بات الوضع السياسي في تونس متوترًا للغاية بسبب الخلافات التي يشهدها حزب نداء تونس وانعكست على المشهد السياسي والحكومة وبالتالي على الدولة، فالحزب الذي من المفترض أن يكون حاكمًا يعيش صراعًا صار علنيًا ومكشوفًا بين شقين كل له وزنه وثقله؛ الأول يقوده نجل الرئيس والمدير التنفيذي للحزب حافظ قائد السبسي، والثاني يقوده رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
هذه الخلافات تطورت بشكل كبير لتتحول إلى معركة كسر عظام بأتم معنى الكلمة، خاصة بعد أن امتدت إلى قصر قرطاج ليصبح رئيس الجمهورية طرفًا فيها رغم تأكيده مرات عديدة كونه محايدًا ورئيس لكل التونسيين ولن يتدخل في الشؤون الحزبية.
أعلن رئيس الهيئة التأسيسية السابق لنداء تونس رضا بالحاج استقالته من الحزب الذي كان أحد أهم مؤسسيه بعد خروجه من النداء ونقصد “تونس أولاً” والعودة إلى حضن الحزب الأم
لكن بسبب أن هذه الأزمة امتدت تبعاتها إلى الدولة ذاتها وصارت تهدد الاستقرار السياسي وبالتالي الاجتماعي وأيضًا لكون نجل الرئيس طرفًا فيها، فإنه قرر التدخل لكن تدخله هذا تجاوز الوساطة والبحث عن حلول توافقية إلى ضرورة الانحياز لطرف ما.
خلال هذا الأسبوع أعلن رئيس الهيئة التأسيسية السابق لنداء تونس رضا بالحاج استقالته من الحزب الذي كان أحد أهم مؤسسيه بعد خروجه من النداء ونقصد “تونس أولاً” والعودة إلى حضن الحزب الأم، وهي خطوة فاجأت الكثيرين خاصة أن بالحاج ما انفك يهاجم نجل الرئيس ويتهمه بصريح العبارة كونه غير مؤهل لقيادة النداء ولا يمتلك مؤهلات سوى أنه ابن رئيس الجمهورية ومؤسس حزب نداء تونس، بل أكثر من هذا فقد اتهمه بأنه يسعى لاستغلال هذه القرابة ليرث قيادة الحزب وحتى السلطة.
لكن فجأة يتحول موقفه كليًا ويقرر العودة لنداء تونس وكأن شيئًا لم يكن ولهذا سبب ومسبب، الأول كونه تلقى عرضًا صريحًا بتحديد موعد لعقد المؤتمر الوطني للحزب الذي سيتم فيه انتخاب قيادة شرعية بعيدًا عن التزكية للأشخاص، والثاني أنه تلقى تطمينًا أيضًا كون الشراكة مع النهضة في طريقها للانتهاء ومعروف عن بالحاج أنه من الرافضين لها.
الساحة الثانية للصراع داخل نداء تونس هي قصر قرطاج، أي بين مستشاري الرئيس وهم من قيادات الصف الأول في النداء الذين انتقلوا معه لمؤسسة الرئاسة ولهم وزن وثقل كبير في التأثير على القرارات بما في ذلك مصير الحكومة ورئيسها، ونحن نتذكر ما حصل من ضغوط على رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد لدفعه للتنحي حيث وصل الأمر لتهديده بمصطلح “التمرميد” ويعني باللهجة التونسية التعرض للإهانة، والمقصود هنا أن أحد مستشاري رئيس الجمهورية بعث إليه برسالة عبر وسيط مفادها “قدم استقالتك وإلا فإنك ستتعرض للتمرميد”.
ما يحصل اليوم في تونس أن النداء أدرك خاصة بعد نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة أنه فقد جزءًا كبيرًا من رصيده الشعبي، وبالتالي فهو يريد استعادته أو استعادة أكبر جزء منه من خلال العودة إلى المربع الأول
هذا السيناريو كان من الوارد إعادته وتكراره مع رئيس الحكومة الحاليّ يوسف الشاهد، لكن هذه المرة حصلت متغيرات أولها أن قسمًا من مستشاري الرئيس إلى جانب الشاهد ويدعمونه رغم ما يتعرضون له من ضغوط، والثاني أن حركة النهضة رفضت هذه المرة القبول بمثل هذه الممارسات وكانت قد تجاوزت عنها سابقًا لتحافظ على الشراكة والتوافق مع النداء أي أنها رفعت ” فيتو” كون استقرار البلاد أهم من الشراكة ولو أنها مهمة وهي متمسكة بها إلى آخر لحظة.
من هنا يمكن أن نفهم طبيعة ما يحصل اليوم في تونس وهو أن النداء أدرك خاصة بعد نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة أنه فقد جزءًا كبيرًا من رصيده الشعبي، بالتالي فهو يريد استعادته أو استعادة أكبر جزء منه من خلال العودة إلى المربع الأول، أي ممارسة نفس الأسلوب وهو تحريك “ماكينة” انتخابية تقوم على معاداة النهضة وإحداث حالة استقطاب ثنائي كما حصل قبل 2014، لذلك نراه يسارع في إعادة قياداته الغاضبة التي خرجت من الحزب وعلى رأسهم رضا بالحاج وقريبًا محسن مرزوق لتكون المرحلة الثانية تحريك “الماكينة” الإعلامية.