضد تقسيم قره شاي شركيسيا.
تجنّبت قره شاي شركيسيا الحرب الأهلية بصعوبة بالغة، لكن ظلت العلاقات بين الشركس والقراشاي عدائية، واقتربت الدولتان الجارتان اللتان كانتا طيبتين في السابق من الحرب الأهلية في أكثر من مناسبة منذ عام 1991.
لا توجد معلومات كثيرة عن الصراع التاريخي بين القراشاي والشركس، إذ لا تذكر الوثائق الروسية أي أعمال عدائية بين العرقيتَين اللتين يبدو أنهما كانتا جارتَين ودودتَين وتمتعتا تقليديًا بعلاقات طيبة للغاية، لكن من المرجّح أن الصراع نشأ بسبب قضية توزيع الروس للأراضي، وتداعيات تهجير القراشاي في الحرب العالمية الثانية.
المناخ الديني تحت الهيمنة الروسية
خلال تسعينيات القرن العشرين، كانت قره شاي شركيسيا من بين المناطق الأولى في الاتحاد الروسي التي شهدت صعودًا للجماعات الإسلامية، فحين ذهب العديد من قره شاي شركيسيا للقتال إلى جانب الشيشانيين تعرّفوا على السلفيين، ثم عادوا إلى قره شاي شركيسيا حاملين معهم الأيديولوجية السلفية، واصطدموا بعد ذلك برجال الدين التقليديين الذين نظروا سلبًا إلى الفكر السلفي.
واليوم توجد مجموعات سلفية قوية في قره شاي شركيسيا، ويزداد الصراع بين الأصوليين من جهة، والمحافظين والسلطات من جهة أخرى، وترفض السلطات أي حوار مع السلفيين الذين تزداد قوتهم، وتحاربهم السلطات المحلية وممثلو الإسلام الرسمي بذريعة مكافحة الإرهاب والوهابية.
تتحكم موسكو في المناخ الديني بالجمهورية من خلال مراقبة التعيينات الدينية والمواقع الإلكترونية، كما يتم تأطير الزعماء والحركات الإسلامية المستقلة على أنها متطرفة دينيًا أو وهابية، ومؤخرًا استجابت سلطات قره شاي شركيسيا لموسكو بحظر ارتداء النقاب، ويرى العديد من أهل قره شاي شركيسيا أن حملات حظر النقاب تهدف إلى حظر ارتداء الحجاب وقمع النشاط الإسلامي.
بجانب ذلك، يسعى الروس إلى تقليص أو تغييب اللغات الأصلية في قره شاي شركيسيا، ومؤخرًا عدّلت الأخيرة المادة 5 من الدستور بشأن اللغة، ونصّت على أن اللغة الروسية هي لغة التدريس الأساسية في المدارس، وتمّ التأكيد على أن تدريس أي لغة من لغات الجمهورية لا يجب أن يتم على حساب اللغة الروسية. واليوم تستخدم اللغة الروسية في معظم الهيئات والمنظمات والشركات والمؤسسات الحكومية.
في السنوات الأخيرة، أصبحت قره شاي شركيسيا هادئة نسبيًا فيما يتعلق بالنشاط الانفصالي، عكس قبردينو بلقاريا المجاورة، ومعظم جمهوريات شمال القوقاز الأخرى التي شهدت تمردًا مستمرًّا، لكن نشاط الانفصاليين والجماعات المسلحة في قره شاي شركيسيا ما زال موجودًا رغم تضاؤله.
ورغم انخفاض مستوى الاهتمام الإعلامي بإقليم قره شاي شركيسيا في السنوات القليلة الماضية، فقد شهدت الجمهورية احتجاجات جماهيرية وأحداثًا متقلبة للغاية خلال العقدين الماضيين أدت إلى الإطاحة بحاكمها، واليوم تعيش في ظلّ الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي ألحقها الروس خاصة بالقراشاي والشركس.